المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحسين في المزاد العاطفي والاسطوري



زوربا
02-08-2006, 03:19 PM
محمود كرم


في مثل هذه الايام من شهر محرم من كل عام تحيي الطائفة الشيعية ذكرى عاشوراء عبر جملة من الشعائر والطقوس الكرنفالية الموغلة في اظهار الحزن والبكاء على الحسين نجل الامام علي رابع الخلفاء الراشدين بعد الرسول (صلى الله عليه وسلم) وتتمثل تلك الشعائر في اقامة مجالس العزاء ولبس السواد ولطم الصدور وفي بعض البلدان ضرب الرؤوس بالسيوف واسالة الدم الغزير من مقدمة الراس انتصارا له من قاتليه بينما هم قاتلوه الحاليون.

بدايةً لا انطلق من هذا الموضوع من خلفية طائفية مقيتة حتى لا يفرح الطائفيون من الطرف المناهض للطائفة الشيعية والذين قد يجدون في هذا الموضوع زادا لهم في الصراع الطائفي المحتدم منذ مئات السنين بينهم وبين (اخوتهم) في الدين من الشيعة وكذلك لا اريد من الشيعة ان يفرحوا او يحزنوا لانهم ربما يضعونني في خانة (النواصب) الجدد بسبب موضوعي هذا واقول لهم انني شخص ينتمي الى عائلة شيعية معروفة بولائها الشديد لال البيت ولذكرى عاشوراء الحسين.

اكتب هذا الموضوع انطلاقا من ايماني العميق بان الحسين ليس ملكا للشيعة او لاي طائفة دينية اخرى وكنتُ وما زلتُ اجد في الحسين رمزا انسانيا لمقاومة الاستبداد ومناصرا لقيم الانسانية والعدالة والكرامة وكل ما له علاقة بالحرية ورفض الظلم ولكني في مقابل ذلك لا علاقة لي بالطريقة السطحية والاستعراضية التي يتم فيها التداول مع قضية الامام الحسين عند الكثيرين من الطائفة الشيعية.

اختزال الحسين الرمز في مجرد هلوسات من اللطم والبكاء والسواد وضرب الرؤوس والتركيز على هذه الجوانب العاطفية تفريغٌ للجوانب المضيئة والمضامين الانسانية في قضية الامام الحسين.
البعض من الشيعة يعتقد في عقله الباطني وربما في ثقافته المذهبية ان تعاطفه مع الحسين لانه نجل الامام علي الذي اغتصبت منه الخلافة في العهود الاولى بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم) وليس تعاطفا مع قضية الحسين بسبب انه يمثل رمزا انسانيا ضد كل اشكال الظلم والقهر والاستبداد حينما رفض مبايعة الخليفة الاموي يزيد ابن معاوية , وقد تشكلت هذه الثقافة التي حشرت الحسين قسرا في زاوية ضيقة ورؤية قاصرة من خلال بعض الخطب التي يتم تداولها بسطحية وقشرية من على المنابر الحسينية في شهر محرم.

وكذلك تشكلت ثقافة في المعتقد الشيعي تجد ان الحسين ذهبَ الى حتفه بامر من الله عندما يرددون مقولته التي ينسبونها له (شاء الله ان يراني قتيلا) ولا نعرف ما الحكمة من ان يرسل الله انسانا ما الى حتفه لمجرد ان يراه قتيلا ومنزوعا من ارادته الحرة في تنفيذ ما يراه صوابا.

وهذا الامر يجرنا الى الحديث الذي يعتقد به البعض من الشيعة من حيث ان الامور جرت في واقعة كربلاء كما اراد لها الله وبالتالي تجريد الحسين من ارادته وحريته في رفض مبايعة يزيد وكان ما قامَ به الحسين لا يدخل ضمن المقاييس البشرية التي يجب ان تكون مثالا يحتذى وفي هذا الصدد يقول المفكر الايراني صالح نجف ابادي.

»علينا ان نقيم ما يقوم به الامام وفق الاسس والمعايير الطبيعية والاعتيادية حتى يكون قدوة لنا نقتدي به, ولكن عندما نقيم هذه الاعمال على اسس ومعايير غير طبيعية فانها لن تكون لنا قدوة, بل يكون الامر اعجازا يخرج عن دائرة الرغبات الاجتماعية والاحداث الطبيعية فلا يمكن لنا تحقيق ذلك ولا يمكن ان يكون هذا العمل نموذجا نقتدي به«.

