الأمازيغي
01-27-2006, 06:05 PM
* ثوب قصير ونعل ولحية :
أما أفضل مثال لانتشار الفكر السلفي خارج حدوده ، وسيطرته على توجيه الصحوة هناك . فيمكن أن يقال بأن الساحة الجزائرية كانت المجال الأرحب الذي انتشر فيه الفكر السلفي . وذلك لعدة أسباب منها .
أن الجزائر كانت خاضعة للهيمنة الثقافية الفرنسية لعقود من الزمن ، ولما حققت استقلالها اتجهت حكومة الاستقلال نحو التعريب ، وقد تبع هذا التعريب موجة من الصحوة الدينية .
فكانت السعودية ومعها المؤسسة الدينية سباقة لاكتساح الساحة وإفراغ أطنان من الكتب السلفية ، ووزعت فتاوى ابن تيمية مجانا ، كما التحق عدد كبير من الطلبة الجزائريين
بالجامعات السعودية . فانتشر الفكر الوهابي السلفي على نطاق واسع واصطبغت الصحوة هناك بالصبغة السلفية
- ص 520 -
البدوية. حيث ترك الشباب الجزائري المسلم لحاهم تطول وتكبر دون أي ترتيب أو تنسيق ، ولبسوا الثياب والدشاديش البيضاء ورفعوها فوق الكعب . حتى كادت تصل الركب
ولبسوا النعال بدل الأحذية ، واتخذ بعضهم لنفسه عصا يتكئ عليها . كل ذلك إحياء للسنة واتباعا لطريق السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين .
وهكذا انتشرت في الجزائر بعض المشاهد المضحكة المبكية ، وبعض المظاهر القبيحة كذلك ، والتي ركزت الصحافة الفرنسية - بالخصوص - على تصويرها ووضعها على أغلفة الصحف ، صور تثير الاشمئزاز والخوف لدى المسلمين قبل غيرهم .
إنك تجد الشاب في مقتبل العمر ، يترك لحيته تكبر وتطول دون أن يحلقها أو يرتبها لأن ذلك حرام قد يسقط فاعله في الكفر ، فترى مجموعة شعيرات في ذقنه قد طالت بشكل يثير الضحك ، بينما انتشرت شعيرات صغيرة ومتفرقة على باقي أطراف وجهه .
وإذا أضفنا إلى ذلك شكل اللباس الذي يوحي بالفقر والدروشة ، تكتمل الصورة . صورة الشكل السلفي للإنسان المسلم .
وما يزيد في الطين بلة أن أي انحراف عن هذه الصورة بترتيب اللحية أو اقتناء ثياب أنيقة ومحترمة مسايرة للوضع الاجتماعي العام ، يعني خروج على سنة السلف الصالح ، وهذا يعني السقوط في الابتداع ومن ثم تنفتح طريق الكفر أمامه .
هذا هو الإسلام السلفي الذي انتشر في الجزائر وكان يوجه الصحوة الإسلامية هناك ثوب قصير أبيض ، ونعال ، ولحية أكثر ضلالا من الأعشاب البرية المتوحشة .
أما شعار الدولة الإسلامية ، والدعوة إلى قيام حكومة إسلامية الذي رفعته جبهة الإنقاذ ، كبرى الحركات الإسلامية هناك . فكان مغامرة غير محسوبة النتائج .
- ص 521 -
فرغم الضجيج الإعلامي حول انتصار هذه الجبهة في الانتخابات ، وما قيل عنها وحولها فإن الوقوف أمام وصولها إلى سدة الحكم لم يكن بسبب المؤامرات الغربية الفرنسية والإقليمية فقط .
ولكن بسبب مواقف هذه الحركة وأعمال وأقوال أصحابها . لقد كنت أتابع أحداث الجزائر وأراقب الوضع عن كثب . ولما تأكدت من أن الفكر السلفي هو المحرك والخلفية الدينية
لهذه الحركة ، شعرت بخيبة أمل ، تنبأت يومها بمصير هذه الحركة وهي في أوج انتصارها .
