المهدى
02-17-2006, 02:39 PM
نيويورك - راغدة درغام الحياة - 17/02/06//
زحف المليون لبناني الى ساحة الشهداء هذا الأسبوع يبعث رسالة مهمة الى الذين يقولون إن الاستقرار السيئ أفضل من الفوضى الجيدة في المنطقة العربية. رسالة فحواها أن الشعب اللبناني يقود خياراً ثالثاً هو خيار الدفع الصارم للتغيير من الداخل بدعم متماسك من البيئة المباشرة ومن الخارج. هذا الخيار هو النموذج الذي يجب أن يُقتدى به والذي يجب أن يؤدي الى كبح شغف بعض حكومات المنطقة للتمسك بالاستقرار الفاسد لأنظمة حاكمة خوفاً من الفوضى حتى وإن جاءت بنتيجة بناءة. إنها لمسؤولية أخلاقية ملقاة على صنّاع القرار في المنطقة العربية وفي العالم أن يفهموا صرخة الاستنجاد التي أتت في هتاف مليون لبناني بـ «الله يحميك» لقياداته السياسية في زمن الاغتيالات والتخريب وحرق السفارات واستدعاء الحروب الاقليمية.
كان اغتيال الحريري أدى الى صدور القرار 1595 الذي وضع سورية تحت الرقابة الدولية، وأرغم القوات السورية على الانسحاب من لبنان. الذين اغتيلوا بعد الحريري كانوا وقفوا مع هذين القرارين وما تبعهما من قرارات دولية في موضوع لبنان. مجلس الأمن أدرك ذلك ووافق على توسيع التحقيق في اغتيال الحريري ليشمل الاغتيالات اللاحقة وبينها اغتيال الصحافيين البارزين سمير قصير وجبران تويني ومحاولة اغتيال الزميلة مي شدياق.
ما تطورت إليه الأمور هذا الأسبوع يُنذر باغتيالات آتية، الهدف منها معاقبة زعماء لبنانيين على عبور الخطوط الحمر، واطلاق شرارة حرب أهلية لبنانية، واستدعاء حرب اقليمية تعيد خلط الأوراق وتحوّل الأنظار عن التحقيق الذي تقوم به «اللجنة الدولية المستقلة».
هذا يعني أن قرارات وتقارير الأمم المتحدة باتت جزءاً من سياسات تستخدم الاغتيالات أدوات لها تجنباً لتنفيذ القرارات الدولية. وهذه سابقة تتطلب التفكير العميق والجديد. فلا يجوز للأسرة الدولية أن تقبع في انتظار اغتيال آخر، خصوصاً أنها تدرك، بلا شك، الأبعاد الخطيرة لهذه الاغتيالات، إذا حدثت.
أحد الذين هتف المليون لبناني له «الله يحميك» هو رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» الزعيم وليد جنبلاط، الذي قال لمرافقيه المتوترين خوفاً عليه في «خيمة الحرية» قرب ضريح الحريري «الله الحامي، ارتاحوا قليلاً»... ثم خرج من الخيمة الى الناس ملوحاً بابتسامة ووردة حمراء.
الخوف على وليد جنبلاط تفاقم يوم الثلثاء على رغم استمرار المخاوف على القيادات الأخرى التي احتشدت في ساحة الشهداء وعلى رأسها زعيم «تيار المستقبل» النائب سعد الحريري، ورئيس الهيئة التنفيذية لـ «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع. فهذا التحالف الثلاثي المهم لجنبلاط والحريري وجعجع واجه التفاهم الذي تم قبل أسبوعين بين العماد ميشال عون زعيم «التيار الوطني الحر» و «حزب الله» على ورقة مبادئ في عدد من المواضيع الخلافية على الساحة السياسية اللبنانية.
