المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هشام حافظ رجل اغتسل بالحبر وتلحف بالورق ثم رحل



فاطمي
02-27-2006, 03:30 PM
http://www.asharqalawsat.com/2006/02/27/images/news.350405.jpg


الدمام: ميرزا الخويلدي جدة: أميمة الفردان


غيب الموت فجر أمس، هشام علي حافظ، مبتكر تدويل الصحافة العربية، ومؤسس الشركة السعودية للأبحاث والنشر، حيث أديت الصلاة عليه في المسجد النبوي ودفن في بقيع الغرقد.
ولد هشام حافظ وفي يمينه القلم.. الصحافة بالنسبة إليه كالماء والهواء، يتنفس ويحيا بها، ولأنه كان وريث أسرة احترفت الصناعة الاعلامية، منذ بدايات الصحافة السعودية في المدينة المنورة، فقد كان عنيداً لا يرضى أن يحجمه نظام المؤسسات الصحافية الذي جرده ذات مقال من مقعده في رئاسة التحرير، ورمى به متسكعاً في أروقة الصحافة والمنفى.

خرج من عالم صحافة الأفراد، وعاد كطوفان لا يستطيع نظام المؤسسات احتواءه او استيعابه.

ولد هشام علي حافظ، في نوفمبر 1931، بدأ حياته العملية ضابطاً برتبة ملازم أول في الجيش السعودي «من عام 1955 ـ 1957»، ثم ملحق أول في وزارة الخارجية السعودية 1957 ـ 1958 فسكرتير ثان بالسفارة السعودية في طهران 1958 ـ 1960 ثم سكرتير ثاني بالسفارة السعودية في واشنطن 1960 ـ 1961. لكنه دخل عالم الصحافة، في العام 1961، رئيساً لتحرير جريدة «المدينة» وهي الجريدة التي أسسها والده وعمه علي وعثمان حافظ، وصدر أول عدد منها بالمدينة المنورة يوم الخميس 8 أبريل (نيسان) 1937، لكن عمله في هذه الصحيفة لم يطل، فقد اضطر إلى تركها بعد نحو سنتين من تولي منصب رئيس التحرير، وظهر في فترته إلغاء صحافة الأفراد وإصدار نظام المؤسسات الصحافية.

كانت الفترة التي غادر فيها هشام الصحافة، قاحلة ومجدبة في حياته، بالرغم من أنه اختار العمل في جنيف عضواً في الوفد السعودي الدائم لدى المقر الأوروبي للأمم المتحدة في سويسرا في الفترة من 1965 ـ 1971، إلا أنه اختار من هناك العودة الى إلى عالم الصحافة.

حنينه للصحافة عاوده من جديد بعد عودته للسعودية، فقد أسس مع أخيه محمد «الشركة السعودية للأبحاث والنشر» التي بدأت برأسمال لا يتعدى عشرة آلاف ريال، وحاول إصدار عدد من المطبوعات التي لم توفق في البداية، لكنه وبالتعاون مع كمال أدهم والامير تركي الفيصل، أصدر جريدة «عرب نيوز» كأول صحيفة ناطقة باللغة الانجليزية في السعودية، وأصبح هشام ومحمد علي حافظ ومعهما كمال أدهم والأمير تركي الفيصل شركاء في العمل الإعلامي.

لكن خلال اجازة في اسبانيا، تلمس هشام حافظ حاجة العالم الى صحيفة عربية ذات صفة دولية، فأسس جريدة «الشرق الأوسط»، التي صدر العدد الأول منها في الرابع من يوليو (تموز) 1978 عن الشركة السعودية للأبحاث والنشر، وهشام حافظ الذي كانت تستهويه الطموحات الكبيرة وجد أنه في عالم النشر، لا تكفيه صحيفة أو إثنتان حتى لو كانتا بحجم «الشرق الأوسط» و«عرب نيوز» فقد عمل على تأسيس عدد من المطبوعات الأخرى، كمجلة «المجلة» وجريدة «الاقتصادية»، وجريدة «عالم الرياضة» التي كانت مجلة، وجريدة «الرياضية» ومجلة «سيدتي» ومجلة «باسم» ومجلة «الجميلة» ومجلة «الرجل» الشهرية، ومجلة «هي» وجريدة «مليالم نيوز» وجريدة «أوردو نيوز»، وتوقفت عن الصدور صحف مثل «المسلمون»، و«مجلة الشرق الأوسط» الأسبوعية ومجلة «تي في». كما عمل على انشاء الشركة السعودية للتوزيع، وشركة المدينة المنورة للطباعة والنشر وهي أقدم شركة طباعة في السعودية تأسست في 1928.

وكان هشام حافظ مستعدا منذ منتصف الثمانينات لتحويل الشركة الى واحدة من أكبر المؤسسات الإعلامية، حين ضمت لها شركاء إضافيين وضخت مزيداً من الاستثمار المادي والبشري والإداري، وخرج منها الشريكان السابقان كمال أدهم وتركي الفيصل، وتولى الأمير الراحل أحمد بن سلمان بن عبد العزيز ادارة المجموعة القابضة للمطبوعات والشركات التابعة لها، ولتدخل منذ ذلك الوقت عالماً جديداً في صناعة المعلوماتية والنشر الصحافي يقوم على تدعيم سوق الإعلام وفق رؤية تنافسية.