وقد كتب على واجهة المبنى الإداري لبلدية الجزائر . " بلدية الجزائر الإسلامية " وأخبرت بعض رجالات هذه الجبهة بأنكم لن تصلوا إلى الحكم .
لكني لم أفصح عن رأيي بصراحة، لم أعلن أمامهم عن السذاجة السياسية التي كانت تدار بها معركة الانتخابات . ولا قلت له أن الفكر السلفي الذي تعتمدونه هو أول عائق لديكم
للوصول إلى الحكم ، ومتابعة مسيرة الإنماء والتقدم في الجزائر . وإذا لم أستطع أن أعبر عن رأيي صراحة هناك . فإن ذلك بسب الخوف ، لأن إلقائي مثل هكذا رأي في الأوساط
السلفية الجبهوية ( يقصد الكاتب با الجبهوية الجبهة الاسلامية للانقاد ) كان يعني إصدار فتوى من أحد المراهقين الفقهاء - وما أكثر الفقهاء والمجتهدين في أوساط الشباب السلفي - بكفري وزندقتي ، وإن لم أقتل فلا محالة سأتعرض للإهانة .
إن طبع الجزائري فيه حدة ، وجاء الفكر السلفي لينمي هذه الحدة ويزيد عليها الجفاء ، والغلظة الصحراوية . كل الظواهر السلفية السلبية الموجودة داخل المجتمع السلفي
السعودي انتقلت إلى هناك . فلم يعد هناك مجال للنقاش بالحكمة والموعظة أو بالتي هي أحسن ، بل أصبح شعار النقاش " بالتي هي أخشن " . أي فكرة أو أي رأي يخالف ما
يقول به ابن تيمية أو ابن قيم الجوزية أو أتباعه من وهابية نجد . يعني الانحراف والشرك والكفر ثم لا يبقى سوى إعلان الجهاد . لذلك كان الخوف والإرهاب هو سيد النقاشات مع أتباع السلف .
- ص 522 -
والغريب في الأمر أن السلفيين في بقاع العالم إذا ما حاورتهم لا يسمعون منك ، إنهم يقفون كالأصنام أمامك ، وعندما تنهي كلامك وتعرض فكرتك ، ينطلق الرد، دون اعتبار لما قلته أو عرضته ولو كان الحق فيه أوضح من الشمس في رابعة النهار .
أما إذا عرجت على المساجد لسماع الخطب المنبرية هناك فإنك ستصاب بالحسرة والألم . لقد أكد الفقهاء قديما على أن المتصدي للدعوة يجب أن يكون عالما عارفا بأحوال الدعوة ومتطلباتها .
لكن الفكر السلفي يجعل من العوام علماء دون مشقة تذكر ! افتح صحيح البخاري أو مسلم ثم اقرأ الحديث ، وبعد ذلك فأنت فقيه . لكن أن تفتي في الدماء والأموال والأعراض ؟ !.
كان بعض الخطباء يرفعون أصواتهم عالية " يا فرنسا جيش محمد آت " ، وآخر يعلن في الملأ سننتقم من فرنسا عندما نصل إلى الحكم .
ويصرخ آخر سنقضي على العلمانيين والمتفرنسين في هذا البلد .
ويقول آخر سنعلن الجهاد على المنطقة الفلانية( يقصد با المنطقة الفلانية منطقة القبائل اي الامازيغ و با التحديد تيزوزو وبجاية ثم بومرداس ونواحي كثيرة في العاصمة و البويرة حيث يتواجد الامازيغ بكثرة وكان اتباع جبهة الانقاد يقولون انه بعد ان يستلموا الحكم سيقتلون القبائل اي الامازيغ و يهاجمون بجاية وتيزوزو لانهم كفار على حسب اعتقادهم) في الجزائر لفتحها من جديد ؟ !
وهكذا دعوات للحرب والجهاد والصراع مع الداخل والخارج ، جبهات متعددة مفتوحة قبل أن يستلم هؤلاء الحكم ، فكيف سيكون الوضع لو وصلوا إلى سدة الحكم فعلا ؟
هذا السؤال كان كثيرا ما يطرحه بعض المتنورين من مثقفي الجزائر ! لكن دون إجابة واضحة ؟ ! .
