المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشيخ الخراساني: الثوابت في العمل والنهج



زوربا
02-18-2006, 01:12 AM
(1255ـ 1329 هـ)

ولادته:

ولد في مدينة مشهد المقدَّسة عام 1255 هـ في أسرة معروفة بالصلاح.

دراسته وأساتذته:

أكمل دراسة المقدّمات في مدينة مشهد، ولما بلغ الثالثة والعشرين من عمره، ذهب إلى سبزوار وبدأ بدراسة الحكمة والفلسفة عند أبي الحسن جلوة وأساتذة آخرين.

في عام 1278 هـ، هاجر إلى النجف الأشرف لإكمال دراسته الحوزوية، ومنذ وصوله، شرع بحضور دروس الشيخ الأنصاري، ودروس الشيخ راضي بن الشيخ محمد، والسيد مهدي القزويني، وعارف الرباني والسيد علي الشوشتري.

بعد رحيل الشيخ الأنصاري عام 1281هـ، أخذ يحضر دروس الميرزا الشيرازي، وأصبح من تلامذته المقرّبين، حتى إنه لحق به إلى سامرّاء عندما هاجر إليها، وبقي هناك مدة قصيرة يحضر دروسه، ثم عاد إلى النجف الأشرف بناءً على طلب من الميرزا، ليقوم بتشكيل حوزةٍ دراسيّة فيها.

تدريسه وطلاّبه:

يعتبر الآخوند الخراساني من مدرّسي علم الأصول البارزين في التاريخ الإسلامي، وقد انشغل بتدريس العلوم الحوزوية مدة أربعين سنة، و"تميز ـ كما يقول السيد محسن الأمين ـ عن جميع المتأخرين بحبّ الإيجاز والاختصار وتهذيب الأصول والاقتصار على لباب المسائل وحذف الزوائد مع تجديد في النظر وإمعان في التحقيق"، ولهذا أصبحت لدروسه شهرة واسعة بين أوساط الطلبة، حتى بلغ عدد طلابه ألف طالب، من بينهم مئة مجتهد، نذكر منهم:

آية الله السيد البروجردي، آية الله السيد حسين القمي، آية الله السيد صدر الدين الصدر، آية الله ضياء الدين العراقي، آية الله الشيخ عبد الكريم الحائري، آية الله السيد عبد الله البهبهاني، آية الله الشيخ محمد علي الشاه آبادي، آية الله السيد هبة الدين الشهرستاني، آية الله السيد محسن الأمين العاملي، آية الله الميرزا النائيني، الآغا بزرك الطهراني، آية الله السيد محسن الحكيم.

مكانته العلمية:

تجاوزت شهرة الآخوند في العلم وبراعته في التدريس آفاق النجف الأشرف، بل آفاق العراق، حتى وصل خبر ذلك إلى جميع أرجاء الدولة العثمانية، ما جعل شيخ الإسلام ـ لقب مسؤول الإفتاء والقضاء في الدولة العثمانية ـ يسعى لرؤية الآخوند والارتشاف من نمير علمه، بحجة أنه يروم السفر إلى قبر أبي حنيفة في بغداد.

ومن ثم عرّج شيخ الإسلام على النجف الأشرف ليشاهد الحوزة التي مضى عليها حوالي الألف عام، فدخل إلى مسجد الطوسي، حيث كان الآخوند يلقي درسه، فلما رآه وهو يدخل، نقل البحث إلى قول أبي حنيفة حول المطلب الذي كان يشرحه، وشرع ببيانه على أحسن ما يرام، فاندهش شيخ الإسلام من قدرة الآخوند على مباني أبي حنيفة وغيره من أئمة أهل السنة، ويقال إنَّ جلَّ حديثه في سفره عند رجوعه إلى بلده، كان يدور حول شخصية الآخوند ومكانته العلمية.

مواقفه من الحكم القاجاري:

سعى الآخوند إلى فضح السياسة التي كان ينتهجها مظفَّر الدين شاه، فاعترض على القرض الذي حصل عليه من روسيا، والذي أغرق البلاد في بحر من الديون.

كما إنه قام بنشاط واسع في المشروطة ـ حركة دستورية ضد الحكم الاستبدادي ـ حيث قام بإرسال مجموعة من الرسائل بالتنسيق مع الميرزا حسن الطهراني، والشيخ عبد الله المازندراني إلى داخل إيران، وكذلك إصداره بعض البيانات، ولم يتوقف سعي الآخوند عند هذا الحدّ، بل قام بإرسال رسالة إلى محمَّد علي شاه، دعاه فيها إلى التقيّد بموازين الشرع والعدالة، والسعي للمحافظة على استقلال البلاد، والالتزام ببنود المشروطة، فأخذ ينسّق مع قوات الأحرار الإيرانيين آنذاك، لإدامة الصراع مع الحكم الاستبدادي، كما قام بإرسال برقيّة إلى مجلس السعادة الإيراني طلب فيها من سفراء الدول والصحف الرسمية توعية الناس وتنبيههم إلى موادّ الدستور الإيراني، التي تؤكد عدم مشروعية أي معاهدة أو اتفاق بين الحكومة ودولة أخرى إلا بموافقة مجلس الشعب.

