المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عار الطائفية و الغدر في العراق .....داود البصري



زوربا
02-28-2006, 01:26 AM
داود البصري*

ليس هنالك أسهل في عراق اليوم المأزوم من اتهام طرف لاخر بتهمة (الطائفية) والتي اضحت للاسف احد اكثر العملات تداولا في الشارع السياسي والاجتماعي العراقي منذ سقوط نظام البعث الفاشي في ربيع 2003, فسقوط النظام بالطريقة التي حصلت وعن طريق القوة الاميركية التي رسمت خطوطا جديدة ليس في العراق فحسب بل في عموم الشرق القديم والحافل بالخرافات والاساطير والجهل وسراديب التخلف بدءا من (طالبان) التي رسمت صورة خرافية مهولة للاسلام , وليس انتهاء بدجل وشعوذات حكام ايران الذين يرون في انفسهم اليوم الموطئين لظهور الامام المهدي الغائب والعاملين على تهيئة الساحة لاستقباله عبر نشر الكوارث والمصائب!! والذين نجحوا للاسف في تصدير تلك الافكار لعملائهم الصغار في العراق المستعد اليوم لاستقبال كل خرافات واساطير الدنيا, اقول ان سقوط النظام خلق فراغا سياسيا وميدانيا واسعا لم تستطع الاحزاب العراقية العريقة في العمل الوطني ملأه لان سنوات التسلط الفاشية وقيادة الحزب الواحد والقائد الواحد قد نجحت في افراغ الساحة العراقية من كل التوجهات والاراء الاخرى , فمنذ عام 1979 والعراق يشهد تنامي وصعود ثم هيمنة السياسة الفاشية بكل حروبها ومآسيها وكوارثها منذ الحرب مع ايران وحتى قمة العبث الفاشي في غزو واحتلال الكويت وما اعقب ذلك من مآسي الحصار الدولي الشرس الذي هشم كل القواعد المجتمعية , وكانت المعارضة العراقية تعيش في الخارج امراض العزلة والغربة والخضوع للقوى الخارجية وخصوصا تلك الاحزاب المرتبطة ايديولوجيا و مرجعيا بايران التي عاشت ازمة الهوية والولاء والارتباط بالمواقف الرسمية الايرانية صائبة كانت ام خاطئة وابرزها حزب السيد الحكيم (المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق) والذي هو جسم ايراني رسمي في الجسد العراقي من حيث التكوين والتبعية والولاء والتقليد والتخادم وهذه حقيقة لا مجال لتجاوزها فنحن اهل الدار وعشنا المرحلة الايرانية بكل تعقيداتها ونعرف بكل الزوايا ما ظهر منها وما بطن , وفيلق بدر ما هو الا جناح (التوابين) وهم الاسرى العراقيين السابقين الذين غسلت ادمغتهم الدعاية والتوجيه الفكري الايراني , وهم بالتالي بحكم طبائع الامور ادوات ايرانية في الساحة العراقية!.. وذلك ليس اكتشافا جديدا اما الاحزاب السنية العراقية والتي كانت ممنوعة رسميا منذ عهد عبد الكريم قاسم حينما تاسس الحزب الاسلامي العراقي عام 1960 فهي بحكم الطبيعة الطبقية والاجتماعية لقياداتها كانت في حالة هدنة وبعض من التوافق مع سلطة النظام البائد , وكان الكثير من قياداتها الحالية منخرطين ضمن مؤسسات النظام البائد الفكرية او الحزبية او العسكرية او الامنية, ومن دون ان ننسى ان لحزب الاخوان المسلمين في العراق مشاركته في انقلاب البعث عام 1968 حينما شارك زعيمه عبد الكريم زيدان في حكومة الانقلاب البعثي الاولى ? , ولعل ارتباط الكثير من قيادات الاحزاب السنية بالنظام البائد قد اثار التساؤلات في الشارع العراقي , وانا اتساءل بدوري وبكل بساطة.. اين كان دور السيد محسن عبد الحميد في مقاومة النظام البائد ? واين كان السيد حارث الضاري قبل ان يسقط النظام ? وماذا كان يعمل السيد طارق الهاشمي قبل التحرير ? و ماذا كانت وظيفة السيد علاء مكي ايام تلفزيون »الشباب« التابع لعدي? ... وكيف يتحول من كان مشاركا في كل مشاريع وخطط حكومة البعث البائد لقيادات دينية تدافع عن مصالح الطائفة السنية ? فهل كان نظام صدام حسين امينا في الدفاع حقا عن مصالح اهل السنة? وهو الذي لا يمتلك التاهيل ولا الشرعية لادعاء مثل ذلك التمثيل? فالنظام لم يكن ذا هوية طائفية واضحة , بل كان نظاما فاشيا وعدوانيا وهمجيا وعشائريا وفرديا, فهل غزوته لدولة الكويت مثلا كانت تعبيرا عن انتصاره وانتصافه لاهل السنة ? وهل في حربه وتحريضه ضد النظام في السعودية مثلا تعبير عن مواقف اهل السنة ? وفي المقابل هل هجومه على ايران ونهبه لمدن الحدود (ومعظمها عربية اهوازية), وهو هجوم كانت غالبية جنوده وضباطه من الشيعة العراقيين تعبير عن سياسة طائفية ضمن سياسة الضد النوعي اي استعمال الشيعة في الهجوم على الشيعة ?
