المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحكواتي مهنة قديمة مهددة بالانقراض في مراكش



فاطمي
02-28-2006, 04:39 PM
8 رواة ما زالوا يمارسون عملهم.. وبعضهم يقلد مقدمي برامج التلفزيون لجذب الجمهور


مراكش: مارلايس سايمون *


حان موعد العمل ومحمد الجابري يتوجه إلى «جامع الفنا» ـ الساحة الرئيسية في مراكش ـ والتي يطلق عليها غالبا نقطة تقاطع كل الثقافات المغربية.
وهو إذ يتقدم وسط الجموع، يضطر إلى حني رأسه قليلا ليمر بحواة الثعابين الذين يعزفون على ناياتهم، وقارعي الطبول والصنج والبهلوانات، وصيحات باعة الكباب حتى يتمكن من احتلال نقطة هادئة له.

والجابري هو حكواتي مضى على ممارسته هذه الحرفة أربعون عاما، وكل يوم يقوم بمزج ما هو حقيقي بما هو ماض متخيل عن معارك قديمة تجري بين خيرين وشريرين سلاطين حكماء ولصوص محتالين.

ولذا فهو لا يحتاج الكثير من العدة لعمله، وكل ما يستخدمه هو كرسي وبعض الرسوم الملونة. أما بقية عمله فيعتمد على أدائه، فهو يستطيع أن يجعل عينيه أكبر مما هما في الواقع وصوته يتضخم أو يتنعم حسب الحاجة.

والجابري، 71 سنة، هو واحد من ثمانية حكواتية يقومون بالأداء الحي في منطقة مراكش الواقعة جنوب المغرب، لكن الكثير مثله يخافون من أن يكون جيلهم هو الأخير.

وهؤلاء الرجال ينتمون إلى مرحلة سبقت الراديو والتلفزيون والمسارح والسينمات والهواتف والإنترنت الذي راح ينقل الأخبار والقصص والتسلية إلى قرى المغرب ومدنه النائية.

مع ذلك، فإن شخصا مثل الجابري ما زال قادرا على تحدي الأجهزة الإلكترونية. يقول الحكواتي شارحا لزائر وقف بالقرب منه «بعض الناس يشعرون بأن التلفزيون بعيد جدا عنهم. وهم يفضلون أن يقوموا بتماس حقيقي وهم يفضلون سماع قصص حية».

وهذا ما يفعلونه عند العصر حيث بدأ الجابري بسرد حكايته عن فتاة تسقط في الحب مع ناسك. لكن الناسك يرفضها باعتبارها رسولا للشيطان فتقيم علاقة مع راع، وحينما حملت قالت إن الطفل هو ابن الناسك.

ومع تقدم الحكاية خلال الساعة اللاحقة جرت انعطافات غير متوقعة في خط القصة. وكان الجمهور متكونا من رجال فقط جلس بعضهم على الأرض يستمع بينما كان بعضهم يتكئ على دراجاته. وليس مفترضا أن تقف النساء هناك للاستماع إلى قصص «فاجرة» كتلك. وقال الجابري لاحقا «الشباب يحبون القصص من ألف ليلة وليلة لأنها اكثر انفتاحا. أما كبار السن فيحبون القصص حول حياة الرسول الصحابة. وهم يحبون قصص الحروب والمعارك بين المسلمين والفرس أو بين المسلمين والروم. كذلك يحب الناس المعجزات مثل إشفاء المسيح للأعمى». وقال بعض المتابعين للعادات المحلية إن القصص هي مزيج من حكايات شعبية ودينية من منطقة البربر والتقاليد العربية.

وترعرع البيولوجي محمد الحوزي بالقرب من الساحة، وقال إنه يحب المشهد المتغير للمشعوذين والموسيقيين والحكواتيين، وقال «قد أتوقف هنا ليلا حينما أشعر بحاجة لقليل من الراحة. أنت تستطيع أن تأكل أو تضحك أو أن تجعل جسدك يطلى أو يتم تثبيت أسنانك هنا».

واستمع الحوزي الى قصص لا تحصى هنا، وحتى عندما يعرفها فانها نادرا ما تبدو القصص ذاتها. وقال إن السحر هو في طريقة القص، وقد يتغير المزاج وفقا لبراعات الراوي او هتاف الجمهور وصراخه، وقد تكون القصص ذات معنى اخلاقي أو هزلي أو ساخرة. وقال الحوزي انه «غالبا ما كان هناك من يقلد الطريقة المفتعلة لمقدمي برامج التلفزيون. ويجعل الجمهور ينفجر ضحكا».

