المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في حوارات غير منشورة رفيق الحريري: استبعد محاولة لاغتيالي فهو قرار كبير وخطير ومكلف



yasmeen
02-11-2006, 08:16 AM
في حوارات غير منشورة كانت تنتظر استكمالها والاتفاق على التوقيت... رفيق الحريري: استبعد محاولة لاغتيالي فهذا القرار كبير وخطير ومكلف


لندن - غسان شربل الحياة - 11/02/06//


على رغم محاولة اغتيال الوزير مروان حماده لم يكن الرئيس رفيق الحريري يتوقع أن يكون الهدف المقبل «لأن أي قرار باغتيالي هو قرار كبير وخطير ومكلف لا يمكن أن يتخذه شخص عاقل». وقال: «أما محاولات اغتيالي سياسياً فلم تتوقف ولن تتوقف وهي تستهدف ابقاء البلد مريضاً الى ما لا نهاية. لا مصلحة لهم في موت المريض ولا يقبلون بشفائه». وسألته «الحياة» ان كانت الموافقة على التمديد للرئيس اميل لحود تشبه تجرع كأس السم، فرد سائلاً: «من تجرع السم أنا أم البلد؟».

ما تنشره «الحياة» بدءاً من اليوم وعشية الذكرى الأولى لاستشهاد الحريري هو حصيلة لقاءات متباعدة

معه بدأت في سردينيا في صيف 1999 وكان آخرها في بيروت قبل أسابيع من اغتياله. وتقضي الأمانة الاشارة الى أن الحريري كان اشترط استكمال هذه الحوارات في خلوة في قصره الجبلي في فقرا وموافقته المسبقة على توقيت النشر. شاءت الأقدار أو يد الجريمة أن يغيب الحريري قبل استكمال الحوارات التي ننشرها بدءاً من اليوم في الذكرى الأولى لاستشهاده.

في اللقاء الأخير كان الحريري حاسماً في التعبير عن قرار اتخذه: «لن أكون رئيساً للحكومة في عهد لحود... كلام نهائي ولا عودة عنه. سأقول لك كلاماً أوضح. لا في عهد لحود ولا في أي عهد يشبه عهد لحود... أي عهد يأتي بالطريقة نفسها وبالهدف نفسه وبالحسابات نفسها».

ورداً على سؤال ان كان يمكن الاستنتاج انه لن يكون بعد اليوم رئيساً للحكومة، قال: «لا أعرف ان كان استنتاجك دقيقاً ولأي فترة من الوقت».

نفى الحريري أن تكون له أي بصمات على قرار مجلس الأمن الرقم 1559، معتبراً أنه كان يمكن تفادي القرار حتى آخر لحظة. وسئل ان كانت الدول الغربية اتخذت قراراً بتغيير النظام في سورية، فرد أن الأمر يتوقف على سلوك النظام. وقال إنه لم يستطع التفاهم مع الرئيس لحود «لأن مشروع لحود، ومنذ البداية، كان موجهاً ضد البرنامج الذي على أساسه توليت رئاسة الوزراء». وأكد أن اللقاء الأخير بينه وبين لحود «كان لطيفاً للغاية».

تحدث الحريري في هذه الحوارات عن علاقته بلحود والعلاقات مع سورية. كما تحدث عن علاقته بالرئيس الراحل حافظ الأسد، مشيراً الى أنه التقاه أكثر من خمسين مرة. وحكى عن علاقته بالملك الراحل فهد بن عبدالعزيز وبعض الذكريات في مجلسه.

روى الحريري أيضاً قصة نشأته وطريقه الى النجاح والثروة والمبادئ التي انطلق منها في عمله السياسي. وقال: «أحياناً أكاد لا أصدق أن رفيق الحريري الذي انطلق من الصفر تمكن من الوصول الى ما يتخطى أحلامه».

yasmeen
02-11-2006, 08:21 AM
في حوارات غير منشورة كانت تنتظر استكمالها وموافقته على التوقيت (1) ... رفيق الحريري: قرار اغتيالي مستبعد لأنه كبير وخطير ومكلف لا مصلحة لهم في موت المريض... ولا يقبلون بشفائه


غسان شربل الحياة - 11/02/06//


http://www.alhayat.com/special/02-2006/Item-20060210-556cd437-c0a8-10ed-004d-8d50bc6ca25b/hariri1_08.jpg_200_-1.jpg
رفيق الحريري


هل يحق للصحافي نشر حوارات كان المتحدث فيها اشترط عدم نشرها إلا بعد الحصول على موافقته «لأن التوقيت مهم في السياسة»؟ طرحت هذا السؤال على نفسي بعد ساعات من تلقي خبر استشهاد الرئيس رفيق الحريري. كانت الصدمة واسعة والمناخ عاطفياً وتخوفت ان يؤدي التهاب المشاعر الى تحميل بعض الكلام ما لم يرده المتحدث اصلاً فصرفت النظر عن النشر. وقبل ايام من الذكرى الأولى لزلزال 14 شباط (فبراير) وجدت نفسي أمام السؤال نفسه، لكنني قررت هذه المرة نشر معظم ما جاء في هذه الحوارات لاعتقادي انها يمكن ان تشكل تحية للرئيس الراحل ولعلها تفيد القارئ الباحث عن تفاصيل مسيرة شخصية استثنائية.

من حق القارئ ان يعرف قصة هذه الحوارات التي جاءت حصيلة لقاءات متباعدة عقدت في سردينيا وباريس وبيروت. في 1994 اتصلت بالرئيس الحريري طالباً منه المشاركة في سلسلة «يتذكر» التي كانت تنشرها «الوسط». تردد طويلاً ثم وافق فذهبت اليه في مونت كارلو في 26 كانون الأول (ديسمبر) وامضيت معه يومين اثمرا ثلاث حلقات نشرت في «الوسط» ابتداء من 27/2/1995. قال لي يومها: اعتبر هذا الحديث مجرد بداية فوضعي السياسي ومسؤولياتي الرسمية يمنعانني من الخوض في كثير من التفاصيل. وأضاف: أعدك ان نجري جولة اخرى من الحوار لاحقاً.

في صيف 1999 عاودت الاتصال. كان الحريري خارج الحكم. وافق وذهبت الى سردينيا مع آلة التسجيل الصغيرة وكانت جلسات عدة على يخته حيث كان يقيم. في ختام اليوم الثاني صارحني قائلاً: «لم يحن بعد وقت البوح بما هو أهم. ما رأيك ألا تنشر هذا الحديث الآن على ان نمضي يومين لاحقاً في فقرا. أقطع الاتصالات الهاتفية واتفرغ لاستجماع الذكريات وستكتشف انني كنت حاضراً بشكل أو آخر في كل محطة بعد 1982».

واضاف: «وبانتظار ذلك الموعد تستطيع ان تسألني عما تريد كلما التقينا في لبنان أو خارجه وتستطيع تسجيل اجوبتي حتى ولو كنا نتحدث هاتفياً. شرطي الوحيد ان لا ينشر شيء قبل موافقتي فأنا لا أريد ان يضر الاعلام بالسياسة فهل تعدني بذلك؟».

وعدته وصرت أسرق جزءاً من حوار كلما التقينا. للأسف كانت اللقاءات متباعدة فقد عاد الحريري الى الحكم في لبنان في العام 2000. الغريب ان الحريري كان يذكرني بوعده بخلوة صحافية في قصره الجبلي في فقرا لكنني حين رأيته في المرة الأخيرة في قريطم قبل اسابيع من اغتياله لم يكن الجو يسمح باقتناص فرصة من هذا النوع، فقد شعرت بقدر من التوتر في حديثه وكأنه كان يقلب الانعكاسات المحتملة لفوز المعارضة في الانتخابات المقتربة.


http://www.alhayat.com/special/02-2006/Item-20060210-556cd437-c0a8-10ed-004d-8d50bc6ca25b/Hariri_08.jpg_200_-1.jpg
العميد مصطفى حمدان يتوسط الرئيسين اميل لحود ورفيق الحريري.

لا غرابة ان تستوقف شخصية رفيق الحريري اي صحافي يتابع حاضر لبنان ويسأل عن مستقبله. وحين كنت أحاول في سلسلة «يتذكر» جمع روايات الحرب ومحاولات الخروج منها خصوصاً في عقد الثمانينات كان اسم الحريري يتكرر على رغم حرصه في تلك الأيام على ابقاء دوره بعيداً عن الأضواء واخفاء حجمه الفعلي تفادياً لإثارة العداوات. كانت لرفيق الحريري بصمات في كل المحطات. من إلغاء اتفاق 17 ايار (مايو) اللبناني - الاسرائيلي الى «الاتفاق الثلاثي» بين الميليشيات الكبرى وصولاً الى مؤتمري جنيف ولوزان وعهد الحكومتين ثم اتفاق الطائف.

كان السؤال الذي يشغلني في التسعينات كيف نجح رفيق الحريري في التحول قطباً في مرحلة كان يفترض ان لا تسمح بوجود أقطاب في لبنان. طرحت السؤال على الحريري فسألني عن الجواب. قلت: «قوتك المالية الضاربة تعادل قوة ميليشيا يفوق حجمها احجام الميليشيات الموجودة».

رد: «أعوذ بالله من هذا التشبيه. لا أنكر ان المال إذا أحسنت استخدامه يمكن ان يعطيك فرصة، لكن دعني أقول لك: تستطيع بمالك شراء قصر كبير لكنك لا تستطيع بالمال وحده شراء محبة عامل في حديقة القصر. هناك الثقة والمتابعة والقدرة على اثارة الأمل لدى الناس».

وأضاف: «لم يتركوا وسيلة لتهشيم صورتي إلا ولجأوا إليها. قالوا للشيعة انني جئت لتحجيم دورهم. أنا لن أرد أنت تعرف السيد حسن نصرالله والرئيس نبيه بري لماذا لا تسألهما؟ قالوا للمسيحيين انني جئت لأسلمة البلد. لماذا لا تسأل البطريرك الماروني (مار نصرالله بطرس صفير) عن رأيه. هل تصدق انني اشعر بالحزن حين أقرأ عن ارتفاع معدلات الهجرة، خصوصاً في أوساط المسيحيين؟ سأقول لك أكثر من ذلك. غياب الموارنة من لبنان يفقده ميزاته وربما مبررات وجوده. انني أعني ما أقول. هذا لا يلغي عتبي على بعض السياسيين الموارنة الذين لا يعرفون اهمية دور طائفتهم في لبنان واهميتها في دور لبنان في المنطقة والعالم. أنا لا مانع لدي في إبقاء الرئاسة للموارنة إذا كان ذلك يطمئنهم. ولا مانع لدي في إرجاء إلغاء الطائفية السياسية عقوداً لأنني لمست بالتجربة ان كل الطوائف ليست جاهزة بعد للبحث في هذا الموضوع خارج الحسابات الطائفية».

كان الحريري يحلم بعد اعادة اعمار بيروت بإعادة اعمار المعادلة اللبنانية انطلاقاً من اتفاق الطائف. أغلب الظن انه كان ينتظر رئيساً آخر في بعبدا ليستأنف مسيرة الاعمار. لم يتوقع ان يكون على لائحة الاغتيال لأن «هذا القرار كبير وخطير ومكلف». هذه المرة اخطأ الحريري. وهنا نص الحلقة الأولى:


http://www.alhayat.com/special/02-2006/Item-20060210-556cd437-c0a8-10ed-004d-8d50bc6ca25b/Crowd_08.jpg_440_-1.jpg
تشييع الرئيس الحريري في بيروت على اكف «شباب المستقبل» وفي طليعتهم سعد الحريري (ضمن الدائرة).



> كيفك دولة الرئيس؟

- ممتاز.


> هل يمكن ان تشرح؟

- (يضحك) لماذا تستغرب ان يكون وضعي ممتازاً؟ هل ممنوع ان يكون المرء مرتاحاً؟


> لا، لكنني اعتقد ان الاقامة خارج السلطة غير ممتعة لسياسي بحجم رفيق الحريري؟

- غير ممتعة لرفيق الحريري أم للبلد؟


> أنا لدي اسئلة لا إجابات.

- إذا نظرت إلي ألا تشعر بأنني مرتاح؟


> أشعر بأنك واثق.

- مشكلة خصومي انهم يخافون الناس والاحتكام اليهم. أنا أقبل بما تقوله صناديق الاقتراع.