وظل هشام يكتب مقالات وأعمدة في عدد من المطبوعات وكثيراً ما كان يوقعهما على طريقة صديقه الراحل مصطفى أمين، باسمه واسم شقيقه محمد، لكنه في كل الأحوال كان يطل عبر مقالاته ومقابلاته بل ومشاكساته الاعلامية، على عالم يضطرب بالآراء والمصادمات الفكرية، ولم يكن وهو الدبلوماسي السابق، متمرساً في فنون الدبلوماسية، حين يفضي بآرائه، ففي الكثير من الأحيان كان يسوق أراءً ناقدة ومواقف ذات إيقاع صارخ، خاصة حين يستفز في مسلماته الفكرية وموقفه من القضايا الراهنة. وبحسب وصف الكاتب محمد صادق دياب فإن تجربة العمل معه كانت هامة وممتعة، إذ قال «انا من المحظوظين الذين تسنى لهم العمل معه وحظيت بتوجيهاته كموجه وصديق».

إلا أن ما قدمه هشام علي حافظ من خدمة وصفها الكثير من أصدقائه ورفاق الدرب بالوطنية كما أوضح الدكتور عاصم حمدان، الذي قال «ابرز ما ميز شخصية هشام حافظ قدرته على استشراف الأفق، حيث نقل جريدة المدينة إلى مدينة كبرى مثل جدة لتنافس بقية الصحف في الستينات». إلا ان النقلة النوعية في تاريخ الصحافة كما أشار حمدان كانت من خلال إدراكه لدور الإعلام وأهميته في حياة الناس من خلال الاستفادة من التقنية الغربية وحاجة العواصم الكبرى لها، فكانت صحيفة «الشرق الأوسط»، التي حملت الرؤى والطروحات المختلفة برغم أنها كانت في تلك الفترة صحيفة مهاجرة، ولم تكن تلك الميزات الوحيدة التي جعلت من هشام حافظ اخطبوطا صحافيا بل إن حرصه على عدم التفريط في موهبة صحافية إلى جانب احتضانه عددا كبيرا منها مما سهل تكوين قاعدة لأجيال صحافية.

وأوضح عاصم حمدان، ان كثيرا من قيادات اليوم الصحافية كانوا من خريجي مدرسة السيد هشام وربما كانت جائزة هشام حافظ واحدة من أهم الجوائز التي حرصت على اكتشاف وتبني المواهب ورعايتها، إلا أن المسيرة الصحافية لهشام علي حافظ تخللتها الكثير من الجوانب التي رأى فيها كثير ممن عمل معه أنها جمعت بين التنظير والممارسة العملية والكتابة كما جعلته ينغمس في الصحافة وبحسب تعبير حمدان «انغمس هشام في الصحافة من المهد للحد كتابة وتنظيرا وتأسيسا».

المسيرة الصحافية التي بدأها هشام منذ نعومة أظفاره كما أوضح الدكتور حمدان تشير إلى وجود نقاط هامة في المسيرة الصحافية له، حيث شرب شهد العمل الصحافي من والده وقام بممارسة العمل الصحافي في المدينة فكان إصدار جريدة المدينة بإمكانيات بسيطة.

ولم يتوقف الطموح عند هذا الحد بل تخطاه ليبدأ تأسيس شركة، كما قال فاروق لقمان «بدأنا من خلال إصدار جريدة عرب نيوز كأول جريدة تصدر باللغة الإنجليزية، ثم بدأ يفكر في جريدة يومية بطابع جديد تتخذ الخط الدولي وساهم في ذلك التقنيات الحديثة».

الطموح الكبير الذي كان يؤرق خيال خريج العلوم السياسية ساهم في توالد مطبوعات جديدة حصدت نجاحات، وبحسب تعبير فاروق لقمان «معظم المطبوعات كانت من إبداعاته من خلال اختيار أسمائها»، وبين تدويل الصحافة العربية التي كانت الإنجاز الأكبر للسيد هشام كما أوضح عاصم حمدان «ربما كان أكبر إنجازات حافظ تدويل الصحافة العربية من خلال جريدة «الشرق الأوسط» إلا أن النقلة كانت في إدخال مفهوم الصحافة المتخصصة بشكل ناضج من خلال مطبوعات متعددة».

وفي الوقت الذي يمثل رحيل السيد هشام حافظ كرائد من رواد الصحافة العربية والدولية من خلال تدويل الصحف العربية وجعلها تطبع في ست عشرة محطة كما أشار الى ذلك لقمان إلا أن الجانب الشخصي له لعب دورا كبيرا في ذلك، وبحسب تعبيره «حدة الطرح وجرأته كانت من ابرز الصفات الشخصية تنم عن درجة كبيرة من المعرفة والفهم والوعي الصحافي»، اضافة الى الرؤية الصحافية العميقة وبعد النظر كما أشار لذلك خالد المعينا رئيس تحرير جريدة عرب نيوز «السيد هشام كان شخصية مبتكرة لقدرته على استحضار أفكار جديدة دائما», إلا أن الصفة التي ميزت هشام حافظ كما أوضح الكاتب محمد صادق دياب «لعل ابرز ما يميز شخصية هشام حافظ عشقه للحياة».