هاشم
01-27-2006, 12:11 AM
رياض الحسيني
كاتب صحفي وناشط سياسي عراقي مستقل
بعد سنوات ثلاث من تأسيس "جيش المهدي" الذي اسسه السيد مقتدى الصدر نجل اية الله العظمى السيد محمد محمد صادق الصدر (قدس سره) ربما يتوجب ان نلقي نظرة ولو سريعة على ظروف تأسيس هذا الجيش والهدف منه وماينتظره من تحديات على الساحة الداخلية على الاقل. وهل هنالك من فرق بين جيش المهدي والتيار الصدري؟ واي نوع من القيادة تحرّكه وتتحكم به؟ وهل يحق للسيد مقتدى ان يطرح نفسه كمرجعية دينية؟ وماهي التحديات التي تواجه جيش المهدي في العراق؟!
جيش المهدي، تشكيل ليس بالمعنى الاكاديمي العسكري للجيش النظامي سواء من جانب التسليح والتدريب او حتى التعبئة والضبط العسكري. بل هو تشكيل اقتضته الحال الاستثنائية التي اعقبت سقوط النظام البعثي واعتلاء السلطة احزاب اتخذت من المنافي محطة لانطلاقتها من خلال افراد لم يكن لهم اي دور في الحكومات التي تداولت السلطة في العراق منذ تأسيس الدولة العراقية في اوائل العشرينيات حتى وقت سقوط بغداد. الامر الذي افرز حالة من الاحتقان بين مايسمى بعراقي الداخل والخارج فضلا عن التواجد العسكري لقوات الاحتلال وفي مقدمتهم الترسانة الامريكية والتي كانت السبب الرئيس وراء تأسيس مثل هذا الجيش ليكون رأس حربة للمقاومة العراقية في الوسط والجنوب العراقيين على الاقل.
السيد مقتدى الصدر وباعتباره القائد الاعلى لهذا الجيش يُعتبر وجه جديد على الساحة السياسية العراقية وكما يحلو للكثيرين ان يصفوه بانه لايملك من المناورة الدبلوماسية مايكفي فضلا عن الاداء السياسي الضعيف الذي يتميز به واتباعه! وانه لايملك سوى ماتركه له والده من الارث الديني والقاعدة الشعبية العريضة التي تقدر بما لايقل عن مليونين انسان من مختلف الاعمار وخصوصا الشباب الثوري المندفع ضمن ما اصطلح على تسميته لاحقا "التيار الصدري".
الحقيقة الميدانية على الساحة العراقية تقول ان ليس من وجود لاي حزب او تيار سياسي مهما كانت اجندته السياسية وارثه الديني ان حظي بهذا القدر من التأييد الذي حصل عليه السيد مقتدى الصدر والذي حاز على القاب كثيرة من محبيه ومريديه من قبيل "اسد الله الثالث" او "الصدر الثالث". الحقيقة الاخرى التي ترجمت فيما بعد عمليا كانت ان لتشكيل جيش المهدي الاثر البالغ في احتواء هذه الجماهير الغفيرة ضمن كيان زاوج بين الاجندة السياسية والتي كان محورها "مقاومة المحتل" وبين الولاء الديني لمرجعية السيد محمد محمد صادق الصدر وخلفاءه ممن يحلو للصدريين ان يصفوهم "المرجعية الناطقة" او "المرجعية الشريفة"! هذا الكيان قد ضمن عدم تفرّق تلك القاعدة الواسعة عن قيادتها او استقطابها من قبل جماعات وتيارات اخرى وصل عددها بعد سقوط صدام الى 328 كيان سياسي عجزت جميعها ان تستقطب ولو عشر مما تمثله القاعدة الصدرية في المجتمع العراقي.
