المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عصر التنوير الأوروبي



yasmeen
02-07-2006, 08:11 AM
"مدخل إلى التنوير الأوروبي" كتاب صدر في بيروت عن "دار الطليعة" للكاتب هاشم صالح الذي يعقد مقارنة بين الصراع بين العقلانيين والأصوليين في أوروبا إبان العصور الوسطى، مع الصراع الدائر حالياً بين المثقفين التحديثيين والأصوليين الإسلامويين في كل أنحاء العالم العربي والإسلامي، إذ أن أزمة الوعي الإسلامي مع نفسه ومع الحداثة الفكرية والفلسفية لا تختلف في شيء عن أزمة الوعي المسيحي الأوروبي مع ذاته ومع الحداثة نفسها قبل ثلاثة قرون.

كان ديكارت أول من استخدم مصطلح التنوير في القرن السابع عشر بالمعنى الحديث، إلا أن مصطلح التنوير لم يتخذ شكل المشروع الفكري والنضالي الذي يريد تخليص البشرية من ظلمات القرون الوسطى إلا في القرن الثامن عشر، عندما "احتدمت المعركة بين التنويريين والمتدينين في النصف الثاني منه. فقد رأى التنويريون أن تجديد الإيمان وتنظيف الدين من الشوائب هو الشرط المسبق لتجديد المجتمع ككل، ما وضعهم في مواجهة الإرهاب الأصولي وفتاوى التكفير، في شكل يمكن أن نستلهمه في ظروفنا العربية الراهنة" كما عرضت للكتاب صحيفة "الحياة" اللندنية.

يأخذ صالح من معاناة سبينوزا وفولتير نموذجاً للصراع بين فكر التنوير والعقل الأصولي الاستبدادي. فسبينوزا تواطأ رجال الدين اليهود والمسيحيين على طرده ونبذه، ولُعن وكُفّر ونُعت بالملحد والزنديق، وحُرم من حقه في الإرث العائلي، مع أنه كان مؤمناً بالله، فقيراً، متقشفاً، عفيفاً، وكل ذلك لأنه أراد تحديد العلاقات بين رجال الدين ورجال السياسة، ودافع عن حرية الفكر رافضاً اختزال الدين إلى طقوس وشعائر شكلانية، إضافة إلى أنه أراد تقديم تفسير عقلاني للوحي في مواجهة التفسير الأصولي الظلامي.

أما فولتير فقد عرّض نفسه للمخاطر والأحقاد واضطر إلى الفرار طلباً للنجاة، لأنه دافع عن قضايا الحق والعدل، ودعا إلى فهم جديد للدين مخالف للفهم الانغلاقي والأصولي، فَهْمٍ يقوم على الحرية والتسامح والعمل الصالح ومحبة الآخر وخدمة المجتمع، وشمول العناية الإلهية جميع الصالحين من البشر، لا على الخوف والنبذ والتعصب والتكفير. وقد التزم فولتير في كل مؤلفاته بالدفاع عن كل المضطهدين لسبب عقائدي أو فكري، مدشناً أسلوبا جديداً للمثقف في تعامله مع إشكاليات عصره، حتى أن نيتشه وصفه بـ "أحد كبار محرري الروح البشرية".