المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قرى منطقة الباحة .. حبات من اللؤلؤة المنثور على جبين جبالها الشامخة



مجاهدون
02-18-2006, 12:51 PM
http://www.asharqalawsat.com/2006/02/17/images/ksa-local.348655.jpg


الباحة: عبد الله غريب


تظل القرى القديمة في منطقة الباحة في بلاد غامد وزهران بمنطقة الباحة جنوب السعودية رمزا من رموز الماضي العريق الضارب بجذوره في أعماق تأريخ الإنسان في هذا الجزء ومع عقود مضت من التطور الذي طرأ على العمران، إلا أن هذه المباني في أشكالها الهندسية التي رسمها ونفذها الأجداد والآباء قبل مئات السنين يتخلل بعضها تلك الحصون والقلاع التي كان يستخدمها سكان القرى في المراقبة ومسح مواقع العدو من القبائل الأخرى قبل الحكم السعودي الذي اجتث الأحقاد والضغائن وقضى على جاهلية التعامل مع قرى وقبائل الجوار التي كانت تخضع هذا التعامل لقوانين وضعية تحت ما يسمونه (الشدات) التي ما تلبث أن ينقضها الثأر أو الانتصار لنزعة القبيلة وبالتالي فإن هذه القرى كانت تبنى بجدران عريضة تشكل في معظمها قواسم مشتركة بين عشرات البيوت في سبيل النصرة وسد الحاجة وسهولة التنقل بين بيوت الأقارب بالذات تحت مسمى (اللحمة بفتح الحاء) المشتقة من (اللحمة بضم اللام) التي تدل على قوة الترابط بين الأسر.

والقرى القديمة يتوسطها عادة المسجد ويتخللها طرقات ضيقة يسمونها (المساريب) والتي تلتقي عادة مع الطريق الذي يوصل القرية بالبئر التي تجلب منها النساء الماء بواسطة (القرب) المصنوعة من جلود الأغنام محليا.

والقرية في موقعها وتصميمها كانت تشكل صمام الأمان في السابق لأهاليها ومن يفد إليها لطلب الحماية أو اللجوء من عند الخوف من الآخر عندما كانت الحروب القبلية تشكل هماً لجميع القرى بسبب الحدود الجغرافية للقرية أو القبيلة أو لمجرد العصبية التي كانت سائدة في المجتمع قبل العهد السعودي الزاهر.

ومع تقادم عهد بناء هذه القرى إلا أنها قاومت الظروف الجوية والبيئية لأنها مبنية بالحجر الصلب الذي يتم جلبه من الجبال على ظهور الجمال ويقوم الباني بتهذيبه بصورة هندسية ذات مواصفات فريدة متباينة في الشكل ما بين مربع ومستطيل أو مثلث يلائم موقعه من الجدار ـ وقد حظيت باهتمام المؤلف أحمد السياري مدير عام العلاقات والإعلام بإمارة المنطقة في كتابه (الباحة) الذي أصبح من أجمل الهدايا التي تقدم للسائح والزائر للمنطقة ـ إذ يبلغ عرض الجدار من الداخل إلى الخارج 100 سم تقريبا وفيه يضع صاحب البيت فتحات للمراقبة وكانت معظم الأبواب والسقوف والشبابيك التي كانوا يسمونها (البداية) مصنوعة من أخشاب أشجار المنطقة ومنها العرعر الذي يسمونه (الصابور) لصبره الطويل ومقاومته لعوامل الجو وكذا أشجار الزيتون (العتم) وأشجار الإبرا الذي كانوا يجلبونه من تهامة وبعض الأشجار الأخرى التي تعيش في جبال المنطقة وأوديتها وبالتالي كانت القرية ملاذا للسكان وسكنا للأسرة وفيها بعض التقسيمات الداخلية حيث كانت الطوابق السفلية للماشية والطوابق التي تليها للأسرة وفيها يقع المجلس الذي عادة ما يكون أكثر اتساعا لاستقبال الضيوف وبعض الحجرات الصغيرة التي لا يفصل بينها إلا جدران من الأخشاب الغضة النحيفة يسمونها (الرّص) الذي يكسونه بالطين بعد تربيطه بالخوص وغرفة النوم التي كانت تسمى (العلية) بالياء المشددة فيما تربط هذه السقوف أخشاب غليظة تسمى السواري تحملها أعمدة تسمى بالزافر وهي عادة ما تكون منقوشة مطلية بالقار الأسود الذي كانوا يستخرجونه من أخشاب العتم بعد حرقه وتقطيره بصورة تقليدية لا تزال قائمة في أجزاء من تهامة وتغطى السقوف بالطين والذي كان الأهالي يشتركون في صنعه جميعا رجالا ونساء في يوم واحد يسمونه يوم (الطينة) حيث كانت المرأة تشارك بجلب المياه من الآبار بواسطة القرب وكانت بعض البيوت تختم بما يسمونه (المجهّى) جزء مكشوف يحيطه جدار قصير يسمى (والجون) مرصع بالحجر الأبيض (المرو) وهذا دائما ما يكون باتجاه المزارع للتمتع بمناظرها الجميلة عندما كانت الزراعة النشاط الوحيد للسكان واليوم أصبحت هذه القرى في عزلة تامة بعد أن هجرها أهلها في ظل حركة العمران الحديثة، التي لم تعد تفرق بين المدينة والقرية وحتى الهجر التي شهدت توسعا عمرانيا أفقيا ورأسيا، جعل القرية في منأى عن الحاجة، ولكنها لا تزال تقاوم وتقف كأطلال يقف على مشارفها كبار السن يتذكرون ماضيا سلف وعصرا تولى والأمل يحدو الكثير بأن تنال اهتماما من قبل الجهات المختصة، لتساهم في تنمية السياحة الداخلية لا سيما أن المنطقة أحد روافدها المهمة.

وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط» أكد مدير جوازات منطقة الباحة العقيد محمد بن سعد الشهري أن القرى القديمة والبيوت المهجورة لم تغب عن أنظار الجهات الأمنية في المنطقة ومنها الجوازات، حيث ان هذه المباني المهجورة قد تكون مأوى للمخالفين والمتسللين والهاربين عن العيون الساهرة وقد تكون وسيلة للمجرمين، لتنفيذ جرائمهم كالسرقة والتزوير وترويج المخدرات باعتبارها مأوى لهؤلاء المخالفين واعتبرها مشكلة تشكل خطورة تستدعي يقظة المواطنين بوجه عام وأصحاب هذه المباني على وجه الخصوص، وكذا المقيمين إقامة نظامية من خلال الإبلاغ الفوري عن أي حالة مشبوهة لتتمكن الجهات الأمنية ذات العلاقة من التعامل معها وفق ما تقتضيه الحالة ووفق الأنظمة، مشيدا بدور الجميع أثناء الحملات الأمنية في كشف أوكار ومخابئ المخالفين.