وبذلك يمكن وصف تأسيس جيش المهدي خطوة ايجابية اتضحت تجلّياتها لاحقا، هذا اذا اعتبرنا ان مقاومة المحتل امر مفروغ منه. فقد رفع هذا التيار شعار "مقاومة المحتل" بشكل علني ومن دون مداراة، بل وصل الامر الى حدود ابعد من ذلك ليصل الى ملاحقة التيار الاعلامية لكل من يتعامل مع المحتل بوصفهم "اعوان المحتل وخدمته".
سياسيا وفي خطوة اولى استطاعت قيادة التيار الصدري ان تخرج من الحصار السياسي الذي ضُرب عليها وذلك من خلال تحالفها مع احزاب وشخصيات اخرى دينية وعلمانية على حد سواء كان في مقدمتها حزب الله العراقي بقيادة كريم ماهود المحمداوي (ابو حاتم) والمؤتمر الوطني العراقي بقيادة الدكتور احمد الجلبي وتشكيل جبهة اطلق على تسميتها حينها "المجلس السياسي الشيعي ".
لايخفى على المتابعين حجم الضغوطات التي مُورست على التيار الصدري وعلى قيادته للتخلي عن سلاحهم والانخراط في العملية السياسية التي ترعاها الولايات المتحدة من خلال تواجدها العسكري الضخم في العراق والذي يقدر بمائة وثلاثين الف جندي. كما لايخفى على احد حجم التشويه المنظّم الذي تعرض له هذا التيار من قبل تشكيلات وجماعات عدة سواء من خلال الاشاعات او من خلال جس نبض قيادة هذا التيار من خلال جملة من التحرّشات التي عادت فيما بعد على اصحابها بشكل سئ للغاية.
هذا فضلا عن طريقة التعامل الفض لقوات الاحتلال مع قيادة هذا التيار وجماهيره الغفيرة سواء من قبيل الاعتقال والارهاب او من قبيل الاجتياح العام لاماكن تواجد القيادة العامة للتيار الصدري. وقد ترجم ذلك بالاجتياح العسكري الامريكي للنجف وذلك بالتنسيق مع حكومة الدكتور اياد علاوي رئيس حركة الوفاق حينها واعتصام قائد التيار السيد مقتدى الصدر في داخل الحضرة الحيدرية لايام في محاولة جادة منه لفك الحصار فضلا عن التحشيد الاعلامي والشعبي ضد قوات الاحتلال وهو ماحصل فعلا بعد انقضاء الازمة. بل ووصل الامر الى ابعد من ذلك فقد تخلّت تلك القوات عن الامر القضائي الذي استحصلته من قبل قاض قيل عنه انه عراقي في اعتقال السيد مقتدى الصدر وذلك بعد توجيه اتهام صريح له بقتل السيد عبد المجيد الخوئي الذي كان اول شخصية عراقية تدخل العراق مع القوات الامريكية في يوم 4 نيسان 2003. بعد هذا الحادث عاد هذا التيار اقوى من السابق فكثر انصاره ومريديه وتمسّكت القاعدة بقائدها الذي اثبت جدارة منقطعة النظير في تحدي المحتل وفرض عليه واقعا جديدا لم يكن يتوقعه ولم يرد في حساباته او حسابات من يعتبروه محررا وفاتحا لا محتلا. وبذلك تحولت كل القاعدة الصدرية والتيار الصدري بشكل كامل الى جيش المهدي، عندها اصبح جيش المهدي تسمية رديفة للتيار الصدري ولايفصلهما عن بعضهما اي فاصل.
الخطوة الاخرى التي خطتها قيادة هذا التيار هو عدم مشاركتها في الحكومة التي تشكّلت سواء من خلال مجلس الحكم الذي استمر تسعة اشهر او ماتلاها من حكومة الدكتور اياد علاوي والتي استمرّت حتى انتخابات يناير 2005. بعدها تشكّلت حكومة الدكتور ابراهيم الجعفري ضمن الاستحقاق الانتخابي الذي حصلت عليه، حينها استطاعت هذه الحكومة ان تستقطب شخصيات محسوبة على التيار الصدري وزجّها في وزرات خدمية كان في مقدمتها وزارتي النقل والصحة، تبين فيما بعد انها كانت موضع اتفاق بين الطرفين وذلك لتجنّب التيار وقيادته قوات الاحتلال من خلال الوزارات السيادية التي تتطلب تعاونا واحتكاكا مباشرين مع قوات الاحتلال الامريكي تحديدا وهذا ماصرّحت به القيادة الصدرية بشكل واضح وصريح مؤخرا.
