المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الثقافة الحقيقية



زوربا
02-08-2006, 03:07 PM
أحمد البغدادي


هذا المقال محاولة لتقديم مزيد من الشرح حول موضوع الثقافة الحقيقية التي ورد ذكرها في مقال أول من أمس حول المكتبات العامة الخاوية من البشر, بسبب ضعف الاقبال على القراءة سواء في الكويت أم العالم العربي بشكل عام.

الثقافة الحقيقية هي التي توسع آفاق المعرفة, وليس فقط تزيد كمية المعلومات لدينا, هي تلك التي تطلعنا على ثقافات الآخرين, والتي تعلمنا احترام هذه الثقافات التي تختلف عن ثقافتنا, بل وحتى لو تناقضت هذه الثقافة مع ديننا, فالعالم لا يدور حول الإسلام والمسلمين فقط, الثقافة الحقيقية هي تلك التي تعلمنا التسامح الفكري, والديني, وقبول الفكر الآخر, أيا كانت مفاهيمه. الثقافة الحقيقية هي التي تجعلنا نقبل التعدد الفكري سواء اتفق مع قيمنا ومفاهيمنا أم لا, الثقافة الحقيقية هي تلك التي تجعلنا نحس بآدميتنا, وأننا جزء من هذا العالم المتنوع والمتعدد الأفكار والثقافات.

الثقافة الحقيقية لا يمكن أن توجد في مضامين الكتب الدينية, وهذه حقيقة لا نزاع فيها, وانظر اليوم إلى حقيقة أن أكثر المتعصبين فكريا هم الذين لا يرون الحق إلا في مفاهيمهم الدينية, خصوصا اليهود والمسلمين, لأنهم يؤمنون أنهم على حق دائما, وأن الآخرين على خطأ, وأنهم فقط هم الذين يملكون الحقيقة المطلقة, ولا يقبلون بالرأي الآخر إذا ما خالف مفاهيمهم الدينية, هذا إن لم يسعوا إلى إيذائه باللسان واليد, ودونك منابر المساجد وما يذكر فيها من أذى لغير المسلمين, مقارنة باللغة المتسامحة التي نسمعها في مواعظ الكنائس.

واليهود المتعصبون لا يقلون سوءاً ويمكن أن نضيف أيضاً إلى هذا كله حقيقة أن الكتب الدينية ضيقة وأحادية التفكير, حيث تتمحور الأفكار حول نقاط محددة يفترض مسبقا أنها صحيحة, مما يترتب عليه أن قارئ هذه الكتب وكأنه يسير في » سكة سد«, يعني من دون مخرج, وهذا سبب غياب عنصر التسامح الديني لدى كثير من المسلمين اليوم.

في المقابل لا تجد النظرة الأحادية والمتشنجة, أو المتشددة في الكتب ذات الطابع الثقافي البعيدة عن المفاهيم الدينية. ولنقارن مثلا بين كتب ابن تيمية وتلميذه ابن القيم تجاه غير المسلمين, وعلى مستوى الثقافة والأفكار الاجتماعية, بكتاب »المقدمة«, لابن خلدون, وهو الكتاب الذي لم يقرأه معظم المسلمين . وكتاب ابن خلدون يؤسس لعلم الاجتماع السياسي, في حين تمتلئ كتب ابن تيمية وتلميذه بالشواهد السلبية لغير أهل السنة والجماعة, و أما كتاب ابن القيم المشهور حول الذميين والمستأمنين, فيعد من شواهد التعصب الديني المذموم, و لا مجال للاختلاف حول الفقر الفكري لكتب ابن تيمية, مقابل الثراء الفكري ل¯"المقدمة", لابن خلدون.
مثال آخر على مستوى الدوريات الثقافية. قارن بين دورية »البحرين الثقافي«, ومجلة كلية الشريعة بجامعة الكويت, فماذا تجد? الغنى الثقافي في »البحرين الثقافي«, مقابل فقر مدقع في »الزاد الثقافي« في مجلة كلية الشريعة, أتدرون لماذا ? لأن الأولى تتنوع في دراساتها, من القصة, إلى تحليل رواية, إلى أبيات شعر جميل, إلى دراسة تحليلة حول حدث تاريخي, إلى رسوم جميلة, هذا التنوع الثقافي يجعل من القارئ متفتح الذهن, كمن يسير في حديقة متنوعة الورود, والربيع الأخضر, أما مجلة كلية الشريعة فذات موضوعات محددة, كلها يدور حول الدراسات الدينية, وذات نزعة تبريرية لإثبات أن كل ما هو مكتوب صحيح, دع عنك انعدام الخيال الإنساني اللازم للعقلية الإنسانية.
صحيح أن المجلة ذات طابع متخصص, لكنها تخلو من العنصر الثقافي.
من هذا الجانب, التنوع الثقافي, تجد أن كتاب »الإمتاع والمؤانسة« لأبي حيان التوحيدي, أفضل من كتب الفقه المكررة في موضوعاتها, والتي لا تضيف جديداً للفكر الإنساني, ولا تمثل رصيداً للثقافة البشرية, ويكفي أن تقرأ كتابا واحدا فيها, في حين أن كتاب »الحيوان«, والبيان والتبيين, للجاحظ أيضا, لا يمكن أن تمل من قراءته لثرائه الفكري. وهذا على سبيل المثال لا الحصر.
وأما الروايات فهو أمر لا سبيل للمسلمين إليه بسبب انعدام مناخ الحرية. فالرواية تعتمد على الخيال الخصب, والتنوع الحياتي, وحرية التعبير من دون قيود, وهذا ما لا يملكه المسلمون, فضلاً عن أن الرواية غربية في أصلها وفصلها, كما هو حال الشعر النثري.
خلاصة القول إن الثقافة الحقيقية لا توجد إلا في الكتب ذات الطابع الفكري, وهي أكثر ثراء في الفكر الغربي منها في الفكر العربي والإسلامي بشكل عام . ويكفي أن تقرأ كتاب »قصة الحضارة«, للمفكر وول ديورانت, وتقارنه بتاريخ الطبري غير الموثق تاريخياً, لتعرف الفرق بين العقلية الغربية, والعقلية العربية, وبالتالي تصدق المثل الكويتي, »يخلق ويفرق«.

* كاتب كويتي

awtaad@yahoo.com