المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سلاح «حزب الله».. الضمانة والاحتكار



زهير
02-03-2006, 03:26 PM
فرض نفسه على الساحة السياسية اللبنانية منذ الثمانينات.. والآن يحتدم الجدل حول جدواه


بيروت: ثائر عباس


منذ أن حقق «حزب الله» اللبناني إنجازه الأكبر، بانسحاب إسرائيل عام 2000 من الأراضي اللبنانية، وللمرة الأولى من أرض عربية بدون معاهدة سلام، طرح موضوع «سلاح حزب الله» على طاولة المفاوضات اللبنانية والإقليمية والدولية. لكن هذا الموضوع ما لبث أن سحب من التداول نتيجة الالتفاف الرسمي حول «سلاح المقاومة» لتحرير ما تبقى من أرض لبنانية في «مزارع شبعا» و«تلال كفرشوبا»، واستعادة الأسرى والمعتقلين.

وبعد الانسحاب السوري من لبنان عام 2005، عاد موضوع سلاح الحزب الى الواجهة، كونه البند الثاني على جدول الأعمال الدولي المتمثل بالقرار الدولي 1559 بعد الانسحاب السوري. وطرح هذه المرة بقوة من جانب المعارضة السابقة التي أصبحت في السلطة شريكة للحزب في الحكومة التي دخلها لأول مرة سعيا لحماية سلاحه. ويثير موضوع سلاح «حزب الله» خلافات كثيرة بين مختلف القوى السياسية فى لبنان الآن، وما من يوم يمر إلا ويتجدد النقاش بين المؤيدين والمعارضين. فمن هم المؤيدون، ومن هم المعارضون؟ ولماذا تختلف توجهاتهم حول مسألة سلاح «حزب الله؟».

يتمسك «حزب الله» بشدة بسلاحه الذي يعتبره «عرضه» كما قال أمينه العام السيد حسن نصر الله اخيراً. فالحزب يرى في سلاحه «ضمانة» للبنان في مواجهة التهديد الإسرائيلي القائم. فيما تبدو أزمة الثقة جلية بين الأطراف السياسية اللبنانية حول هذا الموضوع، لأن الحزب يتخوف من «أجندة» غير لبنانية وراء مطالبة البعض بنزع سلاحه، مشترطا ايراد عبارة «المقاومة ليست ميليشيا» كشرط أساسي لعودة الوزراء الشيعة المقاطعين الى الحكومة اللبنانية. فيما لا يبدو أن بقية الأطراف راضية بـ«احتكار» الحزب لقرار السلم والحرب. وفيما يتفق الجميع على أن الحوار هو السبيل الوحيد لنزع هذا السلاح فان «العقدة» تكمن في تفاصيل هذا الحوار الذي لم يبدأ فعليا، ويكتفي الداعون إليه بحوارات عبر الإعلام تزيد الموقف تأزماً.

ويقول رئيس كتلة نواب الحزب، محمد رعد، لـ«الشرق الأوسط» انه «لا توجد مطالبة محلية لبنانية بنزع سلاح حزب الله، بل هناك مطلب إسرائيلي تبنته الإدارة الاميركية وسوقته عبر مجلس الأمن الدولي بشكل يخرق القانون الدولي من اجل تحقيق مصالح أمنية وسياسية للكيان الصهيوني». ويرى رعد أن «غالبية الشعب اللبناني هي مع استمرار المقاومة لأنها تجد فيها الخيار الوحيد الذي يوفر الحماية للبنانيين ولبلدهم من التهديدات الإسرائيلية والغدر الصهيوني»، معتبرا أن الذين يطالبون باستبدال هذه الحماية باتفاقية الهدنة (كما دعا النائب وليد جنبلاط) أو القرارات التي تصدرها الولايات المتحدة عبر المؤسسات الدولية «إنما يغامرون بأمن المجتمع اللبناني ويفتحون المجال واسعا أمام استباحة إسرائيل للبنان لأن كل ما ارتكبته إسرائيل من اعتداءات بحق لبنان، جاء بعد اتفاقية الهدنة ورغم القرارات الدولية، الأمر الذي يجعل الرهان على هذه المسائل لحماية اللبنانيين سرابا ووهما ليس إلا». وعما إذا كان الحزب يقبل بالدخول في إطار الأجهزة العسكرية اللبنانية، قال رعد «إذا كان المقصود مبدأ أن يكون للمقاومة دور في حماية لبنان، فهذا أمر مقبول. لكننا لسنا ملزمين بأي تفصيل يطرح الآن. الأمر خاضع للنقاش في الرؤية على طاولة يدور حولها حوار". واعتبر ان "الدولة هي المسؤولة عن مباشرة هذا الحوار وتهيئة المناخات المؤاتية لإنجاحه، لكن للأسف الدولة معنية اليوم بتقديم شهادة حسن سلوك للأوصياء الدوليين». وحول الوقت المناسب الذي يقبل فيه الحزب بنزع سلاحه، يقول رعد بحزم «عندما يصبح لبنان مطمئنا الى أن الإسرائليين لن يمارسوا أي غدر أو اعتداء ضد اللبنانيين».

