المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دبيب حرب أهلية تزحف على العراق منذ قرون



yasmeen
03-01-2006, 09:18 AM
جنكيز شاندار، «بوغون» التركية


الحياة - 01/03/06//


مدينة سامراء، هي، لمن لا يعرفها، إحدى أهم مدن العراق. وترك العباسيون بغداد، عاصمة الخلافة، إليها. وهي تطل على نهر دجلة وتتوسط الطريق البري من بغداد الى الموصل. وتشتهر بقبة ذهبية لمرقد الإمامين علي الهادي وحسن العسكري، من أئمة الشيعة الإمامية والاثني عشرية. وهي مدينة إمامهم المهدي. وعلى رغم سكانها الذين يغلب عليهم السنّة، فهي ثالث «عتبة» شيعية في العراق، بعد كربلاء والنجف. ولكن القبة الذهبية فجرها مجهول. واعتبر الشيعة ان الهجوم يستهدف مقدساتهم وهويتهم. وبدا الحادث مستفزاً جداً، فلم تنفع فتاوى المرجع علي السيستاني هذه المرة، في تهدئة الحال. فاندلع ما قد يكون مقدمة حرب أهلية، شيعية – سنية، في العراق. وهو الاحتمال الأسوأ.

فالحرب الأهلية، اذا اندلعت، عصفت بالعراق وأدخلته دوامة لا يخرج منها. والاتفاق على تشخيص الحال، وخطورتها، يقدم الدواء لهذه الأزمة. واليوم، يبدو السيناريو المخيف هذا أقرب الى التحول واقعاً. وعندما كان الكلام يدور على مخاطر تقسيم العراق، كانت الأنظار، وخصوصاً في تركيا، تتجه الى الأكراد. فيتهمون بالعمل على تقسيم العراق وإقامة دولة كردية، ويلقى اللوم عليهم: ولم يرد أحد أن يرى مصدر الخطر الحقيقي، وهو اندلاع حرب أهلية، في أية لحظة، بين العرب السنّة والشيعة، تجعل عيش الأكراد، الى جانب العرب في العراق، أمراً صعباً، وتوجد مخرجاً شرعياً لانفصال الأكراد عنهم لاحقاً. وعلى تركيا أن تتنبه الى هذا الخطر، وتبني على أساسه استراتيجيتها تجاه العراق، بدل الانشغال بالملف الكردي وحده.

واللافت ان الشيعة، في هذه الحوادث، ألقوا باللائمة على القوات الأميركية، وعلى السفير الأميركي ببغداد، زلماي خليل زاد. وهو كان هدد، قبل يومين من وقوع الحادث، بوقف الدعم عن الحكومة العراقية اذا انفرد بها الشيعة، وأكد ضرورة ألا يتولى أي شيعي على علاقة بالميليشيات الشيعية المسلحة موقعاً مهماً في الحكومة. وذلك في إشارة الى وزير الداخلية، بيان جبر الذي يتهمه السنّة بتشكيل فرق إعدام مشهورة في العراق. فرأى الشيعة، ان السفير الأميركي يتحدث بلسان السنّة، وأن الأميركيين غالوا في دلالهم السنّة على حساب الشيعة. واعتبر بعض الشيعة رأي السفير خيانة جديدة يرتكبها الأميركيون في حقهم، بعد تلك التي ارتكبوها في 1991، حيث تركهم الأميركيون يلقون مصيرهم الدامي أمام الجيش العراقي. وهذا ما حمل، في رأيي، بعض الشيعة الى الاتصال بجماعات المقاومة، أو من يسميهم الأميركيون المخربين.

وواشنطن أخطأت حين اعتقدت أن مشكلات العراق كلها سببها واحد، وهو تسلل الجهاديين اليه، وقتالهم الى جانب الزرقاوي وفلول البعث. فالخطر الأكبر، كما تبدو بوادره اليوم، هو حرب شيعية – سنية تعود بذورها الى ما قبل 14 قرناً. ولعل الأميركيين تنبهوا، أخيراً، الى هذه الحقيقة. ولكن لا يلوح، في الأفق، حل. ولا نعرف كيف تنوي واشنطن التعامل مع هذا الأمر، وكيف تحتويه بعد تجاهله طويلاً. ويدرك المراقبون ان حرباً باردة كانت تدور، منذ وقت طويل، بين السنّة والشيعة في العراق. وسخنت الحرب هذه مع الحرب الأميركية. وإذا تطورت الى حرب حقيقية، فهذا يعني انتهاء العراق الجديد قبل أن يبدأ، ودخول منطقة الشرق الأوسط كلها في عهد جديد من الأزمات التي لا يعرف أحد السبيل الى الخروج منها.

