سلسبيل
02-04-2006, 12:52 AM
غالب حسن الشابندر - الحلقة الأولى
البيت الحرام ودم الحسين
ترك الحسين عليه السلام مكّة إلى الكوفة رغم أنّ (أهلها يختلفون إليه ويأتونه، من بتا من المعتمرين وأهل الأفاق) ــ 1 الكامل 3 / 381 ــ ويعلّل بعضهم هذا بأسباب تتواصل مع السماء وأدبيات الغيب الديني ومستحقات المكان المُقدّس، فيما التعليل في تصوري ــ كما سيأتي ـــ يخفي نوايا تتواصل مع نيِّة الانتصار لأمر عقيدي مبيَّت في ضمائر حرّى لتسخين الموقف بالعاطفة والحب والقدسية، وتشييعه بدهشة التطابق بين الماضي والمستقبل...
لماذا ترك الإمام الحسين عليه السلام مكّة إلى الكوفة؟
لا أثر لمكاتبات أهل الكوفة هنا!
يجب أن يغيب الحس ويحلّ محله الغيب!
يروي الطبري أن ابن الزبير كان قد اقترح على الحسين أن يقوم في المسجد الحرام بمكة ويجمع الناس إليه، فأجابه الحسين (والله لئن أُقتل خارجاً منها ــ أي مكّة ــ شبر أحبُّ إليّ من أن أُقتل داخلاً منها بشبر)2 ــ3 / 295 ــ وفي جوابه لعبد الله بن مطيع (لئن أُقتل بمكان كذا وكذا أحبُّ إليَّ من أن تستحل في مكّة)3 ـ تاريخ ابن عساكر 4 / 332، وفي رواية ابن قوليه الشيعي (لئن أُقتل على تل أعفر أحب إليّ من أن أقتل بتا)4 ـ كامل الزيارات 72، وفي رواية (لئن أُقتل في شط الفرات أحبُّ إليَّ من أدفن في بفناء الكعبة)5 ـ أيضا 73 ــ وفيه أيضاً (ولئن أقتل في بألطف أحب إليّ! من أُقتل في الحرم)6 ــ أيضا 73 ــ وفي رواية ابن عباس (... يا أخي قد خفت يغتالني يزيد في الحرم فأكون الذي يُستباح بت حرمة هذا البيت)7 ــ اللهوف على قتل الطفوف ص 27 ــوسوف نناقش سند هذه الرواية فيما بعد.
الخوف على حرمة الحرم وقدسيته 8ـ مع الحسين في نهضته ص 73 ــ هذا هو الجواب إذن، وفي الحقيقة من الصعب الإذعان لمثل هذا الجواب، فإنّ الحسين عليه السلام لو ترك مكّة لهذا السبب فلماذا تأخّر لأكثر من ثلاثة أشهر في مكّة؟! خاصّة وهو المطلوب للبيعة، وقد شدّد يزيد على الوليد بضرورة أخذ البيعة منه، ومروان بن الحكم كان قد أقترح على الوليد قتله في الحال عندما راح يتعلّل بالتأخير! ثمّ إذا كان خروجه لهذا السبب لماذا اختار الكوفة؟ لماذا لم يهرب إلى اليمن مثلا؟ وإذا صحّت هذه الرواية فربما هي محاولة من الحسين لإخفاء السبب الحقيقي، ألا وهو الوفاء بما كتب إلى الكوفيين، وهو الأمر الذي لم يحبّذه أليه كثير من رجالات مكّة والمدينة، ومن الواضح جداً النبرة الغيبية في رواية ابن قوليه وابن طاووس، فإنّ الجواب قد ضُمِّنَ استشراف الغيب، حيث أن الحسين قتل فعلاً على شاطئ ا لفرات وفي الطف، الأمر الذي يدعو إلى التوقف عند هذه النبؤة، ومن السهولة أن نلاحظ التصعيد الروحي والغيبي في المضمون من رواية الطبري إلى رواية ابن قوليه وابن طاووس.