وخوان غويتيسولو، مهاجر أوروبي نادر، يتحدث العربية باللهجة المغربية ويفهم رواة القصص، وهو كاتب اسباني بارز يعيش هنا منذ السبعينات ويكرس طاقاته لساحة جامع الفنا وفنانيها. وقال انهم ألهموه روايته «مقبرة».

وفي مقهى يطل على الساحة كان يتحدث بإعجاب حول «الأساتذة القدامي» الذين عرفهم، وارتجالاتهم والحيل التي يستخدمونها لاجتذاب جمهورهم. وقد يبدأ البعض بشجار مفتعل لاجتذاب المستمعين. وقال ان فلان، الشاب القوي جدا والمُتوفى الآن، كان بوسعه رفع حمار في الهواء. وبينما يبدأ بالنهيق يأتي الناس راكضين. وكان يصرخ في الحشد: أيها الأغبياء. عندما أتحدث عن القرآن لا يصغي أحد، ولكنكم جميعا تسرعون في الإصغاء الى حمار».

ويمكن ان يصرخ راو آخر اذا ما رأى ان الجمهور قليل، فيقول «كل اولئك الذين لعنهم آباؤهم يجب ان يغادروا. وبالتالي، فان الجميع يبقون ويدفعون».

وظل غويتيسولو القوة الدافعة التي تقف وراء الحركة الهادفة الى حماية الساحة، التي يصفها باعتبارها «فضاء ثقافيا غنيا وعظيما يواجه خطر الإغراق من التجارة وضغوط التنمية». وقد أفلحت المجموعة في السنوات الأخيرة في اعاقة مشاريع مثل اقامة برج زجاجي طويل ومكان لوقوف السيارات تحت الأرض. ومنعت حركة السيارات في الوقت الحالي تماما.

وتم الحصول ايضا على مساعدة من اليونسكو التي اعتبرت الساحة جزءا من «تراث البشرية الشفاهي والقيم» عام 2001.

وخلال السنوات القليلة الماضية، استخدم الطلاب الفيديو لتوثيق المشاهد والأصوات في الساحة، وقام بعض الرواة بزيارة المدارس. وقال غويتيسولو ان ذلك كان يهدف الى «تعريف الأطفال بأن هناك ما هو أكثر من البرامج المعلبة التي يشاهدونها في التلفزيون». ولكنه يشعر بالقلق من أن الأساتذة القدامى يموتون وما من احد يحل محلهم.

وقال الجابري انه في شبابه كان من الأيسر على راوي القصص ان يحصل على رزقه. وعلى الرغم من أنه نادرا ما كان يقرأ ويكتب، فقد تعلم حرفته عبر الإصغاء الى المعلمين الكبار وتقليدهم. وأخيرا، فانه كان يريد ان يرى العالم ويروي قصصه في أماكن أخرى بعيدة غير الدار البيضاء وفاس ومكناس. ولكن السياحة الأجنبية جلبت التضخم في الوقت الحالي. وبحصوله على دولارين أو ثلاثة، لم يعد يمكنه توفير أجرة الحافلة للسفر أو دفع اجرة المنام، وهو يرى التغيير حوله من كل جانب. وبعض زملائه مرضى وتوقفوا عن المجيء. وأمام اثنين من المبتدئين يعملان في مراكش طريق طويل للذهاب الى هناك.

واذ يخيم الغروب على الساحة نجد الجابري يواصل الرواية وقد وصلت قصته الى لحظة حاسمة، فالشابة الحامل والناسك والراعي كلهم دُعُوا ليحكم عليهم الملك. والملك يبلغ الناسك انه سيقطع رأسه ولكن يمكنه ان يقول أمنية اخيرة.

وفي هذه اللحظة يتوقف الجابري فجأة ويقترح أن يدفع جمهوره المأخوذ بالحدث مبلغا حتى يمكنه الاستمرار، وهو يجمع نقوده، ويعبر عن البركة، ويعلو صوته وتتسع حدقتا عينيه، وهو يواصل قصته، حيث الطفل يتكلم وينقذ الناسك الذي يقع في حب الشابة. وتختتم القصة بنهاية سعيدة.

* خدمة «نيويورك تايمز»