المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشيخ المفيد



الفراتي
02-07-2003, 03:41 AM
الشيخ المفيد


كان القرن الرابع الهجري قرن ازدهار الحركة العلمية الإسلامية ،ففي عام 362هـ أنشأ المعز لدين الله الفاطمي الجامع الأزهر بالقاهرة. وفي عام 364هـ أنشأ عضد الدولة البويهي جامعة في بغداد، ويدخل سيف الدولة الحمداني عام 333هـ حلب وينشئ جامعة أُخرى. ففي مراحل قريبة من الزمن ازدهرت الحركة العلمية في بقاع مختلفة من العالم الإسلامي يوم ذاك، ومن هنا يعد القرن الرابع الهجري بالاجماع قرن انبعاث الحضارة الإسلامية، حضارة العلم والفكر، حضارة الكتاب والقلم والمدرسة.

وفي هذه الحركات العلمية نشأ شيخنا المفيد (قدس سره)، وقد كان المؤسس الأول لمدرسة أهل البيت عليهم السلام في ثوبه الجديد لأن فيما قبله لم كانت الجهود فردية وشخصية؛ فجاء الشيخ المفيد ووحد الصفوف وأبرز الفقه الإمامي في أحلى صوره.

اسمه وكنيته وألقابه

هو محمّد بن محمّد بن النعمان... بن سعيد بن جُبير، ثمّ يصل نسبه إلى يَعرُب بن قحطان.. كما ذكر النجاشيّ في ( رجاله ص 311 ). ويُكنّى بـ « أبي عبدالله » ويُعرف بابن المعلِّم.. هكذا قال الشيخ الطوسيّ في (الفهرست 157 ـ 158 ). وقد علّق الشيخ آغا بزرگ الطهرانيّ في كتابه ( النابس في أعلام القرن الخامس ص 186 ـ من سلسلة طبقات أعلام الشيعة ) بالقول: هو الشيخ السعيد، أبو عبدالله المفيد، الشهير في أوائل أمره بـ « ابن المعلّم »؛ لأن أباه كان معلّماً بواسط.

أمّا ألقابه.. فكان بعضها نسَبيّ، وبعضها سكَنيّ، وبعضها علميّ. فما اشتهر منها: العُكبُريّ، والبغداديّ، والحارثيّ. ولكنّ الشهرة العلّمية هي « المفيد »، قال الشيخ آغا بزرگ الطهرانيّ: لقّبه أُستاذه عليّ بن عيسى الرمّانيّ بـ « المفيد »، كما في كتاب (تنبيه الخواطر ونزهة الناظر) لورّام. لكنّ ابن شهرآشوب يرى أنّ الإمام الحجّة المهديّ عليه السّلام هو الذي لقّبه بهذا اللقب، كما جاء في رسائله الشريفة الثلاث التي كتبها عليه السّلام، هكذا ذكر يحيى بن البِطريق الحليّ، وكان نسخة عنوان الكتاب إليه: (للأخ السديد، والوليّ الرشيد، الشيخ المفيد..)(2).



مولده ونشأته:

روي أنه ولد سنة 336 هجرية، وقيل: سنة 338.

وقال الطهراني: ولادته بقرية تُدعى ( سويقة ابن البصري ) تتفرّع عن عُكبرى شمالي بغداد 11/ ذي القعدة، إمّا عام 338 هجرية ـ كما ذكر ابن النديم ( ص 197 من الفهرست ) ـ فيكون عمره 75 سنة، أو عام 336 هجرية ـ كما في رجال النجاشي ـ فيكون عمره 77 سنة(4).

كما روي إنّ الشيخ المفيد كان من أهل عُكبر، ثمّ انحدر ـ وهو صبي ـ مع أبيه إلى بغداد، واشتغل بالقراءة على الشيخ أبي عبدالله المعروف بـ « جُعَل ». وكان منزله في ( درب رياح ) ببغداد، وبعد ذلك اشتغل بالدرس عند أبي ياسر في باب خراسان من البلدة المذكورة .



