المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ماهي ارباح وخسائر عزل الشيخ سعد؟ .....محمد عبدالقادر الجاسم



زوربا
01-26-2006, 08:06 AM
آخر شيوخ الهيبة!


ماهي ارباح وخسائر عزل الشيخ سعد؟

ان البحث عن اجابة لهذا السؤال امرمهم جدا. وهذا ما احاول ان افعله في هذا المقال واضعا في الاعتبار انني اتحدث اليوم وليس للبلاد أمير ذاته مصونة بعد!!

ولكن قبل محاولة الإجابة على هذا السؤال لابد من التفكير: هل كان الشيخ سالم العلي يريد دفع الأمور نحو عزل الشيخ سعد عن عمد؟ يبدو كذلك فهو ، كما يشاع ، لم يكن يفاوض على شيء, وبالتالي من الواضح انه ربما كان يريد للتاريخ ان يسجل ما تم تسجيله!!

"ان الكويت تتجاوز الأدبيات القبلية البالية وترسخ الشرعية الدستورية وتضرب مثالا صارخا للدولة المدنية الحديثة. هنيئا للعرب هذا الأنموذج المشرف".

كانت هذه رسالة هاتفية تلقيتها من المملكة العربية السعودية, وهي في مضمونها العام صحيحة, فرغم ان الصراع كان على "الكرسي الكبير" الا اننا لم نر في الكويت اي مدرعة في الشارع ولم تتم حملة اعتقالات, وانما تم اللجوء الى الدستور, وهذا ما يدعونا للفخر كما قلت في مقالاتي السابقة.

غير ان الصورة الجميلة غير كاملة لمن يعرف التفاصيل... فالنزاع وإن كانت مرجعيته الدستور, الا انه في اللحظة الأخيرة خرج عن دائرة الدستور الى حد ما, وسوف يأتي يوم تنشر فيه كل التفاصيل المحظور نشرها الآن, ومن بينها التفاصيل الدقيقة لموقف رئيس مجلس الأمة.

لا شك ان الأسرة الحاكمة خسرت الكثير من هيبتها ومكانتها بل وحتى شعبيتها نتيجة للتداول العلني لكل التفاصيل التي كان بعضها غير لائق لأسرة حكم خاصة تفاصيل اللحظة الأخيرة. فالاستخدام المكثف لسلاح الاشاعة والبلوتوث والمسجات والمطالب وكذلك التضليل الاعلامي وان كان يلائم انظمة الحكم غير الوراثية الا ان لجوء اطراف مهمة في الأسرة الحاكمة لتلك الوسائل اخرج الأسرة الحاكمة عن "رزانتها" وهو خروج يؤثر سلبا عليها.

لقد تم "تجريح" منصب الإمارة سواء بسبب اللجوء الى العزل او بسبب الاصرار على عدم التنحي. لذلك فإن منصب الإمارة لن تكون له "حصانة اجتماعية" أيا كان الحاكم, والحصانة الوحيدة هي الحصانة الدستورية التي تجعل ذات الأمير مصونة لا تمس. ولأن الأمير القادم هو الشيخ صباح كما يفترض فإنه وبحكم وضعه "الشخصي" سوف يحافظ على ما تبقى من "التراث", فهو آخر شيوخ "الهيبة". غير انه من المحتوم ان الأمير الذي يخلفه سوف يكون في وضع مختلف جدا!!

الأمر الآخر المهم جدا هو ان استخدام الأسرة الحاكمة لقانون توارث الامارة لعزل اميرها اسقط كل الحواجز المعنوية التي كانت تعيق تفعيل بقية مواد الدستور مثل استجواب رئيس الوزراء واتخاذ قرار عدم التعاون معه, وليس هناك ما يمنع من استجواب وزراء "السيادة" فمثل هذا القرار كان "في السابق" من المحرمات السياسية رغم انه مباح دستوريا. واعتقد انه لن يمر وقت طويل حتى تشهد الساحة السياسية أول استجواب لرئيس الوزراء القادم سواء كان هذا الاستجواب بتحريض من بعض افراد الأسرة الحاكمة في اطار التنافس الذي سوف يستمر على الكرسي الكبير في مرحلة ما بعد الحاكم القادم بين "الشباب", او كان استجوابا شعبيا صرفا غير مرتبط بصراع الشيوخ.

