زهير
01-25-2006, 12:07 PM
رشيد خيون
كان السباق جارياً، خلال الحرب الباردة، بين الشرق بزعامة موسكو والغرب بزعامة واشنطن على تكثير القنابل الذرية، فمَنْ يمتلك رؤوساً أكثر سيهيمن على الآخر، مع إدراك فكرة الفناء الكلي إذا تناطحت الرؤوس في سماء المعمورة. وبعون القوتين، وحتى بعد تقاعد موسكو ذرياً، امتلكت دول ناصية هذا السلاح: إسرائيل، كوريا، الهند، باكستان، حتى كاد ينفلت من ترساناته بين المسلمين والهندوس بعد غياب المهاتما غاندي ومحمد علي جناح. يجري الخلاف حامياً اليوم بين المجتمع الدولي وطهران، التي لوحت عمائمها بامتلاكه، أو امتلكته ولم يبق غير استخدامه بعد إسقاط عاقل إيران محمد خاتمي. وبطبيعة الحال هناك مخاوف، توحي بها قذائف رئيسها محمود أحمدي نجاد الخطابية، منها إحياء مبدأ تصدير الثورة، وهذه المرة ليست مجرد تظاهرات في موسم الحجيج بل بتراشق نووي لا قدر الله.
هناك تجربة نجد من المناسب التذكير بها، خاضتها عمائم عراقية من نوع آخر، اعتمرتها رؤوس حشدت ما قدرت عليه من أجل نزع السلاح النووي من على وجه الكرة الأرضية. وبهذا أكدت بالملموس أنها مسؤولة عن سلام المعمورة قبل قبعات عالم الكيمياء الفرد نوبل (ت 1896)، وعالم الفيزياء فردريك كوري (ت 1958)، والرسام بابلو بيكاسو (ت 1973)، فلديها ما يكفي من نصوص توكد أن الإسلام يعني السلام. كانت عمامة الشيخ عبد الكريم الماشطة (ت 1959)، مجتهد مدينة الحلة، في المقدمة. وقع الشيخ «نداء استكهولم» (19 مارس 1950) القاضي بتحريم القنبلة الذرية، وقعها جنباً إلى جنب مع الشاعر محمد مهدي الجواهري (ت 1997)، وكوري، وبيكاسو (ت1973)، وشخصيات أخرى ذات سمعة مدوية. وإثر ذلك تأسس مجلس السلم العراقي، وأنتخب صاحب العمامة البيضاء رئيساً.
ألقى الشيخ كلمة التأسيس: «بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم يا أنصار السلام، يا مَنْ تحبون الخير للإنسانية عامة، ولبلادكم خاصة. أرجو لكم من الله التوفيق في أعمالكم. وأن يمكنكم من خدمة أبناء النوع الإنساني عامة. ولا بد من أن تحبوا الله، وتحبوا جميع عباد الله. لأن مَنْ يحب الله يحب الله اثاره. والله تعالى يباهي بكم الملائكة على معاونتكم لإخوانكم، واهتمامكم بردع الحروب وتخليص البشرية من ويلات القنابل الذرية والهيدروجينية» (الناجي، الماشطة من رواد النهضة). وقف إلى جانب الماشطة، من علماء السُنَّة: الشيخ عبد الجبار الأعظمي (ت1971)، رئيس الهيئة المؤسسة لجمعية رابطة رجال الدين الأحرار، وخطيب جامع الوزير ببغداد. ومفتتش المعابد في وزارة الأوقاف. وصاحب مجلة الثقافة الإسلامية، التي صدرت 1955. ومن مؤلفاته: «تحت راية القرآن»، «الذكرى المحمدية الخالدة»، «السلام والحرية في الإسلام»، «موجز تفسير القرآن». سجن بعد الانقلاب على عبد الكريم قاسم في شباط 1963. وقتل مع أخيه وعلماء دين آخرين بمنطقة كَلالة من كردستان العراق (السامرائي، تأريخ علماء بغداد). كانوا ضمن وفد السلام الزائر للملا مصطفى البرزاني، وقتلوا جميعاً بتدبير من السلطة العراقية لاغتيال الملا. ونقل أحد معاصري الحدث، إن لم يكن مخطئاً، أن الشيخ جلال الحنفي كان من جماعة دعاة السلام، وهو إمام جامع الخلفاء ببغداد، وعمل منذ 1937 إماماً في دائرة الأوقاف، وتعلم اللسان الصيني لمكوثه بالصين مدرساً.
