المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الاستقواء على الضعيف.. هذا أيضا يمكن أن ينتظرك في عملك



فاطمي
01-27-2006, 11:40 AM
العمل ومشاكله

إعـــداد: د. مهـــدي السعيـــد


الاغتياب، الحط من القدرة على العمل والكفاءة في ادائه، واحيانا ايضا التعرض للآخر بالاهانات ومحاولة اذلاله. هذه هي اكثر اشكال الاستقواء على الآخرين انتشارا. ومن المؤسف ان هذه الظاهرة السلبية لا تقتصر على المدارس او في صفوف القوات المسلحة. فليس من النادر على الاطلاق العثور عليها في العمل. ومن الصعب جدا على ضحية التحرشات والتعالي ومظاهر الاستقواء على الضعيف في العمل الدفاع بصورة مناسبة وكافية عن نفسه. ولكن ذلك لا يعني استحالة الدفاع عن الذات.


أنت مختلف كثيرا عنا ولا تروق لنا


والاعتداء على زملاء العمل او المرؤوسين سواء كان في أشكاله الأكثر فظاظة (باستخدام الكلمات النابية والإهانات الصريحة المباشرة) أو أشكاله الأشد خبثا ومكرا (الإهانات المغلقة وراء عبارات تبدو للوهلة الأولى مهذبة...إلخ) تبدأ في العادة بصورة غير ملحوظة. مثلا بدعابات تبدو للوهلة الأولى بريئة، ومقالب وفصول مضحكة ترتكب بحق الضحية، او استخدام الالفاظ القبيحة في التعامل معها بذريعة المداعبة ومحاولة التقارب ورفع الكلفة والحواجز بين زملاء المهنة او الوظيفة.

ولكن قيمة الانسان يمكن ان تتعرض لاشكال اخرى مغايرة من الاعتداءات والتشكيك. ويقول رئيس الرابطة المدنية التشيكية المعروفة باسم «علاقات العمل» بافل بينيو «ان النفور الشخصي كثيرا ما يكون وراء الاستقواء على احد زملاء العمل من جانب زميل آخر له او عدد من زملائه دفعة واحدة. ويكون الاختلاف والتباين السبب الرئيسي وراء هذا النفوذ في العادة. فالضحية مثلا يمكن ان تكون موظفا ابطأ من زملائه في اداء مهام الوظيفة، او شخصا لا يعتني كثيرا بمظهره الخارجي وهندامه، او انساناً قليل الكلام، او موظفا كثير الانتقاد لاخطاء العمل ونواقصه وكثير اللغو والكلام بسبب ومن دون سبب». ويعيد رئيس الرابطة المدنية المعنية ببحث اسباب التحرش بالعاملين وكيفية علاج هذه الظاهرة الى الاذهان حقيقة اساسية: «ان المعيار الاساسي للتعامل مع الموظف لا بد ان يكون اولا واخيرا درجة ادائه وكفاءاته، وليس سلوكياته الشخصية، ولا حتى طبيعته كانسان وما اذا كان مرحا او عبوسا او عنيدا او توفيقي الطابع. الا ان الفصل بين الاداء المهني المحترف وطبيعة الانسان هو في الحقيقة امر شديد الصعوبة في الواقع العملي».

ويروي مدير اعمال البناء ميلان بوسبيشيل معايشة اخرى: «عندما تسلم امين المخزن الجديد في شركتنا وظيفته لم يثر هذا الشخص معه بكثير من السخرية الموضوعة في قالب فكاهي. وإذا كان ذلك يثير ضحك الآخرين فقد راق الامر للعامل ولزملائه، حتى اصبحت السخرية من امين المخزن طقسا من الطقوس اليومية في الشركة. الا ان احدى دعابات عامل البناء الساخرة من امين المخزن تحولت في نهاية المطاف الى سبب لشجار حاد بينهما كاد يسفر عن اسالة الدماء. حينذاك وجدت ان الوقت قد ازف للتدخل في الامر بصفتي المدير، وجمعت طرفي النزاع وباقي العمال. وقد اعترف هؤلاء فعلا بأن زميلهم بدأ يتمادى في سخريته من امين المخزن وانهم شجعوه على هذا السلوك بابتساماتهم. هذا الاعتراف بحد ذاته كان بمنزلة اعتذار للضحية ونقطة ختام للخلاف»«.


الدفاع عن النفس أمر واجب


ان ضحايا «امراض العلاقات»، وهو التعبير الذي يطلقه بينيو على التحرش ببعض العاملين من ذوي الشخصيات الاضعف، ليسوا فقط من يتعرضون لهذه الممارسات الخشنة من جانب زملائهم او رؤسائهم في العمل، وانما هو ايضا نفس هؤلاء الذين يقدمون على هذه الممارسات. اذ ان الاستقواء على الاخرين يؤدي لدى الضحايا، ان عاجلاً أو آجلا، الى شعور قوي ومشروع بضرورة الدفاع عن النفس. حينذاك يتحول الامر الى خلاف شبه مستديم بين القوي والمستضعف، وهو خلاف يدفع ثمنه باهظا كلا الاثنين سواء بسواء.

وكثيرا ما يحدث حسب خبرات بينيو ورفاقه في رابطة «العمل والعلاقات» المدنية، ان يتعرض العاملون للتحرشات من جانب رؤسائهم لاسباب هي في جوهرها بؤثر نقص في شخصية رب العمل او المدير وليس في شخصية المرؤوس. اذ ان المدير يجنح الى استضعاف مرؤوسه الذي يكثر من انتقاد اخطاء ونواقص العمل، او ذاك الذي يتمتع بكفاءات او شهادات علمية تفوق قدرات المدير نفسه او مؤهلاته التعليمية.

