لا يوجد
02-26-2006, 12:21 AM
(1 من 2)
... «القاعدة» جندت العشائر في البداية... ومعركة الفلوجة شرارة الفرقة بين الزرقاوي والأنبار
بغداد - همام حسن الحياة - 25/02/06//
http://www.daralhayat.com/special/features/02-2006/Item-20060224-9d578a6d-c0a8-10ed-001e-064ceed7e935/Ismayil_15.jpg_200_-1.jpg
عضوا هيئة العلماء المسلمين في العراق اسماعيل البدري وبشار الفيضي
المفاوضات التي باشرتها القوات الأميركية والحكومة العراقية مع بعض فصائل المقاومة في العراق قبل الانتخابات النيابية الأخيرة وبعدها، والتي أثمرت أولاً هدنة خلال الانتخابات وثانياً بداية ازمة بين الفصائل العراقية المسلحة غرب العراق وتنظيم «القاعدة»، كشفت أزمة يعيشها تنظيم الزرقاوي في المدن السنية في العراق. ووصلت هذه الأزمة الى ذروتها بعد العملية التي نفذها التنظيم ضد احد مراكز الشرطة في مدينة الرمادي، ما أدى الى مقتل العشرات من أبناء المدينة. وبعد ذلك حصلت مناوشات عديدة بين مجموعات زرقاوية وعشائر في غرب العراق وفي شماله. هنا تحقيق من حلقتين يلقي أضواء على بدايات تشكل تنظيمات اسلامية في العراق وانخراطها في الأعمال العسكرية وتحالفها مع الزرقاوي ثم انفكاكها عنه.
«سمع رنة خاصة من نقاله الحديث فقفز من مكانه حاملاً جهاز تحكم عن بعد ومنظاراً ليلياً للوصول الى المكان المحدد حيث زرع أربع عبوات ناسفة على قارعة الطريق الصحراوي بانتظار مرور رتل للقوات الأميركية.
«ابو دعاء الكربلائي» هكذا كان يحلو لزملائه ان يسموه نسبة الى مدينة كربلاء المقدسة وان كان غادرها قبل عقدين إلى مدينة اليوسفية إحدى مدن «مثلث الموت» الشهير جنوب بغداد ليعمل في مصانع التصنيع العسكري القريبة ويتحول مع الاحتلال الاميركي للعراق إلى احد قادة المجموعات المسلحة التي تستهدف القوات الاميركية مختص في نصب العبوات الناسفة وتفجيرها على طريق اليوسفية السريع الذي يؤدي إلى مناطق جنوب العراق. ويقول من عرفه جيداً انه «فجر وحده اكثر من مئتي عبوة ناسفة على ذلك الطريق منذ منتصف عام 2003 حتى منتصف عام 2005 لكنه اغتيل في النهاية مع عائلته على يد جماعة تكفيرية مسلحة مارست التطهير الطائفي في ذلك المكان الملتهب».
قصة «الكربلائي» الشيعي الذي انتمى إلى مجموعة مسلحة يقودها ضباط في الأنبار تلقي بعض الضوء على الواقع الملتبس لنشاط المجموعات المسلحة في العراق منذ احتلاله.
http://www.daralhayat.com/special/features/02-2006/Item-20060224-9d578a6d-c0a8-10ed-001e-064ceed7e935/Zarkawi_15.jpg_200_-1.jpg
الزرقاوي بدأ خروجه من الأنبار
محنة المقاتلين العرب
في التاسع من نيسان (ابريل) 2003 كان الزلزال حدث، لكن من توابعه محنة المقاتلين العرب الذين تطوعوا لـ «الجهاد» في العراق. وكانت الصورة الاولية في بغداد ايام 10 و11 نيسان كما يرويها عدنان القيسي من اهالي حي الخضراء غرب بغداد تشير إلى ان مئات المقاتلين العرب (سوريين وفلسطينيين ومصريين وسودانيين وسعوديين ومغاربة) تقطعت بهم السبل وتاهوا في شوارع بغداد بلا مأوى ولا دليل بعد تفرق الأجهزة البعثية و (تبخر) الجيش والحرس الجمهوري الخاص و «فدائيو صدام».
ما هي الوسيلة التي وصل من خلالها المقاتلون العرب إلى الأنبار ليعود بعضهم إلى دياره فيما أصر آخرون على المكوث؟ يقول «رائد» وهو ضابط في جهاز الاستخبارات العراقي السابق وأحد منسقي العلاقة مع المتطوعين العرب: «ان استقدام المتطوعين تم عبر تنسيق مع أجهزة استخبارات اقليمية ومنظمات دينية تنشط في مجالات حركة السلفية الجهادية وتعد حلقة وصل مع تنظيمات «القاعدة» في العراق». لكنه يؤكد ان اتصالات مباشرة مع «القاعدة» بشقها الافغاني لم تتم وان كان لا يستبعد حدوث مثل تلك الاتصالات مع تنظيمات (جند الشام) التي أنجبت لاحقاً تنظيم «التوحيد والجهاد» بقيادة الاردني أبو مصعب الزرقاوي.. ويضيف: «انسحاب هؤلاء (عددهم يتراوح بين 4 و 7 آلاف مقاتل) من بغداد وتحديداً إلى الأنبار لم يكن عشوائياً تماماً.. فقد كنت ومجموعة كبيرة من ضباط الاستخبارات وعناصر «فدائيي صدام» مكلفين ضمن الخطط البديلة بقيادة المقاتلين العرب وإخفائهم في حال احتلال بغداد». لكن الخطة بحسب رائد، كانت تنص على إبقاء المقاتلين في بغداد للشروع في عمليات كر وفر فيما الواقع أشار إلى تخلي العديد من المسؤولين عن هذه العملية عن واجباتهم واختفائهم تماماً.
وكشف ان من دفع إلى المواجهة في بغداد لم يتجاوز نسبة 25 في المئة من المقاتلين وان العدد الأكبر تم نقله إلى معسكرات في صلاح الدين والانبار ولم يشارك في الحرب.
من نقل المقاتلين من بغداد إلى الانبار؟ تشير الشهادات الأكثر دقة إلى ان تنظيمات اسلامية عراقية قريبة من فكر «السلفية الجهادية» تكونت منذ مطلع التسعينات وارتأت العمل السري في زمن صدام هي التي شرعت منذ سقوط بغداد بنقل المقاتلين العرب إلى الانبار ليتجمعوا في مضارب احد زعماء عشائر الانبار.
ويؤكد «ابو معاذ» القيادي في إحدى الجماعات المسلحة العراقية ان بعض المقاتلين العرب رفض قرار الانسحاب وظل يقاتل حتى قتل ودفن في مناطق متفرقة من بغداد فيما اختار آخرون العودة إلى ديارهم وعدم المكوث في الانبار ساخطين على الطريقة المهينة التي تعامل بها بعض الاهالي معهم ولجوء البعض إلى طردهم من المناطق السكنية او رفض استقبالهم في المنازل خوفاً من استهدافها.