ومن جهة أخرى، قام، وبالتنسيق مع الميرزا الطهراني والشيخ المازندراني، بكتابة بيان، طالبوا فيه الثوار المسلمين في القوقاز وتفليس وبعض المناطق الأخرى، بمساعدة الثوار المسلمين في تبريز، للإطاحة بالحكم القاجاري المستبد، وعلى أثر تلك الأوضاع، حاولت روسيا وبريطانيا التنسيق فيما بينهما، لتهدئة الأوضاع المضطربة في إيران.

ثوابت في العمل والنهج:

لقد حدّد الشيخ الآخوند ثوابته في العمل، ودافع عن مبادئ الدستورية، وذلك بقوله:"إنني لم أتحمَّل كلَّ هذا العذاب إلا من أجل أن أرفع الظلم عن الرعية، وأن يحصلوا على الرفاه، ولكي أعين المظلوم وأغيث الملهوف، وأطبّق أحكام الله سبحانه وتعالى، وأحفظ بلاد الإسلام من اعتداءات الكفّار، وآمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، ومن أجل تطبيق قوانين الإسلام التي كانت ستنتفع بها الأمة".

كان الشيخ الآخوند يعيش أوجاع الناس وآلامهم، وعلى الرغم مما كان يعانيه من مضايقات،لم يأل جهداً في سبيل دعم قضاياهم المحقّة. ويذكر مؤلف كتاب "حياة الإسلام" شاهداً على صلابة موقف الشيخ الآخوند وهمته العالية في مواجهة المصاعب والتحديات، ويقدم لذلك أهالي تبريز أنموذجاً حيث يقول: "أثناء إلقاء الآخوند محاضرته، قام أحد تلامذته وسط القاعة وأخرج رسالة كان قد أرسلها أهالي تبريز وقرأها على رؤوس الأشهاد جاء فيها :"إنهم يمطروننا بالنار، قتلوا رجالنا وشبابنا وأيتموا أطفالنا وأثكلوا نساءنا، وأنتم قابعون هناك في بحبوحة من العيش ولا تعيرون أية أهمية لنا". ولكن الآخوند ردَّ على هذه الادّعاءات، وأظهر مدى اهتمامه فيهم، ووعد بأنه سيبذل قصارى جهده لإنقاذهم من الوضع المأساوي الذي يعيشونه، وذلك في قوله: "لا أنتم ولا أولئك تقيّمون وتفقهون ما أعانيه وما يقرّح قلبي، وإذا كنتم ترون غدوّي وذهابي، فإني مجرد جسم، وهذا هو هيكلي فقط. إنكم لا تلمسون النار التي أحترق بها... فهل هذه بحبوحة؟! فوالله لم يبق بين ضلوعي قلب ينبض، ولا أدّعي أني أعاني من أجلهم، ولكن ألا ترون الأراذل والهمج الرعاع يسبونني ويشتمون جميع العلماء ورجال الدين. وفي كل يوم ترسل الحكومة عصابات من ستة أو ثمانية أشخاص يريدون اغتيالي، وما يصبّرني على ذلك أنه بعين الله، متأسياً في ذلك بأئمة أهل البيت(ع)، وسأسعى جاهداً لإنقاذ أهالي تبريز، وسوف لن أتوانى في ذلك، وسأبذل قصارى جهدي في هذا الطريق".

انقلاب على المشروطة:

قاد الحركة المشروطة في إيران التي عملت على إقامة حكم ملكي دستوري مشروط ببرلمان، ونجحت في عام 1906 في إجبار الشاه مظفَّر الدين على إعلان الدستور، والاحتفاظ بمكانة عليا تضمن للفقهاء الإشراف على قوانين المجلس. ولكن انقسام الحركة الدستورية إلى فريقين، يطالب أحدهما بحكم ديموقراطي مطلق، وآخر يطالب بحكم يلتزم بالشريعة الإسلامية، أدى إلى إعدام الشيخ فضل الله النوري أكبر دعاة "المشروطة المشروعة" في طهران على يد فريق "المشروطة المطلقة"، ما جعل حالة من التشكيك في الحركة الدستورية تسود في أوساط العلماء، فاتهموها بالعمالة لبريطانيا، وعادوها بصورة كلية، حتى إن طلبة العلوم الدينية من أنصار المشروطة كانوا يتعرضون لمضايقات كثيرة وصلت إلى درجة أنهم لم يذهبوا لمدة سنة لزيارة كربلاء أو الكوفة أو مسجد السهلة خوفاً على أرواحهم. وتطوَّر هذا الخلاف عندما دخلت العشائر كرقم فيه لدعم موقف الأطراف المتنازعة، وهي سابقة خطيرة في هذا المجال. لأن وقوف الأمة إلى جانب مرجع ضد آخر، يعني انقسامها على نفسها، وتحول المرجعية من قيادة الأمة إلى طرف متنازع مع قسم منها. ويروى في هذا الخصوص، أن السيد كاظم اليزدي الذي كان على رأس "المستبدّة"، طلب حضور العشائر العراقية إلى النجف الأشرف، فجاءوا مسلّحين والتفّوا حوله "بهوساتهم» المنددة بـ"المشروطة".