ولكن مفتاح حل مشكلة الاستقواء على الاخرين في العمل هو دفاع المستضعفين عن انفسهم. فالاستسلام لهذه التحرشات لا يقود الا الى تمادي الطرف المعتدي في سلوكه الخاطئ هذا. وتكون المحصلة في النهاية انفجار الضحية او تحول الامر الى مشكلة فعلية وخلاف جاد بينها وبين «الجلاد».

ومن اهم الامور لحل المشكلة ادارة حوار مباشر ومفتوح بين الطرفين، والا فإن الحل سيصبح شبه مستحيل. لذلك ايضا تنتشر التحرشات داخل فرق العمل التي يقودها مديرون يتصفون بطابع دكتاتوري متسلط لكونهم من حيث المبدأ يرفضون ادارة اي حوار مع مرؤوسيهم.

لا تخجل من مراجعة خبير متخصص!


اما ما لا يجوز لضحايا التحرشات في العمل هو الاستسلام للامر الواقع او البقاء وحيدا بمواجهة مدير او زميل عمل متسلط الطابع. والخطوة الاولى الضرورية هي البحث عن حليف او حلفاء من زملاء العمل على شتى المستويات الادارية لمواجهة المعتدي والاستقواء بهم عليه وعلى اعتداءاته وتحرشاته. وينصح بينيو ضحايا التحرشات في العمل بجمع قواهم وشجاعتهم لمواجهة المعتدي او المعتدين، والاستعانة بكل من يمكن الاستعانة بهم من اشخاص في ذلك، لان هذا التحرك افضل بكثير من السلبية التي يتبناها البعض تجنباً للدخول في صدام مباشر مع الخصم.

ولكن الاستعانة بالآخرين في العمل لا يكون امراً سهلاً في العادة. اذ ان بعض زملاء الوظيفة سيتجنبون اصلاً خوض الصراع الى جانب الضحية خشية تعريض انفسهم لانتقام المعتدي. ولربما ظن بعض العاملين ايضاً ان الأمر لا يستحق تدخلاً من جانبهم، وان تحرشات المعتدي على زميلهم (المستضعف) ليست مشكلة تستحق الذكر، بل هي بالأحرى درب من دروب الفكاهة الخالية من كل نية سيئة، والتي لا يمكن ان تجرح اي انسان ناضج واعٍ.

حينذاك يتعين على ضحية التحرشات الاستعانة بنصائح خبير متخصص ومناقشة تفاصيل مواجهة المشكلة والخطوات اللاحقة التي تنوي الضحية اتخاذها دفاعاً عن نفسها. وتتضاعف أهمية مراجعة الخبير عندما يطول امد التحرشات وتصبح ظاهرة ملازمة لعمل الضحية. هذا تحديداً ما يوصي به الطبيب النفساني المتخصص في مشاكل العمل وانعكاساتها النفسية على الانسان دافيد دوليجال.


الاستقالة هي الحل الأخير


تتباين ردود افعال ضحايا التحرشات والاهانات والمذلات غير انها في جوهرها تنقسم الى نوعين: اما الانطواء على الذات و«دفن» المشكلة في اعماق النفس، او العكس تماماً، أي تضاعف الرغبة في الحديث مع الآخرين حول هذه المشكلة واستشاراتهم فيما يتعين عمله لحلها. في الحالة الثانية يمكن ان تلعب الاسرة دوراً مهماً للغاية. فهي قادرة على رفع معنوياتك وتحسين وضعك النفسي واستعادة ثقتك بذاتك، وجميعها من مقومات مواجهة المشكلة. ولكن ذلك لا يبيح لك ارهاق الاسرة فوق العادة بمشكلة تعرضك للتحرشات في العمل، والا فان باقي افرادها قد يشيحون بوجوههم عنك فاقدين الامل في ايجاد حل للمشكلة أو في قدرتهم على مساعدتك في التغلب على المشكلة.

في الحالات القصوى يمكن اللجوء الى الاستقالة من الوظيفة كحل للمشكلة. ولكنه بالطبع الحل الاكثر راديكالية، الذي لا يفترض في المرء اللجوء اليه قبل استنفاد جميع الحلول والامكانات الاخرى. والحقيقة ان الخروج العاجل من الوظيفة بسبب مشكلة التحرشات في العمل لا يكون حلا من اساسه، لأن المرء عندما يبيع جلده في السوق بثمن رخيص فهو لا يقضي على شعوره بالغبن والظلم، بل على العكس يحمل معه هذا الشعور سنوات عديدة اخرى وربما الى مدى الحياة.


شيء كهذا لا يمكن ان يحدث لي


هل تعتقد ان مشكلة التحرش في العمل لا يمكن ان تواجهك في اي يوم من الايام؟ اذا كنت تعتقد ذلك فعلا فأنت مخطئ. اذا ان احدث استطلاع ميداني اجرته وكالة جي اف كي براغ للبحوث الاجتماعية اثبت ان 17% على الاقل من العاملين في عدة بلدان اوروبية قد تعرضوا في اعمالهم، بهذا القدر او ذاك، لاحد اشكال المضايقات او الاهانات.

واعترف ربع هذه النسبة بتعرضه لهذه الظاهرة المؤسفة مرة واحدة على الاقل في كل اسبوع. وذكر 47% من هذه النسبة انهم يتعرضون للمضايقات والتحرشات في اعمالهم بصورة منتظمة منذ اكثرمن عام كامل في ادنى الاحوال.. باختصار يمكن ان يجد اي انسان نفسه في اي وقت، ضحية للمضايقات في العمل دون ان يدري الاسباب.

yasmeen
06-09-2010, 01:41 AM
شكرا على هذا الموضوع المتميز