في شتاء عام 1980 كنت شاهدا في مدينة البصرة على قيام الالاف من الجنود العراقيين الذين نهبوا وسلبوا مدينة المحمرة العربية في اقليم الاهواز العربي المسلم الشيعي على بيع منهوباتهم التي شملت حتى الملابس الداخلية في اسواق البصرة!! في خطوة من خطوات العار في المشهد العراقي وهي الصورة التي تكررت في صيف عام 1990 حينما بيعت المسروقات والسلع المنهوبة من الاسواق والبيوت الكويتية, الشقيقة , فالعار يكرر نفسه , والخطيئة تتوارث منذ ان اقدم اهل الكوفة على دعوة الامام الحسين بن علي (ع) بعد المبايعة له ثم الغدر به وباهل بيته الاطهار وسرقة حتى ملابسه الداخلية وهو الامام ابن الامام والطاهر ابن الطاهر وريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيد شباب اهل الجنة!!, فمواصفات وصيغ الغدر واضحة ومتأصلة رغم توالي القرون , وفي عودة للعصر الحديث لا يجب ان ننسى ذلك الغدر الفظيع والمتوحش بالعائلة الهاشمية المالكة في العراق فجر الرابع عشر من يوليو 1958 وحينما تم التمثيل الوحشي والذي لا تقوم به حتى الوحوش الضارية ضد ضحاياها بجثة الوصي على العرش العراقي المرحوم الامير عبد الاله بن علي بن الحسين ! او ما فعله القتلة والغوغاء بجثة المرحوم نوري السعيد احد ابرز مؤسسي الكيان العراقي الحديث , ولم يحاسب القتلة او يخضعوا لاي محاكمة او مساءلة قانونية بل تم اسدال الستار على تلك المشاهد الدموية المريعة والمخجلة لتتوالى الجرائم والدماء , ثم جاءت الفضيحة في عشية التحرير من نظام صدام حينما اقدم الغوغاء في مدينة النجف ومن التيار الفاشي الطائفي المعروف بقتل وسحل السيد الشهيد عبد المجيد الخوئي ورفاقه في جريمة معروف من ارتكبها وحرض عليها وغطاها , ولم يحاسب القتلة مرة اخرى بل تركوا وشانهم لتتم مكافاتهم في واحدة من مهازل الوضع العراقي التي يبدو انها لن تنتهي حتى يرث الله الارض و من عليها! , ولعل اهم ظاهرة تميز بها الوضع العراقي الجديد هو سرعة تحول ولاءات التخادم و التبعية والانتماء , فبعثيو الامس القريب لبسوا الجبة الدينية ليتنطعوا لتمثيل (اهل السنة), والقتلة من اعضاء عصابات فدائيي صدام وجيش القدس رفعوا الرايات السوداء وتحولوا لجيش المهدي الذي سيملا الارض عدلا بعد ان ملئت ظلما وجورا.
وضحايا التقاتل الطائفي الغبي وعددهم بالمئات اجتمعت العمائم المقدسة من الطرفين لتسبغ عليهم صفة ( الشهيد ), وكان هذه الصفة المقدسة يقررها هذا الطرف او ذاك ? انها مهزلة اللعبة الطائفية المريضة التي لا تختلف عن العاب اهل البعث البائد حينما كان صدام يقتل القتيل ثم يعطيه بعد ذلك صفة الشهيد?? الم اقل لكم بان الغدر صفة جينية متوارثة عبر القرون والاجيال ?
ولعل اشد ما اضحكني في حكاية مشهد محاصرة خطر الحرب الاهلية والطائفية هو قيام ممثل الصدريين وعلماء المسلمين باصدار البيانات الدينية , فاحدهم كان بعثيا حتى العظم ومن المشاركين في مؤسسات سلطة الموت البائدة, والاخر كان عضوا بعثيا بارزا وتحول اليوم ليوزع صكوك الغفران على العالمين..
انها المهزلة العراقية التاريخية حين ترتدي جبة التقوى!!.
اعرف زعيما شيعيا من الطراز الجديد اسس حزبا ودخل الانتخابات الاخيرة وكان يتفاخر بتاريخه وتراثه النضالي عندما قتل بيديه اكثر من اربعين شيعيا في انتفاضة الجنوب العراقي عام 1991 عندما كان مرافقا لوزير الداخلية الاسبق وطبان التكريتي, ومع ذلك لم يخجل من ذلك التاريخ الشائن وما زال يلعلع دفاعا عن مصالح الشيعة المنتهكة, ترى اية مهزلة يعيشها العراق , بل اي نفاق متاصل يعيشه الشارع العراقي.
dawoodalbasri@hotmail.com
* كاتب عراقي مقيم في النرويج