لقد طرد أحد المرشحين - كما نقل لي بعض أبناء الجبهة - من منصبه في بلدية فازت بها الجبهة . وكان ذنبه وخطيئته الكبرى أنه لبس لباسا أوربيا ( أي بنطلون وجاكيت ) وهذه ليست نكتة ولكن حقيقة . إلى غير ذلك من المهازل والمضحكات ؟ ! .
* وجهة نظر بدوية :
إن الفكر السلفي " وجهة نظر بدوية " في تاريخ الإسلام ، لا يمكنها أن
- ص 523 -
تنشئ دولة أو تؤسس مدنية أو حضارة . ولا يعتقدن معتقد أن المملكة السعودية تسيرها عقول سلفية : لأن الأسرة السعودية لا علاقة لها بالفكر السلفي ، لا على مستوى الشكل ولا على مستوى المضمون ( 172 ) .
وأنا شخصيا لم أر أميرا قد أطلق لحيته أو لبس ثوبا أبيضا قصيرا ، بل غالبيتهم يرفلون في الحرير والثياب الغربية الفاخرة ويحلقون لحاهم ، وأما كبار السياسيين فيبقون بعضا
منها ، بشكل أنيق ومرتب . بخلاف دعاة السلفية وأتباعهم الذين يبدعون ويكفرون من وضع المقص على لحيته لترتيبها ( 173 ) .
كما أن النظام السعودي يسير البلاد على المستوى الاقتصادي والإداري والعلاقات الخارجية ، بعيدا عن الفكر السلفي أو رجالاته .
والسلفيون علماء ومواطنين يعلمون أن أرامكو ، شركة أمريكية تستخرج النفط وتعالجه وتوزعه في الأسواق وتسلم الحكومة نصيبها من الأرباح .
هذه الأرباح التي يحصل دعاة السلفية على نصيب منها ، يجعلهم يعيشون في بحبوحة من العيش ، ويمارسون الدعوة إلى نحلتهم على نطاق واسع .
( 172 ) ينقل ديكسون في كتابه " الكويت وجاراتها " : إن أحدا من الذين عرفوا ابن سعود لا يستطيع أن يتهمه شخصيا بالتعصب الوهابي ، أو بالهيجان والاندفاع الديني الأعمى ، الذي كان يحقن به أتباعه من الإخوان ، فقد كان في المناسبات - وحسب ما يلائم أغراضه - يتظاهر أمام أتباعه بأن له نفس نظرتهم .
أنظر حمزة الحسن . م . س ، ( ج 2 ص 138 )
ويقول فاسيليف : " كان لفيصل ثمانية أولاد بعث خمسة منهم للدراسة في المدارس والجامعات الأمريكية واحدا إلى أوكسفورد وآخر إلى كلية ساندهيرست العسكرية الملكية البريطانية " . أنظر تاريخ العربية السعودية ص 406 .
( 173 ) لقد سمعت من بعض السلفيين الجزائريين أنهم يكفرون المفكر الإسلامي مالك ابن نبي لأنه كان يحلق لحيته وكان متزوجا من فرنسية " مسلمة " . أنظر لهذه العقلية الساذجة . كيف يمكنهم أن يستفيدوا من هذا المفكر
الكبير الذي استفادت منه الحركة الإسلامية برمتها وكتبت حوله الدراسات المهمة . وهم يكفرونه فقط لأنه كان يحلق لحيته ؟ ! أنهم يأخذون عن ابن تيمية وابن قيم الجوزية اللذان توفيا قبل سبعة قرون . ويديرون ظهورهم
لمفكر تحسس وعاني مشاكل الجزائر والوطن الإسلامي بشكل عام ، وقدم دراسات جادة وآراء مهمة للخروج من هذا التخلف العام على جميع المستويات ؟ ! . ( * )
- ص 524 -
وإلا فلو أعطيت السلطة لرؤساء هؤلاء البدو . لكانت المملكة السعودية اليوم يضرب بها المثل في التخلف المدني والحضاري العام . يقول الغزالي وهو الكاتب الإسلامي الذي
خبر دعوتهم ودخل معهم في صراع فكري وجدالي ما زال مفتوحا إلى اليوم : قلت لأحد الحنابلة " السلفيين " إنني أتعلم من الغزالي وابن رشد ومن أبي حنيفة وابن تيمية فنظر
إلي مستنكرا يحسب أني أؤيده وحده ! علينا - يقول الغزالي - أن ندرس الجهد العقلي للبشر قاطبة فذاك يعيننا على إحقاق الحق وإبطال الباطل حين نصدر باسم الإسلام بعض الأحكام ( 174 ) .