«جيش محمد»
يتفق المطلعون على ظروف تشكيل المجموعات المسلحة العراقية ان الأشهر الأولى لغزو العراق كانت وضعت الجميع في «صدمة مشتركة» وربما هذا يجيب عن التساؤل الأكثر الحاحاً حول وجود «القاعدة» في العراق في تلك الأشهر.
يقول سعد الدليمي (من وجهاء الانبار) ان التعبئة الدينية كانت على اشدها منذ اليوم الأول للاحتلال في كل مناطق الانبار وفي محافظات عراقية أخرى، وان رجال الدين ذوي الأصول السلفية تصدروا الواجهة مطيحين برجال الدين الموالين للسلطة. لكن هذا التحول لم يتم بين ليلة وضحاها فالبعثيون ورجال صدام كان لهم الدور الاول في تلك الأشهر وسط غياب تام لأي تنظيم مسلح ذي ارتباط بـ «القاعدة».
وتشير جميع الشهادات أيضاً إلى ظروف تشكيل أول تنظيم مسلح في العراق تحت اسم «جيش محمد» من عناصر بعثية وضباط جيش الاستخبارات وعناصر حماية الرئيس العراقي السابقين إضافة إلى المقاتلين العرب الموجودين في الانبار.
يقول لواء ركن في الجيش العراقي1 كان قائد ما يسمى «افواج المقاتلين في الجيش العراقي» التي ظلت مع صدام حسين حتى اعتقاله ان «الرئيس صدام حسين استفاق من هول كارثة انهيار الدفاعات العراقية وإحساسه بالخطأ الكبير الذي اقترفه لعدم إصغائه لنصائح القادة العسكريين المختصين فسعى جاهداً إلى اطلاق «مقاومة شعبية» ولو بعد فوات الأوان بما توافر لديه من بقية من المحيطين به وأموال مودعة هنا وهناك، وعقد لهذه الغاية أول اجتماع مع بعض تلك العناصر التي استطاع الاتصال بها وتجميعها وهم خليط من بعثيين من الكادر الوسط او المستويات الادنى وضباط من مراتب مختلفة وابناء بعض العشائر».
ويضيف: «صدام نأى في تلك المرحلة عن جميع الرهط السابق (المتخاذل) الذي كان يحيط به من قياديين مدنيين وعسكريين» وتم ذلك الاجتماع في محافظة الانبار صيف 2003 في مضارب الشيخ (س.ق) وبحضور ممثلي عشائر ووجهاء ورجال دين».
وينفي اللواء بشدة عقد الاجتماع الاول لاطلاق المقاومة العراقية في مدينة الدور (196 كلم شمال بغداد) كما ينفي وجود تخطيط مسبق لاطلاق العمل المسلح بعد الاحتلال ويؤكد ان «الحقيقة الدامغة تشير إلى عدم وجود اي تخطيط مسبق لمرحلة ما بعد الاحتلال» ويشدد على انه شخصياً ومجموعة من ضباط الجيش العراقي وفروا الحماية لصدام حسين في تلك المرحلة وحتى اعتقاله بوشاية من احد المقربين منه ويكشف ان الدليل على عدم وجود تخطيط مسبق للعمليات هو عجز القيادة العراقية عن اخفاء مليارات الدولارات لاستخدامها في تمويل المقاومة ما قاد لاحقاً إلى نفاد جميع وسائل تمويلها ومرورها لاحقاً بأزمات خطيرة.
«ابو مصعب» من وجهاء الانبار واحد قادة العمليات المسلحة في العراق يؤكد انه حضر اجتماع الرمادي الذي تمخض عن اطلاق تنظيم «جيش محمد» وضم في بداية تكوينه جميع المناوئين للاحتلال وتشكل من كتائب منها «كتيبة العودة» وعناصرها من البعثيين، و»كتيبة الفدائيين» وعناصرها من فدائيي صدام، و»القيادة العامة للقوات المسلحة» وتكونت من ضباط الجيش العراقي، و»كتائب المجاهدين» وعمادها المقاتلون العرب. فيما انقسمت كل من تلك الكتائب إلى سرايا مختلفة سميت كل واحدة وفق الاختصاص او التوجه، فكانت هناك سرية الصواريخ وسرية العيون (الاستخبارات) وسرية الاستطلاع وسرية الفدائيين (الانتحاريين) وسرية الانصار.. الخ.
لكن الحال لم تستمر وسرعان ما تفكك «جيش محمد» ودخلت «القاعدة» إلى العراق باسلوب تنظيم وتمويل اكبر واكثر فاعلية لتغير موازين الأحداث منذ تشرين الاول (اكتوبر) 2003 وليشهد الشهر التالي اعتقال صدام..
الزرقاوي سيد السلاح والانتحاريين..
الاعلان عن اعتقال صدام في مؤتمر صحافي عقده الحاكم المدني الاميركي بول بريمر في 13 كانون الاول (ديسمبر) 2003 يمكن ان يعد ايضاً بداية لتحول موازين القوى في خريطة المجموعات المسلحة العراقية.. ولم تكن تلك المتغيرات ذات دلالات مرتبطة باعتقال صدام لكنها أشرت الى بوادر صراع بين الاتجاهات المختلفة داخل تلك المجموعات..
في كانون الاول (ديسمبر) 2003 دارت أحاديث مختلفة عن اصل العمليات المسلحة في العراق والجهات التي تقف خلفها وكان الاعتقاد السائد ان البعثيين وجماعة صدام هم من يدير تلك العمليات في وقت برز فيه اسم احمد الخلايلة او أبو مصعب الزرقاوي اميركياً كقائد مباشر ومسؤول عن العنف في العراق.
وفي شهادة س. ص أحد اقرب المرافقين الشخصيين لصدام حسين وكان مسؤولاً عن خطة اختبائه وتنقلاته وهو معتقل الآن لدى القوات الاميركية ولم يتم الاعلان عن اعتقاله منذ عام بعد إعادته قسراً من جمهورية مصر العربية التي توجه اليها لغرض السفر إلى ليبيا انه «في تموز (يوليو) 2003 كان تمويل العمليات المسلحة يتم بوسائل عدة أبرزها تلك الأموال التي وفرها صدام نفسه لدعم مجموعة جيش محمد وإنشاء «القيادة العامة للمقاومة والتحرير» التي ضمت إضافة إلى جيش محمد الذي كان عماده المقاتلون العرب، « كتائب الفاروق» ومجموعة الحرس الخاص وفدائيي صدام والاستخبارات العسكرية».
ويقول (س. ص) ان صدام أوكل الى قادة تلك المجموعات تشكيل نظام تمويل خيطي وشبكة محاسبية بالاستناد إلى هذا النظام تعكف على توزيع مبلغ بليون دولار إلى خمسة أقسام يستلم كل قائد رئيسي في مجموعة مسلحة مبلغ 200 مليون دولار ويوزعها على قادة الفصائل المنضوية تحت لوائه بحدود مبالغ 25 مليون دولار لإدامة حركة المقاومة في حال تم إلقاء القبض على صدام او قادة تلك المجموعات.
