المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سر تفوق الغرب في ثقافته



موالى
02-03-2006, 09:56 AM
صبحي درويش



انفردت الثقافة الغربية بالفكر الفلسفي الذي حرر الإنسان الغربي من الخنوع والسلبية وأطلق فكره من التقييد وشجعه على حرية التفكير والتعبير وأرشده إلى توزيع السلطات حتى لا تنفرد سلطة واحدة بتطويع عقل الإنسان وبرمجته وإسكاته و هو الذي مكنه من التقدم والازدهار و هو العامل الحاسم في ثقافة الغرب وسر تفوقه، فالفلسفة كانت ومازالت أم العلوم في الغرب، وكما يرى المفكر (إبراهيم البليهي) فان الباحثين العلميين ليسوا أكثر من جنود جادين ومدربين ومنضبطين في الجيش الفلسفي العريق في الحضارة الغربية فكل فريق يهتم بالتحقق والتوسع في مجال من مجالات المعرفة ويخرج به من مرحلة التأمل العميق والتفكير النظري الخالص إلى مرحلة التحقق عن طريق الاستقراء والتجريب والاختبار فالجهد العلمي لا يبدأ إلا حيث تنتهي الفلسفة وهو لا يستطيع أن يواصل الفتوحات إلا بها.يقول الفيلسوف الفرنسي (ديكارت): " الفلسفة هي وحدها التي تميزنا عن الأقوام وإن حضارة الأمة وثقافتها إنما تقاس بمقدار ما يشيع فيها التفلسف الصحيح لذلك فإن أجلَّ نعمة ينعم الله بها على بلد من البلاد هي أن يمنحه فلاسفة حقيقيين " و والفكر الفلسفي هو الذي صحح عند الناس طريقة التفكير وغرس فيهم حب الحقيقة وأسس الشغف بالمعرفة ودربهم على النظر الموضوعي وتعلم طريقة الشك المنهجي. أما نحن ف في كل أزماتنا ومشاكلنا نوجه الاتهام إلى العدو الخارجي ونبرئ ذواتنا ونلوم كل شيء إلا أنفسنا. ولكن الحقيقة هي أن مصائبنا بما كسبت أيدينا. والأمم الهزيلة هي التي تنبت الطواغيت. والمستنقع هو الذي يولد البعوض. والقابلية للاستعمار هي التي تأتي بالاستعمار. والدول تنهزم بتفككها الداخلي. وانهيار الحضارات يتم بعلة الانتحار.

إن ال مجتمعات المنغلقة لا تعرف ثقافة النقد ونقد النقد والنقد الذاتي وعقليتها نقلية وليست نقدية وفرق كبير بين العقليتين فنحن دائماً نزكي أنفسنا ونحيل مشاكلنا إلى الآخرين و الكل يبحث عن كبش فداء يعلل به أسباب القصور الذاتي ومن يقرأ كتابات كتابنا ت جدها تشيد بالعقلية الخوارقية ولا تفقه شيئا في العقلية السننية ولا مكان لثقافة سنن الآفاق والأنفس في حياتنا ونظن أن النص يغني عن الواقع وقد توقفنا عن الإنتاج المعرفي منذ قرون والعلاقة بين الثقافة والسياسة ملتبسة في المجتمعات المنغلقة فالسياسة تهيمن على الثقافة بينما في المجتمعات الديمقراطية تكون السياسة نتاج الثقافة وثمرة الفكر وبين الثقافة والفكر تفاعل مثمر.و سلطة العوام أحد منابع الجهل والظلم والتخلف. ويرى الفيلسوف الإيطالي غرامشي أن الثقافة هي التي تهيمن على مصائر الناس أكثر من الحكومات وهي تبرمج عقول الناس. و ثقافتنا تخضع لسيف الطغاة.. وحتى ننتقل من مرحلة الأشياء والأشخاص إلى عالم الأفكار فعلينا أن نقطع مسافة سنة ضوئية على حد تعبير الدكتور خالص جلبي. وينقل عن الإمام علي كرم الله وجهه قوله لا تعرفوا الحق بالرجال اعرفوا الحق تعرفوا أهله.

و مازلنا عاجزين حتى عن حُسن استخدام ما يبتكره الآخرون. وغفلنا غفلة مطبقة عن بناء إستراتيجية ناضجة ونزيهة مع صناع القرار في العالم ومع موجهي الرأي العام في المجتمعات الفاعلة ولا زلنا نجهل التعامل مع الحضارة المعاصرة ولم ندرك أنها حضارة استثنائية تختلف كليا عن الحضارات القديمة

هناك انفصام نكد بين أقوال وسلوكيات كتابنا لهذا ليست لهم مصداقية عند الناس ولا يستطيعون أن يلعبوا دورا كفلاسفة التنوير في أوربا في نهضة شعوبهم وان كل نهضة أوربا يعود الفضل فيها إلى مئة دماغ حسب الفيلسوف براندراسل ولن تكون نهضة للعلم في مجتمعات العالم الثالث إن لم تسبقها نهضة فكرية شاملة والتجربة الأوربية خير شاهد حي فالحضارة الغربية نتاج الفكر الفلسفي والعقل النقدي عنوانها.