والغزالي هنا يشير إلى ضيق الأفق المعرفي والعلمي الذي يراد للصحوة الإسلامية أن تدخل نفقه . فهناك فتاوى وأفكار لا يعرف أصحابها ، لكنها تأتي من نجد أو الرياض أو
الكويت لا محالة . تدعوا أبناء الصحوة للاقتصار على دراسة كتب ابن تيمية وابن قيم الجوزية فقط . للتعرف على الإسلام الصحيح .
أما باقي الإنتاج الفكري الإسلامي ، فهو ضلال وانحراف يجب الابتعاد عنه وإهماله . فمثلا تسمعهم يروجوه " من لم يقرأ كتب ابن قيم الجوزية ليس له حظ من العلم " .
أو يدعون إلى الاقتصار على تفسير ابن كثير دون غيره. وغير ذلك من الأفكار والمبادئ الهدامة التي تؤدي إلى نكوص المجتمع الإسلامي وتعميق تخلفه وانحداره الحضاري .
( 174 ) محمد الغزالي بحث بعنوان " المسلمون وحوار الحضارات في العالم المعاصر " مقدم إلى الدورة العاشرة لمؤتمر المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية بالأردن ص 6 . أنظر مجلة الكلمة ، العدد العاشر ، 1996 م . ( * )
انتهى
موضوع منقول من كتاب السلفية بين اهل السنة و الشيعة للمتشيع المغربي السيد محمد الكثيري
أما أفضل مثال لانتشار الفكر السلفي خارج حدوده ، وسيطرته على توجيه الصحوة هناك . فيمكن أن يقال بأن الساحة الجزائرية كانت المجال الأرحب الذي انتشر فيه الفكر السلفي . وذلك لعدة أسباب منها .
أن الجزائر كانت خاضعة للهيمنة الثقافية الفرنسية لعقود من الزمن ، ولما حققت استقلالها اتجهت حكومة الاستقلال نحو التعريب ، وقد تبع هذا التعريب موجة من الصحوة الدينية .
فكانت السعودية ومعها المؤسسة الدينية سباقة لاكتساح الساحة وإفراغ أطنان من الكتب السلفية ، ووزعت فتاوى ابن تيمية مجانا ، كما التحق عدد كبير من الطلبة الجزائريين
بالجامعات السعودية . فانتشر الفكر الوهابي السلفي على نطاق واسع واصطبغت الصحوة هناك بالصبغة السلفية
- ص 520 -
البدوية. حيث ترك الشباب الجزائري المسلم لحاهم تطول وتكبر دون أي ترتيب أو تنسيق ، ولبسوا الثياب والدشاديش البيضاء ورفعوها فوق الكعب . حتى كادت تصل الركب
ولبسوا النعال بدل الأحذية ، واتخذ بعضهم لنفسه عصا يتكئ عليها . كل ذلك إحياء للسنة واتباعا لطريق السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين .
وهكذا انتشرت في الجزائر بعض المشاهد المضحكة المبكية ، وبعض المظاهر القبيحة كذلك ، والتي ركزت الصحافة الفرنسية - بالخصوص - على تصويرها ووضعها على أغلفة الصحف ، صور تثير الاشمئزاز والخوف لدى المسلمين قبل غيرهم .