ويضيف: «بعد اعتقال صدام اكتشفنا ان أربعة من بين خمسة قادة تسلموا المبالغ المالية هربوا بها ليستقروا في سورية ويتعهدوا من هناك بدعم المجموعات التي تتبع لهم وكان ذلك اشبه بالكارثة التي تركت التنظيمات التي انشأها صدام من دون غطاء مالي واحدثت زلزالاً في وسط المسلحين الذين سرعان ما انفضوا من حول اؤلئك القادة (ومعظمهم من المقربين من صدام او كبار القادة في الاستخبارات والحرس الخاص والمرافقين الشخصيين).
هنا تحديداً يفصل (س.ص) العلاقة بين التنظيمات البعثية والعسكرية وتنظيم «القاعدة». فيقول: «كانت نصيحة صدام حسين لتلك الفصائل الابتعاد عن التنسيق الفكري والمنهجي مع المجموعات الاسلامية التي بدأ نجمها يبزغ في العراق منذ الاحتلال وخصوصاً تنظيم «القاعدة» وجماعة «التوحيد والجهاد». على ان يستمر التنسيق المرحلي معها بهدف اخراج الاحتلال ثم يضيف: «كنت شخصياً احد المنسقين بين الجماعات المسلحة العراقية التي كانت ما زالت حتى قبل اعتقال صدام تعده قائداً لها خصوصاً ضباط الجيش العراقي والحرس الجمهوري وزعماء العشائر العراقية وابنائها ورجال الدين السنة.. وبين التنظيمات ذات الأصول الفكرية المتشددة ومنها تنظيم «التوحيد والجهاد» الذي تزعمه أبو مصعب الزرقاوي.
ولم يفصح (س.ص) ان كان التقى فعلاً الزرقاوي في العراق لكنه يشير إلى حادثة في غاية الأهمية تجدر الإشارة اليها: «في ايلول عام 2003 عقد اتفاق بين قادة المجموعات المسلحة وتنظيم التوحيد والجهاد على قبول عرض الأخير تقديم الأموال والانتحاريين لدعم عمليات تلك المجموعات» وعلى رغم ان المعلومة غير مفاجئة في العموم لكنها تلقي الضوء على تنظيم «التوحيد والجهاد» الذي اطلق عليه لاحقاً «قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين».
الزرقاوي.. والسر الكبير!
لم يكن تنظيم «التوحيد والجهاد» في جوهره تنظيماً عراقياً حتى عام 2004، واغلب الظن ان الزرقاوي وجماعته المنخرطين في تنظيمات «جند الشام» التابعة لـ «القاعدة» مكثوا في كردستان العراق حتى مطلع ذلك العام قبل ان ينتقلوا من هناك إلى مدينة القائم الحدودية مع سورية ليكوّنوا اولى شبكاتهم بمعزل عن بقية المجموعات وليمدوا من هناك اصابعهم نحو الانبار والموصل وبغداد وسامراء وبابل في شكل تدريجي عبر مبعوثين نقلوا مبالغ من الاموال سخرت لشراء الاسلحة من السوق العراقي ووفرت السيارات المفخخة، فيما جرى التنسيق منذ ذلك الحين في توفير الانتحاريين المتطوعين من بلدان عربية واسلامية، ووفر بعض التجار العرب شحنات من السيارات المستوردة لاستخدامها في عمليات التفخيخ.
مقربون من تنظيم الزرقاوي يؤكدون انه استثمر وسخر شبكة «القاعدة» في الخليج وبلدان المغرب العربي والشام لتمويل العمليات. وتبين لاحقاً ان تنظيمات كانت يد القاعدة في العراق مثل «انصار السنة» و «انصار الاسلام» و «سرايا الجهاد الاسلامي» و «المجموعة السلفية» و «جيش الطائفة المنصورة» نجح الزرقاوي في حصر ارتباطها وتمويلها به بعد ان كانت على صلات مباشرة مع تنظيم «القاعدة».
ويقول مقربون من تنظيم «القاعدة» في الخليج العربي ان حدثاً بارزاً قاد لاحقاً إلى تغيير خط سير الزرقاوي في تلك المرحلة تمثل في رسالة وصلت إلى شبكات تمويل التنظيم في المنطقة باسم أسامة بن لادن شخصياً تدعو إلى إيقاف تمويل الزرقاوي الذي بدا انه لا ينسق في عمله وسياساته مع «القاعدة» مقابل ايجاد منافذ لتمويل بقية المجموعات المسلحة العراقية لترتبط بتنظيم القاعدة ورموزها في العراق بدلاً من الزرقاوي.
كان إحساس زعماء القاعدة بخطر الزرقاوي نابعاً من ان الأخير يتخذ ساحة تختلف تماماً عن أفغانستان للمواجهة وهو بالتالي سيكون اقرب إلى مصادر التمويل من جهة واقرب إلى شبكة المتطوعين من جهة ثانية ناهيك بما حظي به تنظيم الزرقاوي من اهتمام اعلامي وسياسي محلي ودولي كان ينبئ بتحول الاخير إلى قائد لحركة «الجهاد» وتراجع القادة الكلاسيكيين إلى مرتبة ادنى.
استدارة جديدة
عرف الزرقاوي ان نزاعاً مع قادة «القاعدة» لن يكون في مصلحة تنظيمه خصوصاً أنه سيؤثر في عاملين أساسيين لن يكون للتنظيم وجود في العراق من دونهما (الانتحاريين، والاموال) فعالج الموقف سريعاً باعلان بيعته لبن لادن اماماً ثم تغيير اسم تنظيمه إلى «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين» ما اسقط بيد قادة القاعدة.
في الجانب الاخر من الصراع احست القوى المسلحة العراقية بنمو سطوة جماعة الزرقاوي، وكان لبروز فكرة استهداف الشيعة في كربلاء والكاظمية عبر انتحاريين مفخخين أسس لخلاف مع جماعة الزرقاوي سيتطور لاحقاً إلى حرب معلنة بين الطرفين. لكن قضية اكتشاف اسلوب التمويل والحصول على المتطوعين الذي انتهجته جماعة «التوحيد والجهاد» كان له الإثر البالغ ميدانياً في شق الصفوف بين الجانبين لاحقاً والذي بدأت بوادره بعد ازمة الفلوجة الاولى في نيسان 2004.
