المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين... مد وجزر التنظيم الدولي



مجاهدون
02-18-2006, 12:06 PM
نشأت فكرة تنظيم دولي للإخوان في الثمانينات في ألمانيا بعد هروب مصطفى مشهور من مصر خوفا من الاعتقال


كمال حبيب



* خلال زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الاسلامية (حماس) خالد مشعل للقاهرة الاسبوع الماضي، قال ان «حماس ستنسق مع جماعة الاخوان المسلمين المصرية في ما يتعلق بتشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة»، وكان ذلك اضافة الى ظاهرة التنسيق رفيعة المستوى بين جماعات الاخوان المسلمين على مستوى العالم خلال ازمة الرسوم الكرتونية، ثم التراشق الكلامي بين اخوان الاردن واخوان سورية على خلفية الخلافات بينهما حول موقف اخوان سورية من النائب السابق للرئيس السوري عبد الحليم خدام، كل هذا اثار من جديد قضية «الاممية الاخوانية» واسئلة حول: اين هو التنظيم الدولي للاخوان المسلمين اليوم، وكيف يعمل، وما هي اجندته، وكيف يتواصل وينسق مواقفه في القضايا المختلفة؟

فمسألة التنظيم الدولي للاخوان من المسائل التي يشوبها الغموض بسبب قلة الكلام حول الموضوع، وقلة المعلومات المتوافرة، خاصة في ما يتعلق بمسائل التمويل ومكان المقر والعضوية. وهنا تفتح «الشرق الاوسط» الموضوع للنقاش بين 3 من ابرز من كتبوا عن الظاهرة الاسلامية وعن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وهم الدكتور رفعت السعيد المؤرخ المتخصص في الظاهرة الاسلامية، والدكتور كمال حبيب الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الاسلامية، وكمال الهلباوي المسؤول السابق في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين. وفيما يرجع الدكتور السعيد «فكرة» التنظيم الدولي للاخوان الى اوائل القرن العشرين، تأثرا بالتيارات الفكرية الاسلامية التي راحت ترى نهوض المسلمين في وحدتهم وتنظيمهم المشترك، يحدد الدكتور حبيب النشأة «الفعلية» الى الثمانينيات من القرن العشرين بعد هروب مرشد اخوان مصر في ذلك الوقت مصطفى مشهور الى المانيا تحسبا لاعتقال السلطات المصرية له.

ويتفق السعيد وحبيب والهلباوي على الدور المحوري الذي لعبه سعيد رمضان زوج ابنة مؤسس الإخوان حسن البنا في بناء التنظيم الدولي، بسبب علاقاته الاقليمية والدولية. وفيما يختلف السعيد والهلباوي حول مسائل التمويل، يعدد حبيب المشاكل الاخيرة التي نشبت بين الاخوان في اكثر من بلد وعلى خلفية اكثر من قضية وهي المشاكل التي ادت الى اضعاف التنظيم نسبيا والتقليل من فاعليته.

* ارتبط الإعلان عن تدشين «التنظيم الدولي للإخوان المسلمين» في 29 يوليو (تموز) 1982 بمرشد الجماعة الخامس مصطفى مشهور. فقبل الاعتقالات الكبرى التي قام بها الرئيس المصري الراحل انور السادات في 5 سبتمبر 1981 (ايلول) كانت معلومات تسربت إلى المرشد الخامس بضرورة تركه مصر فهاجر إلى الكويت ثم إلى ألمانيا حيث استغل طبيعته التنظيمية وعلاقاته القوية ببقايا التنظيم الخاص لاخوان مصر من أمثال كمال السنانيري وأحمد الملط وأحمد حسنين وغيرهم في هيكلة كيانات الإخوان المتناثرة في العالم لربط أواصرها معاً وجعلها تنظيماً واحداً.