«بوغون» التركية، 26/2/2006

yasmeen
03-01-2006, 09:23 AM
ربما لم يعد الإقتتال الأهلي في العراق غير مسألة وقت!

صالح بشير الحياة - 26/02/06//


هذا مما تعفف النازيون عن اقترافه. أبادوا، قتلوا، اضطهدوا، اقترفوا كل ما هو معلوم للجميع، فظاعة وإجراما، لكنهم أحجموا عن المساس بما يمثل ذاكرة البشرية ومعالمها الفنية والمعمارية ومناط مقدساتها. وهكذا، خرجت آثار روما من الحرب العالمية الثانية، سالمة تقريبا، وكذلك معالم باريس. كان يوجد ما يشبه التوافق الضمني (أو غير الضمني، ما أدرانا؟)، بين المتحاربين في ذلك النزاع الأقصى، والذي لم يوفر وسيلة ولا تردد أمام أداة فتك، على صيانة أرقى رموز الإنسانية وأرفع إبداعاتها.

ربما عاد ذلك إلى أن النازيين، حتى النازيين، حارقي الكتب وأعداء الفكر، كانوا يعدون في صفوفهم أو بين المتعاطفين معهم، أناسا مثل مارتن هايدغر وكارل شميت، وكانوا يستمتعون بموسيقى فاغنر، فكان ذلك يستوي أمام إجرامهم حدّا، مهما كان ضامرا ضئيلا، وبصيص نور، مهما كان شحيحا، يخالط ظلامهم وظلاميتهم، وجعلهم يميزون، ربما، بين بشر، لا يقيمون لحياتهم وزنا، وبين إنسانية أبقوا على بعض احترام لها، طفيف لكنه لم يزُل تماما.

ذلك ما لم يكن شأن إرهابيي سامراء، مفجري قبة مرقد الإمامين علي الهادي والحسن العسكري، ممن أصابوا مقتلا من أثر معماري ومن أحد أكبر مقدسات المسلمين قاطبة، وليس الشيعة بمفردهم. إذ لا يختلف المسلمون، على تباين مذاهبهم ومشاربهم، على التعلق بآل البيت، بل على طرقه وأساليبه وتجلياته ووظائفه وعيشه تواريخ متعددة وربما متنافرة متنازعة. جريمة أصلية، جوهرية، لم تندرج في لحظة سياسية بعينها، في نزاع عيني، هو ذلك الدائر حاليا في العراق، وفي طور من أطواره، إلا كي تجتازها فورا إلى نسف بلاد الرافدين ذاتها، إنسانية وكيانا ووجودا حضاريا. صحيح أن الفعلة تلك، تنشد غاية رذيلة، بعث الفتنة الطائفية، وتتوسل في ذلك رمزية رثة، إذ تستهدف معلما شيعيا في مدينة سنية، وتروم من وراء ذلك ضربا من تطهير رمزي، أو من قطيعة على ذلك الصعيد الرمزي، وهذه قد تكون أدهى وأشنع، من أي تطهير «مادي»، «عرقي» أو «مذهبي» أو ما شابه، إلا أن الجريمة تلك لم تنل، فقط وحصرا، من مقدّس شيعي، على فداحة النيّة تلك في ذاتها، بل من مِعلم إسلامي.