واعتقد ان الاحتكام الى الدستور سوف يتعاظم ولن تتمكن الأسرة الحاكمة مستقبلا من السيطرة على مقاليد الأمور بالطرق التقليدية التي اتبعت طوال الأربعين سنة الماضية. وسوف تكتسب القوى السياسية "جرأة أكبر" في تداول القضايا العامة الى ان يخرج منصب رئاسة الوزراء من حيازة الأسرة الحاكمة ويكون محل تداول لأفراد من الشعب, وهنا تبدأ مسيرة تحول الحكم في الكويت الى نظام "الملكية الدستورية" والذي يمنح الأسرة الحاكمة منصبي الأمير وولي العهد فقط ويخرج منصب رئيس الوزراء ووزارات الخارجية والداخلية والدفاع, وهي ما يطلق عليها وزارات السيادة, من حيازة الأسرة الحاكمة. وهذه هي النظرة الغربية لمستقبل الأسر الحاكمة في الخليج. إننا فعلا نصنع تاريخا جديدا في هذه اللحظات.

أمر آخر في غاية الأهمية والحساسية ونعبر عنه بتساؤل مفاده: هل هناك فواتير سوف تسدد مقابل المواقف المؤيدة لعزل الشيخ سعد؟

بحسب المنطق السياسي السائد اليوم سوف تكون الإجابة نعم, لذلك يتعين على اعضاء مجلس الأمة وكل من يعنيهم مستقبل البلاد مراقبة تسديد الفواتير وعدم التساهل في الحيلولة دون ذلك, فنحن لا نريد لأبواب الفساد ان تشرع اكثر مما هي عليه الآن!

ومن تداعيات اقالة الشيخ سعد ان الحاكم القادم سوف يكون في وضع معقد الى حد ما فهو, اي الحاكم القادم, يحتاج الى اعادة "تشكيل" صورته العامة كأن يظهر انه حاكم "اصلاحي" يوافق على المطالب الشعبية امام الشعب الكويتي والغرب ايضا, وكحاكم "كريم" يوافق على سياسة المنح والهبات للمواطنين, وكحاكم "عطوف رحيم" يهتم بشؤون كبار السن.. ان هذه الحاجة ربما تتحكم في أجندة الحاكم الجديد للكويت الى حد كبير جدا. وإذا كان الحاكم القادم هو الشيخ صباح الأحمد فإنه يحتاج الى التخلي عن "المركزية" ويعتاد على ممارسة دوره الدستوري فقط وهو دور "الحكم" بين السلطات. وهذا حتما دور جديد ربما يحتاج القيام به الى وقت طويل.

الأمر الآخر الجدير بالتوقف عنده هو انه تم "استخدام" الفروع غير الحاكمة في أسرة الصباح لتوفير "الأغلبية".. صحيح ان قرار عزل الشيخ سعد لم يطرح "للتصويت" في اي اجتماع لأسرة الصباح ولم يكن للفروع غير الحاكمة "الحرية" في "مباركة" قرار العزل, أو حتى محاولة الحصول على "مكاسب", إلا انهم حتما يتوقعون بعض المكاسب إما على نحو فردي أو على نحو جماعي. بمعنى ان اشراكهم فيما يسمى "كوداك مومنت", اي مناسبة للتصوير, سوف يوقظ لدى تلك الفروع الرغبة القديمة في الحصول على "اعتراف سياسي" بهم وليس اجتماعي فقط, وهم ان لم يحصلوا على شيء من ذلك الاعتراف مقابل "الكوداك مومنت" تلك فسوف يشعرون بالغبن وبالتالي ربما تبدأ فكرة "التنسيق بينهم" لمرحلة ما بعد الحاكم القادم تتبلور لتأخذ اتجاها مغايرا للدور "الخجول" الذي يقومون به الآن, والاستغناء عن الحديث بصوت خافت فيما بينهم.

يبقى ان نقول ومبكرا انه وقبل ان يصدر, مستقبلا, أول بيان من الديوان الأميري يقول ان " صاحب السمو غادر البلاد لإجراء فحوصات طبية روتينية" لابد من ترتيب بيت الحكم حتى لا نكرر ما حدث يوم أمس!




24/1/2006