> ماذا ستقول؟

- أعتقد ان الناس ستقترع لمصلحة البلد.


> تبدو متأكداً من نتائج معركة بيروت؟

- لماذا تحصر المسألة ببيروت. هناك انتخابات على مستوى البلد، وأنا معني بكل المناطق.


> هل افهم أنك ستخوض الانتخابات على كل الأراضي اللبنانية؟

- ليس بهذا الشكل. للمناطق خصوصيات احترمها. لكن لنا أصدقاء أو حلفاء. هناك أناس نلتقي معهم.


> هل استطيع ان أقول إنك ستكون زعيم المعارضة في الانتخابات؟

- (يضحك) تعرف ان المعارضة معارضات. لم يقبلوني في الموالاة.


> من هم؟

- أنت تعرفهم.


> هل ستحاول تكرار تجربة العام ألفين، اي ان تفرض نفسك مجدداً رئيساً للحكومة؟

- ما دام هذا الكلام لن ينشر إلا في الوقت المناسب سأقول لك الصراحة. لن أكون رئيساً للحكومة في عهد لحود.


> هذا الكلام نهائي وبغض النظر عن نتائج الانتخابات؟

- كلام نهائي ولا عودة عنه. سأقول لك كلاماً أوضح: لا في عهد لحود ولا في أي عهد يشبه عهد لحود.


> عهد من مثلاً؟

- أي عهد يأتي بالطريقة نفسها وبالهدف نفسه وبالحسابات نفسها.


> هذا يعني انك لن تكون رئيساً للحكومة؟

- لا أعرف ان كان استنتاجك دقيقاً ولأي فترة من الوقت.


> هل افهم ان اختصار ولاية لحود وارد في حال فوز المعارضة بأغلبية المقاعد في مجلس النواب؟

- لا أعرف. مشكلة الرئيس لحود الداخلية هي مجرد جانب من مشكلته.


> هل تقصد الإشارة الى القرار 1559 لمجلس الأمن؟

- القرار وغيره. يخطئ من يراوح مكانه في عالم يتغير.


القرار والبصمات


> يحكون عن بصماتك وراء القرار؟

- ثمة من يريد تحميلي نتيجة أخطاء ارتكبها. أنا اسألك هل يستطيع سياسي في العالم وهو من دولة صغيرة استدراج مجلس الأمن والدول الكبرى فيه خصوصاً الى قرار من هذا النوع. حتى الدولة الكبرى لا تستطيع تمرير هذا القرار إذا لم تكن هناك جملة ظروف ومعطيات وأخطاء ولقاء مصالح.


> قيل ان الرئيس جاك شيراك لعب دوراً كبيراً؟

- بيني وبين الرئيس شيراك صداقة قديمة وعميقة أفدت منها دائماً لاستجلاب دعم سياسي أو مادي للبنان ووظفتها ايضاً لمساعدة سورية. المسؤولون السوريون يعرفون هذا الأمر. استفدت من العلاقة مع الرئيس شيراك لدعم اتفاق الطائف وفكرة إعادة الإعمار وحق المقاومة في جنوب لبنان. فعلت ما هو أكثر من ذلك. سعيت الى موقف فرنسي يتفهم ظروف لبنان الخاصة بما في ذلك انتشار قوات سورية على أرضه. ساهمت في تحسين العلاقة بين باريس ودمشق لكن كل ما انجزته في هذا المجال ضاع بسبب الأخطاء. أسباب اللقاء بين فرنسا والولايات المتحدة حول الوضع في لبنان، بعد خلافهما حول العراق، قصة طويلة تتناول ملفات عدة.


> ماذا طلبت في مقابل الموافقة على التمديد؟

- لا شيء. مجرد الخروج من الحكم.


> ولماذا ودعت اللبنانيين بتلك اللهجة المأسوية يوم خروجك؟

- للسبب الذي كشفته لك وهو قراري بأن لا أتولى رئاسة الحكومة في عهد لحود أو في أي عهد يشبهه. وقراري هذا أقلقني لأنهم يستطيعون دفع الحريري الى الخروج من الحكم لكنهم لا يستطيعون دفع البلد خطوة الى الأمام لا بل انهم لا يستطيعون وقف التدهور.


> هذا يعني انك ربطت البلد بشخصك؟

- لا. هذا يعني انهم لا يملكون برنامجاً. برنامجهم الوحيد هو السيطرة وسياستهم الوحيدة هي عرقلة ما يفعله الحريري.


> من تقصد بهم؟

- الرئيس لحود ومن يدعمه.


> وماذا لو خسرت الانتخابات؟

- اذا خسرت في انتخابات حرة أنحني أمام إرادة الناس. لنضع التواضع جانباً. أنا استطيع الفوز في أصعب دائرة في بيروت. استطيع الفوز في دوائر أخرى. ربما تحول اقامتك في الخارج دون احتكاكك بالناس خارج بيروت. هل تعتقد انني ضعيف في طرابلس والشمال أم في البقاع الغربي واقليم الخروب وغيرها.


> ولماذا لن تعود الى رئاسة الحكومة؟

- أنا ضحيت كثيراً وتنازلت كثيراً. كنت أفعل ذلك من أجل البلد لا من أجل رفيق الحريري. في ظروف عدة كانت مصلحتي كسياسي ان أغادر الحكم. الوجود في الحكم وأمام هذا الحجم من العرقلة يأكل من شعبية السياسي. ومع ذلك كنت استمر لشعوري ان خراب كل ما بنيناه لا يشكل لديهم مصدر قلق. تصرفت كسياسي مسؤول أمام ضميره وناخبيه وشعبه وكمؤمن مسؤول امام ربه. هذه المرة المسألة مسألة كرامة. اذا كان الثمن عدم تولي رئاسة الوزراء (...) وإذا كان الثمن كتلة نيابية أصغر (...) لا حلول على حساب كرامتي بعد اليوم.


> لنعد الى القرار 1559؟

- لهذا القرار علاقة بتطورات كثيرة تبدأ من هجمات 11 أيلول (سبتمبر) الى الحرب في العراق والموقف منها ومواجهة الأميركيين هناك وصولاً الى الموضوع الفلسطيني ثم ما يجري في لبنان وكيف يوظف النفوذ في لبنان في الملفات الأخرى. ثم ان هذا القرار كان يمكن ارجاؤه أو تفاديه حتى اللحظة الأخيرة. هل يستحق قرار التمديد للحود مثل هذا الثمن؟


دور التقارير


> هل كنت مؤيداً لوصول شخص آخر للرئاسة من أصدقاء سورية؟

- كل الأسماء التي كانت متداولة تندرج في هذا الباب. كان من المستحيل وصول رئيس معاد لسورية وعلى خصومة معها. لا يستطيع رئيس من هذا النوع أن يحكم. لا يمكن أصلاً ان ينتخب.


> لماذا حصل التمديد اذا؟

- لم أفهم هذه المسألة. التقارير لعبت دوراً حاسماً.


> من أين جاءت التقارير؟

- تقارير لبنانية وسورية. تصوّر ان أحد التقارير، على حد ما قيل لي، يزعم انني أهيئ عبر الانتخابات انقلاباً على سورية وانني حمّلت الرئيس جاك شيراك اسم النائب نسيب لحود الى القمة التي جمعته في البحر الأسود مع الرئيس (فلاديمير) بوتين والمستشار (غيرهارد) شرودر. (يضحك). نسيب لحود شخص محترم بلا أدنى شك. اعتقد انه اذا تولى الرئاسة يفكر في شخص آخر لرئاسة الحكومة. المسألة بسيطة. اسأل نسيب لحود نفسه.


> هل تعتقد ان الدول الغربية الكبرى اتخذت قراراً بتغيير النظام في سورية؟

- لا اعتقد بوجود قرار من هذا النوع. ان الوصول الى قرار من هذا النوع يتوقف على سلوك السلطات السورية في المرحلة المقبلة وطريقة تعاطيها مع هذا القرار. نحن كلبنانيين لا مصلحة لنا لا في زعزعة استقرار سورية ولا في اطاحة النظام فيها. لنا مصلحة في سورية مستقرة ومزدهرة، سورية ترى في الاستقرار اللبناني والازدهار اللبناني مصلحة للبلدين.


لحود والظلال


> لماذا لم تستطع التفاهم مع الرئيس لحود؟

- لأن مشروع لحود ومنذ البداية كان موجهاً ضد البرنامج الذي على أساسه توليت رئاسة الوزراء. جوهر هذا المشروع كان أمنياً ويقوم على التطابق الكامل ولا يفسح أي مجال لشراكة لبنانية، ولو متواضعة، مع سورية في ادارة الشأن اللبناني.


> هل بسبب خوفك من هذا الشعور عملت للتمديد للرئيس الياس الهراوي في 1995؟

- نعم.


> أيدت التمديد لرئيس يناسبك وعارضت التمديد لرئيس لا يناسبك؟

- عارضت التمديد لأنه لا يناسب البلد. وعلى رغم قناعتي لم أرد الصدام مع سورية أو ان أكون السبب في تفجير أزمة لا يمكن معرفة حدودها.


> هل كان مستحيلاً التوصل الى تفاهم دائم مع لحود في ماراثون اللقاءات الثنائية التي كانت تجري بينكما؟

- الحقيقة لم تكن هذه اللقاءات ثنائية يوماً. دائماً كان هناك ظل أو ظلال في الجلسة بيننا.


> ظلال من؟

- جميل السيد ورستم غزالي وغيرهما.


> يقال ان اللقاء الأخير بينك وبين الرئيس لحود كان لطيفاً للغاية؟

- هذا صحيح. قال لي أنت شخص وطني وكل منا يخدم البلد على طريقته. صارحته. قلت له ان خروجي من رئاسة الحكومة لا يعني انني سأعرقل. علاقتي بالحكم ستحكمها علاقته بي وأتمنى ان لا تكون هناك عودة الى الممارسات التي استهدفتني في بداية العهد. انفعل الرئيس وقال انه سيتصدى شخصياً لأي مضايقات أو عمليات استهداف. أبلغته ايضاً انني سأخوض الانتخابات وان لا مشكلة لدي في بيروت مهما كان شكل الدوائر.


> هل اقفل الباب بينك وبين دمشق نهائياً؟

- أنا لم اقفل الباب. ثم لا مطلب لدي. لست في موقع رسمي يستدعي التنسيق.


> هل تتجه الى الدخول في اختبار قوة مع سورية عبر الانتخابات؟

- لا أريد مثل هذا الاختبار ولا أسعى اليه ولا يفيد البلد. أنا وافقت على التمديد كي لا أعطي انطباعاً من هذا النوع.


> ثمة من شبه وضعك آنذاك بوضع الامام الخميني حين تحدث عن تجرع السم لدى موافقته على وقف اطلاق النار مع العراق؟

- هل أنا الذي تجرعت السم أم البلد؟


> لماذا لم تسهّل وصول شخص آخر؟

- كنت منفتحاً على أي اسم آخر. لم يكن سراً ان قرار التمديد غير شعبي في لبنان لكنه اتخذ. لم أرد ان أكون سبباً في أزمة كبرى في البلد. ضغطت على نفسي وتخطيت مشاعري الشخصية. أنا كنت أعرف ان سورية صاحبة الكلمة الأخيرة في هذا الموضوع ولأسباب كثيرة لكنني كنت أتوقع ان تراعى مشاعر اللبنانيين. لم أطالب أن يكون الحريري شريكاً، كنت أتمنى ان يعترف للبنان بحق أن يكون شريكاً في شأن هو لبناني أصلاً.


> ما الذي يؤلمك في هذه التجربة؟

- يؤلمني وجود فريق، يضم مسؤولين مدنيين وأمنيين وسياسيين وحزبيين، يعتاش فقط من عرقلة برنامج النهوض بالبلد. لا يعنيهم مشروع الدولة ولا الإعمار ولا الازدهار ولا خبز الناس. مصلحتهم الفعلية أن يبقى البلد مريضاً وممسوكاً بواسطة الأجهزة. ليس بسيطاً ما فعلوه في القضاء وغيره.