ما جعل الخوف على جنبلاط يتزايد هو ما سمي بتجاوز الخطوط الحمر، إذ رد على وصف الرئيس السوري بشار الأسد لرئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة بـ «عبد مأمور لعبد مأمور»، وقال: «يا حاكم دمشق أنت العبد المأمور». كذلك خاطب وليد جنبلاط اميل لحود قائلاً إنه «رمز العمالة والارتهان للنظام السوري قابع في بعبدا»، في اشارة الى مقر الرئاسة. وزاد، في اشارة الى مزارع شبعا التي تقول دمشق إنها لبنانية: «جئنا لنقول اننا نرفض حجة شبعا والمحور الإيراني - السوري... فلنحرر مزرعة بعبدا بدل مزارع شبعا».
في التقليد السلطوي العربي، عندما يتم تجاوز ما يسمى بالخطوط الحمر، تتحرك المؤسسة الأمنية - الاستخباراتية للانتقام بأي ثمن كان. ما قاله وليد جنبلاط يجعله تلقائياً هدفاً للانتقام، ولذلك فإن المليون لبناني هتف له «الله يحميك» وبكى.
هذا الحشد الذي جاء بدهشة رائعة على المشهد اللبناني السياسي في ثاني أكبر تجمع شعبي يشهده لبنان في تاريخه القريب جاء أيضاً برسائل عدة الى أطراف عدة. هتافه لكل من جنبلاط والحريري وجعجع يتطلب تنبه مجلس الأمن الدولي الى فترة الاغتيالات الآتية بصورة تستبق الاغتيالات بدلاً من انتظارها بلا حركة.
على مجلس الأمن أن يطلق انذاراً حازماً لكل من يعنيه الأمر يحذره من عواقب سياسة الاغتيالات. عليه أن يضع استراتيجية تدعم المطالب الشعبية اللبنانية والتي هي بحد ذاتها تعبير عن الدعم للقرارات الدولية، فالمسيرة الحاشدة للمليون لبناني تحولت الى استفتاء شعبي لتثبيت «الأكثرية» رداً على وصف سورية خصومها في لبنان بأنهم أقلية عابرة وعلى قول الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله في خطابه الأسبوع الماضي، بأنها «أكثرية وهمية».
أولوية المليون متظاهر لبناني كانت واضحة: اسقاط اميل لحود الذي كان اساس البلاء عندما فرضته سورية رئيساً رغم أنف الدستور اللبناني.
مجلس الأمن يوافق على ان اميل لحود ليس منتخباً بصورة شرعية وهو يطالب تكراراً بانتخابات رئاسية جديدة. ما لم يفعله مجلس الأمن، ويجب عليه الآن القيام به، هو ايلاء الاهتمام الضروري بناحية رئاسة الجمهورية الواردة في قراراته. ما صرخت به الحشود الشعبية في شوارع بيروت لتسمعه الأسرة الدولية في أروقة الأمم المتحدة في نيويورك هو: آن الأوان وقد حان موعد اسقاط لحود من الرئاسة. آن الأوان لمجلس الأمن الدولي ان يتصرف بجدية وبتجديدية في موقفه القائل ان وجود اميل لحود في السلطة غير شرعي وغير قانوني. فالرجل لن يغادر طوعاً ولا خيار سوى إرغامه على المغادرة.
الأمر الآخر الذي طالبت به الأكثرية النيابية المناهضة لدمشق والمسيرة الشعبية اللبنانية الداعمة لها هو نزع سلاح «حزب الله». فهي وجهت رسالة الى ميشال عون الذي تقارب مع «حزب الله» بأن غيابه عن مسيرة الثلثاء يعني انه تكاتل و «حزب الله» مع سورية. وبالتالي، كانت الرسالة السياسية له: أخطأت واسأت تقدير التماسك الشعبي ضد الدور السوري في لبنان، المباشر منه وذلك عبر «حزب الله» والفصائل الفلسطينية وأي أطراف لبنانية متضامنة مع القوى الحليفة لسورية. لكن الرسالة الأقوى والأهم كانت الى «حزب الله»، إذ جاء المهرجان الشعبي ليعلن تمسكه بالدولة و «سلاحها الوحيد»، هذا الموقف يناقض بصورة مباشرة قول السيد نصر الله «ان موضوع سلاح المقاومة مرتبط بالتسوية لا بمزارع شبعا».