هناك سبب أعمق وأهم، فإنَّ أهل مكّة رغم احتفائهم بالحسين، لم يكونوا على درجة عالية من الاستعداد الثوري كما يقول المعاصرون، ومعارضتهم كانت ذات طابع وجاهي، كما أنّها في المدينة كانت تنطلق من مركزيّة اجتماعية، لا تحمل صفة الجذريّة والقوّة والحيوية، والحسين قرّر المضي للكوفة بمجرّد أن وافاه مسلم باستعداد أهلها، وإلاّ فإنّ شخصاً كالحسين لا يبالي أن تحترق الكعبة برمِّتها في سبيل حركة إنسانية نيِّرة يكون هو فارسها وبطلها، أن تلكم الروايات تثير الشك بشكل وآخر.
في الحقيقة أنّ هذه الرواية، أي كون الحسين عليه السلام خرج من مكّة حفاظاً على شرف الحرم من الاستباحة والدم المراق تهمل كل ما يمكن إن تعنيه كتب الكوفة إليه، وكل ما تعنيه جوابا ته إليهم، وتلغي تماماً كل خطواته الضخمة بإ رسال مسلم بن عقيل إلى الكوفة من أجل دراسة الوضع هناك.
الرواية في أوج دلالتها هي التي وردت في الطبري (عن أبي مخنف، عن أبي سعد العقيصي، عن بعض أصحابه، قال: سمعتُ الحسين بن علي وهو بمكّة...)، وفي مثل هذه المضامين بل في كل مضمون تاريخي يجب معرفةالسند جيدا، كي تكون الصورة المُستفادة دقيقة ومتينة، ونحن لا نعرف من أين أخذ العقيصي خبره هذا!
الرواية نقرأها في الطبري بصيغة أخرى، فعن عبد الله بن سليم ألأسدي والمذري بن ا لمشمعل ألأسدي أن الحسين قال في جوابه على اقتراح ابن الزبير (أنّ أبي حدّثني أن بتا كبشاً يستحل حرمتها، فما أحب أن أكون ذلك الكبش).
الواضح أنّ الرواية تخفي غمزاً بابن الزبير... هي رواية متأخرة حتما.
أنّ مثل هذه الرواية حيث تتفاوت في الكثير من المضامين، وتختلط في داخلها وتائر الغيب والكرامات والغمز الخفي لا يمكن ألاعتماد عليها في تحقيق إنجاز تاريخي متين.
يتبع
البيت الحرام ودم الحسين
ترك الحسين عليه السلام مكّة إلى الكوفة رغم أنّ (أهلها يختلفون إليه ويأتونه، من بتا من المعتمرين وأهل الأفاق) ــ 1 الكامل 3 / 381 ــ ويعلّل بعضهم هذا بأسباب تتواصل مع السماء وأدبيات الغيب الديني ومستحقات المكان المُقدّس، فيما التعليل في تصوري ــ كما سيأتي ـــ يخفي نوايا تتواصل مع نيِّة الانتصار لأمر عقيدي مبيَّت في ضمائر حرّى لتسخين الموقف بالعاطفة والحب والقدسية، وتشييعه بدهشة التطابق بين الماضي والمستقبل...
لماذا ترك الإمام الحسين عليه السلام مكّة إلى الكوفة؟
لا أثر لمكاتبات أهل الكوفة هنا!
يجب أن يغيب الحس ويحلّ محله الغيب!
يروي الطبري أن ابن الزبير كان قد اقترح على الحسين أن يقوم في المسجد الحرام بمكة ويجمع الناس إليه، فأجابه الحسين (والله لئن أُقتل خارجاً منها ــ أي مكّة ــ شبر أحبُّ إليّ من أن أُقتل داخلاً منها بشبر)2 ــ3 / 295 ــ وفي جوابه لعبد الله بن مطيع (لئن أُقتل بمكان كذا وكذا أحبُّ إليَّ من أن تستحل في مكّة)3 ـ تاريخ ابن عساكر 4 / 332، وفي رواية ابن قوليه الشيعي (لئن أُقتل على تل أعفر أحب إليّ من أن أقتل بتا)4 ـ كامل الزيارات 72، وفي رواية (لئن أُقتل في شط الفرات أحبُّ إليَّ من أدفن في بفناء الكعبة)5 ـ أيضا 73 ــ وفيه أيضاً (ولئن أقتل في بألطف أحب إليّ! من أُقتل في الحرم)6 ــ أيضا 73 ــ وفي رواية ابن عباس (... يا أخي قد خفت يغتالني يزيد في الحرم فأكون الذي يُستباح بت حرمة هذا البيت)7 ــ اللهوف على قتل الطفوف ص 27 ــوسوف نناقش سند هذه الرواية فيما بعد.