> هل تتمنى لو انك ولدت في بلد آخر؟

- لماذا؟


> لأن تركيبة لبنان ترسم حدوداً للزعامة. الوجود العسكري السوري يرسم حدوداً إضافية. في بلدان أخرى يأمر الحاكم وتنفذ إرادته؟

- تريد الصراحة. يؤلمني أن كثيرين من اللبنانيين لا يعرفون أهمية لبنان. بلدنا مهم شرط أن نتعاطى الشؤون الوطنية والسياسية بروح المسؤولية. كم هو عدد الذين تستطيع ن تسألهم عما فعلوا للبلد ويستطيعون تعداد انجازات؟ لا يبنى المستقبل بالبيانات والعنتريات وتكرار الكلام الممل عن الحرص على المؤسسات.


العلاقة مع دمشق


> ما هو جوهر المشكلة مع سورية؟

- في السبعينات نشأ وضع في لبنان تشكلت فيه قناعة اقليمية ودولية أنه لا يمكن إنهاء الحرب في لبنان من دون تدخل عسكري سوري. وكان ذلك صحيحاً. وكانت العوامل متشابكة وتداخلت العناصر اللبنانية والفلسطينية والإسرائيلية والدولية. بعد الدخول السوري شهدت المنطقة أحداثاً كبرى كالسلام المصري - الإسرائيلي والغزو الإسرائيلي للبنان من دون أن ننسى الثورة الإيرانية والحرب العراقية - الإيرانية. ومن دون الخوض في التفاصيل، نشأت في دمشق قناعة بأن دور سورية الاقليمي بات مرتبطاً بوجودها في لبنان، وان هذا الوجود يشكل خط الدفاع الأول عن الدور والنظام.

كان الغرض من اتفاق الطائف مزدوجاً: إبرام تسوية بين اللبنانيين تسمح بقيام دولة لبنانية وابرام علاقة استراتيجية مع سورية تطمئنها وتغنيها عن إدارة الشأن اللبناني. طرأت تطورات اقليمية كبرى وبينها غزو الكويت، فاعتبرت القيادة السورية أن التفويض الذي منح لها سابقاً تم تجديده وبات مفتوحاً.

تصاب الدول أحياناً بما يصاب به الأفراد. إنه الادمان. أدمنت سورية على إدارة الشأن اللبناني. وهنا ملاحظة لا بد منها، كانت سورية في عهد الرئيس حافظ الأسد تمسك بلبنان لكنها كانت تلتفت غالباً الى توازنات لا بد من مراعاتها بين الطوائف أو داخل الطوائف. في التسعينات ظهر ميل الى كسر التوازنات ترجم عملياً مع وصول لحود الى الرئاسة في 1998 وراح يتعمق.

انطلاقاً من اعترافي وتقديري للدور الذي لعبته سورية في انهاء الحرب كنت أتمنى لو أنها اغتنمت فرصة اتفاق الطائف للخروج من التفاصيل اليومية اللبنانية والاكتفاء بعلاقات استراتيجية تطمئنها في مجالات الأمن والموقف من النزاع العربي - الإسرائيلي. للأسف البرنامج الذي أعد لعهد لحود وطبق بعد وصوله يدعم الخروج على اتفاق الطائف ولم يأخذ في الاعتبار التوازنات الداخلية والحساسيات ولم يتوقف أيضاً عند التغييرات التي حصلت في العالم.


> هل كانت علاقتك بعبد الحليم خدام النائب السابق للرئيس السوري من أسباب تراجع علاقتك مع العهد الحالي في سورية؟

- هذه العلاقة بدأت بطلب من الرئيس حافظ الأسد وتحولت في شق منها الى علاقة شخصية. بعد تولي الرئيس بشار الأسد السلطة تحدثنا في هذا الموضوع ولم يكن يعارض أن أمر على أبي جمال لدى زيارتي دمشق. كنت أعرف طبعاً أن الملف اللبناني صار في عهدة آخرين وكانت علاقتي معه شخصية. كنت أعرف من هو صاحب القرار. أنا لا اخطئ في قراءة هذه المسائل.


> هل كان يعارض التمديد للحود؟

- كان يعرف خطورته.


> هل كان بين من نصحوك في بداية عهد لحود بالخروج من رئاسة الوزراء لترك الرئيس يستنزف اندفاعته ثم تعود بعد الانتخابات؟

- هذه المواضيع تحتاج الى حديث تفصيلي ودقيق نتركه للمستقبل.


> هل صحيح أن وزراء في حكوماتك المتعاقبة كانوا يدبجون التقارير وينقلون أسرار مجلس الوزراء وحتى لقاءاتهم الشخصية معك؟

- صحيح. تقارير خطية وشفوية. (يضحك) بينهم من تحسن خطه من كثرة ما كتب. وزراء ونواب وأمنيون.

الحقيقة كانت هناك دائماً وجهتا نظر. الأولى تقول بإبعاد الحريري عن الحكم لكنها تخشى المضاعفات، والثانية تقول بإشراك الحريري في الحكم واستنزافه فيه عبر تفخيخ الحكومات والبرلمان والأحزاب والنقابات. هنا يجب أن أقول لك انهم لو عرفوا منذ البداية ان مشروع إعمار بيروت سيعيد لبنان الى الخريطة الاقليمية والدولية لما وافقوا عليه. مؤشرات النجاح دفعتهم الى إعداد مشروع مضاد هو مشروع لحود.


> من هندس هذا المشروع؟

- صاحب الدور الأكبر (اللواء) جميل السيد. طبعاً السيد جزء من تركيبة. تصوّر أن لحود نفسه لم يستطع زحزحة مدير الأمن العام من مكانه.


> لكنك في انتخابات العام 2000 نجحت في ضرب عهد لحود وعدت الى السلطة على حصان أبيض وثمة من يقول إن اللواء غازي كنعان (رئيس جهاز الأمن والاستطلاع للقوات السورية في لبنان سابقاً) وجميل السيد ساعداك. هل كان للأمر علاقة بحسابات سورية داخلية؟

- أنا لم أكن يوماً جزءاً من أي حساب سوري داخلي. رفضت باستمرار حتى مجرد الحديث في هذا الموضوع. العلاقات التي أقمتها مع المسؤولين السوريين في الثمانينات والتسعينات أقمتها بمعرفة الرئيس حافظ الأسد. لم تكن هذه العلاقات لا سرية ولا غامضة. هذا يصدق على علاقتي مع عبد الحليم خدام وحكمت الشهابي وغازي كنعان وغيرهم.


> لكن علاقاتك لم تكن مستقرة في السنوات الماضية؟

- فعلت كل ما في استطاعتي. ربما يتعلق الأمر بحسابات الآخرين وربما لعبت الكيمياء دورها.


> ماذا ستكون صفتك بعد الانتخابات النيابية؟

- رئيس كتلة نيابية. لماذا لا تصدّق؟


> لأنني أشعر انك رممت السرايا لتقيم فيها؟

- أعيد وأكرر لن أكون رئيساً للحكومة مع اميل لحود أو مع من يشبهه.


> هل كانت محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة رسالة؟

- كانت جريمة فظيعة قبل أن تكون محملة بالرسائل.


> هل تشعر بالخوف على حياتك؟

- أولاً أنا مؤمن. ثانياً أنا لا قطرة دم على يدي. ثالثاً أنا ضميري مرتاح. رابعاً اعتقد أن لدي اجراءات أمنية جيدة. وخامساً لدي قناعة بأن أي قرار باغتيالي هو قرار كبير وخطير ومكلف لا يمكن أن يتخذه شخص عاقل. لذلك استبعد محاولة اغتيالي جسدياً. أما محاولات اغتيالي سياسياً فلم تتوقف ولن تتوقف وهي تستهدف ابقاء البلد مريضاً الى ما لا نهاية. لا مصلحة لهم في موت المريض ولا يقبلون بشفائه.


> ألم يكن باستطاعتك التفاهم مع الرئيس لحود على حد أدنى؟

- هو لم يكن قادراً على التفاهم معي. ببساطة أقول لك انني خدمت المقاومة في جنوب لبنان أضعاف ما قدمه لحود لها. وخدمت سورية أضعاف ما خدمها لحود. لكنني أخدم سورية من موقعي كلبناني وعربي وبما أعتقد أنه يخدم مصلحة لبنان وسورية في المدى البعيد.


الطائرة المخطوفة


> ثمة من يقول انك قدمت تنازلات كثيرة؟

- هذا صحيح. قدمت تنازلات في الداخل لأنني كنت اعتبر أن العلاقات بين الطوائف والقوى السياسية اللبنانية يجب أن تكون طبيعية ولو استلزم الأمر تنازلات متبادلة أو تنازلات من طرف. هذا الاسلوب لم يكن مريحاً لبعض الناس. لا يريدون أن تكون علاقتي مع المسيحيين طبيعية أو قوية. الأمر نفسه بالنسبة الى العلاقات مع الشيعة.

قدمت تنازلات أيضاً في العلاقات مع سورية. كنت أحلم بأن يجيء وقت يحصن فيه الاستقرار اللبناني الاستقرار السوري، والازدهار اللبناني الازدهار السوري لتقوم علاقة طبيعية بين دولتين تربطهما روابط كثيرة. علاقة لا يعتبر فيها القرار اللبناني مشروع تهديد للعلاقة مع سورية أو مصدر قلق لها.


> أعود الى القرار 1559، هل كان لك دور في انضاج ظروف صدوره؟

- لا. وكان يمكن تفاديه.


> هل كنت على علم مسبق به؟

- لا، لكن لم يكن سراً أن لبنان كان موضع تشاور بين باريس وواشنطن. اعتقد أن الديبلوماسية السورية أخطأت حين اعتبرت أن لبنان ليس مهماً، وأنه يكفي ابداء مرونة في العراق ليبقى الوضع في لبنان على حاله. خيار التمديد اعتبر خيار مواجهة.


> ماذا تتوقع في المرحلة المقبلة؟

- إنها مرحلة تستلزم من الجميع الحكمة والصبر والتصبر. مرحلة صعبة. دعني اختصر لك موضوع التنازلات في تشبيه لا أعرف ان كان دقيقاً. أنت أمام طائرة مدنية مخطوفة ولا تستطيع تحرير الركاب بالقوة فماذا تفعل؟ جوابي هو أن الأولوية لسلامة الركاب وانقاذهم، فمجرد انقاذ بيروت ولبنان يشكل عقاباً للخاطفين.

غداً حلقة ثانية.

yasmeen
02-13-2006, 04:18 PM
حوارات غير منشورة كانت تنتظر استكمالها وموافقته على التوقيت (2)

... رفيق الحريري: رفض جنبلاط وصول لحود وغادر من دون تناول العشاء ... أُنفق 150 مليون دولار سنوياً ولا يهمني موقعي في نادي الأغنياء



حاوره غسان شربل الحياة - 12/02/06//



غداة انتخاب العماد اميل لحود رئيساً للجمهورية في 15 تشرين الاول (اكتوبر) 1998 ذهبت للقاء الرئيس رفيق الحريري في السراي الكبير. كانت احدى محطات التلفزة تعيد وقائع جلسة الانتخاب والحريري يتابع المشاهد كأنه يتفرس في صور نواب اضطروا الى تأييد «الرئيس الجديد» على غرار ما فعل. وبدا لي كأنه يحاول عبر الصور قراءة معنى وصول لحود لبنانياً وسورياً. كان الحريري يعرف ان سورية هي «الناخب الأول والكبير» في رئاسة الجمهورية اللبنانية، لكنه كان يحلم ان يكون شريكها اللبناني في بلورة اختيار الرئيس. لم يتمكن وكانت الرئاسة من نصيب الرجل الذي كان يأمل في استبعاده.

كان الحريري رجل دولة، وكان يطالب عقله بترويض مشاعره. حاولت استفزازه قائلاً: «دولة الرئيس الى أي فترة زمنية يحتاجون للاستغناء عن خدماتك؟». ابتسم ورفع اصبعين. وسألته إن كان يقصد حاجتهم الى سنتين، فرد: «يحتاجون الى ولايتين رئاستين إذا كان هاجسهم مصلحة البلد. مصلحتي في الخروج ومصلحة البلد في بقائي. قررت تقديم مصلحة البلد».

