المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تعالوا نتحاسب! ......محمد عبدالقادر الجاسم ... المحامي



مجاهدون
02-28-2006, 12:28 AM
26/2/2006
محمد عبدالقادر الجاسم المحامي



اتلقى يوميا العديد من الايميلات يبث فيها اصحابها شكواهم من اوضاع البلاد, ويشتكي الناس تحديدا من تفشي الفساد والنفاق وبلوغهما معدلات غير مسبوقة في تاريخ الكويت, وهم يتسائلون ويسألون ما الحل؟ هل يكفي ان تكتب انت وغيرك وان تتحول هذه الكتابات مجرد وسيلة لتنفيس الضغط او قل وسيلة للتخدير! هل اصبح الشعب الكويتي يعالج الفساد والنفاق عن طريق "المسجات" و اطلاق النكات فيها على المسؤولين... ماذا يعني ان تتناول تلك النكات الرموز السياسية التي لم تعد محصنة ضد "التنكيت" والتعليقات اللاذعة بلا خوف... ماذا يعني ان يفقد الناس الأمل في تحسن اوضاعهم... ماذا يعني ان تستمر حالة التحدي وحالة الاستفزاز التي تمارسهما السلطة السياسية من خلال اسناد المسؤوليات لأناس معروف عنهم الفساد والغي؟ ماذا يعني ان تسند امور الدولة الى "شوية صبيان" يعيثون في بلدهم فسادا وافسادا؟

انني اعتقد ان الكويت مقبلة على مستقبل غير مريح سواء على مستوى استقرار الحكم او على مستوى الادارة السياسية, وهناك العديد من الاشارات والاوضاع التي تجعل مثل هذا التنبؤ واقعيا, وقد رأينا خلال السنوات القليلة الماضية كيف سيطرت مؤسسة الفساد على البلاد وباتت تتحكم في كل مفاصل الحركة السياسية والتجارية وكيف اصبحت البلاد تنهب ليل نهار. ولا اعتقد انني بحاجة اليوم لتأكيد مقدار تردي الاوضاع في البلاد فهذا التردي اصبح يرصده المواطن العادي واصبحت الديوانيات تتناقل تفاصيل قصص الفساد وابطالها.

ان السؤال المهم هو "وبعدين"؟

اقول اننا لن نتمكن من تحقيق اي تغيير في ادارة البلاد ولن نتمكن من اقصاء مؤسسة الفساد او حتى تخفيف سيطرتها دون تفعيل مبدأ المحاسبة... نعم فكل "البلاوي" التي مرت على البلاد مرت دون ان نحاسب المتسبب فيها. تعالوا نستعرض اهم احداث الاربعين سنة الماضية:

حين تم تزوير الانتخابات عام 1967 ماذا فعل الشعب الكويتي؟ لقد اكتفينا باستقالة بعض اعضاء مجلس الامة ولم يكن للشعب موقف متميز يذكره التاريخ وكنا, او حتى نكون اكثر دقة, كان قادة الرأي آنذاك يكتفون بمخاطبة الجمهور خطابا عاطفيا يكفل لهم الاستمرار على خشبة المسرح السياسي دون ان يكونوا مستعدين لمواجهة السلطة التي زورت وتلاعبت في الانتخابات.

وحين تم حل مجلس الامة عام 1976 ايضا انكمش قادة الرأي ووضعت الصحف تحت المراقبة واستسلم الناس للأمر الواقع. والشيء ذاته حدث ايضا بعد حل مجلس الأمة عام 1986 لكن حين تحرك قادة الرأي في نهاية عام 1989 وعام 1990 ارتبكت السلطة السياسية ولم تعرف كيف تواجه اجتماعات الاثنين و"غرقت في شبر ماي".

لكن الادهى والامر حدث عندما وقع الغزو العراقي الغاشم للبلاد حين سقطت الدولة "بغمضة عين" وانكشف للعالم اجمع مدى الاخفاق والفشل والعجز الذي وقعت فيه السلطة السياسية... فماذا فعلنا؟ هل حاسبنا المسؤولين عن الكارثة؟ هل ابعد عن السلطة كل من كان في السلطة حين وقع الغزو؟ هل اتيحت لنا الفرصة لاظهار رأينا في كفاءة الادارة السياسية التي كانت تدير الدولة قبيل الغزو؟ ماذا يعني ان تسقط الدولة ولا نحاسب احدا على هذا السقوط؟ ماذا يعني ان ترفض القيادة السياسية الاستعانة بالقوات الامريكية التي عرضت الدفاع عن الكويت كما ذكر سفير الكويت في واشنطن في حينها الشيخ سعود الناصر الصباح؟ ماذا يعني ان يقول احد كبار المسؤولين في افادته امام لجنة تقصي الحقائق ان "احساسه" ماكان يرشده الى ان صدام حسين سوف يحتل البلاد!!

