سلسبيل
02-19-2006, 12:09 PM
http://www.asharqalawsat.com/01common/teamimages/118-hussein.gif
عدنان حسين
في مطلع الثمانينات كانت التقديرات تشير الى ان عدد سكان العراق يبلغ 15 مليون نسمة، لكن صحافيا غربيا زار العراق في ذلك الوقت وعاد ليكتب في صحيفته انه وجد سكان هذا البلد يبلغون 30 مليونا: 15 مليون نسمة و15 مليون صورة لصدام حسين! ومن يزور العراق اليوم يجد ان عدد سكانه قفز الى 60 مليونا: 25 مليون نسمة و25 مليون صورة لرئيس الوزراء المنتهية ولايته والمترشح لدورة جديدة ابراهيم الجعفري. اما الملايين العشرة الباقية فهي صور لخليط متنافر من الزعماء والمتزعمين السياسيين والدينيين.
السيد الجعفري بزّ صدام حسين في الاقبال على الاضواء والسعي الى الدعاية لنفسه، فلا يمر يوم ـ واحيانا ساعة ـ من دون ان يطلع لك من شاشة هذه المحطة التلفزيونية او تلك، مرة مستقبلا بعض الناس ومرة زائرا آخرين وأخرى مصرّحا في مؤتمر صحافي ورابعة متحدثا في مقابلة خاصة.
(على سبيل المثال لا الحصر لم يكتف الجعفري يوم الاحد الماضي بالمؤتمر الصحافي، الذي تحدث فيه بعد ترشيحه لترؤس الحكومة الجديدة، بل هرع، بعد وقت قصير، الى دار الاذاعة والتلفزيون ليجعلهم يجرون معه مقابلة مطولة. ولم تكن هذه هي المرة الاولى التي يتعامل فيها الجعفري مع شبكة الاعلام العراقي، باعتبارها مؤسسة حكومية، بل شركة خاصة يتقاسم ملكيتها مع مدير الشبكة الذي هو الاخر يتصرف كما لو ان الشبكة ملكية عائلية، مع انها يفترض ان تكون مستقلة تماما عن الحكومة وعن عائلة مديرها بصفتها مؤسسة للدولة.
انصار السيد الجعفري بزّوا هم ايضا اجهزة الامن العام والخاص وحزب البعث في عهد صدام، في تنظيم المظاهرات والمواكب الراجلة والسيّارة وترديد هتافات التمجيد والتعظيم للسيد الجعفري. لماذا اذن مات من مات من العراقيين في ساحات الاعدام والمقابر الجماعية وتحمل التعذيب في السجون وعانى مشاق الغربة، اذا كان من يخلف صدام يتشبه به؟ أليس وجيها هذا السؤال الممضّ؟ خلال الحملة الانتخابية الاخيرة قدم الجعفري نفسه بوصفه «القوي الامين». واثناء مداولات «الائتلاف العراقي الموحد» لاختيار مرشحه لترؤس الحكومة الجديدة، قال قياديون في هذه القائمة، وبعضهم زملاء للجعفري في حزب الدعوة، انهم يسعون الى ان يكون الاختيار بالتوافق وليس بالتصويت، لكي يقدّموا رئيس وزراء قويا، يستمد قوته من اجماع كتل الائتلاف عليه. بيد ان الامور انتهت (بعد التي واللتيا، كما يقول العراقيون) الى التصويت، الذي لم يفز فيه الجعفري الا بفارق صوت واحد، أي اننا بازاء رئيس وزراء ضعيف لم يحظ بالتأييد الكبير داخل قائمته، فضلا عن انه لا يتمتع بقبول القوائم الاخرى، كما يعرف الجميع.
وكما يعلم الجميع ايضا فإن الجعفري تعهد للشعب العراقي امام الجمعية الوطنية، من بين ما تعهد في برنامج حكومته المنتهية ولايتها، بتحقيق «نقلة نوعية في حل ابرز الازمات المتفاقمة في البلاد»، و«احترام حقوق الانسان واحترام الحريات العامة»، و«ازالة التفرقة السياسية والدينية»، و«بناء القوات المسلحة على اسس وطنية سليمة بعيدة عن النشاط السياسي والحزبي وان يكون ولاؤها للوطن»، وان تعمل هذه القوات «بشفافية عالية وفق الدستور وتحت سلطة القانون وادارة الحكومة المدنية المنتخبة»، و«دمج الميليشيات» بها. وتعهد كذلك برفع مستوى الخدمات العامة (الكهرباء ومياه الشرب والوقود والصحة) ومعالجة مشاكل البطالة والفساد المالي والاداري.... والقائمة تطول.
الواقع ان عهد الحكومة الجعفرية شهد ترديا في كل الميادين التي ضرب السيد الجعفري قويا على صدره، بما يشبه اللطم، تعهدا بتحقيق تقدم فيها. ولا اظن انني اظلم الجعفري إن قلت ان الشيء الوحيد الذي تحقق فيه ارتفاع في المستوى في هذا العهد هو اللطم على الصدور. وكما يعرف الجعفري فان العراقيين يقبلون اكثر على اللطم على صدورهم في العهود التي تصبح فيها ظروف حياتهم أكثر قساوة وظلما. اذن فنحن ايضا بازاء رئيس وزراء قادم لم يكن امينا في ما وعد به، فضلا عن انه لن يكون قويا.. وبالتالي لا يصلح ان يكون رئيس وزراء، ما دام شعار حملته الانتخابية قد افرغ تماما من محتواه حتى قبل ان يضع قدميه على عتبة مبنى البرلمان، ليتلقى التكليف الرسمي بتشكيل الحكومة. ولن ننسى بالطبع ميوله «الصدامية» نحو الاضواء.
a.hussein@asharqalawsat.com
عدنان حسين
في مطلع الثمانينات كانت التقديرات تشير الى ان عدد سكان العراق يبلغ 15 مليون نسمة، لكن صحافيا غربيا زار العراق في ذلك الوقت وعاد ليكتب في صحيفته انه وجد سكان هذا البلد يبلغون 30 مليونا: 15 مليون نسمة و15 مليون صورة لصدام حسين! ومن يزور العراق اليوم يجد ان عدد سكانه قفز الى 60 مليونا: 25 مليون نسمة و25 مليون صورة لرئيس الوزراء المنتهية ولايته والمترشح لدورة جديدة ابراهيم الجعفري. اما الملايين العشرة الباقية فهي صور لخليط متنافر من الزعماء والمتزعمين السياسيين والدينيين.