دعاة السلام من أهل العمائم أيضاً: السيد محمد الحكيم والسيد حسين الحكيم، خادما الضريح العلوي، والسيد محمد حسن الطالقاني، والسيد محمد الأمين جمال الدين، والشيخ عبد الحليم نجل الإمام محمد حسين كاشف الغطاء، والشيخ عبد الأمير سميسم، والشيخ حسن الخفاف، والشيخ محمد علي المظفر، إمام مسجد الإمام علي بمحلة العشار، وسط البصرة، وكان يرفع على واجهة المسجد مجسم حمامة السلام من أعمال بيكاسو، وحجته لمَنْ يعترض أنها نموذج حمامة نوح الحاملة غصن الزيتون. كذلك منهم الشيخ عبد اللطيف الوردي، المقتول (نحو 1961) على يد جماعة الشيخ محمد مهدي الخالصي، سالت دماؤه من على المنبر الحسيني، وهو يقرأ مجلس التعزية في صحن مرقد الإمام الكاظم. وهناك علماء دين آخرون من الشيعة والسُنَّة والكرد، لا تحضرني أسماؤهم. تنبأنا تلك التجربة أن أنبل مهام علماء الدين، على مختلف مذاهبهم وأديانهم، هو صيانة الكرة الأرضية من وسائل الفناء.
يفيدنا قارئ من قراء العزاء الحسيني، بما يشير إلى أن السلاح النووي كان شاغل الناس، وهو من أفاضل القراء بعد عميدهم الشيخ أحمد الوائلي (ت2003). ومن عادة صاحبنا استهلال مجلسه بالحديث عن اكتشاف أو اختراع ما، ثم يوصله بحيلة عجيبة بقصة الإمام الحسين، ليختم مجلسه كالعادة السائرة ببكائية شجية. استغل الروزخون نبأ توصل الصين إلى اختراع القنبلة الهيدروجينية، فأخذ يتحدث عنها، مع أن أغلب الحاضرين ليس لهم حظوظ في القراءة والكتابة، إلا أنهم كعراقيين ولعوا بالجدل السياسي! قال: «إن القنبلة الذرية أو الهيدروجينية، هي ليست من ابتكار هؤلاء الأغراب، بل هي من علم آل البيت». وأردف: «هاكم الدليل، ونسب كلاماً إلى الإمام علي بن أبي طالب يشير إلى معنى القنبلة: «وشيء يشبه الطلقا.. كلما زدته سحقا.. ملكت الغرب والشرقا». وهذا صاحب كُتيب «الحضارة في عهد الإمام المهدي» (دار المطبوعات 1972) يعتقد بفناء العالم قبيل ظهور الإمام المهدي، ويضع عدة احتمالات للفناء منها: «حرب كونية لا تبقي ولا تذر، وهي الحرب الذرية»، التي سيدحرها صاحب الزمان بما هو أقوى. قال: «فإن امتلك الإمام المهدي قوة العاصفة فماذا تصنع الأسلحة الذرية والإلكترونية»؟
ربما دار بإيران مثل هذا الحوار، ففيه ما يكفي ما يقنع البسطاء ليخرجوا هاتفين لمشاريع عمائم السلطة، ونسيان أحوالهم بكلام يشبه الشعر منسوب إلى الإمام علي، أو بفكرة فناء العالم من أجل حضور الإمام الغائب، وهو عين ما تعتقده فرقة الحجتية، التي تهيئ لتلك اللحظة، لكن بفناء الخير والإكثار من المظالم، فالظهور يملأ الأرض عدلاً وقسطاً وسلاماً. على أية حال، قد لا يُؤتمن على أزرار بالغة الخطورة مثل أزرار السلاح النووي، بعد خلو الساحة الإيرانية من عمائم على شاكلة عمامة الفقيه المفكر محمد خاتمي!