ومن الخطأ الظن أن الحقوق تؤخذ ولا تعطى. إن الحق ليس هبة ولا هدية وإنما نتيجة حتمية للقيام بالواجب، والشعب لا ينشىء دستور حقوقه إلا إذا عدل وضعه الاجتماعي المرتبط بسلوكه النفسي كما يقول مالك بن نبي. دبجت مقالات كثيرة وظهرت دراسات شتى وكتبت مئات الكتب عن الفقر والبؤس والاستعمار والجهل والفساد الاقتصادي والتخبط السياسي والاستبداد في البلاد وكل هذا ليس فيه تحليل منهجي للمرض والواقع هي تعرضت للأعراض المرضية فاختلفت الآراء وتضاربت فالبعض يعزو التخلف والوضع المزري الراهن لأسباب سياسية وآخرون يرون أن المشكلة في انحراف الناس عن الدين والقيم الأخلاقية و فريق ثالث يعزو التخلف إلى الاستعمار و هكذا لم ننجح في التشخيص لأننا نتحدث عن أعراض المرض وليس عن حقيقة المرض و عندما نخطأ في التشخيص نخطأ في وصف الدواء حتما.

وحسب الكواكبي أن الجماهير يتنازع قيادتها العلماء والطغاة. فمن جهل خاف. ومن خاف أصبح جاهزاً للاستبداد. ومن علم تحرر. والواقع أننا اليوم محاصرون في مثلث من المحرمات بين السياسة والدين والجنس فالمجتمعات قاصرة وقد أتقنت فن الخرس ودور الخضوع والانصياع إلى الأبد وحرام عليها أن تفكر وتعبر. ومن لا يغير نفسه يغيره التاريخ ولا يأبه. ومن يغفل عن سنن التاريخ فإن سنن التاريخ لا تغفل عنه. ومن لا يعرف التاريخ لا يوثق بعلمه.

وجدير بالتنويه إن سلسلة كتب مالك بن نبي تعالج مشكلات الحضارة والكسوف الحضاري الذي انتبه إليه ابن خلدون منذ عام 1408م واستطاع مالك بثقافته المنهجية إبراز مشكلات العالم المتخلف بوصفها مشكلة حضارة وبحث عن السنن والقوانين الكفيلة بتحول الشعوب من الكلالة والعجز إلى القدرة والفعالية ومشكلة التكديس إلى البناء والحق إلى الواجب وعالم الأشياء والأشخاص إلى عالم الأفكار وان مفاتيح الحل عندنا في تغيير النفوس لا عند الآخر وكتب داعية العلم والسلم الأستاذ جودت سعيد كتابه(حتى يغيروا ما بأنفسهم) وفي عام 1965م كتب (مذهب ابن آدم الأول) الذي يدعو فيه إلى تبني الطريقة السلامية في تغيير المجتمع والسلطة والتخلي عن العنف وسيلة للإقناع والتغيير وقدم الكتاب المفكر مالك بن نبي و قد طرح الأستاذ جودت سعيد في كتابه هذا فكرا سابقا لأوانه و دفعت إشكالية التخلف وأزمة العالم الإسلامي أيضا داعية اللاعنف خالص جلبي إلى أن يضع عنوانا لكتابه القيم (مخطط الانحدار وإعادة البناء) وفي عام 1982 نشر كتابه الرائع (ضرورة النقد الذاتي ) وهو من أجمل الكتب التأسيسية التي توقظ الوعي وتشحذ ملكة النقد وتبني معرفيا.ومن الكتب التأسيسية للفكر النقدي (المقدمة) لابن خلدون و(مقال في المنهج) لديكارت و(تحسين العقل) لسبينوزا وفي الفكر الديني نجد (تجديد الفكر الديني) للفيلسوف محمد إقبال و(المنقذ من الضلال) للغزالي و في الإيمان ( قصة الإيمان بين الفلسفة والعلم والقرآن ) لنديم الجسر. و في التاريخ كتاب (معالم تاريخ الإنسانية) لمؤلفه البريطاني ويلز، ثم ( قصة الحضارة ) لديورانت و كتاب (مختصر دراسة التاريخ) لتوينبي وكتاب (أفول الغرب ) لشبنجلر. وفي الثقافة الكردية المعاصرة نجد للكاتب الباحث الأستاذ إبراهيم محمود ( مدائح الكردي الشائنة ) و ( وعي الذات الكردية ) في حدود علم كاتب هذه السطور.

لقد آن الآوان أن نقف بجد وصدق على عيوب ذاتنا وان نحلل ثقافتنا ونبحث أسباب تخلفنا ونسلط الأضواء على جميع عيوبنا ونستفيد من تجارب الآخرين بعقلية المعاصرة وثقافة الإنسان العالمي و آ لية النقد الذاتي ونبذ العنف وان يكون البحث في الموضوع محورا رئيسيا لاهتمام الناس جميعا. ففي أعماق الإنسان تكمن عوامل إعاقته أو عوامل ازدهاره... إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم

صبحي درويش


soubhidarwish@hotmail.com

القمر الاول
06-28-2010, 03:47 PM
كلام صحيح
شكرا على النقل