وفي هذا الصّدد يقول النائيني: "عند هبوب أولى نسائم الحرّية والعدالة على إيران مع بدايات الحركة الدستورية، كان البعض يتصوَّر أنها سوف لن تأتي عليهم، وأنها تختصُّ بالحكّام والمتصدّين للسلطة فقط، لذلك بذلت جميع الطبقات من المعمّمين المتجلببين بجلباب الدين والإقطاعيين والمتنفذين قصارى جهودها في سبيل إقامة وترسيخ الأسس الجديدة، ودعمت الحركة الدستورية، لأنها توقَّعت أن الموت سيطال الجيران فقط كما يقول المثل الإيراني، حتى إذا انكشفت الحقيقة وسطع نور الشمس، انقلبوا على أعقابهم وشنوا هجوماً عليها تحت شعارات مختلفة، فالاستبداد الديني صوّب حرابه للحركة الدستورية من منطلق الحفاظ على مبادئ الدين الحنيف والدفاع عنه، أما جلاوزة السلطان، فقد تشبثوا بالشعارات الوطنية وحب الوطن في هجومهم الخبيث، وهكذا الحال بالنسبة إلى سائر المحتالين والمنافقين، فكلٌّ قد شهر السلاح الذي يجيد استخدامه من أجل محاربة الحركة الدستورية حفاظاً على مصالحهم الخاصة، وعادت الحالة إلى أن نكثت طائفة وفسقت أخرى ومرق آخرون"، لترسم أبعاد الوضع القائم آنذاك.

الاهتمام بقضايا المسلمين:

كان الآخوند وعدد من كبار المجتهدين من ضمنهم النائيني، قد وجهوا رسالتهم الشهيرة إلى السلطان عبد الحميد عام 1908 لإعادة الدستور، ويكشف ذلك عن مدى اهتمام هؤلاء بالدستورية في العالم الإسلامي، وعن تعاملهم مع الدولة العثمانية كدولة إسلامية يرتبط بها حماية الإسلام. ومن قضايا المسلمين التي اهتم بها الملاّ الخراساني (الآخوند) قضية الجهاد ضد الروس الذين وصلوا إلى إيران بجيوشهم لدعم محمَّد علي شاه، وطلب الآخوند من عشائر المنتفق وبني لام والبو محمد وربيعة وتميم وعنزه وشمّر وبني حسن وجماعات أخرى أن يتحركوا مرة واحدة. كما تهيأ المجاهدون في النجف الأشرف وكربلاء والكاظمية وبغداد وغيرها للذهاب إلى إيران ضمن حركة الجهاد، وقبل أن يتوجَّهوا إلى إيران، وصل خبر سقوط الشاه على أيدي أنصار المشروطة وخروج الروس من إيران في 24 جمادى الثانية 1327 هـ /13 حزيران 1909م. وحققت المشروطة انتصاراً ساحقاً ساهم في حسم الخلاف، أو على الأقل تهدئته.

إن نجاح فتوى الجهاد أظهرت الملا كاظم الخراساني (الآخوند) على أنّه القائد الأول للتحرك السياسي الإسلامي، ورفعت نتائج فتواه موقع مرجعيته إلى مراتب عالية، وكادت ترتفع إلى مراتب أعلى عندما قرر السفر إلى إيران للجهاد أيضاً ومحاربة الروس الذين دخلوا إيران من جديد. لكنه توفي ليلة سفره في ظروف غامضة، وذلك في 20 ذي الحجة عام 1329 هـ /12 كانون الأول عام1911 م.

مؤلفاته:

اتَّسمت مؤلّفاته بالأصالة والتجديد والتدقيق في علمي الفقه والأصول، نأتي على ذكر جملة منها:

حاشية على كتاب الرسائل للشيخ الأنصاري، الحاشية الجديدة على الرسائل، وهي المسماة (درر الفوائد)، الحاشية على مكاسب الشيخ الأنصاري، حاشية على أسفار صدر المتألهين الشيرازي، حاشية على منظومة السبزواري، القضاء والشهادات، أكمله نجله آية الله الميرزا محمد، روح الحياة (رسالة عملية)، تكملة التبصرة، ذخيرة العباد في يوم المعاد: (رسالة عملية باللغة الفارسية)، اللمعات النيّرة في شرح تكملة التبصرة، الفوائد: تحتوي على خمس عشرة فائدة، كفاية الأصول: كتاب قيّم يدرَّس حتى الآن في الحوزات العلمية كافّةً، هذا بالإضافة إلى مجموعة من الرسائل في أبواب مختلفة من الفقه مطبوعة في مجلد واحد.

وفاته:

توفي في ظروفٍ غامضة يوم الثلاثاء 20 ذي الحجة / 1329 هـ. حيث كان عازماً على السفر إلى إيران، لحفظ ثغور الإسلام من عساكر الروس والإنجليز.

وشيِّع جثمانه الطاهر تشييعاً عظيماً، وتم دفنه في الصحن الشريف للإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) في النجف الأشرف.