اعتذر الحريري عن تشكيل الحكومة الأولى في عهد لحود بعد خلاف بينهما حول مسألة تجيير أصوات النواب الذين تركوا للرئيس الحرية في تسمية رئيس الحكومة المكلف. والحقيقة ان بعض أصدقائه نصحوه بمغادرة الحكم وكان بينهم نائب الرئيس السوري آنذاك عبدالحليم خدام. قال له خدام ان لحود ينطلق في عهده بسيارة «بويك» جاءت طازجة من الشركة، وأنت ستنطلق بسيارة «أوبل» استهلكتها ممارسة الحكم. لماذا لا تتركه يستهلك بعض قوة سيارته ثم لكل حادث حديث. وهذا ما حصل حين عاد الحريري الى الحكم في العام 2000 بعد فوز لافت لم يزعج بعض الأطراف السورية التي لم تكن متحمسة أصلاً لوصول لحود.

في صيف 1999 ذهبت الى الحريري في سردينيا. بدا الرجل منشغلاً ببيروت عن سحر المكان الذي يرسو فيه يخته. وخلال الحوار الذي دام معظم ساعات النهار كان الحريري يستفيد من الاستراحات ليجري اتصالات بمعاونيه أو أصدقائه من الصحافيين سائلاً عن أحوال البلد والمستجدات. وهنا نص الحلقة الثانية:


> متى صار لديك مليار دولار؟

- ذهبت بعيداً في الاسئلة.


> متى صار لديك مئة مليون دولار؟

- في الثالثة والثلاثين. كانت مرحلة الطفرة والاشغال كالمطر.


> في 1982 كنت صرت مليارديراً؟

- في 1982 أو 1983.


> «فوربس» قدرت ثروتك بأربعة مليارات دولار هل هذا قريب من الحقيقة؟

- الحقيقة أنني لا أعرف بدقة. لتقدير الثروة علاقة بأسعار الاسهم والأراضي والشركات وهذه تختلف. أنا أقول الحمد لله.


> هل هذا الرقم قريب؟

- ليس بعيداً. نحن عملنا مستمر.


> قبل أربعة أعوام قلت لي ان لديك 25 ألف موظف؟

- نعم وما زالوا.


> لم تتراجع أشغالك؟

- لا، زادت سنة 1998 كان «التيرن أوفر» في السعودية أعلى من اي سنة أخرى في الشغل حتى أثناء وجودي هناك 2.2 مليار دولار.


> تهتمون بالصيانة؟

- صيانة كل المشاريع التي ننفذها. نصون مطارات ومنشآت.


> أعمالك في السعودية يديرها نجلك سعد؟

- نعم ومعه مجلس ادارة.


> وماذا بعد عن الثروة؟

- أؤكد مجدداً انني لست مصاباً بهاجس دخول النوادي التي يتحدث عنها الاعلام كنادي أغنى 500 رجل في العالم أو اغنى مئة رجل في العالم. لا أهتم بهذا الموضوع.


> ماذا بقي لديك من مطالب. صرت مليارديراً وتوليت رئاسة الحكومة. ماذا تريد؟

- لا شيء. لا أريد شيئاً. لهذا السبب لا يقدر أحد على ابتزازي.


مع الأسد


> لك علاقة قوية مع الملك فهد بن عبدالعزيز، مع من لك علاقة قوية ايضاً عربياً؟

- مع الرئيس حافظ الأسد.


> متى التقيته للمرة الأولى؟

- في أواخر 1982 أو أوائل 1983 على ما أذكر. كنت مع الأمير بندر بن سلطان وكان الغرض وقف النار في لبنان. واستمرت العلاقة. لا أعتقد ان أحداً من خارج سورية عقد هذا القدر من اللقاءات مع الرئيس الأسد وأمضى معه هذا الوقت. العلاقة مستمرة منذ 17 عاماً والتقيته نحو خمسين مرة.


> ماذا يميز الرئيس الأسد؟

- عقله استراتيجي ويهتم في الوقت نفسه بالتفاصيل. السياسيون يمتلكون عادة واحدة من هاتين الصفتين، لكن الرئيس الاسد يجمع بينهما. استراتيجي ويهتم بأدق التفاصيل. هذا إضافة الى مواصفات الوفاء وبعد النظر. جعل الرئيس الأسد لسورية مكانة في العالم. راقب الآن كل الأنظار متجهة الى سورية في موضوع السلام إذ لا أمل من دونها.


> متى بحثت دمشق معك موضوع رئاسة الحكومة؟

- في 1992.


> معقول؟

- كما قلت لك. لم يبحث الموضوع قبل ذلك معي. ربما بحث مع آخرين.


> يقولون ان الرئيس الياس الهراوي طرح اسمك فور انتخابه؟

- هذا صحيح.


> وقيل له بعد بكير؟

- نعم بعد بكير.


> لماذا صار مناسباً في 1992 ما كان مبكراً قبل قليل؟

- اعتقد ان الظروف تغيرت. بعد الانتخابات النيابية في لبنان. مرحلة جديدة وتوجه جديد. رئيس جديد لمجلس النواب.


> قبل التكليف التقيت الرئيس الأسد، حول ماذا كان التفاهم؟

- تفاهم على التحالف بين لبنان وسورية. أعتقد اننا من جهتنا طبقنا ما اتفقنا عليه وانهم طبقوا من جهتهم. دعم الرئيس الأسد العلاقة بين سورية ولبنان وانا عملت كل شيء خلال وجودي في رئاسة الوزراء لتوثيق هذه العلاقة. واعتقد ان العلاقة انتقلت من وضع الى آخر. لا شك ان الرئيس الهراوي لعب دوراً أساسياً والرئيس بري كذلك. في لبنان ليس هناك شيء اسمه الرئيس الأوحد. كل يساهم من موقعه.


> هل حاولت في تلك الجلسة الحصول على تفويض واسع لتشكيل الحكومة؟

- الرئيس الأسد شخصية تتمتع بجاذبية خاصة. لم يحدث ان بحثنا مع الرئيس الاسد في اسماء الوزراء.


> هل لعبت السعودية دوراً مباشراً في وصولك الى رئاسة الحكومة.

- لا.


> قيل إنك سألت الملك فهد بن عبدالعزيز وتردد في تأييدك؟

- سألت الملك فهد وقال لي: «وفقك الله ونحن تهمنا مصلحة لبنان». كان الملك فهد يخاف عليّ من حوادث أمنية.

> هل تعرضت لأي محاولة اغتيال؟

- لا.


> هل تلقيت معلومات عن خطط لاغتيالك؟

- باستمرار ترد تقارير.


> من يتولى أمنك؟

- قوى الأمن الداخلي.


> هل استهدفتك المافيات مثلاً؟

- تردد كلام كثير. أنا لم أسمح لسلوكي ان يتأثر بهذه التقارير. في البداية كنت أكثر حذراً وكذلك الذين يتولون مسألة أمني. أنا انسان مؤمن ولا أعيش هاجس الاغتيال.


> هل أيد والداك دخولك المعترك السياسي؟

- لا، كانا دائماً ضد هذا الخيار.


> لماذا؟

- أولاً لست من بيت سياسي، أي ليس هناك تقليد من هذا النوع. كان والدي يردد دائماً: «السياسة ليس لها دين» بمعنى انها بلا دين. وكان يقول لي: «الله رزقك وأعطاك. تريد ان تساعد العالم ساعدهم، إذا كنت تريد تعاطي السياسة لمساعدة بلدك هناك طريقة أخرى غير السياسة».


> هل الخوف على ثروتك بين الأسباب؟

- لا، لم تكن لديهم هذه المشكلة.


> ووالدتك؟

- كان لها الموقف نفسه وهو ان المساعدة ممكنة من دون دخول المعترك السياسي. لم يكن أحد في بيتنا يريدني أن أخوض في العمل السياسي. زوجتي لم تكن مؤيدة لهذا الموضوع. شقيقتي أنا أدخلتها الى السياسة.


> هل تريدني أن أصدق ان زوجتك فرحت بخروجك من الحكم؟

- أقاموا احتفالاً يشبه العيد.


> عادة تفضل المرأة ان يكون زوجها في السلطة، ربما تعتقد زوجتك انك ستبقى تحت الأضواء؟

- إذا كنت تريد التأكد اسألها. هي الآن تخشى ان أعود الى الحكم.


> متى بدأت علاقتك مع الرئيس الياس الهراوي؟

- في 1982.


> تم التعارف بمبادرة من جوني عبده والتقيتم في بيت الهراوي وانكسر بك السرير؟

- صحيح.


> لعبت دوراً في وصول الهراوي؟

- نعم.


> يحكى انك لم تكن مؤيداً لوصول رينيه معوض؟

- هذا غير صحيح.


> ماذا تذكر من الجانب الرئاسي بعد الطائف؟

- حتى قبل الطائف كان هناك تفاهم بين سورية والسعودية على وصول رينيه معوض.


> من ساهم في ترتيب هذا التفاهم؟

- كثيرون ساهموا وشخصيته كانت مساعدة. كان معروفاً من كل الأطراف.


> متى أيدت سورية معوض؟

- قبل الطائف. لم يكن الكلام نهائياً تماماً لكنه كان موجوداً. بعد الطائف ترجم هذا الكلام.


> ما قصة رحلته السرية الى سورية بعد الطائف ولقائه مع الرئيس الأسد؟

- جاء النواب الى باريس. ذات يوم قيل ان معوض غائب. في ذلك اليوم كان في سورية، ذهب بطائرتي والتقى الرئيس الأسد ثم صارت الانتخابات.


> مرشحك الأول كان الياس الهراوي؟

- كنت أعرفه أكثر وأعرف انه «طحيش» مبادر. واعتبرت ان المرحلة تحتاج الى مواصفات من هذا النوع. واثبتت الأيام انني على حق.


> ألم يبحث معك معوض في إسناد منصب اليك؟

- لا.


> ماذا حدث بعد اغتيال معوض؟

- زرت عائلته في البيت في باريس وسئلت ما العمل فأجبت انتخابات. اتصلنا بنواب كانوا في باريس.


> عندما طرح الهراوي من طرح غيره؟

- كان جورج سعادة رحمه الله.


> هل طرح جان عبيد والتقى الرئيس الأسد؟

- حصل لقاء بينه وبين عبدالحليم خدام وحكمت الشهابي. هذا حصل بعد استشهاد الرئيس معوض.


> يقولون ان الرئاسة عرضت على بيار حلو؟

- هناك كلام لكنني لست متأكداً منه. قيل ان الرئيس حسين الحسيني نقل العرض وان حلو أجاب ان موضوع ميشال عون لن يحل بغير استخدام القوة وأنا لست مستعداً.


> وجان عبيد؟


الحريري متابعاً ورشة اعمار بيروت.
- قال ان الرئيس فرنجية مطروح وأنا لا أتقدم على الرئيس فرنجية. موقف فيه وفاء للرئيس فرنجية.


> رجحت كفة الهراوي عند سورية؟

- كنت من الذين عملوا لدى سورية ولدى السعودية ايضاً.


> ماذا كان يريد الاميركيون؟

- انتخاب رئيس للجمهورية.


> هل التقى الهراوي الأسد قبل الانتخابات على غرار ما فعل معوض؟

- اعتقد ان شيئاً من ذلك قد حدث.


منذ اليوم الأول


> هل قال لك الهراوي بعد انتخابه انه سيطرح اسمك لرئاسة الحكومة؟

- نعم كان الموضوع حاضراً في ذهنه منذ اليوم الأول.


> اختلفت معه بعد توليك رئاسة الحكومة؟

- اختلفنا كثيراً واتفقنا أكثر. هنا سأقول لك شيئاً. لدى كل واحد منا ضعف شخصي تجاه الآخر. حتى حين كنا نختلف وهو بارع في المناورات والتركيبات لم استطع ان أكرهه ولم يستطع ان يكرهني. الحقيقة ان لدي نقطة ضعف. أنا أحب الظرفاء والرئيس الهراوي إضافة الى صفاته الأخرى ظريف، أنا لا أحب الثقلاء ثم انني لست حقوداً. مثلاً أنا أحب نبيه بري على رغم كل الخلافات. كنت أحياناً أغضب من مناوراته وأتوقف عن التحدث اليه واكتشف انني زعلت أكثر مما زعل. في حياتي لم استطع ان أبني علاقة قوية مع شخص ثقيل الدم مهما كانت لي معه مصلحة مالية أو سياسية. هذا طبعي. يمكن ان نلتقي لكنني اشعر بأنني أقوم مرغماً بذلك. احيانا يأتيني الضرر من صاحب دم خفيف ومع ذلك لا استطيع منع نفسي من الاعجاب به.