ويقول أحد المسلحين التابعين لـ «الجيش الاسلامي» في العراق وهو مكون من ضباط عراقيين متخصصين في اطلاق الصواريخ تطورت إمكاناتهم لاحقاً لتكوين واحدة من اكبر المجموعات المسلحة العراقية حالياً «ان الارتباك الذي صاحب تفكك مجموعات مسلحة مع بداية عام 2004 وبروز مجموعات أخرى كبرى ابرزها «الجيش الاسلامي» و «جيش المجاهدين» و «كتائب ثورة العشرين» صاحبه ايضاً ضعف في التمويل والتنظيم والترويج الاعلامي. ما سمح لتنظيم «التوحيد والجهاد» بتبني اغلب العمليات التي كان ينفذها ويخطط لها عناصر تلك التنظيمات» ويضيف: «85 في المئة من عمليات المجموعات العراقية الكبرى تبناها الزرقاوي ما ساعد على إضفاء المزيد من الهالة الاعلامية حول شخصيته او إمكانات جماعته» ويبرر قبول المجموعات العراقية بهذا الواقع بضعف إمكانات الترويج الإعلامي لها ويقول: «الزرقاوي وجماعته كانوا قادمين من خلفيات اجتماعية كانت على اطلاع كامل على أساليب الترويج الاعلامي الحديثة وخصوصاً عبر شبكة الانترنت فاستثمروا علاقاتهم بشبكات القاعدة الالكترونية لترويج بياناتهم وافكارهم وخطاباتهم في وقت لم يدخل الانترنت العراق الا بعد الاحتلال ولم يدخل الانبار الا في بداية عام 2004».
لكن مصدراً آخر مقرباً من تنظيم الزرقاوي يطرح القضية من بعد آخر. ويقول: «حتى الآن جماعة الزرقاوي توفر الأموال لشراء الأسلحة أو السيارات للتفخيخ كما توفر «الانتحاري» الذي سيقوم بهذه العملية او تلك ولم يكن للجماعات الأخرى دور سوى التخطيط».
ويمكن الاستنتاج من كل ذلك ان المجموعات التي اضطرت الى قبول تمويل الزرقاوي بعد ان نفدت مصادر تمويلها او أصبحت غير كافية لتأمين استمراريتها شعرت منذ بداية تعاونها مع الزرقاوي ان الأخير «يسرق» جهودها ويجير إنجازاتها لمصلحته، ولنا ان نستند في ذلك الى الاختلافات الفكرية والمنهجية بين الجانبين، فغالبية المجموعات العراقية كانت من ضباط الجيش العراقي والبعثيين وابناء العشائر ممن يرتبطون بالضرورة بخــلفيات اجتماعية وسياسية وثــقافية محــلية في حين يعتمد منهج الزرقاوي على رؤية لصراع كوني ويستند الى هدف إعادة «إحياء الخلافة» في العراق.
خريطة جديدة للقوى المسلحة
مع اندلاع ازمة الفلوجة الاولى (نيسان/ ابريل 2004) كانت هذه المدينة تعد معقلاً للمجموعات الجديدة التي تكونت على أنقاض «جيش محمد» وتنظيمات البعث واستقطبت نسبة كبيرة من الضباط والبعثيين ورجال العشائر في طار تنظيمات (اسلامية وطنية) مستقلة عن الخط البعثي من جهة وعن التنظيمات الاسلامية المتطرفة من جهة اخرى. وكان حل ازمة الفلوجة على يد زعيم مجلس شورى المجاهدين عبدالله الجنابي وهو كبير أئمة المدينة بعد اطلاق سراحه من سجن ابو غريب حيث كان معتقلاً منذ أواخر عام 2003 ليقود مفاوضات انتجت تشكيل «لواء الفلوجة» من مجموعات «المقاومة العراقية» وانسحاب القوات الاميركية منها يؤشر الى بروز خريطة جديدة في عمل المجموعات العراقية المسلحة» يمكن إحصاءها بالاستناد الى شهادات المسلحين أنفسهم على النحو الآتي:
> «الجيش الإسلامي»: وأساسه الجيش العراقي المنحل وضباطه، تأسس بمبادرات فردية جمعها الضباط ورجال الدين وابناء العشائر، واتجاههم اسلامي معتدل متمسك بالكتاب والسنة في إطار وطني عام، وقد التحقت به كتائب وسرايا متفرقة، ويعتبر الجيش الاسلامي من بين اكبر الفصائل.
> «جماعة أنصار السنة»: وهم جماعة سلفية، لها علاقات بتنظيم القاعدة بشقه الأفغاني.
> «أنصار الإسلام»: وهم ايضاً جماعة سلفية وأكثرهم من الأكراد.
> «كتائب ثورة العشرين»: أسستها مجموعة من رجال الدين الذين يحثون على القتال ضد الاحتلال وهؤلاء لهم علاقة في شكل او بآخر بهيئة علماء المسلمين او هم من القائمين على المساجد المرتبطة بالهيئة المذكورة أو بهيئة الدعوة والارشاد والافتاء التي يترأسها الشيخ مهدي الصميدعي المعتقل حالياً. ودفع هذا الشيخ المئات من الشباب للالتحاق بفصائل المقاومة على مختلف مناهجها.
> «جيش المجاهدين»: وقد أسسه عدد من الاسلامين السائرين على منهج «السلف الصالح» والتحق به عدد من الفصائل والكتائب وكذلك التحق عدد من العروبيين والقوميين وابناء العشائر وعدد من ضباط الجيش العراقي.
> «مجلس شورى المجاهدين»: وهو ليس مجلساً واحداً وانما مجالس عدة في مناطق عدة وتنسق مع بعضها بعضاً كمجلس شورى المجاهدين في الفلوجة برئاسة الشيخ عبدالله الجنابي ويعتقد ان جيش المجاهدين تابع لهذا المجلس وهناك آخرون في الموصل وفي سامراء والقائم وهيت والرمادي وغيرها وهي فصائل اسلامية وسلفية ويلتحق بصفوفها بين الحين والآخر بعض المتطوعين العرب.
> «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين»: وهم الجماعة الأكثر تنظيماً والأكثر تمويلاً وتضم بين صفوفها بعض المتطوعين العرب وترتبط بها «سرايا الجهاد الاسلامي» و «التوحيد والجهاد» و «جيش الطائفة المنصورة» و «أسود التوحيد» و «سرايا الغرباء» و «سرايا أنصار التوحيد» و «كتائب الأهوال».
> «المقاومة الاسلامية»: وأسستها جماعة من الأخوان المسلمين غير جماعة الحزب الاسلامي وان كان لبعضهم علاقات مع رجال دين من القريبين من الحزب الاسلامي.
> مجموعات عائلية أو عشائرية أو دينية لمنطقة معينة وهي موجودة في كل المحافظات من بينها على سبيل المثال لا الحصر، «جيش الراشدين» و «الحركة الإسلامية لمجاهدي العراق» و «كتائب الحسين» و «سرايا الحق».
> الفصائل البعثية: وهي ما تبقى من «جيش محمد»: أسسها حزب «البعث» قبل سقوط بغداد واعتمدت على المتطوعين العرب ثم التحقت بها بعد الاحتلال مجموعات من البعثيين وتولت قيادات بعثية من خارج العراق وخصوصاً سورية دعمها بالأموال.