المأخذ الاخر على انصار التيار الصدري هو التحصيل العلمي المتدني لمنتسبيه وهو ما اعتبرته بعض التيارات المنافسة وصمة عار متناسين بذلك ان الوضع المتدني في كل مرافق الحياة وتحديدا فترة الحصار الاقتصادي على العراق 1991-2003 كان السمة الغالبة في العراق وخصوصا الجانبين التعليمي والصحي منها. ففي تلك الفترة كان العوز شريك للمواطن العراقي وملاصق له بدرجة كبيرة جعلت من الطاقم التدريسي ان يعتمد على متلقّي العلم في ترقيع عوزه ولو ببيضة دجاجة.
هذا فضلا عن اتجاه كافة طبقات المجتمع العراقي من دون استثناء الى الكد والتعب لتأمين ادنى متطلبات العيش البسيط. بيد ان خلّو التيار من الكوادر والتكنوقراط امرا ليس واقعيا بقدر ما للتيار من انصار كثر فاق كل التيارات الاخرى الامر الذي أُخذ بالسمة الغالبة عليه من البسطاء من الناس والذين يتملّكهم حب الوطن والدفاع عن المقدسات ومقاومة المحتل والوفاء بالوعد لقائدهم السيد محمد محمد صادق الصدر (رحمه الله) وذلك من خلال مساندة نجله السيد مقتدى الصدر. شباب ربما لايملك بعضهم تعليما عاليا ولكن يتميّز عن اقرانه بالكبرياء وصدق الموقف والرجولة والهمة والغيرة والنخوة وهي صفات لايكتسبها المرء بالتلقين ولا من خلال المعاهد العليا بل يرضعها من الارض الطيبة وصفاء المنبت والالتزام بالوفاء.
المأخذ الثالث على التيار موجه اساسا الى قائده السياسي السيد مقتدى الصدر والذي يتهمه منافسيه بانه "يتقمّص" دور المرجعية! بينما لم يسمع احد قول كهذا لا من الصدر ولا من اي من وكلاء والده ولاحتى من مؤيديه المتعلّمين. اما البسطاء من الناس فليسوا محط عنوان بارز في تلك القضية فالكل متفقون ان مايحرّك هذه الطبقة من الناس هو العاطفة وليس الواقع. الغرض من هذه النكتة هو محاولة زرع فتنة بين المدرسة التقليدية والتي يتربّع على عرشها اليوم في النجف اكثر من مرجع وبين المدرسة الثورية التي ينتمي اليها السيد مقتدى وهو بذلك حقيقة لم يخرج عن الخط الصدري الذي خطّه محمد باقر الصدر "الصدر الاول قدس سره"، هذا اولا.
السبب الاخر الكامن وراء اشاعات من هذا النوع هو حمّى المنافسة بين التيارات السياسية العراقية وبالاخص التي ترفع الشعارات الدينية والتي تحاول مااسعفتها خبرتها ودهائها التأثير على القاعدة الصدرية ومن يتعاطف معها ودفعها للتحوّل الى الجانب الاخر وذلك من خلال ايهامها بعدم شرعية المضي وراء مقتدى الصدر نظرا لما لا يملكه من مؤهلات المرجعية. السبب الثالث يقف وراءه المغرضون والانتهازيون ومن يصطف معهم من مروّجي الفتن وهم موجودون في كل زمان ومكان ولايبتغون من وراء ذلك الا الفتنة وفينا سمّاعون لهم طبعا! يُلصقون بالسيد مقتدى تهمة من هذا النوع لاغاضة منافسيه وغرمائه من جهة ومحاولة لاسقاطه جماهيريا من جهة اخرى. الحقيقة هي ان مقتدى الصدر كان رجلا يعرف حجمه تماما فلم يسمع لهؤلاء ولا لهؤلاء واصر على انه رجل لايطرح نفسه كمتصدّي لامور المرجعية والافتاء بالقدر الذي يتوجبه المقام في هذا الظرف الاستثنائي من مقاومة المحتل بكل الوسائل المتاحة فضلا عن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذان واجبان على كل مسلم ولايحتاج من يقوم بهما لان يكون مرجعا!