> لنتحدث عن بعض طرائف الرئيس الهراوي؟

- أعوذ بالله. انه استاذ في تركيب المقالب وخفة الدم. وحين تضبطه يركب مقلباً يضحك.


> هل حدثت طرافات في مجلس الوزراء؟

- دائماً. قصة الزواج المدني أليست طرفة. وزع النص على الوزراء وقال للعلم ثم قام بتطبيقهم من وراء ظهري وطرحه على التصويت.


> وكان بينكما عتاب؟

- دائماً. عتاب شديد وعتاب خفيف وعتاب متوسط لكن المحبة كانت حاضرة.


> هل بقيت العلاقة الشخصية مع الرئيس الهراوي بعد خروجه من القصر؟

- نعم.


> هل تلعب النساء دوراً في تسميم العلاقات؟

- نعم، تلعب دوراً في التسميم وفي الترطيب.


> زوجتك من أي نوع؟

- نازك لا تتدخل.


> ليست لديها حساسيات تجاه سياسيين معينين؟

- لا.


> والسيدة منى زوجة الرئيس الهراوي؟

- أقدرها لكن شخصيتها مختلفة.


> ماذا كان الرئيس الهراوي يقول عن جولاتك في الخارج؟

- لا شيء، كان يأخذها بنكتة. فبعد زيارة في الخارج كان يقول لي: اكيد ستقول لي انهم يسلمون عليك ومشتاقون اليك.


> لماذا لم يكن يذهب؟

- لا يحب.


> وكنت تقترح عليه؟

- كنت اقترح عليه ان أذهب بمعيته. لم يكن يحب. هناك انتقادات كثيرة لعهد الرئيس الهراوي لكن يجب القول انه ابن النظام وديموقراطي. كان متضايقاً من بعض بنود الدستور لكنه لم يخالفها بل سعى الى تعديلها بالوسائل الديموقراطية. هذه نقطة تحسب له. أنا كنت متضايقاً من بعض البنود لكن لم أخالفها.


> في الخلافات كنتم تحتكمون الى سورية ألم يكن باستطاعتكما الجلوس في بعبدا؟

- كنا نجلس في بعبدا ولم نكن نحتكم الى سورية في كل شيء. نحن كنا عرضة لحملة مركزة. من كانوا ضدي ليسوا قلائل.


> هل صحيح انك قبل تشكيل حكومتك الأولى فكرت بتشكيل حكومة كالتي شكلت في عهد الرئيس لحود؟

- نعم. كان بودي ان تكون الحكومة على الشكل الآتي. أنا كنت مع حكومة الـ30 وزيراً وما زلت. والتجربة دلت على صحة ذلك. السياسة في لبنان قصة كبيرة لا بد من اعطاء مواقع للسياسيين من جهة والمجيء بمجموعة من التكنوقراط للعمل من جهة أخرى. حكومة على سلامتهم أو حكومة طبوشين لا تنفع ولا تمشي.


> في أول حكومة ماذا طرحت؟

- كان بودي ان تحافظ كل الحكومات التي شكلتها على الخط الوطني العام، لكن ان يمثل هذا الخط بأصحاب سمعة نظيفة لا تشوبها شائبة. هذا الأمر لم نوفق فيه لأسباب عدة. هناك نقطة يلوموننا عليها. ماذا يجري في ايرلندا؟ محاولات للمجيء بالمحاربين واشراكهم بالسلطة ثم تغليب منطق الدولة. انهاء الحرب في لبنان أو فلنقل إنهاء الميليشيات شهد محاولتين. هناك طريقة اتبعها ميشال عون. طرح انهاء «القوات اللبنانية» بالقوة. استخدم المدفع فماذا كانت النتيجة؟ دمرت المنطقة الشرقية ودمر الجيش وبقيت الميليشيا. الياس الهراوي قدم طرحاً آخر. قال للميليشيات الدولة تتسع للجميع. سلموا اسلحتكم للدولة وشاركوا. هذا بدأ في 1990 ولا أريد ان أنسب الفضل لنفسي، فقد بدأ قبل ان اتولى رئاسة الوزراء. أسالك أين هي الميليشيات اليوم؟ ذابت الميليشيات. تجربة ميشال عون كانت مدمرة بغض النظر عن أهدافه. الهراوي أنهى الحرب الأهلية بطريقة أخرى. الآن الدولة هي الأقوى.


> لماذا أيدت التمديد للرئيس الهراوي؟

- كان الوضع الاقليمي يفرض بقاء الأمور على ما هي عليه. جرى تشاور مع الجميع في الداخل والخارج وتوصلنا الى توافق. تم التمديد للرئيس الهراوي. لاقى الأمر معارضة شديدة من قوى عدة واستمرت هذه المعارضة حتى نهاية العهد.


> هل كان الهراوي الممدد له ضعيفاً؟

- أنا أعتقد اننا جميعاً كان باستطاعتنا ان نفعل افضل مما فعلناه خلال فترة التمديد. ربما كان أفضل للرئيس الهراوي الخروج في ختام السنوات الست، لكن ذلك حصل ولا نستطيع إعادة عقارب الساعة الى الوراء.


> هل صحيح انك طرحت التمديد للهراوي لقطع الطريق على وصول العماد اميل لحود؟

- لا، لو لم يحصل التمديد لجاء شخص آخر.


> هل طرحت اسماء آنذاك؟

- كانت هناك اسماء مطروحة بينها جان عبيد.


> لماذا جان عبيد؟

- لأنه موثوق.


> متى تعرفت الى جاك شيراك؟

- قبل عشرين عاماً. كان رئيساً لبلدية باريس وكنت أنا هناك. نشأت صداقة مبنية على الثقة وتحولت علاقة عائلية.


> يبدو انك تحب اقتناء البيوت الجميلة. اين تملك بيوتاً؟

- نعم. لدي في ماربيا وفي بالما وفي كان ومونت كارلو وسان ماكسيم وفي باريس وخارجها وفي نيويورك وواشنطن وفي سويسرا وفي الرياض وجدة وعمان ودمشق وفي لبنان، في بيروت وصيدا وفقرا.


> ما هو أحب بيت اليك؟

- كلهم. بيت الرياض له معنى خاص لدي. عشت فيه فترة طويلة وولد فيه أولادي.


> من يتولى صيانة هذه البيوت؟

- فرع الصيانة في شركتنا.


> كم تنفق في الشهر، خمسة ملايين دولار؟

- كمصروف شخصي لا. القسم الأكبر من مصروفي هو للمساعدات الاجتماعية.


> كم تنفق في السنة؟

- فوق الـ150 مليون دولار بين المصروف الشخصي والمساعدات.


> الشخصي حوالي 30 مليون دولار سنوياً؟

- ممكن.


> تملك يختين ما اسمهما؟

- «نارا» و «نارانا».


> وكم طائرة؟

- أربع طائرات. اثنتان «بوينغ 727» وواحدة «جي 3» والرابعة لم تصل بعد.


> متى اشتريت الطائرة الأولى؟

- اعتقد في 1978 أو 1979 وهي من طراز «سابر لاينر».


> في تلك السنة أهديت الرئيس سليم الحص طائرة؟

- نعم، وهي في تصرف الدولة اللبنانية.


> ومتى اشتريت اليخت «نارا»؟

- في 1982، أما الثاني فجديد.


> كانت لك لقاءات مع سمير جعجع، القائد السابق لـ «القوات اللبنانية» المحظورة، داخل لبنان وخارجه؟

- خلال فترة الحرب ونهايتها كنت التقي الجميع.


> متى بدأت العلاقة مع وليد جنبلاط؟

- في أواخر 1982. معظم هذه العلاقات بدأت بعد الاجتياح الإسرائيلي. الحقيقة أن العلاقة السياسية مع مختلف الأطراف بدأت بعد 1982. قبل ذلك التاريخ لم أخض في التفاصيل السياسية.


> علاقتك مع وليد إما غرام وإما انتقام؟

- أعرف وليد قبل 1982 وتوثقت علاقتي معه بعد ذلك التاريخ. لم يصل الأمر الى الانتقام. ينتكس الغرام لكنه لا ينتكس الى حد الانتقام.


> هل وحدتكما المعارضة الحالية؟

- لا، قبل ذلك. قبل الانتخابات الرئاسية زارني في فقرا لتناول العشاء. تحدثنا ولم نتفق وغادر من دون تناول العشاء. كان معارضاً بشدة لوصول العماد لحود. قال رأيه بصراحة.


مع لحود


> هل التدخل السوري هو الذي جعلك تؤيد وصول العماد لحود الى الرئاسة؟

- هذا العنصر مضاف الى الجو العام. نظمت حملة تسويق ذكية لضمان وصول العماد لحود، وكان واضحاً أن عدم وصوله سيؤدي الى احباط في البلد. حصل هجوم واسع على الطبقة السياسية التي سهلت الهجوم عليها بسبب حروبها بين أطرافها وتحول وصول لحود مطلباً وهو ما كانت ترمي اليه الخطة.


> على ماذا تفاهمت مع العماد لحود قبل انتخابه؟

- على كل شيء.


> تشكيل أول حكومة؟

- لم يبقَ أمر لم نبحثه وكان التفاهم كاملاً.


يوم الدخول ويوم الخروج


> يومان مهمان، الأول كلفت به تشكيل حكومتك الأولى، والثاني غادرت القصر في عهد آخر معتذراً. ماذا تتذكر من اليوم الأول؟

- في اليوم الأول كان هناك قدر من التهيب والحذر في كل كلمة. كل كلماتي كانت مكتوبة. قلت في خطاب لن يأتي الربيع إلا وتكون الورشة قد بدأت. أمسكها السياسيون وسموها «الوعود الربيعية». أنا كنت أقصد اننا نحتاج الى 10 سنوات. حوروها وأوحوا انني قلت ان كل شيء ينتهي في الربيع. السياسيون شاطرون عندنا. لا شك أن المرء يتعلم ويكتسب خبرة.


> ماذا قالت لك زوجتك يوم توليت رئاسة الحكومة للمرة الأولى؟

- لم تكن مبسوطة.


> مخاوفها أمنية؟

- مجموعة أشياء. حياتنا تغيرت. لم يعد هناك وقت كاف للأولاد. كانت نازك إذا عاشت معي في بيروت قلبها على الأولاد في باريس، وإذا عاشت مع الأولاد قلبها على زوجها. فترة صعبة عائلياً ولعلها الأصعب في حياتي.


> هل خفت أن يتعرقل تشكيل حكومتك الأولى؟

- لا.


> ونهار الاعتذار، هل صحيح أنك حملت معك ورقتين واحدة للقبول وأخرى للاعتذار؟

- لا، صعدت ومعي ورقة قبول، لكنني فوجئت بقصة تجيير أصوات النواب. كنت قلت للرئيس انني سأضطر الى الاعتذار في حال حصول ذلك، وقال لي إن الأمر لن يحصل. سألته لماذا حدث ذلك، فأجاب: اجبرني النواب. واعتذرت.


> ماذا كان رد فعله؟

- سألني كيف، فقلت له اعتذر كما قلت لك.


> هل صحيح أنك انتظرت اتصالاً سورياً ولم يأت؟

- هذا غير صحيح. وأنا لم اتصل.


> متى تعرفت على السيد عبدالحليم خدام؟

- في 1982.


> وتوطدت العلاقات منذ ذلك التاريخ؟

- نعم. كنت على تنسيق دائم مع سورية وهو نائب الرئيس والمسؤول عن الملف اللبناني مع حكمت الشهابي وغازي كنعان.


> يشكو السياسيون في لبنان من أسلوب خدام؟

- مثل أبو جمال مرحلة أساسية في تاريخ سورية، خصوصاً في لبنان.


> هل تخاف من السلام على المنطقة؟

- لا أخاف، من الضروري أن نكون واقعيين. أنا اعتبر أن السلام ضروري للمنطقة ومهم إذا كان سلاماً شاملاً. لكنني اعتقد أنه لا يحل كل مشاكل المنطقة. يحل نوعاً من المشاكل ويخلق تحديات جديدة. اعطاء الانطباع ان السلام سيحل كل مشاكلنا غير صحيح. لا أشعر أن هناك في لبنان من يحاول تقدير هذه التحديات أو درس انعكاساتها على البلد. هناك كلام من كبار المسؤولين في البلد مفاده أن كل المشاكل ستحل بعد توقيع السلام. اعتقد أن هذا الكلام يشكل خطأ كبيراً. هناك مشاكل عدة: مشاكل مخيمات، مشاكل «حزب الله»، مشاكل تطبيع ومشاكل اقتصادية وتحديات وطنية وثقافية. السلام ليس نزهة، وتبسيط المشاكل يرمي الى تفادي البحث عن حلول.