... «القاعدة» جندت العشائر في البداية... ومعركة الفلوجة شرارة الفرقة بين الزرقاوي والأنبار
بغداد - همام حسن الحياة - 25/02/06//
http://www.daralhayat.com/special/features/02-2006/Item-20060224-9d578a6d-c0a8-10ed-001e-064ceed7e935/Ismayil_15.jpg_200_-1.jpg
عضوا هيئة العلماء المسلمين في العراق اسماعيل البدري وبشار الفيضي
المفاوضات التي باشرتها القوات الأميركية والحكومة العراقية مع بعض فصائل المقاومة في العراق قبل الانتخابات النيابية الأخيرة وبعدها، والتي أثمرت أولاً هدنة خلال الانتخابات وثانياً بداية ازمة بين الفصائل العراقية المسلحة غرب العراق وتنظيم «القاعدة»، كشفت أزمة يعيشها تنظيم الزرقاوي في المدن السنية في العراق. ووصلت هذه الأزمة الى ذروتها بعد العملية التي نفذها التنظيم ضد احد مراكز الشرطة في مدينة الرمادي، ما أدى الى مقتل العشرات من أبناء المدينة. وبعد ذلك حصلت مناوشات عديدة بين مجموعات زرقاوية وعشائر في غرب العراق وفي شماله. هنا تحقيق من حلقتين يلقي أضواء على بدايات تشكل تنظيمات اسلامية في العراق وانخراطها في الأعمال العسكرية وتحالفها مع الزرقاوي ثم انفكاكها عنه.
«سمع رنة خاصة من نقاله الحديث فقفز من مكانه حاملاً جهاز تحكم عن بعد ومنظاراً ليلياً للوصول الى المكان المحدد حيث زرع أربع عبوات ناسفة على قارعة الطريق الصحراوي بانتظار مرور رتل للقوات الأميركية.
«ابو دعاء الكربلائي» هكذا كان يحلو لزملائه ان يسموه نسبة الى مدينة كربلاء المقدسة وان كان غادرها قبل عقدين إلى مدينة اليوسفية إحدى مدن «مثلث الموت» الشهير جنوب بغداد ليعمل في مصانع التصنيع العسكري القريبة ويتحول مع الاحتلال الاميركي للعراق إلى احد قادة المجموعات المسلحة التي تستهدف القوات الاميركية مختص في نصب العبوات الناسفة وتفجيرها على طريق اليوسفية السريع الذي يؤدي إلى مناطق جنوب العراق. ويقول من عرفه جيداً انه «فجر وحده اكثر من مئتي عبوة ناسفة على ذلك الطريق منذ منتصف عام 2003 حتى منتصف عام 2005 لكنه اغتيل في النهاية مع عائلته على يد جماعة تكفيرية مسلحة مارست التطهير الطائفي في ذلك المكان الملتهب».
قصة «الكربلائي» الشيعي الذي انتمى إلى مجموعة مسلحة يقودها ضباط في الأنبار تلقي بعض الضوء على الواقع الملتبس لنشاط المجموعات المسلحة في العراق منذ احتلاله.
http://www.daralhayat.com/special/features/02-2006/Item-20060224-9d578a6d-c0a8-10ed-001e-064ceed7e935/Zarkawi_15.jpg_200_-1.jpg
الزرقاوي بدأ خروجه من الأنبار
محنة المقاتلين العرب
في التاسع من نيسان (ابريل) 2003 كان الزلزال حدث، لكن من توابعه محنة المقاتلين العرب الذين تطوعوا لـ «الجهاد» في العراق. وكانت الصورة الاولية في بغداد ايام 10 و11 نيسان كما يرويها عدنان القيسي من اهالي حي الخضراء غرب بغداد تشير إلى ان مئات المقاتلين العرب (سوريين وفلسطينيين ومصريين وسودانيين وسعوديين ومغاربة) تقطعت بهم السبل وتاهوا في شوارع بغداد بلا مأوى ولا دليل بعد تفرق الأجهزة البعثية و (تبخر) الجيش والحرس الجمهوري الخاص و «فدائيو صدام».
ما هي الوسيلة التي وصل من خلالها المقاتلون العرب إلى الأنبار ليعود بعضهم إلى دياره فيما أصر آخرون على المكوث؟ يقول «رائد» وهو ضابط في جهاز الاستخبارات العراقي السابق وأحد منسقي العلاقة مع المتطوعين العرب: «ان استقدام المتطوعين تم عبر تنسيق مع أجهزة استخبارات اقليمية ومنظمات دينية تنشط في مجالات حركة السلفية الجهادية وتعد حلقة وصل مع تنظيمات «القاعدة» في العراق». لكنه يؤكد ان اتصالات مباشرة مع «القاعدة» بشقها الافغاني لم تتم وان كان لا يستبعد حدوث مثل تلك الاتصالات مع تنظيمات (جند الشام) التي أنجبت لاحقاً تنظيم «التوحيد والجهاد» بقيادة الاردني أبو مصعب الزرقاوي.. ويضيف: «انسحاب هؤلاء (عددهم يتراوح بين 4 و 7 آلاف مقاتل) من بغداد وتحديداً إلى الأنبار لم يكن عشوائياً تماماً.. فقد كنت ومجموعة كبيرة من ضباط الاستخبارات وعناصر «فدائيي صدام» مكلفين ضمن الخطط البديلة بقيادة المقاتلين العرب وإخفائهم في حال احتلال بغداد». لكن الخطة بحسب رائد، كانت تنص على إبقاء المقاتلين في بغداد للشروع في عمليات كر وفر فيما الواقع أشار إلى تخلي العديد من المسؤولين عن هذه العملية عن واجباتهم واختفائهم تماماً.
وكشف ان من دفع إلى المواجهة في بغداد لم يتجاوز نسبة 25 في المئة من المقاتلين وان العدد الأكبر تم نقله إلى معسكرات في صلاح الدين والانبار ولم يشارك في الحرب.
من نقل المقاتلين من بغداد إلى الانبار؟ تشير الشهادات الأكثر دقة إلى ان تنظيمات اسلامية عراقية قريبة من فكر «السلفية الجهادية» تكونت منذ مطلع التسعينات وارتأت العمل السري في زمن صدام هي التي شرعت منذ سقوط بغداد بنقل المقاتلين العرب إلى الانبار ليتجمعوا في مضارب احد زعماء عشائر الانبار.
ويؤكد «ابو معاذ» القيادي في إحدى الجماعات المسلحة العراقية ان بعض المقاتلين العرب رفض قرار الانسحاب وظل يقاتل حتى قتل ودفن في مناطق متفرقة من بغداد فيما اختار آخرون العودة إلى ديارهم وعدم المكوث في الانبار ساخطين على الطريقة المهينة التي تعامل بها بعض الاهالي معهم ولجوء البعض إلى طردهم من المناطق السكنية او رفض استقبالهم في المنازل خوفاً من استهدافها.