r_alkhayoun@hotmail.com
كان السباق جارياً، خلال الحرب الباردة، بين الشرق بزعامة موسكو والغرب بزعامة واشنطن على تكثير القنابل الذرية، فمَنْ يمتلك رؤوساً أكثر سيهيمن على الآخر، مع إدراك فكرة الفناء الكلي إذا تناطحت الرؤوس في سماء المعمورة. وبعون القوتين، وحتى بعد تقاعد موسكو ذرياً، امتلكت دول ناصية هذا السلاح: إسرائيل، كوريا، الهند، باكستان، حتى كاد ينفلت من ترساناته بين المسلمين والهندوس بعد غياب المهاتما غاندي ومحمد علي جناح. يجري الخلاف حامياً اليوم بين المجتمع الدولي وطهران، التي لوحت عمائمها بامتلاكه، أو امتلكته ولم يبق غير استخدامه بعد إسقاط عاقل إيران محمد خاتمي. وبطبيعة الحال هناك مخاوف، توحي بها قذائف رئيسها محمود أحمدي نجاد الخطابية، منها إحياء مبدأ تصدير الثورة، وهذه المرة ليست مجرد تظاهرات في موسم الحجيج بل بتراشق نووي لا قدر الله.
هناك تجربة نجد من المناسب التذكير بها، خاضتها عمائم عراقية من نوع آخر، اعتمرتها رؤوس حشدت ما قدرت عليه من أجل نزع السلاح النووي من على وجه الكرة الأرضية. وبهذا أكدت بالملموس أنها مسؤولة عن سلام المعمورة قبل قبعات عالم الكيمياء الفرد نوبل (ت 1896)، وعالم الفيزياء فردريك كوري (ت 1958)، والرسام بابلو بيكاسو (ت 1973)، فلديها ما يكفي من نصوص توكد أن الإسلام يعني السلام. كانت عمامة الشيخ عبد الكريم الماشطة (ت 1959)، مجتهد مدينة الحلة، في المقدمة. وقع الشيخ «نداء استكهولم» (19 مارس 1950) القاضي بتحريم القنبلة الذرية، وقعها جنباً إلى جنب مع الشاعر محمد مهدي الجواهري (ت 1997)، وكوري، وبيكاسو (ت1973)، وشخصيات أخرى ذات سمعة مدوية. وإثر ذلك تأسس مجلس السلم العراقي، وأنتخب صاحب العمامة البيضاء رئيساً.
ألقى الشيخ كلمة التأسيس: «بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم يا أنصار السلام، يا مَنْ تحبون الخير للإنسانية عامة، ولبلادكم خاصة. أرجو لكم من الله التوفيق في أعمالكم. وأن يمكنكم من خدمة أبناء النوع الإنساني عامة. ولا بد من أن تحبوا الله، وتحبوا جميع عباد الله. لأن مَنْ يحب الله يحب الله اثاره. والله تعالى يباهي بكم الملائكة على معاونتكم لإخوانكم، واهتمامكم بردع الحروب وتخليص البشرية من ويلات القنابل الذرية والهيدروجينية» (الناجي، الماشطة من رواد النهضة). وقف إلى جانب الماشطة، من علماء السُنَّة: الشيخ عبد الجبار الأعظمي (ت1971)، رئيس الهيئة المؤسسة لجمعية رابطة رجال الدين الأحرار، وخطيب جامع الوزير ببغداد. ومفتتش المعابد في وزارة الأوقاف. وصاحب مجلة الثقافة الإسلامية، التي صدرت 1955. ومن مؤلفاته: «تحت راية القرآن»، «الذكرى المحمدية الخالدة»، «السلام والحرية في الإسلام»، «موجز تفسير القرآن». سجن بعد الانقلاب على عبد الكريم قاسم في شباط 1963. وقتل مع أخيه وعلماء دين آخرين بمنطقة كَلالة من كردستان العراق (السامرائي، تأريخ علماء بغداد). كانوا ضمن وفد السلام الزائر للملا مصطفى البرزاني، وقتلوا جميعاً بتدبير من السلطة العراقية لاغتيال الملا. ونقل أحد معاصري الحدث، إن لم يكن مخطئاً، أن الشيخ جلال الحنفي كان من جماعة دعاة السلام، وهو إمام جامع الخلفاء ببغداد، وعمل منذ 1937 إماماً في دائرة الأوقاف، وتعلم اللسان الصيني لمكوثه بالصين مدرساً.