بكلام آخر، وسع الأمين العام لـ «حزب الله» دور الميليشيات التابعة له، والتي يطالب القرار 1559 بتفكيكها ونزع سلاحها. فهو يتحدث الآن بأكثر من مزارع شبعا كمبرر لاحتفاظه بالسلاح باعتباره رأس «المقاومة». يتكلم عن دور ميليشيات «حزب الله» في «التسوية» في المنطقة.
حرباً أو سلماً، يريد السيد نصرالله لـ «حزب الله» ان يكون لاعباً اقليمياً في تلك «التسوية» التي تحدث عنها. فهو يعتبر الحزب جزءاً من المحور الثلاثي الذي يضم ايران وسورية ويضمه اليهما. وهو بهذا الموقف، يصعّد ضد اعتباره لاعباً محلياً لبنانياً. انه يصنف «حزب الله» الآن هيئة موازية للدولة اللبنانية وللجيش اللبناني.
ما لا يجب السماح لـ «حزب الله» به هو اللعب على السكتين ليحتفظ بما يسميه ورقة «المقاومة» الموازية للدولة والجيش، وبانضمامه الى العملية السياسية اللبنانية في البرلمان وفي الحكومة.
على رئيس الحكومة اللبناني فؤاد السنيورة ان ينقل الحوار مع «حزب الله» الى مرتبة الاختيار بين دوره كلاعب وحزب سياسي في اطار الدولة وجيشها وبين دوره كمعارض مسلح للدولة وجيشها.
المهرجان الشعبي اعطى السنيورة مثل هذا التفويض، وعلى المجتمع الدولي ان يساعده في ذلك، ما يحدث من نقل السلاح الى المقاومة «بمباركة الجيش اللبناني - إذا تم اثباته - تطور يجب معالجته فوراً، باي طرق كانت حتى لو تطلب إصدار قوانين صارمة جديدة أو قيادات جديدة للجيش، فإلى جانب ضرورة اسقاط اميل لحود بأسرع ما يمكن من رئاسة الجمهورية، يجب اسقاط التلاعب على ورقة «المقاومة» بحيث الجيش وحده يصبح حامل السلاح يأخذ أوامره من حكومة شرعية وليس من رئيس غير شرعي.
دعم جهود السنيورة ضروري اقليمياً ودولياً خصوصاً أن تقرير تنفيذ القرار 1559 آت في نيسان (ابريل) ومبعوث الأمين العام المكلف بمراقبة التنفيذ، تيري رود لارسن، سيجول على المنطقة الشهر المقبل. فالأفضل للجميع اقناع «حزب الله» بالتحول الى حزب سياسي محض. وقد تكون وسيلة اقناع «حزب الله» متوافرة في طهران أكثر مما هي في دمشق. لكن وسائل الضغوط تمتد من الساحة الدولية الى الساحة المحلية.
فليس في مصلحة «حزب الله» ان يتخذ موقفاً معادياً لمواقف الاكثرية اللبنانية الحقيقية، بعدما ابلغته انها ليست ابداً وهمية أو عابرة وبعدما وضعت على اكتافه مسؤولية الاختيار بين «لبنانيته» وبين «اقليميته» على حساب لبنان.
فلن تقع حرب أهلية في لبنان ولن تقع حرب طائفية في لبنان، إلا إذا أرادها «حزب الله» تنفيذاً لرغبات غير لبنانية. ولن ينجو «حزب الله» من المحاسبة على أي اغتيالات للقيادات المعادية لسورية، حتى وان كان بريئاً منها. فهو الآن طرف في التصعيد والتحريض على مثل هذه التجاوزات الخطيرة، إذا حدثت. ما زالت أمامه فرصة الالتحاق بهويته اللبنانية، إذا شاء. فإذا فعل ذلك، سيكون الاحتفاء به وببهجة مثل هذا القرار أجمل مهرجان يُحيا في لبنان.
الى حين ذلك، تحية الى كل أم اصطحبت رضيعها الى التظاهرة التاريخية، الى كل شاب رفع الصليب والقرآن معاً، الى كل امرأة محجبة وكل علمانية. وهنيئاً لكل من كانت له فرصة المشاركة من دون أن يكون مبعداً بسبب التهديدات.