«جيش محمد»
يتفق المطلعون على ظروف تشكيل المجموعات المسلحة العراقية ان الأشهر الأولى لغزو العراق كانت وضعت الجميع في «صدمة مشتركة» وربما هذا يجيب عن التساؤل الأكثر الحاحاً حول وجود «القاعدة» في العراق في تلك الأشهر.
يقول سعد الدليمي (من وجهاء الانبار) ان التعبئة الدينية كانت على اشدها منذ اليوم الأول للاحتلال في كل مناطق الانبار وفي محافظات عراقية أخرى، وان رجال الدين ذوي الأصول السلفية تصدروا الواجهة مطيحين برجال الدين الموالين للسلطة. لكن هذا التحول لم يتم بين ليلة وضحاها فالبعثيون ورجال صدام كان لهم الدور الاول في تلك الأشهر وسط غياب تام لأي تنظيم مسلح ذي ارتباط بـ «القاعدة».
وتشير جميع الشهادات أيضاً إلى ظروف تشكيل أول تنظيم مسلح في العراق تحت اسم «جيش محمد» من عناصر بعثية وضباط جيش الاستخبارات وعناصر حماية الرئيس العراقي السابقين إضافة إلى المقاتلين العرب الموجودين في الانبار.
يقول لواء ركن في الجيش العراقي1 كان قائد ما يسمى «افواج المقاتلين في الجيش العراقي» التي ظلت مع صدام حسين حتى اعتقاله ان «الرئيس صدام حسين استفاق من هول كارثة انهيار الدفاعات العراقية وإحساسه بالخطأ الكبير الذي اقترفه لعدم إصغائه لنصائح القادة العسكريين المختصين فسعى جاهداً إلى اطلاق «مقاومة شعبية» ولو بعد فوات الأوان بما توافر لديه من بقية من المحيطين به وأموال مودعة هنا وهناك، وعقد لهذه الغاية أول اجتماع مع بعض تلك العناصر التي استطاع الاتصال بها وتجميعها وهم خليط من بعثيين من الكادر الوسط او المستويات الادنى وضباط من مراتب مختلفة وابناء بعض العشائر».
ويضيف: «صدام نأى في تلك المرحلة عن جميع الرهط السابق (المتخاذل) الذي كان يحيط به من قياديين مدنيين وعسكريين» وتم ذلك الاجتماع في محافظة الانبار صيف 2003 في مضارب الشيخ (س.ق) وبحضور ممثلي عشائر ووجهاء ورجال دين».
وينفي اللواء بشدة عقد الاجتماع الاول لاطلاق المقاومة العراقية في مدينة الدور (196 كلم شمال بغداد) كما ينفي وجود تخطيط مسبق لاطلاق العمل المسلح بعد الاحتلال ويؤكد ان «الحقيقة الدامغة تشير إلى عدم وجود اي تخطيط مسبق لمرحلة ما بعد الاحتلال» ويشدد على انه شخصياً ومجموعة من ضباط الجيش العراقي وفروا الحماية لصدام حسين في تلك المرحلة وحتى اعتقاله بوشاية من احد المقربين منه ويكشف ان الدليل على عدم وجود تخطيط مسبق للعمليات هو عجز القيادة العراقية عن اخفاء مليارات الدولارات لاستخدامها في تمويل المقاومة ما قاد لاحقاً إلى نفاد جميع وسائل تمويلها ومرورها لاحقاً بأزمات خطيرة.
«ابو مصعب» من وجهاء الانبار واحد قادة العمليات المسلحة في العراق يؤكد انه حضر اجتماع الرمادي الذي تمخض عن اطلاق تنظيم «جيش محمد» وضم في بداية تكوينه جميع المناوئين للاحتلال وتشكل من كتائب منها «كتيبة العودة» وعناصرها من البعثيين، و»كتيبة الفدائيين» وعناصرها من فدائيي صدام، و»القيادة العامة للقوات المسلحة» وتكونت من ضباط الجيش العراقي، و»كتائب المجاهدين» وعمادها المقاتلون العرب. فيما انقسمت كل من تلك الكتائب إلى سرايا مختلفة سميت كل واحدة وفق الاختصاص او التوجه، فكانت هناك سرية الصواريخ وسرية العيون (الاستخبارات) وسرية الاستطلاع وسرية الفدائيين (الانتحاريين) وسرية الانصار.. الخ.
لكن الحال لم تستمر وسرعان ما تفكك «جيش محمد» ودخلت «القاعدة» إلى العراق باسلوب تنظيم وتمويل اكبر واكثر فاعلية لتغير موازين الأحداث منذ تشرين الاول (اكتوبر) 2003 وليشهد الشهر التالي اعتقال صدام..
الزرقاوي سيد السلاح والانتحاريين..
الاعلان عن اعتقال صدام في مؤتمر صحافي عقده الحاكم المدني الاميركي بول بريمر في 13 كانون الاول (ديسمبر) 2003 يمكن ان يعد ايضاً بداية لتحول موازين القوى في خريطة المجموعات المسلحة العراقية.. ولم تكن تلك المتغيرات ذات دلالات مرتبطة باعتقال صدام لكنها أشرت الى بوادر صراع بين الاتجاهات المختلفة داخل تلك المجموعات..
في كانون الاول (ديسمبر) 2003 دارت أحاديث مختلفة عن اصل العمليات المسلحة في العراق والجهات التي تقف خلفها وكان الاعتقاد السائد ان البعثيين وجماعة صدام هم من يدير تلك العمليات في وقت برز فيه اسم احمد الخلايلة او أبو مصعب الزرقاوي اميركياً كقائد مباشر ومسؤول عن العنف في العراق.
وفي شهادة س. ص أحد اقرب المرافقين الشخصيين لصدام حسين وكان مسؤولاً عن خطة اختبائه وتنقلاته وهو معتقل الآن لدى القوات الاميركية ولم يتم الاعلان عن اعتقاله منذ عام بعد إعادته قسراً من جمهورية مصر العربية التي توجه اليها لغرض السفر إلى ليبيا انه «في تموز (يوليو) 2003 كان تمويل العمليات المسلحة يتم بوسائل عدة أبرزها تلك الأموال التي وفرها صدام نفسه لدعم مجموعة جيش محمد وإنشاء «القيادة العامة للمقاومة والتحرير» التي ضمت إضافة إلى جيش محمد الذي كان عماده المقاتلون العرب، « كتائب الفاروق» ومجموعة الحرس الخاص وفدائيي صدام والاستخبارات العسكرية».
ويقول (س. ص) ان صدام أوكل الى قادة تلك المجموعات تشكيل نظام تمويل خيطي وشبكة محاسبية بالاستناد إلى هذا النظام تعكف على توزيع مبلغ بليون دولار إلى خمسة أقسام يستلم كل قائد رئيسي في مجموعة مسلحة مبلغ 200 مليون دولار ويوزعها على قادة الفصائل المنضوية تحت لوائه بحدود مبالغ 25 مليون دولار لإدامة حركة المقاومة في حال تم إلقاء القبض على صدام او قادة تلك المجموعات.