> هل تخاف أن ينجب السلام إرهاباً؟

- في الجانبين هناك من يعارض عملية السلام. لدى الإسرائيليين ولدى العرب هذه القوى ستعبر عن نفسها بوسائل متعددة. أتمنى أن لا يكون العنف بين هذه الوسائل.


> هل أنت مراقب الآن؟

- نعم.


> هل كنت تشتهي الوجود في السلطة في هذه المرحلة؟

- (يضحك)، لا.


غداً حلقة ثالثة.

yasmeen
02-13-2006, 04:27 PM
في حوارات غير منشورة كانت تنتظر استكمالها وموافقته على التوقيت (الثالثة والأخيرة) ...


رفيق الحريري: راداري يلتقط سريعاً من يقتربون مني طمعاً بالمال

غسان شربل الحياة - 13/02/06//

قبل عامين كنت في باريس وعرفت بالصدفة ان الرئيس الحريري وصل فجأة اليها. اتصلت به وذهبت اليه. بدا قلقاً من الأوضاع العراقية والفلسطينية. قال ان لبنان يحتاج الى مناخات جديدة وان سياسة العرقلة التي ينتهجها فريق الرئيس اميل لحود تحول دون تحقيق انجازات. تطرق الى سلبية الشارع المسيحي منتقداً أسلوب التعامل معه.

وقال: «المسيحيون المشاركون في الحكم هم الأقل تمثيلاً. ميشال عون الموجود في المنفى أكثر شعبية منهم وسمير جعجع الموجود في السجن أكثر شعبية منهم».

سالته إذا كانت هناك قنوات بينه وبـــــين عون فأجاب: «هذا الملف ليس عندي. بصراحة غير مسموح لي ان أتدخل فيه. لو فتحت حواراً مع عون سيعتبرون ذلك مشروع انقلاب على لحود وسورية معاً».

سالته عن الملف القضائي لعــــــون والاتهامات الموجــــهة اليه فرد مبتسماً: «تتفق مع عون أو تختلف معه لا بد لك من الاعتراف بأن هذا الملف سياسي. للأسف لقد نجـــــحوا في برمجة القضاء وهذا الأمر خطير». قلت له ألهذا السبب يشكك أصدقاء جعجع في قصة تفـــــجير كنيسة الذوق التي كانت السبب في استدراجه الى التوقيف والسجن؟ وفوجئت به يجــــــيب: «أنا أيضاً لدي علامات استفهام حول هذه الحادثة. هذا الموضوع صعب ولا أريد التحدث فيه».

أترك هنا ما دار في ذلك اللقاء الذي انشغل الحريري فيه في قراءة الوضعين الاقليمي والدولي وأعود الى لقاء سردينيا وهنا نص الحلقة الأخيرة:

> نريد ان نسأل أين ولدت وفي أي بيئة؟

- قصتي بسيطة. والدتي، رحمها الله، انجبت خمسة أولاد توفي منهما اثنان الأول ولد في الشهر التاسع وتوفي والثاني عاش عشرة اشهر وتوفي بعدما أصيب بمرض معوي. لم يكن الطب متقدماً مثل اليوم. هكذا نشأنا ثلاثة أنا وأخي وليد، ونسميه شفيق، وشقيقتي بهية وهي نائبة في البرلمان اليوم. ولدت في عائلة متواضعة ومتماسكة. والدي ووالدتي كانا من المؤمنين بالله سبحانه وتعالى ومن المحبين للناس. انها تلك القيم الدينية والانسانية البسيطة التي تقوم على محبة الجار والقريب. واحترام الآخر. لم اسمع في صغري كلاماً مسيئاً بحق الآخرين ولا كلاماً نابياً. كانت تربطهما بعائلة والدي ووالدتي علاقات قوية تقوم على التزاور والتعاضد والمشاركة في الأفراح وفي الاحزان.

استطيع القول أنني نشأت في جو طبيعي. الأم تعطي لعائلتها اقصى ما تستطيع من الحنان والرعاية والاب يقدم لعائلته أقصى ما يستطيع من الجهد والاهتمام والعطف. لم تؤد الصعوبات المالية التي كانت العائلة تعيشها الى توتير الأجواء أو تنامي مشاعر الحقد والحسد. وربما هذه الصعوبات نفسها زادت من إصرار والدي على توفير مناخ من الحب والحنان والعطف. في العائلة التقليدية كانت الانانية غائبة. يقدم الأهل لأولادهم بلا حساب. ويقدم الأخ لأخيه بلا حساب أو مقابل. ولدت في منزل خارج صيدا القديمة على مقربة من ساحة النجمة في أول طريق جزين.

> والوضع العائلي»

- كان لدى جدي، رحمه الله، بعض الأملاك. وكانت أوضاعه معقولة على ما رواه لي والدي فأنا لم أعرف جدي. ورث والدي بضع قطع بسيطة من الارض ثم عمل في التجارة وكان حريصاً على سمعته واسمه. أذكر، على رغم صغر سني آنذاك، انه عندما حدثت كارثة ثلجية في لبنان وقضت على المواسم أصيب والدي بخسائر كبيرة لأنه كان قد ضمن مجموعة بساتين. اضطر والدي الى بيع كل شيء ليسدد التزاماته وكي لا يعلن إفلاسه. سيطرت تلك الحادثة على تفكيرنا من زاويتين: الأول أهمية الوفاء بالالتزامات مهما كان الثمن، والثاني غياب دولة تعويض الخسائر أو بعضها أي غياب بعد التكافل الاجتماعي لدى الدولة. بمعنى ان الخاسر المباشر تحمل العبء كله ولم يشاركه المجتمع. من دون ان يقصد علمني والدي درساً عزيزاً على قلبي مفاده ان من الأفضل ان تخسر من مالك أو مالك على ان تخسر من سمعتك. اي الأفضل ان يهتز وضعك المالي ولا تهتز ثقة الآخرين بك. والحقيقة ان المال يأتي ويذهب في حين ان السمعة لا تقبل التفريط. من الأسهل ان تعيد بناء رصيدك في البنك من ان تعيد بناء رصيدك لدى الناس وبغض النظر عن حجم الأول والثاني.

وعلمت لاحقاً ان المبلغ الذي جمعه والدي من بيع كل أملاكه لم يكن كافياً فلجأت والدتي وهي من آل حجازي من صيدا الى بيع ما لديها من مصاغ لإكمال تسديد الالتزامات. هكذا تحول والدي من رب عمل الى عامل. عندما حصلت الكارثة الثلجية كان عمري أقل من سبع سنوات. أثرت بقوة على طريقة حياتنا إذ صار على والدي ان يكافح أكثر من ذي قبل ليوفر لنا شروط العيش والتعليم. كنت صغيراً لكن ما حدث بقي محفوراً في ذاكرتي. أذكر ان والدتي تأثرت جداً بما حصل وان والدي تمالك أعصابه وقال لها هذا أمر الله وعلينا ان نعمل.

> وبعد ذلك؟

- شعرت أنا ايضاً ان علي ان أتحمل مسؤوليتي تجاه الوضع الجديد وفي ايام العطل المدرسية كنت أرافق والدي واعمل معه في بساتين الجنوب. أنا أعرف بساتين الجنوب لأنني عملت فيها أثناء متابعتي دراستي.

> اين تعلمت؟

- أرسلني أهلي الى مدرسة فيصل وكانت أقساطها بسيطة. أعفتني المدرسة من القسط لأن علاماتي كانت جيدة. بعدها انتقلت الى المقاصد ومنها الى جامعة بيروت العربية. الحقيقة انها كانت سنوات صعبة. كنت أعمال في أيام العطل الاسبوعية وفي فترة الصيف ايضاً. طبعاً كان الوضع مؤلماً بالنسبة الى والدي. ثمة فارق بين ان تكون رب العمل وان تعمل لدى الآخرين. منذ تلك الايام صممت ان أوفي هذا الرجل حقه إذا أكرمني الله وتحسنت أحوالي ذات يوم.

> هل كان والدك صارماً؟

- كان ذكياً بالفطرة وطيب القلب وقريباً من الناس. كانت علاقته بالناس طيبة. يضحك ويمزح ويبادله الناس المشاعر نفسها. لم يكن والدي صارماً والأمر نفسه بالنسبة الى والدتي. طبعاً كان لديهما تمسك كامل بالقيم الدينية والاخلاقية.

> الم تكن كمراهق تصطدم بوالدك؟

- أنا لم أعش مراهقتي لأصطدم بأحد بسببها. كنت في المدرسة أو في الشغل أو كنت أهتم بالقضايا المطروحة.

القومية العربية

> ماذا كان انتماؤك السياسي في أول شبابك؟

- كنت من الشبان الذين أثارت اهتمامهم فكرة القومية العربية وتعرفت على عدد من قادة هذا التيار قبل بلوغي العشرين.

> يقولون انك انتسبت الى «منظمة العمل الشيوعي»؟

- لا.

> لم تدخل اي حزب؟

- لا. كانت لدي ميول وصداقات. كنت في خط حركة القوميين العرب وعملت لبعض الوقت في مجلة «الحرية». كان هناك محسن ابراهيم ومحمد كشلي وسامي مشاقو وغسان كنفاني رحمه الله.

> هل صحيح انك شاركت في توزيع بيانات تعارض الانفصال بين مصر وسورية؟

- نعم. وكنا نسير في التظاهرات. أذكر انني كنت أحمل سامي الشعار، وكان أكثر سمنة من الآن، على كتفي في التظاهرات. وانتخبت في جامعة بيروت العربية في اتحاد الطلبة.

> هل أرست تلك المرحلة علاقة صداقك بينك وبين محسن ابراهيم؟

- حصلت صداقة وباعدت الأيام بيننا بسبب سفري وانشغاله بالموضوع الفلسطيني وحين كنت في الحكم كنا على طرفي نقيض. لكن ابو خالد دمه خفيف. تختلف معه في السياسة وتتفق معه في خفة الدم.

منظار مختلف

> نشأت في صيدا، من كان النموذج في ذهنك، عبدالناصر؟

- أنا جزء من جيل تفتح ذهنه على فكرة القومية العربية بعيداً عن الطائفية والمذهبية. كان هناك موضوع فلسطين. اندفع الجيل الشاب آنذاك نحو الشعارات التي نادى بها عبدالناصر. عندما حصلت النكسة في 1967 طرحت اسئلة كثيرة وتحتم علينا التساؤل عن الخطأ والصواب. كانت هناك موجة تأييد عارمة لعبدالناصر من دون التوقف عند الصواب والخطأ. بعد 1967 بدأ قسم من الشباب يرى الأمور بصورة مختلفة. في هذا الوقت كنت قد صرت في السعودية. هناك بدأت أرى الأمور بمنظار مختلف. في السابق كنا نستمتع الى ما يقوله عبدالناصر واليسار عن الدول النفطية ولم نكن نعرف واقع الحال في تلك الدول. عندما ذهبت الى السعودية رأيت الواقع مختلفاً. أنا عايشت تجربة المملكة العربية السعودية من 1965 حتى الآن. أدركت ان هذه الدول استطاعت في المحصلة النهائية ان تبني بنيتها التحتية وان تطور نفسها وان تبني انسانها وان تتحول الى قوة مؤثرة في المنطقة والعالم. كل ذلك بهدوء وبعيداً عن الضجيج والمبالغات والشعارات البراقة. حققت هذه الدول تقدماً مستمراً وغير بطيء. لم تقم بحرق المراحل لكنها تخطت فعلياً مرحلة التخلف التي كانت قائمة منذ مئات السنين واستخدمت الثروة في نقل الانسان، في هذه الدول، خصوصاً في السعودية، من حال الى حال. أوجدت هذه الدول طبقة وسطى مهمة جداً. التطور كان كبيراً على صعيد الانسان نفسه قبل ان يتجلى التطور في المنشآت والطرقات. هناك فرص التعليم ونظام للتأمينات الاجتماعية من الأكثر تقدماً في العالم وهناك الضمانات الصحية. كل ذلك بهدوء.