وللامانة يمكن القول بان التيار الصدري قد بدأ منذ فترة بانتهاج خط معتدل وبرنامج بدأت خطواته العملية تتضح شيئا فشيئا مما يؤهله لتبوء مكانة جماهيرية ربما ستلتهم مستقبل كبير من التيارات الاخرى الصاعدة ومن هذه المعالم:
طرح برنامجه السياسي بشكل تدريحي ومقبول وبجرأة وثقة كبيرين مع تخفيف الارتكاز على الخطاب الديني بشكل كامل.
استقطاب شخصيات مستقلة ذات تعليم عال لتشكّل نقطة ارتكاز واستقطاب وانطلاق نحو خطوات جديدة وفاعلة.
الانتقال التدريجي بقوات جيش المهدي من حالة التأهب القصوى لخوض الحرب الى حالة البناء والتطوير.
اعتماد لغة الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي بالاضافة الى لغة "المقاومة"
تشكيل هيئة امانة عامة ومكتب سياسي لهما دور فاعل وحيوي وليس صوري
الحديث عن الخبرة الكفاءة اللذان يحتمان الدخول في كل مفاصل الدولة وممثلياتها في الخارج وعدم الاعتماد على الوزارات الخدمية فحسب.
بعد هذا العرض البسيط لظروف ووقائع تشكيل التيار الصدري وجيش المهدي وتعامل قيادته مع الازمات والعواصف التي اكتنفت التيار يمكننا ان نخرج بتقييم بسيط يدلل على الحنكة والدراية لقيادة هذا التيار بمتطلبات المرحلة رغم الانقسام الغير مؤثر الذي تعرّض له اسوة بباقي الاحزاب العراقية الاخرى. تقييم مخلص لتيار وطني ساهم ولازال في رفد الشارع العراقي بقوة شبابية وهيبة دولية واقليمية فضلا عن تأريخ ستتحدث عنه الاجيال القادمة في مقاومة المحتل. تلك المقاومة التي فرضت واقع مغاير لما اراده هذا المحتل وما توقّعه من اذلال وخنوع لكل العراقيين وتحميلهم عار سقوط بغداد وجميل اسقاط البعث وصدام. تيار جعل من المفردات السياسية ترجمة واقعية بعيدة عن المجاملات المصطنعة التي وصلت مؤخرا بالبعض حد النفاق وذلك من خلال اعتماده خطاب سياسي واضح المعالم وخطى واثقة نحو المشاركة بفاعلية في بناء الدولة العراقية الجديدة.
من جانب اخر سيبقى التأريخ العراقي يتحدث عن قيادة معروفة ومفروزة قاومت الاحتلال الامريكي للعراق بصدور مكشوفة وعقول نيرة وسجّلت موقفا في وقت يصعب فيه التكهن بعواقب الوقوف بمواجهة الترسانة العسكرية الامريكية فضلا عن المليشيات المحلية. لكن سيبقى تقييمنا هذا موضع تأمل وتدقيق سواء من قبل التيار او من قبل منافسيه ومعارضيه على حد سواء. فنحن لاندّعي امتلاك الحقيقة كاملة فنظرتنا هذه محايدة تنظر الى الحوادث من خلال مصاديق لها على ارض الواقع لا من خلال تمنيات او تزلّف ومحسوبيات، والله من وراء القصد.