وفي المقابل، يبدو رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط حاملا لواء «تنظيم سلاح المقاومة» فهو لا يتوانى في كل مواقفه الأخيرة عن التصريح والتلميح الى هذا السلاح. ويقول جنبلاط لـ«الشرق الأوسط»: «لقد أدى سلاح حزب الله واجباته مشكورا، لكن هذا السلاح يجب أن ينتظم الآن وألا يبقى أمره بيد فريق دون سواه». وعن نظرته الى قضية السلاح يضيف «هناك اتفاقية الهدنة، فلنعد اليها وهناك اتفاق الطائف الذي ينص صراحة على نزع السلاح وحصره بيد القوى الشرعية اللبنانية»، معتبرا أن ترسيم الحدود في مزارع شبعا هو أمر ضروري لتبيان وضعها القانوني. مستغربا رفض سورية الترسيم وقول الرئيس السوري انه مطلب إسرائيلي مبديا مخاوفه من «محاولات ربط الموضوع بمحور إقليمي سوري ـ إيراني».

أما تيار الرئيس الراحل رفيق الحريري فيعتبر أن النائب سعد الحريري حصل على فترة سماح دولية من واشنطن. ويقول منسق «تيار المستقبل» في عكار، الوزير أحمد فتفت، لـ«الشرق الأوسط» إن موقف التيار يتمثل في انه «ما دامت هناك أراض لبنانية محتلة، فالمقاومة مشروعة. ولتكريس المقاومة وقانونيتها يجب أن نثبت أن لدينا اراضي محتلة»، في إشارة الى ضرورة ترسيم الحدود مع سورية في مزارع شبعا. وأكد فتفت الاقتناع بأن«سلاح المقاومة هو لتحرير الأرض وإطلاق الأسرى»، مشيرا الى أن الموضوع المثار حول سلاح الحزب لا يمكن أن يقرر إلا على طاولة حوار، وأن موقع هذا الحوار هو مجلس النواب والحكومة رغم أن الموقع الأخير معطل نتيجة مقاطعة وزراء «حزب الله» و«أمل».

ويرى فتفت أن «المشكلة الحقيقية هي في المواقف المسبقة وكأن المطلوب الوصول الى نتيجة قبل بدء الحوار». في إشارة الى مطالبة «حزب الله» و«حركة أمل» بتبني الحكومة عبارة «المقاومة ليست ميليشيا»، منتقدا المواقف الأخيرة للنائب رعد عن رفض نزع السلاح حتى «الاطمئنان»، قائلا «هذا لا يستطيع أن يقوله حزب الله وحده، بل كل الشعب لأنه قرار سلم وحرب وتوازنات استراتيجية». ويحتفظ تيار العماد ميشال عون بموقف متميز من موضوع سلاح «حزب الله» الذي عبر عنه عون نفسه بالقول: مصير هذا السلاح يجب ان يناقش بعيدا عن الضغوط الدولية. ويلخص عضو كتلة عون، النائب إبراهيم كنعان، موقف الكتلة والتيار بالقول «إن مصير هذا السلاح تسليمه الى الدولة اللبنانية في نهاية المطاف»، مشيرا الى أن آلية الوصول الى هذا الأمر تحتاج الى معالجة مسألتين، الأولى تتعلق بربط السلاح بتحرير الأرض المحتلة، والثانية تتعلق بمدى احترام أي حل للواقع الدستوري اللبناني ومقتضيات القانون الدولي. وهذا يحتاج الى اتفاق اللبنانيين حوله.

ويتطرق كنعان الى موضوع مزارع شبعا «التي تحتاج بالتأكيد الى متابعة خاصة لجهة ترسيم الحدود وتوثيق حق لبنان دوليا»، معتبرا أن هذا من مسؤولية الدولة اللبنانية. ويخلص الى أن «السلاح هو وسيلة، والهدف هو تحرير الأرض وحماية لبنان، وفي هذا الإطار يبقى للبنانيين وبحسب الدستور أن يتفقوا على تحديد الموقف من هذه المسألة».

لكن ما هي امكانيات نزع حزب الله لسلاحه؟ يستبعد الباحث الدكتور طلال عتريسي امكانية تخلي «حزب الله» عن سلاحه في المدى المنظور، معتبرا انه «ليست هناك اية نية توافقية حول مستقبل هذا السلاح بعد». ويرى عتريسي ان القرار 1559 يحمل نقطة ضعف اساسية، وهي عدم وجود الادوات لتنفيذ الشق الثاني منه، المتعلق بنزع السلاح. وقال لـ«الشرق الأوسط»، «لو كانت هناك ادوات فعلية لنزع السلاح لكانت استخدمت خاصة بعد التطورات الاخيرة (...)، وطالما الا احد يستطيع ان يتحمل هذه المهمة داخليا او خارجيا، يستطيع حزب الله ان يتمسك بسلاحه». مبديا اعتقاده بان الحزب «لن يسمح ببساطة بسحب سلاحه، اذا كانت المسألة هي مسألة كسر ارادات او محاولة لنقل لبنان من موقع الى آخر»، مشيرا الى ان الحزب «يمكن ان يقاتل دفاعا عن هذا السلاح». لكن عتريسي يرى ان «قوة حزب الله ليست فقط في السلاح الذي يحمله، بل بقدرته الشعبية والتنظيمية» قائلا: «البعض يلتبس عليه الامر فيظن ان الحزب سيصبح قوة ضعيفة، لكن حقيقة الامر هي ان المطالبة بنزع سلاحه هي لعزله عن الصراع العربي ـ الاسرائيلي».