إنك تجد الشاب في مقتبل العمر ، يترك لحيته تكبر وتطول دون أن يحلقها أو يرتبها لأن ذلك حرام قد يسقط فاعله في الكفر ، فترى مجموعة شعيرات في ذقنه قد طالت بشكل يثير الضحك ، بينما انتشرت شعيرات صغيرة ومتفرقة على باقي أطراف وجهه .
وإذا أضفنا إلى ذلك شكل اللباس الذي يوحي بالفقر والدروشة ، تكتمل الصورة . صورة الشكل السلفي للإنسان المسلم .
وما يزيد في الطين بلة أن أي انحراف عن هذه الصورة بترتيب اللحية أو اقتناء ثياب أنيقة ومحترمة مسايرة للوضع الاجتماعي العام ، يعني خروج على سنة السلف الصالح ، وهذا يعني السقوط في الابتداع ومن ثم تنفتح طريق الكفر أمامه .
هذا هو الإسلام السلفي الذي انتشر في الجزائر وكان يوجه الصحوة الإسلامية هناك ثوب قصير أبيض ، ونعال ، ولحية أكثر ضلالا من الأعشاب البرية المتوحشة .
أما شعار الدولة الإسلامية ، والدعوة إلى قيام حكومة إسلامية الذي رفعته جبهة الإنقاذ ، كبرى الحركات الإسلامية هناك . فكان مغامرة غير محسوبة النتائج .
- ص 521 -
فرغم الضجيج الإعلامي حول انتصار هذه الجبهة في الانتخابات ، وما قيل عنها وحولها فإن الوقوف أمام وصولها إلى سدة الحكم لم يكن بسبب المؤامرات الغربية الفرنسية والإقليمية فقط .
ولكن بسبب مواقف هذه الحركة وأعمال وأقوال أصحابها . لقد كنت أتابع أحداث الجزائر وأراقب الوضع عن كثب . ولما تأكدت من أن الفكر السلفي هو المحرك والخلفية الدينية
لهذه الحركة ، شعرت بخيبة أمل ، تنبأت يومها بمصير هذه الحركة وهي في أوج انتصارها .
وقد كتب على واجهة المبنى الإداري لبلدية الجزائر . " بلدية الجزائر الإسلامية " وأخبرت بعض رجالات هذه الجبهة بأنكم لن تصلوا إلى الحكم .
لكني لم أفصح عن رأيي بصراحة، لم أعلن أمامهم عن السذاجة السياسية التي كانت تدار بها معركة الانتخابات . ولا قلت له أن الفكر السلفي الذي تعتمدونه هو أول عائق لديكم
للوصول إلى الحكم ، ومتابعة مسيرة الإنماء والتقدم في الجزائر . وإذا لم أستطع أن أعبر عن رأيي صراحة هناك . فإن ذلك بسب الخوف ، لأن إلقائي مثل هكذا رأي في الأوساط
السلفية الجبهوية ( يقصد الكاتب با الجبهوية الجبهة الاسلامية للانقاد ) كان يعني إصدار فتوى من أحد المراهقين الفقهاء - وما أكثر الفقهاء والمجتهدين في أوساط الشباب السلفي - بكفري وزندقتي ، وإن لم أقتل فلا محالة سأتعرض للإهانة .
إن طبع الجزائري فيه حدة ، وجاء الفكر السلفي لينمي هذه الحدة ويزيد عليها الجفاء ، والغلظة الصحراوية . كل الظواهر السلفية السلبية الموجودة داخل المجتمع السلفي
السعودي انتقلت إلى هناك . فلم يعد هناك مجال للنقاش بالحكمة والموعظة أو بالتي هي أحسن ، بل أصبح شعار النقاش " بالتي هي أخشن " . أي فكرة أو أي رأي يخالف ما
يقول به ابن تيمية أو ابن قيم الجوزية أو أتباعه من وهابية نجد . يعني الانحراف والشرك والكفر ثم لا يبقى سوى إعلان الجهاد . لذلك كان الخوف والإرهاب هو سيد النقاشات مع أتباع السلف .