السيد الجعفري بزّ صدام حسين في الاقبال على الاضواء والسعي الى الدعاية لنفسه، فلا يمر يوم ـ واحيانا ساعة ـ من دون ان يطلع لك من شاشة هذه المحطة التلفزيونية او تلك، مرة مستقبلا بعض الناس ومرة زائرا آخرين وأخرى مصرّحا في مؤتمر صحافي ورابعة متحدثا في مقابلة خاصة.
(على سبيل المثال لا الحصر لم يكتف الجعفري يوم الاحد الماضي بالمؤتمر الصحافي، الذي تحدث فيه بعد ترشيحه لترؤس الحكومة الجديدة، بل هرع، بعد وقت قصير، الى دار الاذاعة والتلفزيون ليجعلهم يجرون معه مقابلة مطولة. ولم تكن هذه هي المرة الاولى التي يتعامل فيها الجعفري مع شبكة الاعلام العراقي، باعتبارها مؤسسة حكومية، بل شركة خاصة يتقاسم ملكيتها مع مدير الشبكة الذي هو الاخر يتصرف كما لو ان الشبكة ملكية عائلية، مع انها يفترض ان تكون مستقلة تماما عن الحكومة وعن عائلة مديرها بصفتها مؤسسة للدولة.
انصار السيد الجعفري بزّوا هم ايضا اجهزة الامن العام والخاص وحزب البعث في عهد صدام، في تنظيم المظاهرات والمواكب الراجلة والسيّارة وترديد هتافات التمجيد والتعظيم للسيد الجعفري. لماذا اذن مات من مات من العراقيين في ساحات الاعدام والمقابر الجماعية وتحمل التعذيب في السجون وعانى مشاق الغربة، اذا كان من يخلف صدام يتشبه به؟ أليس وجيها هذا السؤال الممضّ؟ خلال الحملة الانتخابية الاخيرة قدم الجعفري نفسه بوصفه «القوي الامين». واثناء مداولات «الائتلاف العراقي الموحد» لاختيار مرشحه لترؤس الحكومة الجديدة، قال قياديون في هذه القائمة، وبعضهم زملاء للجعفري في حزب الدعوة، انهم يسعون الى ان يكون الاختيار بالتوافق وليس بالتصويت، لكي يقدّموا رئيس وزراء قويا، يستمد قوته من اجماع كتل الائتلاف عليه. بيد ان الامور انتهت (بعد التي واللتيا، كما يقول العراقيون) الى التصويت، الذي لم يفز فيه الجعفري الا بفارق صوت واحد، أي اننا بازاء رئيس وزراء ضعيف لم يحظ بالتأييد الكبير داخل قائمته، فضلا عن انه لا يتمتع بقبول القوائم الاخرى، كما يعرف الجميع.
وكما يعلم الجميع ايضا فإن الجعفري تعهد للشعب العراقي امام الجمعية الوطنية، من بين ما تعهد في برنامج حكومته المنتهية ولايتها، بتحقيق «نقلة نوعية في حل ابرز الازمات المتفاقمة في البلاد»، و«احترام حقوق الانسان واحترام الحريات العامة»، و«ازالة التفرقة السياسية والدينية»، و«بناء القوات المسلحة على اسس وطنية سليمة بعيدة عن النشاط السياسي والحزبي وان يكون ولاؤها للوطن»، وان تعمل هذه القوات «بشفافية عالية وفق الدستور وتحت سلطة القانون وادارة الحكومة المدنية المنتخبة»، و«دمج الميليشيات» بها. وتعهد كذلك برفع مستوى الخدمات العامة (الكهرباء ومياه الشرب والوقود والصحة) ومعالجة مشاكل البطالة والفساد المالي والاداري.... والقائمة تطول.
الواقع ان عهد الحكومة الجعفرية شهد ترديا في كل الميادين التي ضرب السيد الجعفري قويا على صدره، بما يشبه اللطم، تعهدا بتحقيق تقدم فيها. ولا اظن انني اظلم الجعفري إن قلت ان الشيء الوحيد الذي تحقق فيه ارتفاع في المستوى في هذا العهد هو اللطم على الصدور. وكما يعرف الجعفري فان العراقيين يقبلون اكثر على اللطم على صدورهم في العهود التي تصبح فيها ظروف حياتهم أكثر قساوة وظلما. اذن فنحن ايضا بازاء رئيس وزراء قادم لم يكن امينا في ما وعد به، فضلا عن انه لن يكون قويا.. وبالتالي لا يصلح ان يكون رئيس وزراء، ما دام شعار حملته الانتخابية قد افرغ تماما من محتواه حتى قبل ان يضع قدميه على عتبة مبنى البرلمان، ليتلقى التكليف الرسمي بتشكيل الحكومة. ولن ننسى بالطبع ميوله «الصدامية» نحو الاضواء.
a.hussein@asharqalawsat.com