لمياء
02-23-2006, 04:14 PM
غسان شربل
الحياة - 23/02/06//
لا يستطيع الخارج اغتيال وطن. لا يكتمل الاغتيال إلا من الداخل. حرب الخارج لا تشطب وطناً. الفتنة وحدها يمكن ان تحيل الوطن ركاماً. منذ سنوات طويلة وأخبار العراق مقلقة. الاحتلال الأميركي ضاعف خطورتها. لكن أخبار العراق أمس امتازت بقدرتها على الإقلاق والإيلام بسبب ما كشفته من اصرار الأيدي المجرمة على دفع العراقيين الى الانتحار.
العراق ليس جزيرة يمكن تركها لمصيرها. العراق ليس بلداً هامشياً يمكن التعايش مع اندلاع رياح الفتنة في أرجائه. العراق يقيم في قلب الوطن العربي ويقيم في ضمير العرب وفي حسابات مستقبلهم. شرايين العراق موصولة بشرايين العرب وآلامه كما آماله تملك القدرة على تخطي حدود الخريطة. وبكلام أوضح يمكن القول إن عوامل كثيرة بينها الانتماء والموقع تحرم العراق من القدرة على أن ينتحر لوحده.
يمكن تحميل الاحتلال مسؤولية حال التفكك التي يعيشها العراق. لولا الانهيار الذي اصاب المؤسسات الأمنية بفعل القرارات الأميركية العشوائية لما تمكن الزرقاوي من العثور على موطئ قدم في العراق. القرارات نفسها اتاحت لهذا الزائر الدموي أن يتحصن في المثلث متسللاً الى داخل المعادلة العراقية. الرعونة الأميركية في إدارة عراق ما بعد الحرب وفرت للزرقاوي فرصة تصّدر المقاومة واغراقها في برنامج غير عراقي أصلاً.
يمكن اعداد لائحة طويلة بأخطاء الاحتلال وخطاياه. لكنه في النهاية احتلال، ولا أحد يتوقع منه أن يكون جمعية خيرية هدفها الوحيد توزيع خبز الديموقراطية والرفاه على أهل المنطقة. ولأن الأمر على هذا النحو يحق لمحبي العراق في الوطن العربي طرح السؤال عن مسؤولية القوى العراقية عن المخاطر المتصاعدة في العراق، وبينها محاولة اطلاق الحرب الأهلية على مصراعيها من خلال استهداف الرموز الدينية واستجلاب ردود من القماشة نفسها.
السؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق هو هل تصرفت القوى السياسية العراقية، وعلى اختلاف انتماءاتها المذهبية، بما يساعد فعلاً على اختصار أمد الاحتلال؟ المؤسف هو ان الجواب معروف. كان يفترض بمن اعتبر انه انتصر بفعل اسقاط نظام صدام حسين ان يتنازل عن جزء من حصة المنتصر تسهيلاً لاستعجال انهاء الاحتلال وترميم المعادلة الوطنية. وكان يفترض بمن اعتبر نفسه خاسراً أن يسارع الى الحد من خسارته عبر الاعتراف بالحقائق والمعادلات وتوظيف هذه الواقعية في إعادة بناء الدولة ومؤسساتها.
يمكن القول إن الأطراف انشغلت بالتسابق على اقتسام حطام الدولة وانشغلت بانتزاع حصتها من دون الالتفات الى ان المعركة تدور على سفينة مثقوبة لا يمكن تجنيبها الغرق إلا عبر الوحدة الوطنية ومشروع الدولة العادلة التي تتسع لجميع أبنائها.
يمكن القول إن هناك من تصرف على أساس أن الدولة يجب أن تكون في قبضة الغالب وبغض النظر عن مشاعر الشريك المغلوب وحقوقه. وان هناك من تصرف على أساس ان غياب الدولة افضل من قيام دولة لا يحافظ على وضع الغالب فيها.
هكذا صار هناك من هو متهم بالاستفادة من الاحتلال لتحسين موقعه وهناك من هو متهم بايواء المسلحين الجوالين الوافدين لاسترجاع موقعه. ثم قامت شبه دولة اتهمت بأنها دولة فريق واتهمت بعض أجهزتها بممارسات من قماشة ممارسات عهد صدام حسين.
جيد أن تسارع الفعاليات العراقية الدينية والسياسية الى ادانة استهداف الرموز الشيعية في سامراء والتحذير من مشروع الفتنة. وجيد ان تدان، وبالدرجة نفسها، أي ممارسات شاذة استهدفت المساجد السنية رداً على الحادث الأول.
لكن ذلك لا يكفي. تبدأ المواجهة الحقيقية لمشروع الفتنة بتشكيل حكومة وحدة وطنية فعلية على قاعدة مشروع وطني شامل يرمي الى اختصار أمد الاحتلال ومحاصرة الإرهاب وردع التدخلات الخارجية وبناء مؤسسات دستورية غير منقوصة الشرعية سواء في النصوص أو الممارسة. وما لم ترتفع القيادات العراقية الى مستوى التحدي المطروح فإن رياح الفتنة التي أمكن لجمها حتى اليوم، لن تتأخر في الهبوب بشكل واسع ومدمر يؤدي الى اغتيال العراق الذي لا يمكن عزل شرايينه عن شرايين المنطقة. ولا نريد تذكير العراقيين بمفردات من نوع القبرصة والصوملة واللبننة، علماً أن شيوع الفتنة على أرض العراق سيكون في حال حصوله أشد وأدهى. لأن نار الفتنة قد تمتد سريعاً الى آبار المخاوف والحساسيات المزمنة.