- ص 522 -
والغريب في الأمر أن السلفيين في بقاع العالم إذا ما حاورتهم لا يسمعون منك ، إنهم يقفون كالأصنام أمامك ، وعندما تنهي كلامك وتعرض فكرتك ، ينطلق الرد، دون اعتبار لما قلته أو عرضته ولو كان الحق فيه أوضح من الشمس في رابعة النهار .
أما إذا عرجت على المساجد لسماع الخطب المنبرية هناك فإنك ستصاب بالحسرة والألم . لقد أكد الفقهاء قديما على أن المتصدي للدعوة يجب أن يكون عالما عارفا بأحوال الدعوة ومتطلباتها .
لكن الفكر السلفي يجعل من العوام علماء دون مشقة تذكر ! افتح صحيح البخاري أو مسلم ثم اقرأ الحديث ، وبعد ذلك فأنت فقيه . لكن أن تفتي في الدماء والأموال والأعراض ؟ !.
كان بعض الخطباء يرفعون أصواتهم عالية " يا فرنسا جيش محمد آت " ، وآخر يعلن في الملأ سننتقم من فرنسا عندما نصل إلى الحكم .
ويصرخ آخر سنقضي على العلمانيين والمتفرنسين في هذا البلد .
ويقول آخر سنعلن الجهاد على المنطقة الفلانية( يقصد با المنطقة الفلانية منطقة القبائل اي الامازيغ و با التحديد تيزوزو وبجاية ثم بومرداس ونواحي كثيرة في العاصمة و البويرة حيث يتواجد الامازيغ بكثرة وكان اتباع جبهة الانقاد يقولون انه بعد ان يستلموا الحكم سيقتلون القبائل اي الامازيغ و يهاجمون بجاية وتيزوزو لانهم كفار على حسب اعتقادهم) في الجزائر لفتحها من جديد ؟ !
وهكذا دعوات للحرب والجهاد والصراع مع الداخل والخارج ، جبهات متعددة مفتوحة قبل أن يستلم هؤلاء الحكم ، فكيف سيكون الوضع لو وصلوا إلى سدة الحكم فعلا ؟
هذا السؤال كان كثيرا ما يطرحه بعض المتنورين من مثقفي الجزائر ! لكن دون إجابة واضحة ؟ ! .
لقد طرد أحد المرشحين - كما نقل لي بعض أبناء الجبهة - من منصبه في بلدية فازت بها الجبهة . وكان ذنبه وخطيئته الكبرى أنه لبس لباسا أوربيا ( أي بنطلون وجاكيت ) وهذه ليست نكتة ولكن حقيقة . إلى غير ذلك من المهازل والمضحكات ؟ ! .
* وجهة نظر بدوية :
إن الفكر السلفي " وجهة نظر بدوية " في تاريخ الإسلام ، لا يمكنها أن
- ص 523 -
تنشئ دولة أو تؤسس مدنية أو حضارة . ولا يعتقدن معتقد أن المملكة السعودية تسيرها عقول سلفية : لأن الأسرة السعودية لا علاقة لها بالفكر السلفي ، لا على مستوى الشكل ولا على مستوى المضمون ( 172 ) .
وأنا شخصيا لم أر أميرا قد أطلق لحيته أو لبس ثوبا أبيضا قصيرا ، بل غالبيتهم يرفلون في الحرير والثياب الغربية الفاخرة ويحلقون لحاهم ، وأما كبار السياسيين فيبقون بعضا
منها ، بشكل أنيق ومرتب . بخلاف دعاة السلفية وأتباعهم الذين يبدعون ويكفرون من وضع المقص على لحيته لترتيبها ( 173 ) .
كما أن النظام السعودي يسير البلاد على المستوى الاقتصادي والإداري والعلاقات الخارجية ، بعيدا عن الفكر السلفي أو رجالاته .
والسلفيون علماء ومواطنين يعلمون أن أرامكو ، شركة أمريكية تستخرج النفط وتعالجه وتوزعه في الأسواق وتسلم الحكومة نصيبها من الأرباح .
هذه الأرباح التي يحصل دعاة السلفية على نصيب منها ، يجعلهم يعيشون في بحبوحة من العيش ، ويمارسون الدعوة إلى نحلتهم على نطاق واسع .
