المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جزائرنا المريضة..؟!



زوربا
02-10-2006, 01:16 PM
د.عبد الرزاق قسوم


http://www.almesryoon.com/Public/ALMasrayoon_Images/11733.jpg




يقول الفلاسفة : " إن تشخيص الداء يمثل نصف الدواء"، ومع ما في هذه المقولة الفلسفية من منطق عقلي، قد يؤيده التشخيص الطبي العملي، إلا أن هذا الحكم ليس مطلق النتيجة؛ إذ أنه "جرب فلم يصح"، واصطدم بواقع مجتمعنا الجزائري فلم يفلح.

إن فقهاء واقع المجتمعات، ومهندسي فلسفة الحضارات، عندما يقيسون قول الفلاسفة بعمل الواقع الجزائري الشمولي، سيكتشفون- ولا شك- الهوة السحيقة التي تفصل التشخيص النطري للمرض الجزائري، عن الدواء الناجع الضرورى.

فلا أحد – في جزائرنا- من العامة أو الخاصة، يجهل أعراض الداء الذي يعانيه، أو طريقة علاجه مما هو فيه، ولكن ما أبعد الدواء عن الداء.
في جزائر المليون شهيد – اليوم- أمراض فتاكة تنخر جسم المجتمع في كل القطاعات، وتضعف عوامل المناعة فيه على جميع المستويات، وكأن مرض البدن، الذي أصاب الرئيس، قد أصاب عمق الوطن، في مجالات التسيير والتسييس.

فالأعراض التي تطفو على سطح الواقع الجزائري، والتي منها القديم العريق، ومنها الجديد اللصيق، إن هي إلا صفارات إنذار مما تعانيه الجزائر، وهي تتطلب إسعافا عاجلا لدرء المخاطر، وإشراك الشعب وخيرة نخبه لإنقاذه من عواقب ما هو إليه صائر.
إن الجزائر مريضه بأبنائها، شقية بثرائها، منهوبة من كبرائها ، متهمة في انتمائها وولائها، معادية لمصلحيها وعلمائها.

فالمواطنون أشبه ما يكونون بالخنافس النائمين على الطنافس، وهم يعيشون بالتمائم والحروز، في بلد يفيض بالكنوز، وبتميز بخيرة الناس من المجاهدين والعلماء الرموز.
تدهورت أوضاع المواطن، فأصيب بالجوع والخوف، وهاهو يعاني الجور والحيف، ويسل في وجهه السلاح، والسكين، والسيف.
وإن تعجب فأعجب لبلد تمتلئ خزائنه بالذهب والدينار، وتفيض بنوكه بالأورو والدولار، ولكن الإنسان فيه فقد كل قيمة وكل معيار.

فالجوع أذل أعناق الرجال، وحل شعر ذات الحجال، وأودى بكل عزيز، ولمن هو غال. لقد كفر الناس- بسبب الجوع- بكل القيم و الأخلاق والمعتقدات والأعراق، فأباحوا لأنفسهم السطو على البيوت والمحلات، ولو أدى ذلك إلى قطع الرقاب والأعناق.

امتد شبح الخوف إلى كل المناطق والأحياء فأصبح الإنسان يدخل المدينة خائفا يترقب لا يأمن على جيبه، ولا على مركبه أو مأربه.

ولو أن مراهقا لطمني فأخذ مني دنانيري أو نقالي وتركني لهان ولكن ما حيلتي مع من يخون ثقتي، فيسرق حسابي من خزينتي، ويختلس الملايير من ضريبتي أو ميزانية دولتي؟
إننا لا نلوم الشاب أو المراهق البطال، وقد اسودت الدنيا في عينيه، فلجأ إلى اللصوصية يسرق بها، ليغطي احتياجاته، لأننا لم نهيء له التربية التي تصلح إعوجاجه، ولا العمل الذي ينير له دروبه وفجاجه، لكن المصيبة تكمن في من وهبناه علما وعملا، وعلقنا عليه رجاء وأملا، وبوأناه سلالم وسبلا وأسكناه قصورا وفللا.ثم هو يخون ثقتنا ويأخذ الملايير من عملتنا دون أدنى عقاب من محكمتنا، بعد أن يسب ديننا وملتنا.

لقد انقلبت الموازين في بلدي، فعندما كان المجاهد الفقير-إبان الثورة، ملتصقا بروحه بالسماء، كان ويؤتمن على أموال الثورة دونما حاسب أو رقيب، فيؤديها إلى أهلها كاملة غير منقوصة، وبذلك انتصرنا؛ غير أننا عندما أخلد الإنسان الجزائري – فينا- إلى الأرض، واتبع غريزته وهواه، وصار الكسب الرخيس هو مبتغاه والمنصب المدر للمنافع هو هدفه ومناه؛ تفشت فينا كل الأوبئة الفتاكة والأمراض الخطيرة، وأخطرها مرض فقد المناعة الحضاري، وهشاشة الانتماء الثقافي، والاستخفاف بالقيم الوطنية، والمعايير الخلقية.

فعندما سادت قيم الجهاد الصحيح في وطننا إبان ثورة نوفمبر، والتحمت الجماهير بالنخب بقيادة العلماء والمفكرين، أعلنت المقاومة ضد العدو المشترك الدخيل، الذي لم يترك للزائريين أرضا يقفون عليها، ولا كرامة يشعرون بها، ولا حرية يتنفسون نسيمها، ولا ثقافة يتغذو عقليا منها، وبذلك تم النصر، وسجل الجزائريون تاريخا بدماء المجد والفخر، لأن الثورة كان دافعها وطنيا.فتجند لها الجميع، وعمّ نصرها الجميع. أما اليوم، وقد تسللت إلى قيمنا آفات جديدة هي الزحف على البطون والأدقان للنهب والكسب، والحصول على المناصب بمعيار الاتباعية والولاءات بدل قيم الوطنية والكفاءات، فتنكر الجميع لثوابت الأمة، وأداروا ظهورهم وعقولهم لحضارة العلماء والأئمة، فإن الجزائر قد تدهورت أوضاعها، وكثرت آلامها وأوجاعها، وتعددت أمراضها من أعلاها إلى أدناها، ولا أحد يستطيع بعد تشخيص الداء، متى ومن أين يأتي الدواء.

إن جزائرنا مريضة حقا، ومريضة بأبنائها وكبرائها، فادعوا لمن فيها وما فيها بالشفاء.


abguessoum@yahoo.fr