www.riyad.bravehost.com
كاتب صحفي وناشط سياسي عراقي مستقل
بعد سنوات ثلاث من تأسيس "جيش المهدي" الذي اسسه السيد مقتدى الصدر نجل اية الله العظمى السيد محمد محمد صادق الصدر (قدس سره) ربما يتوجب ان نلقي نظرة ولو سريعة على ظروف تأسيس هذا الجيش والهدف منه وماينتظره من تحديات على الساحة الداخلية على الاقل. وهل هنالك من فرق بين جيش المهدي والتيار الصدري؟ واي نوع من القيادة تحرّكه وتتحكم به؟ وهل يحق للسيد مقتدى ان يطرح نفسه كمرجعية دينية؟ وماهي التحديات التي تواجه جيش المهدي في العراق؟!
جيش المهدي، تشكيل ليس بالمعنى الاكاديمي العسكري للجيش النظامي سواء من جانب التسليح والتدريب او حتى التعبئة والضبط العسكري. بل هو تشكيل اقتضته الحال الاستثنائية التي اعقبت سقوط النظام البعثي واعتلاء السلطة احزاب اتخذت من المنافي محطة لانطلاقتها من خلال افراد لم يكن لهم اي دور في الحكومات التي تداولت السلطة في العراق منذ تأسيس الدولة العراقية في اوائل العشرينيات حتى وقت سقوط بغداد. الامر الذي افرز حالة من الاحتقان بين مايسمى بعراقي الداخل والخارج فضلا عن التواجد العسكري لقوات الاحتلال وفي مقدمتهم الترسانة الامريكية والتي كانت السبب الرئيس وراء تأسيس مثل هذا الجيش ليكون رأس حربة للمقاومة العراقية في الوسط والجنوب العراقيين على الاقل.
السيد مقتدى الصدر وباعتباره القائد الاعلى لهذا الجيش يُعتبر وجه جديد على الساحة السياسية العراقية وكما يحلو للكثيرين ان يصفوه بانه لايملك من المناورة الدبلوماسية مايكفي فضلا عن الاداء السياسي الضعيف الذي يتميز به واتباعه! وانه لايملك سوى ماتركه له والده من الارث الديني والقاعدة الشعبية العريضة التي تقدر بما لايقل عن مليونين انسان من مختلف الاعمار وخصوصا الشباب الثوري المندفع ضمن ما اصطلح على تسميته لاحقا "التيار الصدري".
الحقيقة الميدانية على الساحة العراقية تقول ان ليس من وجود لاي حزب او تيار سياسي مهما كانت اجندته السياسية وارثه الديني ان حظي بهذا القدر من التأييد الذي حصل عليه السيد مقتدى الصدر والذي حاز على القاب كثيرة من محبيه ومريديه من قبيل "اسد الله الثالث" او "الصدر الثالث". الحقيقة الاخرى التي ترجمت فيما بعد عمليا كانت ان لتشكيل جيش المهدي الاثر البالغ في احتواء هذه الجماهير الغفيرة ضمن كيان زاوج بين الاجندة السياسية والتي كان محورها "مقاومة المحتل" وبين الولاء الديني لمرجعية السيد محمد محمد صادق الصدر وخلفاءه ممن يحلو للصدريين ان يصفوهم "المرجعية الناطقة" او "المرجعية الشريفة"! هذا الكيان قد ضمن عدم تفرّق تلك القاعدة الواسعة عن قيادتها او استقطابها من قبل جماعات وتيارات اخرى وصل عددها بعد سقوط صدام الى 328 كيان سياسي عجزت جميعها ان تستقطب ولو عشر مما تمثله القاعدة الصدرية في المجتمع العراقي.
وبذلك يمكن وصف تأسيس جيش المهدي خطوة ايجابية اتضحت تجلّياتها لاحقا، هذا اذا اعتبرنا ان مقاومة المحتل امر مفروغ منه. فقد رفع هذا التيار شعار "مقاومة المحتل" بشكل علني ومن دون مداراة، بل وصل الامر الى حدود ابعد من ذلك ليصل الى ملاحقة التيار الاعلامية لكل من يتعامل مع المحتل بوصفهم "اعوان المحتل وخدمته".