لذلك اقول ان اسباغ الامر الالهي على تصرف الحسين ينزع عنه بشريته التي تستند على ارادته الحرة واختياره السليم في الحياة ويضعه في المقاييس الغيبية التي لا دخل له فيها ومعها يستحيل ان يغدو قدوة في عمله البطولي الرافض لسلطة الحاكم الجائر.
وعودة الى مظاهر السطحية في تناول قضية الحسين التي نجدها تستعر بمسلكيات بعيدة عن المنطق والعقلانية عبر جملة من الشعائر الحسينية الموغلة في تعذيب الجسد وتغذية المشاعر العاطفية والتعويل عليها في تجديد ذكرى عاشوراء.

ولا ادري ما علاقة ان نحيي ذكرى الحسين من خلال ضرب السلاسل والسيوف ولطم الصدور والمبالغة والغلو في اظهار هذه الطقوس.

والغريب اننا نسمع من الجموع التي تحتشد في مناسبة عاشوراء الصيحات التي تنطلق بقوة وتهتف بالفداء للحسين ولا ادري اي حسين بالضبط يقصدون , هل هو حسين المبادئ الرفيعة الذي امن بالحريات والكرامة وتحرير الذات من الخزعبلات والاوهام وبناء المستقبل ام حسين اللطم والبكاء والسواد والتطبير , ووجدت بعض الجماعات من الشيعة فرصة مناسبة للترويج لبضاعتهم من الشعارات التي لا علاقة لها من قريب او بعيد بجسد الحسين المدمى وبرأسه الشريف الذي رفعه الظلمة فوق الحراب وطافوا به في اكثر من مدينة ولا علاقة لها بالقيم التي نادى بها الحسين فوق تراب كربلاء , وبعضهم اخذ يستغل الحسين للترويج لاجندته السياسية وتوظيفه عمدا في معاركه السياسية مع قوى الصهيونية والامبريالية واتذكر في هذا الصدد الدعوة التي وجهها قائد حزب الله اللبناني حسن نصر الله للشيعة العراقيين في مناسبة عاشوراء قبل عامين لمواجهة القوات الاميركية هناك في استغلال سياسي لذكرى الحسين الذي ياتي من اعمق نقطة في الوجع الانساني وقد نما الى سمعي ان بعض الخطباء في الكويت هذا العام فتحوا (المزاد) على الحسين بالقضية الدنماركية التي تزامن حدوثها مع دخول شهر محرم.

وذهبت بعض المفاهيم الثقافية التي يتم تكرارها كل عام من شهر محرم من على المنابر ويتزعمها مجموعة من الخطباء البعيدين عن جوهر قضية الحسين والتفكير فقط في التكسب المادي من واقعته المأساوية من خلال التركيز فقط على البكائيات واذكاء نار العاطفة التي تاخذ من وقت المحاضرة الكثير الى تجذير مفهوم (المذهبية) الضيقة في فكر الشيعة حينما يتم اضفاء الصبغة المذهبية قسرا على الحسين وجعله محصورا في هذه الزاوية الضيقة.

والى اليوم تطرح حادثة كربلاء في معظم الحسينيات والمنتديات وفق نظرة (مذهبية) وغارقة في الجوانب العاطفية الجياشة بعيدة عن القيم الانسانية العظيمة التي ناضل الحسين في الدفاع عنها ويتم الحديث عنها ( اسطوريا) ووفق المقاييس الغيبية البعيدة عن منطق العقل والتي يجب ان تكون بعيدة في مفهومهم عن ارادة الانسان وقراره الحر.

ولا ندري لماذا لا يتم استخلاص قيم التسامح من الحسين في معركته ضد اعدائه والذين هم في الاساس اعداء الحرية والحياة اليوم حينما تكالبوا على قتله وتمزيق جسده الشريف حينما هتف في ارض كربلاء في وجه المتربصين بقتله فقال لهم : انني آسف على حالكم لانكم ستدخلون النار بسببي , فلم يلجأ الحسين للتشفي من اعدائه ولم يدعو عليهم بالنار والهلاك بل كان يتمنى لهم الخير ويحزن على حالهم وهو تحت حرابهم وسيوفهم , بينما تصورهُ بعض الادبيات الحسينية المنبرية على انه قد اخذ بثأر جده وابيه عبر السيف والقتال.

الحسين ذاكرة محمومة بتفاصيل انتصار الانسانية على الاستبداد وقمع السلطات وهي بذلك قد تجاوزت الماضي وسكنت الحاضر لتستوطن المستقبل ومن المؤسف جدا ان يتم حصره في الخرافات والغيبيات والاسطرة والسواد واللطم وضرب الرؤوس بالسيوف.

* كاتب كويتي
tloo1@hotmail.com