ولم يكن ما أقدم علىه مصطفى مشهور من فراغ، فقد كانت هناك جهود إخوانية ربما تمتد للستينيات استطاعت بناء شبكات إخوانية متناثرة في العالم وتكاملت مع مطلع السبعينيات الذي شهد أكبر موجة صعود إسلامي في التاريخ المعاصر، ومن بين أهم الشخصيات التي لعبت دوراً مهما في بناء روابط بين هذه الشبكات سعيد رمضان، زوج ابنة مؤسس الجماعة الشيخ حسن البنا، والذي تمتع بعلاقات قوية مع بعض النظم العربية واستطاع أن يؤسس مراكز إسلامية في أوروبا بدأت من مدينة ميونيخ الالمانية التي كان يقيم بها وحصل على جنسيتها وامتدت هذه المراكز إلى كل قارات العالم خاصة أوروبا وأميركا قبل أحداث 11 سبتمبر المرعبة والتي قلبت الموازين الدولية، بيد أن أهمها على الإطلاق كان المركز الإسلامي بميونخ بألمانيا والذي كان «مركز العمليات» لتأسيس وإطلاق التنظيم الدولي للإخوان.

كما تشير المعلومات إلى أن المجموعة التي يمثلها مصطفى مشهور داخل تنظيم الإخوان المصري سعت لتقوية مركزها عبر بناء التنظيم الدولي في الخارج واستطاعت هذه المجموعة التي تعرف بأنها من بقايا «التنظيم الخاص» أن تستخدم «التنظيم الدولي» في دعم سيطرتها على الجماعة وامتلاك مفاتيح صناعة القرار بها خاصة وأن "التنظيم الدولي" مثل المصدر الأهم للحصول على المال من تنظيمات الاخوان فى باقى البلدان العربية وبالذات من الخليج. وقد ظل التنظيم الدولي للإخوان المسلمين يعبر عما يمكن أن نطلق عليه "أممية إخوانية" تسعي لتأسيس دولة الخلافة الإسلامية طوال عقد الثمانينيات التي شهدت عز صعوده وتماسكه ولكنه ومع وقوع حرب الخليج الثانية والانقسام الذي جري حول شرعية الاستعانة بالقوات الأجنبية لطرد صدام حسين من الكويت شهد التنظيم أول انقسام حقيقى داخل جسده المترهل بطبيعة تركيبته المتناثرة حيث أعلن إخوان الكويت انفصالهم عن التنظيم الدولي.

كما أن وفاة مؤسسه مصطفى مشهور، ومجيء مأمون الهضيبي مرشداً سادساً أضعف من فكرة التنظيم الدولي، فقد كانت لدى الهضيبي رؤية تتعلق بضرورة التخلص من عبء «التنظيم الدولي» الذي أثار المشاكل في فترة ولاية مصطفى مشهور والذي كان هو نائباً له. ومن هنا ألغي منصب المتحدث باسم «التنظيم الدولي» في أوروبا والذي كان يشغله الإخواني البارز كمال الهلباوي. وتوحدت الجهة المتحدثة باسم الإخوان في شخص مأمون الهضيبي نفسه.

كما ان الصراع بين الرؤية التي تغلب وزن المصريين في هياكل التنظيم الدولي، ومنها قصر المرشد العام على المصريين وحدهم رغم أن لائحة «التنظيم الدولي» التي صدرت في 29 يوليو (تموز) 1982 باسم «النظام العام للإخوان المسلمين» لم تنص صراحة على أن يكون المرشد العام مصريا، والرؤية التي تطالب بتفعيل مواد اللائحة المشار إليها سابقاً وإعطاء وزن مناسب لإخوان الخارج في المشاركة في هياكل الجماعة مثل «مكتب الإرشاد» و«مجلس الشورى العام» أو تفعيل مشاركة إخوان الخارج في اختيار المرشد العام .. الصراع هذا بين كل هذه الرؤى كان من أكبر أسباب اعتبار إخوان مصر أن «التنظيم الدولي» يمثل عبئاً عليهم، حتى صارت هناك قناعة بين المتنفذين في الجماعة وهم المصريون على أن المشروع الذي مثله «التنظيم الدولي» وفق تصورات مؤسسه مصطفى مشهور في الثمانينيات لم يعد ملائماً لمرحلة النصف الثاني من التسعينيات التي واجهت فيها الجماعة في مصر ما اعتبر امتحاناً خطيراً لها في مواجهتها مع النظام المصري من ناحية، وانشقاق مجموعة من القيادات الوسيطة الفاعلة في الجماعة والتي تداعت عام 1996 لتأسيس حزب «الوسط» من ناحية أخرى.

