المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نازحون صوماليون يروون ـ كيف تنازعوا مع القرود والضباع على قطرة ماء



فاطمي
01-30-2006, 08:00 AM
مقديشو: علي حلني - الشرق الاوسط


بحلول اليوم 27 يناير (كانون الثاني) الجاري، تكون الصومال قد دخلت عامها الـ16 في ظل حرب اهلية انتهت اسما، ولم تنته فعلا، خلفت وضعا انسانيا مأساويا يذكره العالم احيانا، وينساه احيانا اخرى بسبب كثرة الازمات الانسانية فى العالم. فالحكومة المركزية انهارت بالكامل 29 يناير عام 1991 عندما تمت اطاحة حكومة الرئيس الصومالي الأسبق محمد سياد بري، أعقبتها حروب قبلية اجتاحت كافة مناطق الصومال.

وبما ان سكان الصومال متجانسون في كل شيء (ينتمون الي جنس واحد ويتحدثون بلغة واحدة ويدينون بديانة واحدة هي الإسلام وكذلك يتبعون مذهبا فقهيا واحدا هو الشافعية. كما أن تقاليدهم وأنماط حياتهم الاقتصادية متقاربة حيث يعتمد غالبيتهم مهنة الرعي كمصدر للمعيشة)، الا أن ما يقسمهم الان أصبح أقوي مما يوحّدهم حيث القبلية أصبحت المرجع الأساسي لكل شيء.

وفي احدى ضواحي مقديشو، حيث نصب النازحون من الجفاف خياما صغيرة يأوون اليها. التقت «الشرق الأوسط» بعدد منهم ساروا اياما على اقدامهم هربا من قراهم البعيدة الى العاصمة مقديشو، املا فى ان يجدوا الوضع افضل. يقول أحمد، 41 عاما، من منطقة «باكول» بجنوب غرب الصومال أنه كمزارع كان ينتظر هطول الأمطار الموسمية. ويتابع «في العام الماضي لم تأت أمطار كافية، ولذلك اعتمدنا على المخزون وعدد من الأغنام التي بعتها في السوق، لكن عندما اشتدت وطأة الحر والعطش قررت الهجرة، وحملت ما خف من الأمتعة على حمار كان بحوزتي، حتي وصلت الي منطقة (بور هكبة) التي تبعد عن العاصمة 160 كم. ومن هناك حملت أسرتي المكونة من 4 أطفال وزوجتي على شاحنة كانت تنقل الفحم الى العاصمة، وانضممت الى من سبقوني في هذا المخيم». ولا يعرف أحمد الآن مصير 4 أبقار وعدد من الأغنام الهزلي الذين تركهم في مزرعته ويقول «كانوا في غاية الهزال ولا أعتقد انهم سيعيشون». هذا المهاجر كان محظوظا بالمقارنة مع حسين حاجي، الذي قال إنه كان يصارع قطعانا من القردة والضباع في طريقه الى الوصول الى العاصمة، اذ هاجمت القرود والضباع التي كانت تبحث عن الماء هي الأخرى، الجمل الذي كان يحمل عليه حسين أمتعته وأطفاله، ظنا منها ان الجمل ينقل ماء. ويتابع «كنت أحمل بندقيةAK 47 وأطلقت النار عليها وقتلت منهم عددا. لكن المنطقة كانت وعرة ومهجورة تركها الناس منذ أسابيع. فلم أتجاوز قطيعا، الا ووقعت بين آخر لمدة يوم وليلة. وكلما أحط الرحال للتخفيف عن التعب أظل ساهرا لحماية العائلة من هجوم الضباع والقرود. وفي هذه الرحلة توفي أحد أطفالي البالغ من العمر عامين ودفناه في الطريق».

صعوبة الحصول علي الماء، تعتبر السبب الأول لهجرة سكان الريف والقرويين من مناطقهم. فمناطق الرعي عادة تتباعد، والآبار يشح ماؤها في مواسم الجفاف. ويحكي قيلو علي من منطقة «تاييغلو» بجنوب الصومال أن الدلو لا يأتي بماء عند سقي المواشي، وعليه فإنه يتحتم علي الرعاة أن يهبط أحدهم الى قاع البئر (40 ـ 50 مترا) لتعبئة الدلو ثم الانتظار لفترة حتى يرشح الماء ثانية، وتكون هذه العملية بالتناوب مما يضطره للمبيت ليلة أو أكثر لانتظار النوبة، وأثناء الانتظار تكون اعداد من المواشي قد نفقت على بعد أمتار من البئر. وفي العاصمة المدمرة مقديشو يعيش نحو 150 ألفا مما يعرفون بـ«النازحين الداخليين» الذين فروا من الحروب القبلية في مناطقهم ويأوون عادة الى أبنية الوزارات أو المدارس والبنايات الحكومية الأخرى المهدمة ومعظمهم ليس لهم أقارب في مقديشو، ويعتمدون على المساعدات الآنية التي تقدمها لهم منظمات الاغاثة الأجنبية، والجمعيات الخيرية الأهلية. كما يمارسون اعمالا من بينها الخدمة في المنازل والحرف البسيطة الأخرى، اما بيوتهم فمبنية من العيدان المغطاة بالبلاستيك أو أوراق الكرتون.