سياسيا وفي خطوة اولى استطاعت قيادة التيار الصدري ان تخرج من الحصار السياسي الذي ضُرب عليها وذلك من خلال تحالفها مع احزاب وشخصيات اخرى دينية وعلمانية على حد سواء كان في مقدمتها حزب الله العراقي بقيادة كريم ماهود المحمداوي (ابو حاتم) والمؤتمر الوطني العراقي بقيادة الدكتور احمد الجلبي وتشكيل جبهة اطلق على تسميتها حينها "المجلس السياسي الشيعي ".
لايخفى على المتابعين حجم الضغوطات التي مُورست على التيار الصدري وعلى قيادته للتخلي عن سلاحهم والانخراط في العملية السياسية التي ترعاها الولايات المتحدة من خلال تواجدها العسكري الضخم في العراق والذي يقدر بمائة وثلاثين الف جندي. كما لايخفى على احد حجم التشويه المنظّم الذي تعرض له هذا التيار من قبل تشكيلات وجماعات عدة سواء من خلال الاشاعات او من خلال جس نبض قيادة هذا التيار من خلال جملة من التحرّشات التي عادت فيما بعد على اصحابها بشكل سئ للغاية.
هذا فضلا عن طريقة التعامل الفض لقوات الاحتلال مع قيادة هذا التيار وجماهيره الغفيرة سواء من قبيل الاعتقال والارهاب او من قبيل الاجتياح العام لاماكن تواجد القيادة العامة للتيار الصدري. وقد ترجم ذلك بالاجتياح العسكري الامريكي للنجف وذلك بالتنسيق مع حكومة الدكتور اياد علاوي رئيس حركة الوفاق حينها واعتصام قائد التيار السيد مقتدى الصدر في داخل الحضرة الحيدرية لايام في محاولة جادة منه لفك الحصار فضلا عن التحشيد الاعلامي والشعبي ضد قوات الاحتلال وهو ماحصل فعلا بعد انقضاء الازمة. بل ووصل الامر الى ابعد من ذلك فقد تخلّت تلك القوات عن الامر القضائي الذي استحصلته من قبل قاض قيل عنه انه عراقي في اعتقال السيد مقتدى الصدر وذلك بعد توجيه اتهام صريح له بقتل السيد عبد المجيد الخوئي الذي كان اول شخصية عراقية تدخل العراق مع القوات الامريكية في يوم 4 نيسان 2003. بعد هذا الحادث عاد هذا التيار اقوى من السابق فكثر انصاره ومريديه وتمسّكت القاعدة بقائدها الذي اثبت جدارة منقطعة النظير في تحدي المحتل وفرض عليه واقعا جديدا لم يكن يتوقعه ولم يرد في حساباته او حسابات من يعتبروه محررا وفاتحا لا محتلا. وبذلك تحولت كل القاعدة الصدرية والتيار الصدري بشكل كامل الى جيش المهدي، عندها اصبح جيش المهدي تسمية رديفة للتيار الصدري ولايفصلهما عن بعضهما اي فاصل.
الخطوة الاخرى التي خطتها قيادة هذا التيار هو عدم مشاركتها في الحكومة التي تشكّلت سواء من خلال مجلس الحكم الذي استمر تسعة اشهر او ماتلاها من حكومة الدكتور اياد علاوي والتي استمرّت حتى انتخابات يناير 2005. بعدها تشكّلت حكومة الدكتور ابراهيم الجعفري ضمن الاستحقاق الانتخابي الذي حصلت عليه، حينها استطاعت هذه الحكومة ان تستقطب شخصيات محسوبة على التيار الصدري وزجّها في وزرات خدمية كان في مقدمتها وزارتي النقل والصحة، تبين فيما بعد انها كانت موضع اتفاق بين الطرفين وذلك لتجنّب التيار وقيادته قوات الاحتلال من خلال الوزارات السيادية التي تتطلب تعاونا واحتكاكا مباشرين مع قوات الاحتلال الامريكي تحديدا وهذا ماصرّحت به القيادة الصدرية بشكل واضح وصريح مؤخرا.