قد لا يكون ذلك بالأمر الذي يعني «التكفيريين» أو يؤرقهم، لكن يُفترض فيه أن يخز ضمير من يتواطأون، على نحو فاعل أو ضمني، مع إرهاب أولئك «التكفيريين» فلا يرون فيه سوى «مزيته» المزعومة، ممثلة في مقاومة الاحتلال الأميركي والحؤول دون استتباب الأمور له وتوريطه في مستنقع لا مخرج له منه، غافلين، أو متغافلين، بسينيكيةٍ مرعبة أو بتعامٍ مجرم، عن أن مفعول الدمار الذاتي لذلك الضرب من الإرهاب، أفدح بما لا يقاس، في نهاية المطاف وفي المحصلة الأخيرة، من مفعوله على العدو... وإن كان الأمل في مثل تلك الصحوة ضئيلا يكاد ينعدم، ما دامت عقلية التوظيف، في أكثر تجلياتها بلادة وبدائية، وحتى لو كان ثمنها الإضرار بالنفس، هي الغالبة، كما دلت، على سبيل المثال لا الحصر، ردود فعل جمهورية إيران الإسلامية، على لسان رئيسها علي أحمدي نجاد ومرشدها الأعلى آية الله علي خامنئي، اللذين سارعا إلى اتهام «الصهاينة وقوات الاحتلال (الأميركي)» باقتراف تلك الجريمة، كما لو أنه ليس في ما تقترفه الولايات المتحدة وإسرائيل في المنطقة ما يفي بإدانتهما، حتى يضطر المرء إلى تبرئة الإرهابيين استزادة من تلك الإدانة.

أم هل يقال ذلك، فضلا عن التوظيف، من باب استبعاد الحرب الأهلية؟ ما لا ريب فيه أن المقاربة تلك ليست، بالتأكيد، الأفعل والأنجع في هذا الصدد، خصوصا أن التكفيريين يحلّون إضرام الفتنة الأهلية في بلاد الرافدين منزلة الأولوية في أجندتهم ولا يتسترون على ذلك بل يفصحون به ويجهرون. قالوه مرارا وتضمنته وثائقهم، ودعوا إليه علانية، فلا يغفل عن ذلك إلا من أراد وتعمد، فكان قصير النظر، متوهما خلاصه في دمار العراق، سواء تعلق الأمر بالفئات الداخلية أو بدول الجوار والقوى الخارجية.

ذلك أن اتقاء الاقتتال الأهلي لا يتحقق فقط بضبط النفس وبالدعوة إليه، مع إكبارنا لذاك ولهذه. وفي ما أعقب جريمة تفجير مرقد الإمامين، من أعمال انتقامية، قد تفضي إلى أعمال انتقامية مضادة، ما ينذر بذلك على نحو بيلغ. فقد هوجم عدد من مساجد السنة وقُتل أئمتها (بلغ عددهم 11 إماما)، في حين عثرت السلطات على 50 جثة في أنحاء بغداد... كانت تلك فقط حصيلة اليوم الذي تلى جريمة التفجير، بل قبل نهاية ذلك اليوم. ويمكن بسهولة تصور ما وراء أعمال العنف تلك من احتقان أوسع منها مدى وأكثر خطورة.

مفاد ذلك شيء أساسي: أن مناخ الاقتتال الأهلي قد يكون استشرى فعلا في العراق واستحكم في وجدان الناس، بحيث لم يعد انفجاره، عارما مدمرا، غير مسألة وقت، أو أمرا تفصيليا، على فداحة ذلك التفصيل.

وذلك مآل تتضاءل، يوما بعد يوم، سبل الإفلات منه، ما دام كل من الطرفين الأساسيين (والعربيين!) في هذا الاحتقان الطائفي عاجزا عن الاهتداء إلى صيغة تصالح بين هويته الفئوية وانتمائه الوطني. لا الشيعة أبدوا قدرة على التحكم في غلبتهم المستجدة ولا السنة هضموا دونيتهم السياسية، تلك التي باتت تعكس لأول مرة دونيتهم العددية.

وإذا ما نشب نزاع أهلي، فقد تمر سنوات طوال وقد يُهرق دم غزير، قبل أن يكتشف الفرقاء، وجوارهم القريب والبعيد، تلك الحقيقة الأولية، والتي مفادها أن الأوطان، خصوصا تلك المتعددة، لا تتأسس على غالب ومغلوب... علما بأن الحقيقة تلك مندرجة في حاضر العراق بوضوح: فلا السنة فقدوا السلطة جراء فعل داخلي وهُزموا أمام خصم محلي، ولا الشيعة هم من أطاح نظام صدام، ما يُفترض فيه أن يسبغ شيئا من نسبية على شعور أولئك بالهزيمة كما على شعور هؤلاء بالغلبة.

لكن يبدو أن ذلك هو قدر هذه المنطقة من العالم: الاّ تني تعيد اكتشاف البديهيات الأولية، عودا على بدء لا ينتهي، مقابل ثمن باهظ في كل مرة!