زحف المليون لبناني الى ساحة الشهداء هذا الأسبوع يبعث رسالة مهمة الى الذين يقولون إن الاستقرار السيئ أفضل من الفوضى الجيدة في المنطقة العربية. رسالة فحواها أن الشعب اللبناني يقود خياراً ثالثاً هو خيار الدفع الصارم للتغيير من الداخل بدعم متماسك من البيئة المباشرة ومن الخارج. هذا الخيار هو النموذج الذي يجب أن يُقتدى به والذي يجب أن يؤدي الى كبح شغف بعض حكومات المنطقة للتمسك بالاستقرار الفاسد لأنظمة حاكمة خوفاً من الفوضى حتى وإن جاءت بنتيجة بناءة. إنها لمسؤولية أخلاقية ملقاة على صنّاع القرار في المنطقة العربية وفي العالم أن يفهموا صرخة الاستنجاد التي أتت في هتاف مليون لبناني بـ «الله يحميك» لقياداته السياسية في زمن الاغتيالات والتخريب وحرق السفارات واستدعاء الحروب الاقليمية.
كان اغتيال الحريري أدى الى صدور القرار 1595 الذي وضع سورية تحت الرقابة الدولية، وأرغم القوات السورية على الانسحاب من لبنان. الذين اغتيلوا بعد الحريري كانوا وقفوا مع هذين القرارين وما تبعهما من قرارات دولية في موضوع لبنان. مجلس الأمن أدرك ذلك ووافق على توسيع التحقيق في اغتيال الحريري ليشمل الاغتيالات اللاحقة وبينها اغتيال الصحافيين البارزين سمير قصير وجبران تويني ومحاولة اغتيال الزميلة مي شدياق.
ما تطورت إليه الأمور هذا الأسبوع يُنذر باغتيالات آتية، الهدف منها معاقبة زعماء لبنانيين على عبور الخطوط الحمر، واطلاق شرارة حرب أهلية لبنانية، واستدعاء حرب اقليمية تعيد خلط الأوراق وتحوّل الأنظار عن التحقيق الذي تقوم به «اللجنة الدولية المستقلة».
هذا يعني أن قرارات وتقارير الأمم المتحدة باتت جزءاً من سياسات تستخدم الاغتيالات أدوات لها تجنباً لتنفيذ القرارات الدولية. وهذه سابقة تتطلب التفكير العميق والجديد. فلا يجوز للأسرة الدولية أن تقبع في انتظار اغتيال آخر، خصوصاً أنها تدرك، بلا شك، الأبعاد الخطيرة لهذه الاغتيالات، إذا حدثت.
أحد الذين هتف المليون لبناني له «الله يحميك» هو رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» الزعيم وليد جنبلاط، الذي قال لمرافقيه المتوترين خوفاً عليه في «خيمة الحرية» قرب ضريح الحريري «الله الحامي، ارتاحوا قليلاً»... ثم خرج من الخيمة الى الناس ملوحاً بابتسامة ووردة حمراء.
الخوف على وليد جنبلاط تفاقم يوم الثلثاء على رغم استمرار المخاوف على القيادات الأخرى التي احتشدت في ساحة الشهداء وعلى رأسها زعيم «تيار المستقبل» النائب سعد الحريري، ورئيس الهيئة التنفيذية لـ «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع. فهذا التحالف الثلاثي المهم لجنبلاط والحريري وجعجع واجه التفاهم الذي تم قبل أسبوعين بين العماد ميشال عون زعيم «التيار الوطني الحر» و «حزب الله» على ورقة مبادئ في عدد من المواضيع الخلافية على الساحة السياسية اللبنانية.
ما جعل الخوف على جنبلاط يتزايد هو ما سمي بتجاوز الخطوط الحمر، إذ رد على وصف الرئيس السوري بشار الأسد لرئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة بـ «عبد مأمور لعبد مأمور»، وقال: «يا حاكم دمشق أنت العبد المأمور». كذلك خاطب وليد جنبلاط اميل لحود قائلاً إنه «رمز العمالة والارتهان للنظام السوري قابع في بعبدا»، في اشارة الى مقر الرئاسة. وزاد، في اشارة الى مزارع شبعا التي تقول دمشق إنها لبنانية: «جئنا لنقول اننا نرفض حجة شبعا والمحور الإيراني - السوري... فلنحرر مزرعة بعبدا بدل مزارع شبعا».