( 172 ) ينقل ديكسون في كتابه " الكويت وجاراتها " : إن أحدا من الذين عرفوا ابن سعود لا يستطيع أن يتهمه شخصيا بالتعصب الوهابي ، أو بالهيجان والاندفاع الديني الأعمى ، الذي كان يحقن به أتباعه من الإخوان ، فقد كان في المناسبات - وحسب ما يلائم أغراضه - يتظاهر أمام أتباعه بأن له نفس نظرتهم .
أنظر حمزة الحسن . م . س ، ( ج 2 ص 138 )
ويقول فاسيليف : " كان لفيصل ثمانية أولاد بعث خمسة منهم للدراسة في المدارس والجامعات الأمريكية واحدا إلى أوكسفورد وآخر إلى كلية ساندهيرست العسكرية الملكية البريطانية " . أنظر تاريخ العربية السعودية ص 406 .
( 173 ) لقد سمعت من بعض السلفيين الجزائريين أنهم يكفرون المفكر الإسلامي مالك ابن نبي لأنه كان يحلق لحيته وكان متزوجا من فرنسية " مسلمة " . أنظر لهذه العقلية الساذجة . كيف يمكنهم أن يستفيدوا من هذا المفكر
الكبير الذي استفادت منه الحركة الإسلامية برمتها وكتبت حوله الدراسات المهمة . وهم يكفرونه فقط لأنه كان يحلق لحيته ؟ ! أنهم يأخذون عن ابن تيمية وابن قيم الجوزية اللذان توفيا قبل سبعة قرون . ويديرون ظهورهم
لمفكر تحسس وعاني مشاكل الجزائر والوطن الإسلامي بشكل عام ، وقدم دراسات جادة وآراء مهمة للخروج من هذا التخلف العام على جميع المستويات ؟ ! . ( * )
- ص 524 -
وإلا فلو أعطيت السلطة لرؤساء هؤلاء البدو . لكانت المملكة السعودية اليوم يضرب بها المثل في التخلف المدني والحضاري العام . يقول الغزالي وهو الكاتب الإسلامي الذي
خبر دعوتهم ودخل معهم في صراع فكري وجدالي ما زال مفتوحا إلى اليوم : قلت لأحد الحنابلة " السلفيين " إنني أتعلم من الغزالي وابن رشد ومن أبي حنيفة وابن تيمية فنظر
إلي مستنكرا يحسب أني أؤيده وحده ! علينا - يقول الغزالي - أن ندرس الجهد العقلي للبشر قاطبة فذاك يعيننا على إحقاق الحق وإبطال الباطل حين نصدر باسم الإسلام بعض الأحكام ( 174 ) .
والغزالي هنا يشير إلى ضيق الأفق المعرفي والعلمي الذي يراد للصحوة الإسلامية أن تدخل نفقه . فهناك فتاوى وأفكار لا يعرف أصحابها ، لكنها تأتي من نجد أو الرياض أو
الكويت لا محالة . تدعوا أبناء الصحوة للاقتصار على دراسة كتب ابن تيمية وابن قيم الجوزية فقط . للتعرف على الإسلام الصحيح .
أما باقي الإنتاج الفكري الإسلامي ، فهو ضلال وانحراف يجب الابتعاد عنه وإهماله . فمثلا تسمعهم يروجوه " من لم يقرأ كتب ابن قيم الجوزية ليس له حظ من العلم " .
أو يدعون إلى الاقتصار على تفسير ابن كثير دون غيره. وغير ذلك من الأفكار والمبادئ الهدامة التي تؤدي إلى نكوص المجتمع الإسلامي وتعميق تخلفه وانحداره الحضاري .
( 174 ) محمد الغزالي بحث بعنوان " المسلمون وحوار الحضارات في العالم المعاصر " مقدم إلى الدورة العاشرة لمؤتمر المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية بالأردن ص 6 . أنظر مجلة الكلمة ، العدد العاشر ، 1996 م . ( * )
انتهى
موضوع منقول من كتاب السلفية بين اهل السنة و الشيعة للمتشيع المغربي السيد محمد الكثيري