أما الذين لهم أقارب فينضمون الى أقاربهم للعيش معهم، وهم أحسن حالا من غيرهم. ويحدث أنه بعد انتهاء الاشتباكات أو هطول الأمطار، ان يقرر كثيرون منهم عدم العودة الى قراهم الاصلية، مفضلين البقاء في المدينة، الأمر الذي يصب في صالح حالة الهجرة المستمرة من القرى والأرياف الى المدن الكبيرة التي لا توفر العيش الكريم، والنتيجة فقر وبطالة ومستوى عيش متدهور وضياع أجيال من الأطفال، لا تتاح لهم رعاية طبية مناسبة ولا مدارس يتعلمون فيها.

وفي المجال الإنساني، فإن الوضع يشبه مثيله في مثل هذا الوقت من عام 1991 عندما اندلعت الحروب القبلية بعد إطاحة الحكومة، مما أدى الى كارثة إنسانية بلغت ذروتها في العام التالي 1992، عندما تبنت الأمم المتحدة قرارا بالتدخل لوقف الحرب والمجاعة اللتين كانتا تحصدان أرواح الآلاف يوميا، وتم هذا التدخل الدولي بقيادة الولايات المتحدة في نهاية عام 1992.

وعلى الرغم من التقلبات السياسية التي مرت بها الصومال خلال العقد والنصف الماضي، الا أن الخارطة السياسية المستندة الى التوازنات القبلية لم تتغير، وهذا الأمر أدى الى استدعاء القبيلة كمرجع وحيد لاقتسام السلطة بعد خمسة عشر عاما من الصراعات الدموية. فالبرلمان الصومالي الانتقالي الحالي يتكون من 275 عضوا، يمثلون أكثر من 500 قبيلة تم تصنيفها الى 5 تجمعات قبلية كبرى هي «در داروت» و«هويا» و«دجيل مرفلي» و«اسباهيسي»، وكذلك تم اقتسام المناصب الحكومية وفق هذه التقسيمة القبلية. ورغم تأكيد القياد الجديدة في الحكومة الانتقالية الصومالية إنشاء دولة حديثة، الا أن اقتسام السلطة على اساس قبلي، تم تثبيته في الدستور لأول مرة منذ استقلال الصومال عام 1960.

وقد قبل زعماء الحرب الصوماليون بالمشاركة في السلطة، بعد انتخاب الرئيس الانتقالي الجديد عبد الله يوسف أحمد، وهو عقيد سابق في الجيش الصومالي، وزعيم حرب سابق أيضا، وتضم حكومته الجديدة معظم زعماء الحرب السابقين، الذين يشغلون مناصب وزارية رفيعة في الحكومة. لكن الخلافات السابقة بين القادة الصوماليين، عادت الى سابق عهدها بعد تشكيل الحكومة في المنفي في نيروبي في أكتوبر (تشرين الاول) عام 2004، فيما يمكن وصفه بأنه استمرار للنزاع الصومالي بأشكال أخرى. وتجسدت هذه الخلافات في انقسام أقطاب الحكومة حول تحديد مقر الحكومة، حيث أصر الرئيس يوسف ورئيس الوزراء علي محمد جيدي، على اتخاذ مدينة جوهر (90 كم الى الشمال من العاصمة مقديشو)، مقرا للحكومة والبرلمان، فيما رفض ذلك رئيسُ البرلمان الشريف حسن شيخ آدم، ومجموعة من الوزراء الأقوياء (زعماء حرب سابقين أيضا)، إضافة الى نحو 100 من النواب في البرلمان. وأدت هذه الخلافات الى تعطل أعمال الحكومة والبرلمان منذ يناير من العام الماضي، حيث لم يعقد البرلمان ولا الحكومة أي اجتماع رسمي، منذ ذلك التاريخ فيما كان الرئيس وطاقم محدود من الوزراء يعملون من مقرهم بمدينة جوهر.

وعادة فإن المليشيات القبلية، ترى منظمات الإغاثة طرفا ضعيفا، يمكن ابتزازه من خلال المطالبة بدفع مبالغ مالية للسماح بقواقل الإغاثة بالمرور، الى المناطق التي تسيطر عليها هذه المليشيات، وفي حال رفض منظمات الإغاثة هذه المطالب، فإن المليشيات تهدد بنهب هذه القوافل وإعادة بيعها في الأسواق لتوفير الأسلحة والذخيرة، مما يعني مزيدا من المواجهات.

وقد تزايدت ظاهرة استهداف طواقم الإغاثة وقوافلها برا وبحرا في الصومال في الفترة الأخيرة، مما يضع صعوبات متزايدة امام مهمة مساعدة المحتاجين. وفي حالة مماثلة، فإن منظمات الأمم المتحدة التي تبنت استراتيجية جديدة لإيصال المساعدات برا تواجه أيضا خطر نهب المواد الغذائية المتجهة الى المناطق الأكثر تضررا في جنوب الصومال من قبل المليشيات القبلية.