دعاة السلام من أهل العمائم أيضاً: السيد محمد الحكيم والسيد حسين الحكيم، خادما الضريح العلوي، والسيد محمد حسن الطالقاني، والسيد محمد الأمين جمال الدين، والشيخ عبد الحليم نجل الإمام محمد حسين كاشف الغطاء، والشيخ عبد الأمير سميسم، والشيخ حسن الخفاف، والشيخ محمد علي المظفر، إمام مسجد الإمام علي بمحلة العشار، وسط البصرة، وكان يرفع على واجهة المسجد مجسم حمامة السلام من أعمال بيكاسو، وحجته لمَنْ يعترض أنها نموذج حمامة نوح الحاملة غصن الزيتون. كذلك منهم الشيخ عبد اللطيف الوردي، المقتول (نحو 1961) على يد جماعة الشيخ محمد مهدي الخالصي، سالت دماؤه من على المنبر الحسيني، وهو يقرأ مجلس التعزية في صحن مرقد الإمام الكاظم. وهناك علماء دين آخرون من الشيعة والسُنَّة والكرد، لا تحضرني أسماؤهم. تنبأنا تلك التجربة أن أنبل مهام علماء الدين، على مختلف مذاهبهم وأديانهم، هو صيانة الكرة الأرضية من وسائل الفناء.
يفيدنا قارئ من قراء العزاء الحسيني، بما يشير إلى أن السلاح النووي كان شاغل الناس، وهو من أفاضل القراء بعد عميدهم الشيخ أحمد الوائلي (ت2003). ومن عادة صاحبنا استهلال مجلسه بالحديث عن اكتشاف أو اختراع ما، ثم يوصله بحيلة عجيبة بقصة الإمام الحسين، ليختم مجلسه كالعادة السائرة ببكائية شجية. استغل الروزخون نبأ توصل الصين إلى اختراع القنبلة الهيدروجينية، فأخذ يتحدث عنها، مع أن أغلب الحاضرين ليس لهم حظوظ في القراءة والكتابة، إلا أنهم كعراقيين ولعوا بالجدل السياسي! قال: «إن القنبلة الذرية أو الهيدروجينية، هي ليست من ابتكار هؤلاء الأغراب، بل هي من علم آل البيت». وأردف: «هاكم الدليل، ونسب كلاماً إلى الإمام علي بن أبي طالب يشير إلى معنى القنبلة: «وشيء يشبه الطلقا.. كلما زدته سحقا.. ملكت الغرب والشرقا». وهذا صاحب كُتيب «الحضارة في عهد الإمام المهدي» (دار المطبوعات 1972) يعتقد بفناء العالم قبيل ظهور الإمام المهدي، ويضع عدة احتمالات للفناء منها: «حرب كونية لا تبقي ولا تذر، وهي الحرب الذرية»، التي سيدحرها صاحب الزمان بما هو أقوى. قال: «فإن امتلك الإمام المهدي قوة العاصفة فماذا تصنع الأسلحة الذرية والإلكترونية»؟
ربما دار بإيران مثل هذا الحوار، ففيه ما يكفي ما يقنع البسطاء ليخرجوا هاتفين لمشاريع عمائم السلطة، ونسيان أحوالهم بكلام يشبه الشعر منسوب إلى الإمام علي، أو بفكرة فناء العالم من أجل حضور الإمام الغائب، وهو عين ما تعتقده فرقة الحجتية، التي تهيئ لتلك اللحظة، لكن بفناء الخير والإكثار من المظالم، فالظهور يملأ الأرض عدلاً وقسطاً وسلاماً. على أية حال، قد لا يُؤتمن على أزرار بالغة الخطورة مثل أزرار السلاح النووي، بعد خلو الساحة الإيرانية من عمائم على شاكلة عمامة الفقيه المفكر محمد خاتمي!
r_alkhayoun@hotmail.com