نشأته ومقامه العلمي

محمد بن محمد بن النعمان البغدادي الملقب بأبي عبد الله (336 ـ 413هـ) ذكره تلميذه النجاشي في فهرسته حيث قال: «شيخنا وأستاذنا رضي الله عنه فضله أشهر من أن يوصف في الفقه والكلام والرواية والثقة والعلم»(1)، وذكره تلميذه الآخر وهو الشيخ الطوسي في فهرسته أيضاً وقال: «من جلّة متكلمي الإمامية؛ انتهت رئاسة الامامية في وقته إليه وكان مقدماً في العلم وصناعة الآلام؛ وكان فقيهاً متقدماً، فيه حسن الخاطر، دقيق الفطنة، حاضر الجواب...»(2)، وقال عنه ابن النديم في فهرسته: «دقيق الفطنة، ماضي الخاطر، شاهدته فرأيته بارعاً وله من الكتب...)(3)، وذكره أصحاب كتب التراجم والفهرستات بالإطراء والتبجيل من الموافق والمخالف، ومن طريف ما جاء في ترجمته قولهم: «كان المفيد من أحرص الناس على التعليم، وإن كان ليدور على المكاتب وحوانيت الحاكة؛ فيلمح الصبي الفطن، فيذهب إلى أبيه أو أمه حتى يستأجره، ثم يعلّمه وبذلك كثر تلامذته».

وقال عنه آخر: «عاش ستاً وسبعين سنة، وصنف أكثر من مائتي مصنف، وشيعه ثمانون ألفا،ً وكانت جنازته مشهورة»، وأكثر من ترجم له قال عنه: «صاحب التصانيف الكثيرة» والطابع العام على مؤلفاته علم الكلام؛ فيقرب ما صنّفه في الكلام تسعين كتاباً، وأكثرها حول الإمامة. ولعل الوقت الذي عاشه في بغداد ووجود المدارس العقائدية الكلامية المختلفة، جعلته يركز على هذا الجانب في تصانيفه، ومع ذلك صنف في علم التاريخ أربعة كتب أساسية في يومنا هذا وهي (الإرشاد، والجمل، والتواريخ الشرعية، والمعراج)، وصنف في أصول الفقه خمسة كتب؛ أما في علم الفقه فصنف ما يقرب على 41 كتاب وأهمها كتاب (المقنعة)، الذي جعله الشيخ الطوسي متناً لكتابه المعدود من الأصول الأربعة في الحديث وهو (التهذيب).



المفيد في نظر غير الشيعة:

كتب حول حياته الشريفة الشيء الكثير، وإن كان قليلاً في حقّه ومقامه وما قدّمه للأمة الإسلامية بشكل عام وللشيعة الإمامية بشكل خاص، ويعد الشيخ المفيد من القمم الشامخة، ولذلك أهتم بجوانب حياته الخاصة والعامة؛ فمن العامة ما قاله أبو حيان: «كان حسن اللسان والجدل، صبوراً على الخصم، كثير الحلم، ظنين السر، جميل العلانية»، وقال عنه صاحب العبر: «عالم الشيعة وإمام الرافضة، وصاحب التصانيف الكثيرة»، وقال عنه صاحب عيون التواريخ: «في أحداث عام 413هـ وفيها توفي الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد النعمان... عالم الشيعة وإمام الرافضة، صاحب التصانيف الكثيرة...»، وقال عنه ابن حجر في لسان الميزان: «وكان كثير التقشف والتخشع والاكباب على العلم، وتخرج به جماعة، وبرع في المقالة الإمامية، حتى كان يقال: له على كل إمامي منّة..»، وقال الشريف أبو يعلى الجعفري ـ وكان زوج بنت المفيد ـ ما كان المفيد ينام من الليل إلا هجعة ثم يقوم يصلي أو يطالع أو يدرس أو يتلو القرآن»، وغير ذلك من كلمات المخالفين في حق شيخنا المفيد. ويدل على عمق نظرياته في الكلام هو اهتمام غير المسلمين بها فهذا (مارتن مكدرموت) يكتب في نظريات علم الكلام عند الشيخ المفيد باللغة الانجليزية، وطبع في الولايات المتحدة عام 1970م، وكتاب آخر آراء الشيخ المفيد في الإمامة بالفرنسية.



أقوال العلماء فيه



قال الشيخ عبّاس القمّي : هو شيخ مشايخ الإمامية، رئيس الكلام والفقه والجدَل، وكان يُناظر أهل كلّ عقيدة.