> عملت في دار «الصياد»؟

- نعم عملت في «الصياد» في المحاسبة وفي الليل كنت مصححاً في صحيفة «الأنوار» وأتابع دراستي في الجامعة العربية في فرع المحاسبة وادارة الاعمال.

الراتب الأول... والقطاف

> كم كان أول راتب قبضته؟

- عندما كنت صغيراً وأعمل في البساتين كنت أحصل على خمس ليرات في النهار أي نحو دولارين ونصف. كنت اشارك في القطاف وفي حمل الصناديق. في الصيف كنت أعمل في قطف التفاح وتعليب التفاح. عملت في بلدات جبل لبنان والبقاع والشمال. أعرفها من العمل لا من الاجازات الصيفية. كنت أجمع بعض ما أحصله صيفاً لأتابع دراستي شتاء. نعم عملت في التفاح في بشري وأهدن وكسروان. لا أذكر تحديداً أول راتب تقاضيته، لكنه كان في حدود المئتي ليرة.

> ماذا كانت هواياتك؟

- لا هوايات. لا الوقت موجود ولا الوضع يسمح. ربما لهذا السبب اعرف معنى ان يحرم تلميذ من مدرسة جيدة ومن ان تكون له هوايات وأعرف معاناة الأهل حيال وضع من هذا النوع.

في السعودية

> متى قررت الذهاب الى السعودية؟

- كان الأمر مجرد صدفة. قرأت في احدى الصحف المحلية اعلاناً يتحدث عن الحاجة الى مدرس فقدمت طلباً. اعتقد انني اللبناني الوحيد الذي ذهب في ذلك العام (1965). ذهبت وبدأت أدرس في احدى المدارس في جدة. كنت في الواحدة والعشرين من عمري وكنت متزوجاً. كان راتبي في حدود ستمائة ريال شهرياً اي الحد الأدنى. لم تكن تحسم من هذا المبلغ ضرائب باستثناء ما كان يعرف بـ «طوابع طرق» ونسبتها 2 في المئة، أي 12 ريالاً. هذا يعني انني كنت اتقاضى 588 ريالاً شهرياً. لهذا كنت أعمل بعد الظهر في مكتب محاسبة. وبين دوامي الوظيفتين كنت أعطي دروساً خصوصية للطلاب. هذا جعل دخلي يتراوح بين 1200 و1300 ريال شهرياً. بدأت باتفاق على 600 ريال لكنني وبعد عشرين يوماً فقط سعيت الى زيادة دخلي.

ما دفعني الى الذهاب السعودية شعوري بأن ذلك البلد تتوافر فيه فرص غير موجودة في لبنان، وكان رأيي صحيحاً. درست فترة سبعة أو ثمانية أشهر ثم عملت في مكتب للمحاسبة ما يزيد على سنة وانتقلت الى شركة مقاولات.

عالم المقاولات

> كيف كانت انطلاقتك بعد ذلك؟

- كما قلت عملت في شركة مقاولات نحو خمس سنوات تعلمت خلالها المهنة. بدأ وضعي يتحسن ومررت بمراحل صعود وهبوط. عندما حدثت حرب 1973 ارتفعت الاسعار كنا قد اخذنا اشغالاً بأسعار منخفضة. ارتفت اسعار النفط وكذلك اسعار المواد الأولية. صارت كلفة الالتزامات عالية جداً وأصبنا بخسائر كبيرة. هنا في 1973 كنت بدأت أعمل لحسابي بعدما تعلمت أصول المقاولات. كنا نأخذ مقاولات من الباطن Subcontractor. اعمال في الطرق والجسور الصغيرة والعبارات والحمايات على جوانب الطرق. في 1973 بقيت أسعار العقود التي وقعناها على ما هي عليه وارتفعت أسعار المواد والعمالة فخسرنا. كان لا بد من الصبر. لاحقاً وفقنا في شغل آخر وكانت السوق بدأت تتوازن. ربحنا في الشغل الجديد فسددنا ديوننا. كانت هذه اللبنة الأولى في بناء الثقة مع المؤسسات المالية والسوق.

> ومشروع البناء في الطائف؟

- في تلك المرحلة. ولم آخذ أنا المشروع بل أخذت مقاولة من الباطن. ارباح كانت بسيطة لكن صار لدينا فوائض سددنا فيها الديون. كنت أعمل مع آخرين لفترة ثم توافقنا على الافتراق اذ لكل منا طريقته في العمل. الانفصال كان حبياً ومن دون خلافات.

yasmeen
02-13-2006, 04:30 PM
http://www.alhayat.com/special/02-2006/Item-20060212-5fc7d542-c0a8-10ed-004d-8d500f8f23e9/Hariri1_07.jpg_440_-1.jpg

رفيق الحريري مع عائلته.

المليون الأول... والغرور

> نريد ان نعرف قصة المليون الأول، متى نمت في رصيدك أول مليون دولار؟

- كان عمري 31 عاماً حين صار لدي أول مليون دولار.

> من أين جاء؟

- من العمل. أنا لم أعمل في غير المقاولات. لم أحصل مالاً لا من عمولات ولا من وساطات. المقاولات هي ميداني الوحيد.

> من مشروع قصر المؤتمرات في الطائف؟

- من مجموعة مشاريع منها الطائف ومنها الهدى ومستشفى. بعد أن أسسنا شركة «سعودي اوجيه». حين أسست، اعتقد في 1976، كانت حصتي صغيرة فيها. بعدها اشتريت حصص الآخرين.

> ماذا يشعر المرء حين يمتلك المليون الأول؟

- أريد ان اجيبك بصدق كامل. حين يمتلك شاب مثل هذا المبلغ يصاب بنوع من الغرور والشعور بالنجاح وربما بالتفوق. هذه حالة مرضية. اعترف انني اصبت بشيء من ذلك. أحمد الله لأن هذه المرحلة لم تدم طويلاًَ لدي. دامت نحو سبعة أشهر.

> شعرت يومذاك ان رفيق الحريري قوي؟

- (يضحك) شعرت ان رفيق الحريري قوي وقبضاي وذكي ودمه خفيف. النكتة التي يرويها تثير الضحك. والفكرة التي يطرحها ممتازة وتثير الاهتمام. انها مبالغات الشباب. اشكر الله ان تلك الفترة لم تدم طويلاً وهذا يرجع في اعتقادي الى أمرين: الأول التربية في البيت والثاني الجو العام في المملكة العربية السعودية. الجو العام في السعودية يغلب عليه التواضع ولا يقبل هذا النوع من السلوك. الجو لا يسمح بالفظاظة ويشدد على التمسك بالبساطة والقيم واحترام الآخر. عدم مراعاة هذه القواعد تجعلك غريباً ومنبوذاً. ربما كان هناك شيء من التبرير لشاب مثلي جاء من لبنان ومن وضع مالي مسحوق ومر في ظروف صعبة ان يصاب بشيء من الغرور لدى تحسن أوضاعه. لم يتحسن وضعي وحدي تحسن وضع معظم من عملوا في المقاولات آنذاك. حظي انني طويت صفحة النشوة هذه سريعاً في حين ان هناك من لازمتهم حتى اليوم.

> هل يصاب المرء بسبعة شهور مشابهة حين يتولى رئاسة الحكومة؟

- المال كما المواقع كما السلطة السياسية كلها أنواع من السلطة. اذا كان لديك الاستعداد للتكبر والغرور واذا لم تكن قدماك على الارض كما يقولون يمكن للمرء ان يصاب بالغرور سنوات طويلة. أكرمني الله سبحانه وتعالى بأمور كثيرة لكن من أبرز ما أكرمني به هو ان فترة الغرور انتهت سريعاً.

> ويلعب جيش المداحين دوره؟

- على المرء ان يصارح نفسه وأن تكون لديه الجرأة لمعرفة حدود الأشياء. يتعرض صاحب الموقع لمثل ما تقول أو بعضه. تقول شيئاً عادياً فيأتي من يقول لك ان ما قلته رائع وخارق. يكون وزنك 130 كيلوغراماً وتعثر على من يعتبرك صاحب قوام ممشوق. بعض الكلام عن حسن نية وبعضه جزء من اسلوب. المهم ان تكون لدى المرء جرأة التحديق في نفسه. لا أقول ان المرء يجب ألا يفرح بنجاحه أو بما ينجزه. الانسان يحب النجاح ومن حقه أن يبتهج بثمار جهده لكن ليس من حق صاحب المال أو السلطة ان يصاب بالعمى فلا يرى الا الألوان التي يريد ولا يسمع الا الأصوات التي يريد.


> وهل يصاب المرء بسبعة أشهر مختلفة اذا غادر السلطة؟

- (يضحك) هناك من يصاب بالمرارة لا الغرور. هذه ليست حالتي. دوري لم يبدأ مع تولي رئاسة الوزراء ولم ينته مع مغادرتها.


> ثمة من يقول انك تعشق السلطة وان الاقامة خارجها تزعجك؟

- لو كنت أعشق السلطة كما تقول لبقيت حيث كنت. للوجود في السلطة هدف وللنجاح فيها شروط ومن الأفضل للسياسي أن يكون خارجها حين لا تتوافر شروط النجاح.


> ويقولون ان كلمة الرئيس السابق مؤذية؟

- ربما تكون مؤذية لمن يكون دوره مرهوناً بوجوده في السلطة. في الديموقراطية لا الألقاب دائمة ولا المواقع.


لم اجرؤ على الحلم


> عندما ذهبت الى السعودية هل كانت في بالك صورة نجاح لبناني ما؟ اميل البستاني مثلاً أو غيره؟

- هنا يجب ان اعترف. أنا لم اجرؤ على الحلم بأن أصل الى ما وصلت اليه. لقد حققت اشياء كثيرة لم أكن أحلم بتحقيقها.


> بماذا تشعر حين تقف قبالة المرآة؟

- أحياناً أكاد لا اصدق ان رفيق الحريري الذي انطلق من الصفر تمكن من الوصول الى ما يتخطى أحلامه. طبعاً أنا الآن غير ما كنت عليه قبل سنوات. التجربة مدرسة لمن يحسن القراءة. لكنني اقول ان بين ما أفخر به في حياتي هو ان الأمور الأساسية في داخلي لم تتغير.


> وهي؟

- لا أزال أنظر الى نفسي آخذاً في الاعتبار انني شاب انطلق فقيراً وعمل في البساتين وأهله وأقاربه هم من البسطاء الذين تربطهم به مودة. في المناسبات الاجتماعية ندعو الأقارب اشعر ان لهفة هؤلاء الناس تجاهنا جميلة وحميمة وخالصة ومنزهة. المال لا يوفر مثل هذا الشعور. هناك من لم يستفد منك ولم يطلب ولم تقدم له شيئاً وتراه يبادرك بعاطفة بعيدة عن الأغراض.


> ألا تشعر ان الذين يتقربون منك يريدون مالاً؟

- هناك من هم على هذا النحو. أعرف ذلك ولدي حساسية تجاه هذه القصة. راداري يلتقط هؤلاء الناس بسرعة سواء ظهر علي ذلك أم لم يظهر. لكن من الظلم اعتبار ان كل من يظهر لك الود يحمل مطلباً. أقول ذلك في ضوء تجربتي. أنا مثلاً أحافظ على صداقاتي القديمة.


> يقولون انك متعلق ببنتك جداً؟

- نعم متعلق بعائلتي. هند هي الصغيرة وظريفة جداً.


> كيف تحاول حماية أولادك من كونك غنياً وشهيراً وتحت الاضواء؟

- اعتقد اننا نجحنا حتى الساعة.


> هل يستطيعون العيش بصورة عادية؟

- اننا نحاول أن نوفر لهم ذلك.


> هل نجحت التجربة مع الشبان؟

- نعم. انهم يعيشون عيشة عادية، يتصرفون بتواضع ومسؤولية وتخرجوا من الجامعات باستثناء الصغير.


> هل أنت عصبي تهبط معنوياتك إذا خسرت وتنرفز فينعكس ذلك على جو البيت؟

- أعوذ بالله، ثم انني لم أخسر في السياسة. غيري يخسر. كي تفهمني يجب أن تعرف حقيقة أساسية. لا قيمة للمال عندي. المال لا يعني لي شيئاً.