ويضيف: «بعد اعتقال صدام اكتشفنا ان أربعة من بين خمسة قادة تسلموا المبالغ المالية هربوا بها ليستقروا في سورية ويتعهدوا من هناك بدعم المجموعات التي تتبع لهم وكان ذلك اشبه بالكارثة التي تركت التنظيمات التي انشأها صدام من دون غطاء مالي واحدثت زلزالاً في وسط المسلحين الذين سرعان ما انفضوا من حول اؤلئك القادة (ومعظمهم من المقربين من صدام او كبار القادة في الاستخبارات والحرس الخاص والمرافقين الشخصيين).
هنا تحديداً يفصل (س.ص) العلاقة بين التنظيمات البعثية والعسكرية وتنظيم «القاعدة». فيقول: «كانت نصيحة صدام حسين لتلك الفصائل الابتعاد عن التنسيق الفكري والمنهجي مع المجموعات الاسلامية التي بدأ نجمها يبزغ في العراق منذ الاحتلال وخصوصاً تنظيم «القاعدة» وجماعة «التوحيد والجهاد». على ان يستمر التنسيق المرحلي معها بهدف اخراج الاحتلال ثم يضيف: «كنت شخصياً احد المنسقين بين الجماعات المسلحة العراقية التي كانت ما زالت حتى قبل اعتقال صدام تعده قائداً لها خصوصاً ضباط الجيش العراقي والحرس الجمهوري وزعماء العشائر العراقية وابنائها ورجال الدين السنة.. وبين التنظيمات ذات الأصول الفكرية المتشددة ومنها تنظيم «التوحيد والجهاد» الذي تزعمه أبو مصعب الزرقاوي.
ولم يفصح (س.ص) ان كان التقى فعلاً الزرقاوي في العراق لكنه يشير إلى حادثة في غاية الأهمية تجدر الإشارة اليها: «في ايلول عام 2003 عقد اتفاق بين قادة المجموعات المسلحة وتنظيم التوحيد والجهاد على قبول عرض الأخير تقديم الأموال والانتحاريين لدعم عمليات تلك المجموعات» وعلى رغم ان المعلومة غير مفاجئة في العموم لكنها تلقي الضوء على تنظيم «التوحيد والجهاد» الذي اطلق عليه لاحقاً «قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين».
الزرقاوي.. والسر الكبير!
لم يكن تنظيم «التوحيد والجهاد» في جوهره تنظيماً عراقياً حتى عام 2004، واغلب الظن ان الزرقاوي وجماعته المنخرطين في تنظيمات «جند الشام» التابعة لـ «القاعدة» مكثوا في كردستان العراق حتى مطلع ذلك العام قبل ان ينتقلوا من هناك إلى مدينة القائم الحدودية مع سورية ليكوّنوا اولى شبكاتهم بمعزل عن بقية المجموعات وليمدوا من هناك اصابعهم نحو الانبار والموصل وبغداد وسامراء وبابل في شكل تدريجي عبر مبعوثين نقلوا مبالغ من الاموال سخرت لشراء الاسلحة من السوق العراقي ووفرت السيارات المفخخة، فيما جرى التنسيق منذ ذلك الحين في توفير الانتحاريين المتطوعين من بلدان عربية واسلامية، ووفر بعض التجار العرب شحنات من السيارات المستوردة لاستخدامها في عمليات التفخيخ.
مقربون من تنظيم الزرقاوي يؤكدون انه استثمر وسخر شبكة «القاعدة» في الخليج وبلدان المغرب العربي والشام لتمويل العمليات. وتبين لاحقاً ان تنظيمات كانت يد القاعدة في العراق مثل «انصار السنة» و «انصار الاسلام» و «سرايا الجهاد الاسلامي» و «المجموعة السلفية» و «جيش الطائفة المنصورة» نجح الزرقاوي في حصر ارتباطها وتمويلها به بعد ان كانت على صلات مباشرة مع تنظيم «القاعدة».
ويقول مقربون من تنظيم «القاعدة» في الخليج العربي ان حدثاً بارزاً قاد لاحقاً إلى تغيير خط سير الزرقاوي في تلك المرحلة تمثل في رسالة وصلت إلى شبكات تمويل التنظيم في المنطقة باسم أسامة بن لادن شخصياً تدعو إلى إيقاف تمويل الزرقاوي الذي بدا انه لا ينسق في عمله وسياساته مع «القاعدة» مقابل ايجاد منافذ لتمويل بقية المجموعات المسلحة العراقية لترتبط بتنظيم القاعدة ورموزها في العراق بدلاً من الزرقاوي.
كان إحساس زعماء القاعدة بخطر الزرقاوي نابعاً من ان الأخير يتخذ ساحة تختلف تماماً عن أفغانستان للمواجهة وهو بالتالي سيكون اقرب إلى مصادر التمويل من جهة واقرب إلى شبكة المتطوعين من جهة ثانية ناهيك بما حظي به تنظيم الزرقاوي من اهتمام اعلامي وسياسي محلي ودولي كان ينبئ بتحول الاخير إلى قائد لحركة «الجهاد» وتراجع القادة الكلاسيكيين إلى مرتبة ادنى.
استدارة جديدة
عرف الزرقاوي ان نزاعاً مع قادة «القاعدة» لن يكون في مصلحة تنظيمه خصوصاً أنه سيؤثر في عاملين أساسيين لن يكون للتنظيم وجود في العراق من دونهما (الانتحاريين، والاموال) فعالج الموقف سريعاً باعلان بيعته لبن لادن اماماً ثم تغيير اسم تنظيمه إلى «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين» ما اسقط بيد قادة القاعدة.
في الجانب الاخر من الصراع احست القوى المسلحة العراقية بنمو سطوة جماعة الزرقاوي، وكان لبروز فكرة استهداف الشيعة في كربلاء والكاظمية عبر انتحاريين مفخخين أسس لخلاف مع جماعة الزرقاوي سيتطور لاحقاً إلى حرب معلنة بين الطرفين. لكن قضية اكتشاف اسلوب التمويل والحصول على المتطوعين الذي انتهجته جماعة «التوحيد والجهاد» كان له الإثر البالغ ميدانياً في شق الصفوف بين الجانبين لاحقاً والذي بدأت بوادره بعد ازمة الفلوجة الاولى في نيسان 2004.