الخوف على حرمة الحرم وقدسيته 8ـ مع الحسين في نهضته ص 73 ــ هذا هو الجواب إذن، وفي الحقيقة من الصعب الإذعان لمثل هذا الجواب، فإنّ الحسين عليه السلام لو ترك مكّة لهذا السبب فلماذا تأخّر لأكثر من ثلاثة أشهر في مكّة؟! خاصّة وهو المطلوب للبيعة، وقد شدّد يزيد على الوليد بضرورة أخذ البيعة منه، ومروان بن الحكم كان قد أقترح على الوليد قتله في الحال عندما راح يتعلّل بالتأخير! ثمّ إذا كان خروجه لهذا السبب لماذا اختار الكوفة؟ لماذا لم يهرب إلى اليمن مثلا؟ وإذا صحّت هذه الرواية فربما هي محاولة من الحسين لإخفاء السبب الحقيقي، ألا وهو الوفاء بما كتب إلى الكوفيين، وهو الأمر الذي لم يحبّذه أليه كثير من رجالات مكّة والمدينة، ومن الواضح جداً النبرة الغيبية في رواية ابن قوليه وابن طاووس، فإنّ الجواب قد ضُمِّنَ استشراف الغيب، حيث أن الحسين قتل فعلاً على شاطئ ا لفرات وفي الطف، الأمر الذي يدعو إلى التوقف عند هذه النبؤة، ومن السهولة أن نلاحظ التصعيد الروحي والغيبي في المضمون من رواية الطبري إلى رواية ابن قوليه وابن طاووس.
هناك سبب أعمق وأهم، فإنَّ أهل مكّة رغم احتفائهم بالحسين، لم يكونوا على درجة عالية من الاستعداد الثوري كما يقول المعاصرون، ومعارضتهم كانت ذات طابع وجاهي، كما أنّها في المدينة كانت تنطلق من مركزيّة اجتماعية، لا تحمل صفة الجذريّة والقوّة والحيوية، والحسين قرّر المضي للكوفة بمجرّد أن وافاه مسلم باستعداد أهلها، وإلاّ فإنّ شخصاً كالحسين لا يبالي أن تحترق الكعبة برمِّتها في سبيل حركة إنسانية نيِّرة يكون هو فارسها وبطلها، أن تلكم الروايات تثير الشك بشكل وآخر.
في الحقيقة أنّ هذه الرواية، أي كون الحسين عليه السلام خرج من مكّة حفاظاً على شرف الحرم من الاستباحة والدم المراق تهمل كل ما يمكن إن تعنيه كتب الكوفة إليه، وكل ما تعنيه جوابا ته إليهم، وتلغي تماماً كل خطواته الضخمة بإ رسال مسلم بن عقيل إلى الكوفة من أجل دراسة الوضع هناك.
الرواية في أوج دلالتها هي التي وردت في الطبري (عن أبي مخنف، عن أبي سعد العقيصي، عن بعض أصحابه، قال: سمعتُ الحسين بن علي وهو بمكّة...)، وفي مثل هذه المضامين بل في كل مضمون تاريخي يجب معرفةالسند جيدا، كي تكون الصورة المُستفادة دقيقة ومتينة، ونحن لا نعرف من أين أخذ العقيصي خبره هذا!
الرواية نقرأها في الطبري بصيغة أخرى، فعن عبد الله بن سليم ألأسدي والمذري بن ا لمشمعل ألأسدي أن الحسين قال في جوابه على اقتراح ابن الزبير (أنّ أبي حدّثني أن بتا كبشاً يستحل حرمتها، فما أحب أن أكون ذلك الكبش).
الواضح أنّ الرواية تخفي غمزاً بابن الزبير... هي رواية متأخرة حتما.
أنّ مثل هذه الرواية حيث تتفاوت في الكثير من المضامين، وتختلط في داخلها وتائر الغيب والكرامات والغمز الخفي لا يمكن ألاعتماد عليها في تحقيق إنجاز تاريخي متين.
يتبع