في التقليد السلطوي العربي، عندما يتم تجاوز ما يسمى بالخطوط الحمر، تتحرك المؤسسة الأمنية - الاستخباراتية للانتقام بأي ثمن كان. ما قاله وليد جنبلاط يجعله تلقائياً هدفاً للانتقام، ولذلك فإن المليون لبناني هتف له «الله يحميك» وبكى.
هذا الحشد الذي جاء بدهشة رائعة على المشهد اللبناني السياسي في ثاني أكبر تجمع شعبي يشهده لبنان في تاريخه القريب جاء أيضاً برسائل عدة الى أطراف عدة. هتافه لكل من جنبلاط والحريري وجعجع يتطلب تنبه مجلس الأمن الدولي الى فترة الاغتيالات الآتية بصورة تستبق الاغتيالات بدلاً من انتظارها بلا حركة.
على مجلس الأمن أن يطلق انذاراً حازماً لكل من يعنيه الأمر يحذره من عواقب سياسة الاغتيالات. عليه أن يضع استراتيجية تدعم المطالب الشعبية اللبنانية والتي هي بحد ذاتها تعبير عن الدعم للقرارات الدولية، فالمسيرة الحاشدة للمليون لبناني تحولت الى استفتاء شعبي لتثبيت «الأكثرية» رداً على وصف سورية خصومها في لبنان بأنهم أقلية عابرة وعلى قول الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله في خطابه الأسبوع الماضي، بأنها «أكثرية وهمية».
أولوية المليون متظاهر لبناني كانت واضحة: اسقاط اميل لحود الذي كان اساس البلاء عندما فرضته سورية رئيساً رغم أنف الدستور اللبناني.
مجلس الأمن يوافق على ان اميل لحود ليس منتخباً بصورة شرعية وهو يطالب تكراراً بانتخابات رئاسية جديدة. ما لم يفعله مجلس الأمن، ويجب عليه الآن القيام به، هو ايلاء الاهتمام الضروري بناحية رئاسة الجمهورية الواردة في قراراته. ما صرخت به الحشود الشعبية في شوارع بيروت لتسمعه الأسرة الدولية في أروقة الأمم المتحدة في نيويورك هو: آن الأوان وقد حان موعد اسقاط لحود من الرئاسة. آن الأوان لمجلس الأمن الدولي ان يتصرف بجدية وبتجديدية في موقفه القائل ان وجود اميل لحود في السلطة غير شرعي وغير قانوني. فالرجل لن يغادر طوعاً ولا خيار سوى إرغامه على المغادرة.
الأمر الآخر الذي طالبت به الأكثرية النيابية المناهضة لدمشق والمسيرة الشعبية اللبنانية الداعمة لها هو نزع سلاح «حزب الله». فهي وجهت رسالة الى ميشال عون الذي تقارب مع «حزب الله» بأن غيابه عن مسيرة الثلثاء يعني انه تكاتل و «حزب الله» مع سورية. وبالتالي، كانت الرسالة السياسية له: أخطأت واسأت تقدير التماسك الشعبي ضد الدور السوري في لبنان، المباشر منه وذلك عبر «حزب الله» والفصائل الفلسطينية وأي أطراف لبنانية متضامنة مع القوى الحليفة لسورية. لكن الرسالة الأقوى والأهم كانت الى «حزب الله»، إذ جاء المهرجان الشعبي ليعلن تمسكه بالدولة و «سلاحها الوحيد»، هذا الموقف يناقض بصورة مباشرة قول السيد نصر الله «ان موضوع سلاح المقاومة مرتبط بالتسوية لا بمزارع شبعا».