الحياة - 23/02/06//
لا يستطيع الخارج اغتيال وطن. لا يكتمل الاغتيال إلا من الداخل. حرب الخارج لا تشطب وطناً. الفتنة وحدها يمكن ان تحيل الوطن ركاماً. منذ سنوات طويلة وأخبار العراق مقلقة. الاحتلال الأميركي ضاعف خطورتها. لكن أخبار العراق أمس امتازت بقدرتها على الإقلاق والإيلام بسبب ما كشفته من اصرار الأيدي المجرمة على دفع العراقيين الى الانتحار.
العراق ليس جزيرة يمكن تركها لمصيرها. العراق ليس بلداً هامشياً يمكن التعايش مع اندلاع رياح الفتنة في أرجائه. العراق يقيم في قلب الوطن العربي ويقيم في ضمير العرب وفي حسابات مستقبلهم. شرايين العراق موصولة بشرايين العرب وآلامه كما آماله تملك القدرة على تخطي حدود الخريطة. وبكلام أوضح يمكن القول إن عوامل كثيرة بينها الانتماء والموقع تحرم العراق من القدرة على أن ينتحر لوحده.
يمكن تحميل الاحتلال مسؤولية حال التفكك التي يعيشها العراق. لولا الانهيار الذي اصاب المؤسسات الأمنية بفعل القرارات الأميركية العشوائية لما تمكن الزرقاوي من العثور على موطئ قدم في العراق. القرارات نفسها اتاحت لهذا الزائر الدموي أن يتحصن في المثلث متسللاً الى داخل المعادلة العراقية. الرعونة الأميركية في إدارة عراق ما بعد الحرب وفرت للزرقاوي فرصة تصّدر المقاومة واغراقها في برنامج غير عراقي أصلاً.
يمكن اعداد لائحة طويلة بأخطاء الاحتلال وخطاياه. لكنه في النهاية احتلال، ولا أحد يتوقع منه أن يكون جمعية خيرية هدفها الوحيد توزيع خبز الديموقراطية والرفاه على أهل المنطقة. ولأن الأمر على هذا النحو يحق لمحبي العراق في الوطن العربي طرح السؤال عن مسؤولية القوى العراقية عن المخاطر المتصاعدة في العراق، وبينها محاولة اطلاق الحرب الأهلية على مصراعيها من خلال استهداف الرموز الدينية واستجلاب ردود من القماشة نفسها.
السؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق هو هل تصرفت القوى السياسية العراقية، وعلى اختلاف انتماءاتها المذهبية، بما يساعد فعلاً على اختصار أمد الاحتلال؟ المؤسف هو ان الجواب معروف. كان يفترض بمن اعتبر انه انتصر بفعل اسقاط نظام صدام حسين ان يتنازل عن جزء من حصة المنتصر تسهيلاً لاستعجال انهاء الاحتلال وترميم المعادلة الوطنية. وكان يفترض بمن اعتبر نفسه خاسراً أن يسارع الى الحد من خسارته عبر الاعتراف بالحقائق والمعادلات وتوظيف هذه الواقعية في إعادة بناء الدولة ومؤسساتها.
يمكن القول إن الأطراف انشغلت بالتسابق على اقتسام حطام الدولة وانشغلت بانتزاع حصتها من دون الالتفات الى ان المعركة تدور على سفينة مثقوبة لا يمكن تجنيبها الغرق إلا عبر الوحدة الوطنية ومشروع الدولة العادلة التي تتسع لجميع أبنائها.
يمكن القول إن هناك من تصرف على أساس أن الدولة يجب أن تكون في قبضة الغالب وبغض النظر عن مشاعر الشريك المغلوب وحقوقه. وان هناك من تصرف على أساس ان غياب الدولة افضل من قيام دولة لا يحافظ على وضع الغالب فيها.
هكذا صار هناك من هو متهم بالاستفادة من الاحتلال لتحسين موقعه وهناك من هو متهم بايواء المسلحين الجوالين الوافدين لاسترجاع موقعه. ثم قامت شبه دولة اتهمت بأنها دولة فريق واتهمت بعض أجهزتها بممارسات من قماشة ممارسات عهد صدام حسين.
جيد أن تسارع الفعاليات العراقية الدينية والسياسية الى ادانة استهداف الرموز الشيعية في سامراء والتحذير من مشروع الفتنة. وجيد ان تدان، وبالدرجة نفسها، أي ممارسات شاذة استهدفت المساجد السنية رداً على الحادث الأول.
لكن ذلك لا يكفي. تبدأ المواجهة الحقيقية لمشروع الفتنة بتشكيل حكومة وحدة وطنية فعلية على قاعدة مشروع وطني شامل يرمي الى اختصار أمد الاحتلال ومحاصرة الإرهاب وردع التدخلات الخارجية وبناء مؤسسات دستورية غير منقوصة الشرعية سواء في النصوص أو الممارسة. وما لم ترتفع القيادات العراقية الى مستوى التحدي المطروح فإن رياح الفتنة التي أمكن لجمها حتى اليوم، لن تتأخر في الهبوب بشكل واسع ومدمر يؤدي الى اغتيال العراق الذي لا يمكن عزل شرايينه عن شرايين المنطقة. ولا نريد تذكير العراقيين بمفردات من نوع القبرصة والصوملة واللبننة، علماً أن شيوع الفتنة على أرض العراق سيكون في حال حصوله أشد وأدهى. لأن نار الفتنة قد تمتد سريعاً الى آبار المخاوف والحساسيات المزمنة.