المأخذ الاخر على انصار التيار الصدري هو التحصيل العلمي المتدني لمنتسبيه وهو ما اعتبرته بعض التيارات المنافسة وصمة عار متناسين بذلك ان الوضع المتدني في كل مرافق الحياة وتحديدا فترة الحصار الاقتصادي على العراق 1991-2003 كان السمة الغالبة في العراق وخصوصا الجانبين التعليمي والصحي منها. ففي تلك الفترة كان العوز شريك للمواطن العراقي وملاصق له بدرجة كبيرة جعلت من الطاقم التدريسي ان يعتمد على متلقّي العلم في ترقيع عوزه ولو ببيضة دجاجة.
هذا فضلا عن اتجاه كافة طبقات المجتمع العراقي من دون استثناء الى الكد والتعب لتأمين ادنى متطلبات العيش البسيط. بيد ان خلّو التيار من الكوادر والتكنوقراط امرا ليس واقعيا بقدر ما للتيار من انصار كثر فاق كل التيارات الاخرى الامر الذي أُخذ بالسمة الغالبة عليه من البسطاء من الناس والذين يتملّكهم حب الوطن والدفاع عن المقدسات ومقاومة المحتل والوفاء بالوعد لقائدهم السيد محمد محمد صادق الصدر (رحمه الله) وذلك من خلال مساندة نجله السيد مقتدى الصدر. شباب ربما لايملك بعضهم تعليما عاليا ولكن يتميّز عن اقرانه بالكبرياء وصدق الموقف والرجولة والهمة والغيرة والنخوة وهي صفات لايكتسبها المرء بالتلقين ولا من خلال المعاهد العليا بل يرضعها من الارض الطيبة وصفاء المنبت والالتزام بالوفاء.
المأخذ الثالث على التيار موجه اساسا الى قائده السياسي السيد مقتدى الصدر والذي يتهمه منافسيه بانه "يتقمّص" دور المرجعية! بينما لم يسمع احد قول كهذا لا من الصدر ولا من اي من وكلاء والده ولاحتى من مؤيديه المتعلّمين. اما البسطاء من الناس فليسوا محط عنوان بارز في تلك القضية فالكل متفقون ان مايحرّك هذه الطبقة من الناس هو العاطفة وليس الواقع. الغرض من هذه النكتة هو محاولة زرع فتنة بين المدرسة التقليدية والتي يتربّع على عرشها اليوم في النجف اكثر من مرجع وبين المدرسة الثورية التي ينتمي اليها السيد مقتدى وهو بذلك حقيقة لم يخرج عن الخط الصدري الذي خطّه محمد باقر الصدر "الصدر الاول قدس سره"، هذا اولا.
السبب الاخر الكامن وراء اشاعات من هذا النوع هو حمّى المنافسة بين التيارات السياسية العراقية وبالاخص التي ترفع الشعارات الدينية والتي تحاول مااسعفتها خبرتها ودهائها التأثير على القاعدة الصدرية ومن يتعاطف معها ودفعها للتحوّل الى الجانب الاخر وذلك من خلال ايهامها بعدم شرعية المضي وراء مقتدى الصدر نظرا لما لا يملكه من مؤهلات المرجعية. السبب الثالث يقف وراءه المغرضون والانتهازيون ومن يصطف معهم من مروّجي الفتن وهم موجودون في كل زمان ومكان ولايبتغون من وراء ذلك الا الفتنة وفينا سمّاعون لهم طبعا! يُلصقون بالسيد مقتدى تهمة من هذا النوع لاغاضة منافسيه وغرمائه من جهة ومحاولة لاسقاطه جماهيريا من جهة اخرى. الحقيقة هي ان مقتدى الصدر كان رجلا يعرف حجمه تماما فلم يسمع لهؤلاء ولا لهؤلاء واصر على انه رجل لايطرح نفسه كمتصدّي لامور المرجعية والافتاء بالقدر الذي يتوجبه المقام في هذا الظرف الاستثنائي من مقاومة المحتل بكل الوسائل المتاحة فضلا عن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذان واجبان على كل مسلم ولايحتاج من يقوم بهما لان يكون مرجعا!