بكلام آخر، وسع الأمين العام لـ «حزب الله» دور الميليشيات التابعة له، والتي يطالب القرار 1559 بتفكيكها ونزع سلاحها. فهو يتحدث الآن بأكثر من مزارع شبعا كمبرر لاحتفاظه بالسلاح باعتباره رأس «المقاومة». يتكلم عن دور ميليشيات «حزب الله» في «التسوية» في المنطقة.
حرباً أو سلماً، يريد السيد نصرالله لـ «حزب الله» ان يكون لاعباً اقليمياً في تلك «التسوية» التي تحدث عنها. فهو يعتبر الحزب جزءاً من المحور الثلاثي الذي يضم ايران وسورية ويضمه اليهما. وهو بهذا الموقف، يصعّد ضد اعتباره لاعباً محلياً لبنانياً. انه يصنف «حزب الله» الآن هيئة موازية للدولة اللبنانية وللجيش اللبناني.
ما لا يجب السماح لـ «حزب الله» به هو اللعب على السكتين ليحتفظ بما يسميه ورقة «المقاومة» الموازية للدولة والجيش، وبانضمامه الى العملية السياسية اللبنانية في البرلمان وفي الحكومة.
على رئيس الحكومة اللبناني فؤاد السنيورة ان ينقل الحوار مع «حزب الله» الى مرتبة الاختيار بين دوره كلاعب وحزب سياسي في اطار الدولة وجيشها وبين دوره كمعارض مسلح للدولة وجيشها.
المهرجان الشعبي اعطى السنيورة مثل هذا التفويض، وعلى المجتمع الدولي ان يساعده في ذلك، ما يحدث من نقل السلاح الى المقاومة «بمباركة الجيش اللبناني - إذا تم اثباته - تطور يجب معالجته فوراً، باي طرق كانت حتى لو تطلب إصدار قوانين صارمة جديدة أو قيادات جديدة للجيش، فإلى جانب ضرورة اسقاط اميل لحود بأسرع ما يمكن من رئاسة الجمهورية، يجب اسقاط التلاعب على ورقة «المقاومة» بحيث الجيش وحده يصبح حامل السلاح يأخذ أوامره من حكومة شرعية وليس من رئيس غير شرعي.
دعم جهود السنيورة ضروري اقليمياً ودولياً خصوصاً أن تقرير تنفيذ القرار 1559 آت في نيسان (ابريل) ومبعوث الأمين العام المكلف بمراقبة التنفيذ، تيري رود لارسن، سيجول على المنطقة الشهر المقبل. فالأفضل للجميع اقناع «حزب الله» بالتحول الى حزب سياسي محض. وقد تكون وسيلة اقناع «حزب الله» متوافرة في طهران أكثر مما هي في دمشق. لكن وسائل الضغوط تمتد من الساحة الدولية الى الساحة المحلية.
فليس في مصلحة «حزب الله» ان يتخذ موقفاً معادياً لمواقف الاكثرية اللبنانية الحقيقية، بعدما ابلغته انها ليست ابداً وهمية أو عابرة وبعدما وضعت على اكتافه مسؤولية الاختيار بين «لبنانيته» وبين «اقليميته» على حساب لبنان.
فلن تقع حرب أهلية في لبنان ولن تقع حرب طائفية في لبنان، إلا إذا أرادها «حزب الله» تنفيذاً لرغبات غير لبنانية. ولن ينجو «حزب الله» من المحاسبة على أي اغتيالات للقيادات المعادية لسورية، حتى وان كان بريئاً منها. فهو الآن طرف في التصعيد والتحريض على مثل هذه التجاوزات الخطيرة، إذا حدثت. ما زالت أمامه فرصة الالتحاق بهويته اللبنانية، إذا شاء. فإذا فعل ذلك، سيكون الاحتفاء به وببهجة مثل هذا القرار أجمل مهرجان يُحيا في لبنان.
الى حين ذلك، تحية الى كل أم اصطحبت رضيعها الى التظاهرة التاريخية، الى كل شاب رفع الصليب والقرآن معاً، الى كل امرأة محجبة وكل علمانية. وهنيئاً لكل من كانت له فرصة المشاركة من دون أن يكون مبعداً بسبب التهديدات.