المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : امرأة تواصل البحث عن المظلومين لتنتشلهم من قاع المأساة



زهير
02-03-2006, 03:30 PM
ليلى العثمان في مجموعتها «ليلة القهر»


دمشق: فيصل خرتش

في مجموعة ليلى العثمان الجديدة «ليلة القهر» تحظى قصة «تلك الساق» بشرف الريادة على بقية القصص. من خلال الساق تبرز عدة قضايا اجتماعية، لم ترغب الكاتبة بظهورها، لكنها برزت رغم محاولات طمسها... العمال الأجانب، الشرطة وما سيؤول الأمر إليه إن أخذتها إليهم...وجوه المارة... عقوبة الساق ستكون الإعدام... إلى ما هنالك من قضايا لم تشعر الكاتبة أن الوقوف عندها يستحق الذكر. تسمع الراوية حركة صادرة من قلب الخزانة، وتخرج ضاوية رشيقة تسير باتجاه الزاوية ساق ملساء وردية، لا تجاعيد ولا زوائد، الركبة مستديرة متسقة مع تكويرة الفخذ، بدت امرأة ناعمة خرجت للتو من تحت الدولاب. أي عذاب ذلك الذي يصور امرأة مع ساق، هل هي نتيجة اعتداء أحد المجرمين؟ هل هي ثأر أب أو أخ؟ أم هي جريمة وقعت غسلاً للعار؟ ربما تكون لزوج عقيم عجوز يشك في أنها خائنة فانتقم منها؟ أسئلة كثيرة من دون إجابات.

في قصتها «النعيق» تناولت ليلى العثمان البعد الاجتماعي بشكل حاد وساخر. فتشت الراوية عن شيء يناسبها، فلم تجد سوى البومة التي زينتها مرتين، كي تفوز بلقب ملكة الجمال، ولكنها فشلت، وفي المرة الثالثة تختارها لفعل السحر الذي آمنت به. لكن المزارع يكتشف اللعبة وينبّه إلى أن العمل من فعل فاعل، فينفضح أمرها، وفي النهاية تهجم البومة على شعرها ووجها ويديها تقطعها بمنقارها الحاد ... ولم تكتف حتى خرت صاحبتها صريعة الألم والمفاجأة، وهربت البومة تفتش عن صاحبها القديم.

تتكامل الصور في قصة « كوريتاج» لتنسج مأساة امرأة، تَحَالف الحظ والزوج السيئ وأمور المشفى على تعاستها... تجري عملية تنظيف بدون تخدير، الآلام المبرحة وشراهة الزوج تجعل العملية أمراً ممكناً، ولكن بشروط قاسية... لا ترحم. إنها حالة إنسانية نادرة تصورها ليلى العثمان، وتقود العملية ببراعة.

في قصة «لعبة خدوجة»، نفهم ان خدوجة التي تزوجت من العجوز لم يغرها مال أو جاه. كانت بحاجة إلى أن تكون قرب نايف. ويوم القت بنفسها في أحضان اسعيد وحبلت، كان أيضاً بسبب وجود نايف. وبعد فترة، مات العجوز وضمها نايف إلى نسائه. وها هي تفلت الطفل من عقاله، لقد كان عبداً. وها هو اسعيد يصرخ: «ولدي، ويفر نايف من أمامه ثم يعود حاملاً سكينه اللامعة... وفي ومضة عين أحسست بنحر السكين يغتال عنقك وبكاء الطفل يتلاشى حيث لا تدرين أين يستقر». قصة فتاة ساذجة، ظنت بحلولها الغبية أنها تفتح عين الحياة، ولكن ها هو الزوج يضيع والابن يضيع والحياة، أثمن شيء، هي الأخرى تضيع.

في لحظة رومانسية، بين الأم وابنتها، تجري القصة التالية: فعند مسيل ماء، تلعب البطات وزينب تطعمها، عندما يأتي ذكر البط، يهرب منه الجميع. تتمنى زينب أن تكون ملكة تطعم الفقراء وترعى شؤونهم، لكن أمها تقول لها: «بريئة أنت يا زينب! الرجال كلهم، في نظر أنفسهم، ملوك، بعضهم أكثر هشاشة من قشة، لكنه في البيت، يأمر الزوجة المقهورة أن تغسل حشفا قديمة!». القمع أزلي وسيستمر إلى ما لا نهاية، في قصة «ملك البط».

يلملم الليل خطاياه فتنتشر رياحه على كل مكان... وهذا ما نجده في قصة «وعدها الأخير»، إذ ان الأنثى سمحت لنفسها أن تكون تابعة للرجل/ الحبيب، الذي يغير لها ألوانها وتسريحه شعرها وثيابها، في لحظة هي من أصدق لحظاتها، فتوافقه على كل ذلك، وتأتيه كما يجب أن تكون ـ إنها المرأة ـ المدهشة. وفي قصة «الصفعات» نجد القدر قد اختار للفتاة أباً يمارس مهنة الضرب، ويشبهها بأمها التي ماتت هرباً منه، فتمسك بصورته وتنهال عليه صفعاً، وتصبح تلك عادتها، كلما عرفت أن الصورة وحيدة.

بنت صغيرة أمام أب متسلط، محروم من الإحساس بالدفء والحنان، يعكس ذلك على ابنته التي تنتقم من الصورة، كلما غاب أحد عن البيت.

القصة التي حملت المجموعة عنوانها «ليلة القهر» هي عن امرأة تعمل في مغاسل المطار، تحلم بأن تملك زجاجة عطر، وفي المغاسل تأتيها النساء مسرعات ويرحلن مسرعات. يفرغن ما في أحشائهن ثم يقفن أمام المرآة للتبرج. وهي كانت تشتهي زجاجة عطر كي تصبه على كل جسدها وشعرها. الراوية تعطيها زجاجة العطر فتذهب إلى المنزل وترشه على كل ثيابها. الزوج يشعر بالرائحة المصبوبة على ثياب متسخة وشعر لم يغسل ويقول لها: «رائحتك الليلة كريهة لا أطيقها، قومي اغتسلي». شعرت بكل جسدها يهوي إلى جب عميق، تفوح منه روائح حمامات غير مهجورة، تسللتها الرائحة من أخمص قدميها إلى كل الجسد...». ليلى العثمان تلتقط الهامشي وتفتش في قاع المجتمع عما يصلح أن يكون قصة، لا لشيء إلا لأنها تبرع كثيراً حين تقلب الظلم على ظالميه... فنراها مع المرأة أينما وقع الظلم عليها.