قال ابن كثير: إنه كان يُناظر أهل كلّ عقيدة بالجلالة والعظمة. وقال: كان يحضر مجلسَه خَلق كثير من العلماء من جميع الطوائف والمِلل.



ويقول ابن النديم : بأنّه بارع مُقدَّم في صناعة الكلام(علم العقائد الإسلامية)، ثمّ قال فيه: في عصرنا انتهت رئاسة متكلّمي الشيعة إليه، مُقدّم في صناعة الكلام على مذهب أصحابه، دقيق الفطنة.



وكان ابن النديم قد شاهَدَه في منتصف عمره ولم يكن الشيخ قد ألّف كلّ ما ألّف بعد.



قال الشيخ النجاشي: ((فضله أشهر من أن يوصف في الفقه، والكلام، والرواية، والثقة، والعلم))(3).



قال الذهبي: ((كانت له جلالة عظيمة، وتقدم في العلم، مع خشوع، وتعبّد، وتأله))(4).



قال ابن حجر العسقلاني: ((... برع في العلوم حتى كان يقال: له على كل إمام منّة))(5)

يقول عماد الحنبلى عالم سنى آخر فيه: ( هو عظيم من عظماء الاماميه ورئيس قسم الفقه والكلام والمباحثة وكان يناظر ويحاجح جميع اتباع المدارس والطوائف والديانات وقد احتل منصبا" شامخا" فى دولة البوبهيين كما كان يتصدق كثيرا" ويكثر من الصوم والصلواة.)



مناظراته:

للشيخ المفيد مناظرات رائعة، ومحاورات جيدة شيقة أفرد لها الشريف المرتضى ـ وهو تلميذه ـ كتاباً ذكر فيه أكثرها، ومن جملتها ما أشار إليه العلاّمة الحلي، كما ذكرها ابن إدريس في أواخر كتابه ( السرائر ).

وله محاججات مع علي بن عيسى الرمّاني.. انسحب فيها الرماني ودخل منزله

وروي أنّ الشيخ عبد الجبّار المعتزلي بينما كان في مجلسه ذات يوم، والمجلس مليء بالعلماء من الفريقين، إذ دخل الشيخ المفيد إلى ذلك المجلس ـ وكان الشيخ في بداية شهرته ـ وكان الشيخ المعتزلي قد سمع به، ولكنّه لم يره، فجلس في آخر المجلس.وبعد ساعة قال للقاضي المعتزلي: إنّ لي سؤالاً، فإِن أجزت بحضور هؤلاء الأئمة، فقال القاضي: سل، فقال: ما تقول في الخبر الذي ترويه طائفة من الشيعة: ((من كنت مولاه فعلي مولاه))، أهو مسلّم صحيح عن النبي (ص) يوم الغدير ؟ فقال: نعم، خبر صحيح، فقال الشيخ: ما المراد بلفظ المولى ؟ قال: بمعنى الأولى، فقال الشيخ: فما هذا الخلاف بين الشيعة والسنة ؟ فقال القاضي: أيها الأخ، هذا الخبر رواية، وخلافة أبي بكر دراية، والعاقل لا يعادل الرواية بالدراية.

ثمّ عدل الشيخ إلى مسألة أخرى، فقال: ما تقول في قول النبي (ص) لعليّ: ((حربك حربي، وسلمك سلمي))؟ قال القاضي: الحديث صحيح، فقال الشيخ: ما تقول في أصحاب الجمل، فإنهم كفّار؟ فقال القاضي: أيها الأخ، إنّهم تابوا، فقال الشيخ: أيّها القاضي، الحرب دراية، والتوبة رواية، وأنت قد قرّرت في حديث الغدير أنّ الرواية لا تعارض الدراية.

فصار القاضي متحيراً، فقال:من أنت ؟ فقال له الشيخ: خادمك محمد بن محمد بن النعمان الحارثي، فقام القاضي من مكانه، وأخذ بيدي الشيخ وأجلسه على مسنده، وقال له: أنت المفيد حقّاً.

فتغيّرت وجوه علماء المجلس مما فعله القاضي بالشيخ، فلما رأى القاضي ذلك منهم، قال: أيها الفضلاء والعلماء، إنّ هذا الرجل ألزمني، وأنا عجزت عن جوابه، فإن كان أحد منكم عنده جواب عمّا ذكره، فليذكره ليقوم الرجل ويرجع إلى مكانه الأول (18).