هل تعتقدون ان من كان في السلطة يمكن ان يحترم الشعب الذي لا يحاسبه على اكبر كارثة في تاريخه؟ الم يتربع في السلطة السياسية من بعد تحرير البلاد كل من كان مقصرا وفاشلا في اداء مهماته قبيل الغزو؟ الم "يترقى" من بعد تحرير البلاد اغلب من كان يشارك في السلطة حين وقع الغزو؟ ربما كان بقاء نظام صدام حسين بعد تحرير البلاد قد منعنا من محاسبة قياداتنا فلم نكن نريد للطاغية ان يتشمت في اختلافاتنا فيما هو ممسك بزمام امور بلاده. لكن كيف تمكنت السلطة السياسية منذ عام 1992 ان تسترد سيطرتها وتمسك زمام الامور بلا حسيب ولا رقيب رغم وجود مجلس الامة وقدر من حرية الصحافة حتى وصلنا الى ما نحن عليه اليوم؟

باختصار لقد نجحت سياسة الافساد في تغييب عقول وارادة الناس بل انه تم اطفاء واخماد الروح الوطنية واختزال العمل السياسي في علاقة قائمة على التنفيع بين السلطة واغلب قادة الرأي... مع الأسف فقد نجحت السلطة السياسية خلال السنوات القليلة الماضية في تخويف ناس على مصالحهم فآثروا المهادنة كما نجحت في تخوين غيرهم عبر تعميم سياسة الافساد.

لقد اصبح مستوى كفاءة السلطة السياسية هو سقف الاداء السياسي في البلاد فكان من الطبيعي ان تغيب الكفاءة عن ادارة الدولة, فإذا كانوا "هم" افضل الموجود فكيف نتوقع ان يستعينوا بمن هو اكفأ منهم؟ او لنكن اكثر وضوحا ونقول ان السلطة السياسية التي لا تتمتع بالكفاءة لا يمكن ان تستعين بالكفاءات!!

انني لا اتجنى حين اقول ان البلد تدار دون الحد الادنى من الكفاءة, وهذا الانحدار في الكفاءة ارتبط ارتباطا لازما بنقص الامانة, وها نحن نشهد اليوم استمرار لعملية اسناد المناصب لمن يفتقد الامانة او الكفاءة... وان وجدت الامانة والكفاءة غابت شجاعة الرأي!

ان غياب المحاسبة هو انسب بيئة لنمو الفساد والتمادي فيه... لقد عرفت الكويت كلها عن فضيحة هاليبرتون وهاهو مجلس الامة يشكل لجنة تحقيق ويوصي بإحالة وزير النفط للنيابة العامة... لكن ماذا حصل؟ التقرير "مخشوش" وبدل ان يحال الوزير الى النيابة يعاد توزيره!!! وبعد هذا هل تريدون "منهم" ان يحترموننا؟

ولو بحثنا في احوال القسم الثاني من السلطة السياسية فإننا نشهد في فبراير من كل عام اكبر عمليات تزوير جماعي تتم وهي تتم حاليا حيث تنقل اصوات الناخبين والناخبات الى مناطق اخرى غير دوائرهم الانتخابية ويقوم بعملية التزوير كل من لديه القدرة على "تضبيط" الأمور والأمر ليس قاصرا على المناطق الخارجية بل ان تزوير قيود النساء يتم حاليا في العاصمة بشكل محموم في الدائرة الثانية, اما في الدائرة الثالثة فتتم عملية التزوير بشكل مخيف, وامامي الآن كشف باسماء اكثر من عشرين ناخبا مقيدين على العنوان ذاته وهم ينتمون لكل الفئات الاجتماعية... فماذا فعلنا لمواجهة هذا العبث؟ ان "اكبرها واسمنها" يتلاعبون في البلد ونحن نكتفي بالمشاهدة ولا نحاسب احدا!!

وقبل يومين نشرت الصحافة خبرا عن قيام نائب بضرب مواطن امام الشرطة فماذا سوف يحصل؟ ماهو جزاء هذا النائب المعروف عنه بأن السلطة السياسية "داهنه سيره" من ايام استجواب وزير مالية سابق؟

لقد مر تزوير الانتخابات عام 1967 بلا حساب وكذلك مرت فترة الانقلاب على الدستور عامي 1976 و1986 وكذلك مرت كارثة الغزوعام 1990 وقضية هاليبيرتون وتزوير كشوف الناخبين والعديد العديد من قصص الفساد والتدمير المنظم للدولة وسوف يمر مشروع حقول الشمال وغيره من مشاريع "لهف البلد" دون حساب فكيف تريدون لأمورنا ان تنصلح؟؟