وللامانة يمكن القول بان التيار الصدري قد بدأ منذ فترة بانتهاج خط معتدل وبرنامج بدأت خطواته العملية تتضح شيئا فشيئا مما يؤهله لتبوء مكانة جماهيرية ربما ستلتهم مستقبل كبير من التيارات الاخرى الصاعدة ومن هذه المعالم:
طرح برنامجه السياسي بشكل تدريحي ومقبول وبجرأة وثقة كبيرين مع تخفيف الارتكاز على الخطاب الديني بشكل كامل.
استقطاب شخصيات مستقلة ذات تعليم عال لتشكّل نقطة ارتكاز واستقطاب وانطلاق نحو خطوات جديدة وفاعلة.
الانتقال التدريجي بقوات جيش المهدي من حالة التأهب القصوى لخوض الحرب الى حالة البناء والتطوير.
اعتماد لغة الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي بالاضافة الى لغة "المقاومة"
تشكيل هيئة امانة عامة ومكتب سياسي لهما دور فاعل وحيوي وليس صوري
الحديث عن الخبرة الكفاءة اللذان يحتمان الدخول في كل مفاصل الدولة وممثلياتها في الخارج وعدم الاعتماد على الوزارات الخدمية فحسب.
بعد هذا العرض البسيط لظروف ووقائع تشكيل التيار الصدري وجيش المهدي وتعامل قيادته مع الازمات والعواصف التي اكتنفت التيار يمكننا ان نخرج بتقييم بسيط يدلل على الحنكة والدراية لقيادة هذا التيار بمتطلبات المرحلة رغم الانقسام الغير مؤثر الذي تعرّض له اسوة بباقي الاحزاب العراقية الاخرى. تقييم مخلص لتيار وطني ساهم ولازال في رفد الشارع العراقي بقوة شبابية وهيبة دولية واقليمية فضلا عن تأريخ ستتحدث عنه الاجيال القادمة في مقاومة المحتل. تلك المقاومة التي فرضت واقع مغاير لما اراده هذا المحتل وما توقّعه من اذلال وخنوع لكل العراقيين وتحميلهم عار سقوط بغداد وجميل اسقاط البعث وصدام. تيار جعل من المفردات السياسية ترجمة واقعية بعيدة عن المجاملات المصطنعة التي وصلت مؤخرا بالبعض حد النفاق وذلك من خلال اعتماده خطاب سياسي واضح المعالم وخطى واثقة نحو المشاركة بفاعلية في بناء الدولة العراقية الجديدة.
من جانب اخر سيبقى التأريخ العراقي يتحدث عن قيادة معروفة ومفروزة قاومت الاحتلال الامريكي للعراق بصدور مكشوفة وعقول نيرة وسجّلت موقفا في وقت يصعب فيه التكهن بعواقب الوقوف بمواجهة الترسانة العسكرية الامريكية فضلا عن المليشيات المحلية. لكن سيبقى تقييمنا هذا موضع تأمل وتدقيق سواء من قبل التيار او من قبل منافسيه ومعارضيه على حد سواء. فنحن لاندّعي امتلاك الحقيقة كاملة فنظرتنا هذه محايدة تنظر الى الحوادث من خلال مصاديق لها على ارض الواقع لا من خلال تمنيات او تزلّف ومحسوبيات، والله من وراء القصد.
www.riyad.bravehost.com