كما أنه بدأت تتنامى بقوة رؤية داخل التنظيم المصري حملها جيل الوسط في الجماعة تتمثل في نبذ الصرامة التنظيمية ذات الطابع المركزي التي عبرت عنها «لائحة التنظيم الدولي»، ومنح الهياكل التنظيمية الإخوانية في كل قطر الحق في اتخاذ القرارات التي تتعلق ببلدانها بشكل مستقل عن بلد المقر التي يقيم فيها المرشد العام للإخوان وهي مصر بحيث تكون العلاقة مع المرشد في بلد المقر وبقية الهياكل التنظيمية «مكتب الإرشاد» و«مجلس الشورى العام» هي علاقة لها طابع «المشاورة والتفاهم والتناصح» وليس «الالتزام التنظيمي» كما هو داخل كل قطر في علاقة المستويات العليا بالدنيا، وهذا ما يمكن ملاحظته مثلا في موقف «الحزب الإسلامي في العراق» الذي شارك في مجلس الحكم الانتقالي في العراق أيام الحاكم الاميركى للعراق بول بريمر ومواقف أخرى له، إذ قال إخوان مصر إن اخوان العراق أدرى بشعابهم لكن الاخوان في اماكن اخرى كان لهم رأي مختلف.

كما حدث ذلك حيال موقف برهان الدين رباني وعبد رب الرسول سياف في أفغانستان، وحيال موقف إخوان الجزائر بقيادة محفوظ نحناح من التعاون مع السلطة هناك بل وترشحه لرئاسة الجمهورية الجزائرية. كما أن موقف إخوان سورية وتحالفهم مع النائب السابق للرئيس السوري عبد الحليم خدام لإسقاط النظام السوري لم يوافق عليه الإخوان في مصر او الاردن وحدث تراشق كلامي نادر بين اخوان الاردن وسورية في هذا الخصوص الاسبوع الماضي. أما تركيبة «التنظيم الدولي للإخوان» فقد وضحتها اللائحة المعروفة بـ«النظام العام للإخوان» والتي ولدت مع التنظيم الدولي عام 1982 حيث تضمنت في الباب الخامس عنوانا هو «تنظيم العلاقة بين القيادة العامة والأقطار» والتي يجب فيها على قيادات الأقطار الالتزام بقرارات القيادة العامة المتمثلة في المرشد العام ومكتب الإرشاد ومجلس الشورى العام.

أي أن هذه المؤسسات هي مؤسسات مركزية يقف على رأسها المرشد العام للتنظيم الدولي ومكتب الإرشاد العام للتنظيم الدولي (13 عضوا، ثمانية من الإقليم الذي يقيم فيه المرشد، وخمسة يراعى فيهم التمثيل الإقليمي)، ومجلس الشوري العام للتنظيم الدولي (30 عضوا على الأقل يمثلون التنظيمات الإخوانية المعتمدة في جميع الأقطار)، ويختارون من قبل مجالس الشورى المحلية، وتلتزم القيادات القطرية المختلفة في العالم بضرورة الحصول على موافقة مكتب الإرشاد العام قبل الإقدام على اتخاذ أي قرار سياسي هام ويجب على قيادات الأقطار التشاور والاتفاق مع فضيلة المرشد أو مكتب الإرشاد العام قبل اتخاذ القرار في جميع المسائل المحلية المؤثرة على الجماعة.

وهذا لا يحدث في الواقع العملي خاصة أن أجهزة المخابرات الدولية استطاعت التسلل إلى أروقة مؤسسات التنظيم الدولي وحصلت على معلومات أضرت بالتنظيمات المحلية كما حدث مثلا لتنظيم الإخوان في الأردن، لكن حالة الجزر التي تحاصر «الوجود الدولي للاخوان» الذي يمثله التنظيم الدولي للإخوان تتراجع أحياناً أمام طائف مد يتصاعد داعيا لتفعيل دوره خاصة بعد زوال تأثيرات أحداث 11 سبتمبر على التنظيمات الإسلامية العابرة للقارات والتي استثنت «التنظيم الدولي» من وضعه على القوائم الأميركية للإرهاب، وربما موجة الإحياء الجديد للإخوان مع الانتخابات المصرية ثم فوز «حماس» الأخير في الانتخابات التشريعية في فلسطين، والتحولات الدولية تجاه الإسلاميين والتي تتحدث عن الحوار معهم كل ذلك ربما يهيئ منح بعض الحياة للتنظيم الدولي ليعود مسترداً عافيته.

* باحث متخصص في شؤون الحركات الإسلامية