ويقول أحد المسلحين التابعين لـ «الجيش الاسلامي» في العراق وهو مكون من ضباط عراقيين متخصصين في اطلاق الصواريخ تطورت إمكاناتهم لاحقاً لتكوين واحدة من اكبر المجموعات المسلحة العراقية حالياً «ان الارتباك الذي صاحب تفكك مجموعات مسلحة مع بداية عام 2004 وبروز مجموعات أخرى كبرى ابرزها «الجيش الاسلامي» و «جيش المجاهدين» و «كتائب ثورة العشرين» صاحبه ايضاً ضعف في التمويل والتنظيم والترويج الاعلامي. ما سمح لتنظيم «التوحيد والجهاد» بتبني اغلب العمليات التي كان ينفذها ويخطط لها عناصر تلك التنظيمات» ويضيف: «85 في المئة من عمليات المجموعات العراقية الكبرى تبناها الزرقاوي ما ساعد على إضفاء المزيد من الهالة الاعلامية حول شخصيته او إمكانات جماعته» ويبرر قبول المجموعات العراقية بهذا الواقع بضعف إمكانات الترويج الإعلامي لها ويقول: «الزرقاوي وجماعته كانوا قادمين من خلفيات اجتماعية كانت على اطلاع كامل على أساليب الترويج الاعلامي الحديثة وخصوصاً عبر شبكة الانترنت فاستثمروا علاقاتهم بشبكات القاعدة الالكترونية لترويج بياناتهم وافكارهم وخطاباتهم في وقت لم يدخل الانترنت العراق الا بعد الاحتلال ولم يدخل الانبار الا في بداية عام 2004».
لكن مصدراً آخر مقرباً من تنظيم الزرقاوي يطرح القضية من بعد آخر. ويقول: «حتى الآن جماعة الزرقاوي توفر الأموال لشراء الأسلحة أو السيارات للتفخيخ كما توفر «الانتحاري» الذي سيقوم بهذه العملية او تلك ولم يكن للجماعات الأخرى دور سوى التخطيط».
ويمكن الاستنتاج من كل ذلك ان المجموعات التي اضطرت الى قبول تمويل الزرقاوي بعد ان نفدت مصادر تمويلها او أصبحت غير كافية لتأمين استمراريتها شعرت منذ بداية تعاونها مع الزرقاوي ان الأخير «يسرق» جهودها ويجير إنجازاتها لمصلحته، ولنا ان نستند في ذلك الى الاختلافات الفكرية والمنهجية بين الجانبين، فغالبية المجموعات العراقية كانت من ضباط الجيش العراقي والبعثيين وابناء العشائر ممن يرتبطون بالضرورة بخــلفيات اجتماعية وسياسية وثــقافية محــلية في حين يعتمد منهج الزرقاوي على رؤية لصراع كوني ويستند الى هدف إعادة «إحياء الخلافة» في العراق.
خريطة جديدة للقوى المسلحة
مع اندلاع ازمة الفلوجة الاولى (نيسان/ ابريل 2004) كانت هذه المدينة تعد معقلاً للمجموعات الجديدة التي تكونت على أنقاض «جيش محمد» وتنظيمات البعث واستقطبت نسبة كبيرة من الضباط والبعثيين ورجال العشائر في طار تنظيمات (اسلامية وطنية) مستقلة عن الخط البعثي من جهة وعن التنظيمات الاسلامية المتطرفة من جهة اخرى. وكان حل ازمة الفلوجة على يد زعيم مجلس شورى المجاهدين عبدالله الجنابي وهو كبير أئمة المدينة بعد اطلاق سراحه من سجن ابو غريب حيث كان معتقلاً منذ أواخر عام 2003 ليقود مفاوضات انتجت تشكيل «لواء الفلوجة» من مجموعات «المقاومة العراقية» وانسحاب القوات الاميركية منها يؤشر الى بروز خريطة جديدة في عمل المجموعات العراقية المسلحة» يمكن إحصاءها بالاستناد الى شهادات المسلحين أنفسهم على النحو الآتي:
> «الجيش الإسلامي»: وأساسه الجيش العراقي المنحل وضباطه، تأسس بمبادرات فردية جمعها الضباط ورجال الدين وابناء العشائر، واتجاههم اسلامي معتدل متمسك بالكتاب والسنة في إطار وطني عام، وقد التحقت به كتائب وسرايا متفرقة، ويعتبر الجيش الاسلامي من بين اكبر الفصائل.
> «جماعة أنصار السنة»: وهم جماعة سلفية، لها علاقات بتنظيم القاعدة بشقه الأفغاني.
> «أنصار الإسلام»: وهم ايضاً جماعة سلفية وأكثرهم من الأكراد.
> «كتائب ثورة العشرين»: أسستها مجموعة من رجال الدين الذين يحثون على القتال ضد الاحتلال وهؤلاء لهم علاقة في شكل او بآخر بهيئة علماء المسلمين او هم من القائمين على المساجد المرتبطة بالهيئة المذكورة أو بهيئة الدعوة والارشاد والافتاء التي يترأسها الشيخ مهدي الصميدعي المعتقل حالياً. ودفع هذا الشيخ المئات من الشباب للالتحاق بفصائل المقاومة على مختلف مناهجها.
> «جيش المجاهدين»: وقد أسسه عدد من الاسلامين السائرين على منهج «السلف الصالح» والتحق به عدد من الفصائل والكتائب وكذلك التحق عدد من العروبيين والقوميين وابناء العشائر وعدد من ضباط الجيش العراقي.
> «مجلس شورى المجاهدين»: وهو ليس مجلساً واحداً وانما مجالس عدة في مناطق عدة وتنسق مع بعضها بعضاً كمجلس شورى المجاهدين في الفلوجة برئاسة الشيخ عبدالله الجنابي ويعتقد ان جيش المجاهدين تابع لهذا المجلس وهناك آخرون في الموصل وفي سامراء والقائم وهيت والرمادي وغيرها وهي فصائل اسلامية وسلفية ويلتحق بصفوفها بين الحين والآخر بعض المتطوعين العرب.
> «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين»: وهم الجماعة الأكثر تنظيماً والأكثر تمويلاً وتضم بين صفوفها بعض المتطوعين العرب وترتبط بها «سرايا الجهاد الاسلامي» و «التوحيد والجهاد» و «جيش الطائفة المنصورة» و «أسود التوحيد» و «سرايا الغرباء» و «سرايا أنصار التوحيد» و «كتائب الأهوال».
> «المقاومة الاسلامية»: وأسستها جماعة من الأخوان المسلمين غير جماعة الحزب الاسلامي وان كان لبعضهم علاقات مع رجال دين من القريبين من الحزب الاسلامي.
> مجموعات عائلية أو عشائرية أو دينية لمنطقة معينة وهي موجودة في كل المحافظات من بينها على سبيل المثال لا الحصر، «جيش الراشدين» و «الحركة الإسلامية لمجاهدي العراق» و «كتائب الحسين» و «سرايا الحق».
> الفصائل البعثية: وهي ما تبقى من «جيش محمد»: أسسها حزب «البعث» قبل سقوط بغداد واعتمدت على المتطوعين العرب ثم التحقت بها بعد الاحتلال مجموعات من البعثيين وتولت قيادات بعثية من خارج العراق وخصوصاً سورية دعمها بالأموال.