> كم مليونيراً خرجوا من مؤسساتك أو بفضل الصداقة معك؟ هل تفرحك قدرتك على تغيير المصائر؟

- ساعدت كثيرين في حياتي. لكنك لا تستطيع أن تساعد الناس كل الوقت. تعطي فرصة لشخص فإن كان مؤهلاً يتابع طريقه.


> هل تسببت في ولادة مئتي مليونير مثلاً؟

- ممكن. كثيرون ساعدتهم ونجحوا. ربما بين الذين أعطيتهم منحاً تعليمية من صار مليونيراً. أنا غيرت مصير 30 ألف شخص بتعليمهم.


> بماذا يشعر من يستطيع تغيير المصائر؟

http://www.alhayat.com/special/02-2006/Item-20060212-5fc7d542-c0a8-10ed-004d-8d500f8f23e9/Hariri2_07.jpg_200_-1.jpg

مع ابنته هند في وسط بيروت


- مرة كنت جالساً مع زوجتي في مقهى الـ «سيتي كافيه»، اقتربت صبية حلوة وسلمت علي وقالت: «أنا من مؤسسة الحريري. أنا من الخريجات. أتمنى أن ادعوك الى عرسي وهو الأسبوع المقبل». هذه المشاهد تتكرر معي. معظم من ساعدناهم لا أعرفهم.


> في السياسة يقولون انك تهتم بالشخص إذا كان دوره ضرورياً لك وحين ينتهي هذا الدور لديك القدرة على نسيانه؟

- هذا غير صحيح. أنا عكس ذلك. نقطة ضعفي انني احافظ على صداقاتي.


> ألم يؤثر صعود نجمك في السنوات العشر الأخيرة على علاقتك مع زوجتك؟

- لا مشكلة أبداً. أنا أحب زوجتي. أحبها جدياً واقدرها.


> لماذا؟

- لأنها سيدة بكل معنى الكلمة.


> ألم تعرقل طموحك؟

بالعكس كانت عاملاً مساعداً. سيدة تبيّض الوجه في المجتمع وتحب الناس ويحبونها وأنيقة وذكية.

> هل ستكون في الحكم في العام 2000؟

- أنا الآن في المعارضة؟


> هل كان يوماً ثقيلاً اليوم الأول بلا رئاسة الحكومة؟

- نعم ثقيل، لكنه لم يكن مفاجئاً بالنسبة لي. صدقني انني لست متمسكاً بموضوع السلطة.


> أي ألوان تحب؟

- في اللبس أفضل الكحلي والألوان مثل الكريم. أحب القمصان الزرقاء.


> أي محل في العالم يجتذبك؟

- هنا، سردينيا لأنها هادئة.


> هل لديك وقت للقراءة؟

- قبل عملي في السياسة كنت قارئاً جيداً جداً. تاريخ وأديان. أنا قرأت العهد القديم بأكمله. كنت قارئاً نهماً. التاريخ العربي والإسلامي. كل كتب نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ومصطفى لطفي المنفلوطي والترجمات العالمية للكتب الأساسية: «وداعاً ايها السلاح» و«الشيخ والبحر» و»الحرب والسلم» وغوركي والبرتو مورافيا.


> من تحب من المطربات والمطربين؟

- فيروز وفريد الأطرش وعبدالوهاب.


> هل لديك هاجس التاريخ، وكيف ستكون صورتك؟

- يهمني لكنه ليس هاجساً. اعتقد أن الأمر يتحول هاجساً في مرحلة من العمر والعمل السياسي.


> ماذا تتوقع أن يكتب عنك في التاريخ؟

- أتوقع أن يكتب عني انني أعدت بناء البلد.


> هل تقصد أن يرتبط اسمك باسم مدينة؟

- لعله ارتبط الآن على الاقل بإعادة بناء بيروت وورشة الإعمار على رغم كل الحملات والتشويهات.

>

ألا تخاف من أن يكون التاريخ ظالماً؟

- صعب أن يكون ظالماً إذا كتب بانصاف.


مع الملك فهد


> كيف توطدت علاقاتك في السعودية؟

- ناصر الرشيد صديق عزيز وأخ. درس في الولايات المتحدة ونال دكتوراه في الهندسة. اختط لنفسه طريقاً كما فعلت أنا. لم يفكر في العمولات. اختار ان يكون استشارياً وأنا اخترت ان أكون مقاولاً. واستمر العمل حتى اليوم. هو يأخذ شغلاً من الحكومة وأنا أنفذ شغلاً للحكومة. نحن لم نهتم بدور الوسيط بمعنى استقدام شركات اجنبية وتقاضي عمولات. طريقتنا كانت مختلفة. انه شخص محترم جداً وعلاقتنا قوية ومستمرة حتى اليوم.


> يقولون انه لعب دوراً في قيام العلاقة بينك وبين الملك فهد بن عبدالعزيز؟

- الحقيقة ان الأمور جاءت طبيعية. كان الدكتور ناصر الرشيد استشارياً للملك خالد وللأمير فهد الذي كان ولياً للعهد. نحن كنا الشركة التي نفذت العمل. هكذا نشأت العلاقة. الملك فهد يهتم شخصياً بمتابعة الأمور التي يعتبرها مهمة للدولة. العلاقة مع الملك فهد بنيت خطوة خطوة وأساسها مسألة بسيطة هي الثقة. أنا اعتقد انه في العلاقات الانسانية لا يمكن القيام بأي شيء من دون الثقة. الثقة هي الاساس. لا تقوم علاقة قوية ودائمة الا اذا ارتكزت على الثقة. كنا وما زلنا صادقين مع خادم الحرمين الشريفين وهو أعطانا ثقته وانتقلت مني الى ابني (سعد) الذي تسلم الاشغال. أنا قليلاً ما أتدخل حالياً. الحقيقة ان علاقات الثقة هي مع الملك فهد ومع الأمير عبدالله والأمير سلطان والأمير نايف والأمير سلمان ومع العائلة ككل. انها علاقة مبنية على الاحترام المتبادل والثقة.


> في أي سنة بدأت علاقتك مع الملك فهد؟

- في 1977 - 1978.


> تبدو هذه العلاقة مع الملك فهد مميزة ماذا تذكر من محطاتها؟

- أثمن ما يمكن ان يحصل عليه المرء هو ان يكون موثوقاً من الآخرين وان يتصرف بصدق وأمانة واخلاص. انا اعتبرت دائماً ان حبل الكذب قصير.

الملك فهد شخصية مميزة وفريدة. محب للعمل وللخير وللانجاز. الانجاز مسألة اساسية لديه وترك بصمات واضحة في المملكة العربية السعودية. دوره في قيام الطبقة الوسطى حاسم. من أهم الاشياء في السعودية وجود طبقة وسطى عريضة جعلت الناس يرون مصلحتهم في استقرار النظام. دور الملك فهد مميز في البناء وفي التعليم وفي السياسة الحكيمة.

العلاقات مع الأمير عبدالله ترتكز على المبدأ نفسه. واذا شئت اختصار شخصية الأمير عبدالله بكلمة تستطيع القول انه فارس. لديه فضائل الشجاعة والمروءة والوفاء. اعتقد انه سيقود المملكة، بعد الملك فهد، بحكمة نحو الأفضل.


> هل هو عنصر الثقة الذي أبقى مؤسساتك تعمل في السعودية حتى حين كانت الظروف المالية صعبة؟

- كل الدول تمر بصعوبات. اعتقد ان بعض الصحافة الأجنبية ضخم هذه الصعوبات في اطار حملة على المملكة نتيجة لمواقفها القومية. حصلت صعوبات لكن السعودية تملك القدرة على تجاوزها.


> ماذا تذكر من معايشتك للملك فهد؟

- ذات يوم وخلال الحرب العراقية - الايرانية خرقت طائرات ايرانية الأجواء السعودية فتصدت لها الطائرات السعودية والدفاعات الأرضية فتم اسقاط طائرتين ايرانيتين واصابة ثالثة. كنا مع الملك فهد حين أبلغ بالحادث. انتظر قليلاً ثم أمر بأن يتم الاعلان عن اسقاط طائرة واحدة. سألناه عن السبب فأجاب: اذا أعلنا عن اصابة ثلاث طائرات نكون كمن يهين الجيش الايراني. نحن لا نريد مواجهة مع ايران أو مشكلة معها. اذا أهنت الجيش الايراني علانية يشعر ان من واجبه ان يرد. الجيش الايراني يعرف ماذا حصل ولا ضرورة لاخراج الحادث كله الى العلن.

الواقعة تشير الى حكمة الملك فهد وهي تجلت ايضاً في محطات اخرى خلال تلك الحرب التي كانت حساسة جداً بالنسبة الى المنطقة. بهذه الروحية تعاطى مع مشكلة الحج والحجاج. عثر الملك فهد دائماً على وسيلة لتنفيس الاحتقانات التي كانت قائمة. نجحت هذه السياسة في تفادي مواجهة جدية وهو ما سمح الآن بإقامة علاقات ودية بين البلدين. حصلت بين البلدين حوادث معينة ويعرف الايرانيون ان المملكة لم تكن راغبة في حصول صدام لكنها اضطرت الى ممارسة الحزم في بعض الأحداث. كان الملك فهد يقول لنا ان ايران دولة موجودة منذ آلاف السنين ونحن أمة موجودة منذ آلاف السنين. نحن لا نستطيع الغاء ايران ولا هي تستطيع الغاءنا. لا بد من وقت تهدأ فيه النفوس ونجلس الى طاولة لحل مشاكلنا بروية. يجب ألا نقدم على أي عمل من شأنه اطالة الفترة التي تفصلنا عن موعد الجلوس الى الطاولة. يجب ان نظهر انفتاحاً وسعة صدر وصبراً. والحقيقة ان سورية لعبت دوراً في تهدئة الأجواء بين ايران والسعودية. أعرف هذا الموضوع فقد كانت لي مساهمة فيه. ذهبت من قبل الملك فهد عشرات المرات الى دمشق بهذا الشأن.

الحادثة الأخرى عندما اجتاحت القوات العراقية الكويت حاول الاخوة الفلسطينيون، وموقفهم كان معروفاً، فتح خط بين السعودية والعراق. اتصلوا بمجموعة في المملكة وكنت أنا من عداد هذه المجموعة. قالوا ان هناك رسالة عاجلة من الرئيس صدام حسين للملك فهد.

وصلت الرسالة الى الملك فهد وفحواها ان صدام مستعد للانسحاب من الكويت اذا وافق الملك فهد علىالاجتماع به في خيمة على الحدود السعودية - العراقية. الملك فهد، وببراعته المعهودة. ارسل جواباً قال فيه لماذا نجتمع على الحدود. أنا مستعد للذهاب الى بغداد لكن نريد رسالة من الرئيس العراقي انه مستعد للانسحاب من الكويت اذا اجتمعنا. الرسالة نحفظها لدينا ولم يسبق لنا ان كشفنا أموراً نحتفظ بها. كان الملك فهد جدياً ومستعداً للتوجه الى بغداد، على حد ما قال لنا، وان يعلن من هناك عن انسحاب القوات العراقية من الكويت. ربما لهذا السبب تأخرت وسائل الاعلام في السعودية في الاشارة الى الغزو. وشرح لنا الملك فهد ذلك، قال اعتبرنا ان صدام قد يتأثر برد الفعل الدولي على العمل العسكري الذي قام به ضد الكويت وبالتالي يجب أن نوفر له باباً للتراجع عبر السعودية لكنه لم يغتنم تلك الفرصة.


> يقولون ان الملك فهد تألم كثيراً من الغزو العراقي للكويت؟

- نعم تألم الملك فهد وتألمت كل العائلة السعودية. اذ ان المملكة لم تقصر في دعم العراق خلال الحرب العراقية - الايرانية. الملك فهد حاكم ذكي ومقدام ولديه فكرة واضحة عن السياستين الاقليمية والدولية. محدث لبق وحديثه محبب. الجلسة معه ممتعة.

حضوره جذاب ويأسر محدثه. الوفاء هو من سمات العائلة السعودية. هل انتبهت الى الاحتفال بالذكرى المئوية لدخول الرياض؟ لقد كرموا كل الناس الذين كانوا مع الملك عبدالعزيز من المقاتلين الى الطباخين.