المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : البساطة والخصوصية مفتاح نجاح تجربة السينما الإيرانية



زهير
01-25-2006, 11:58 AM
النجاحات المذهلة التي تحققها السينما الايرانية رغم المحاذير الرسمية الكثيرة التي تعاني منها، تكشف عن ابداع متميز للسينمائيين الإيرانيين والهيئات الثقافية المحلية التي استطاعت الوصول إلى حلول وسط ساهمت في تطور السينما المحلية والإبقاء على الطاقات المحلية في البلاد. فصناعة السينما هناك تواجه نفس المشاكل التي تعاني منها سينما دول العالم الثالث الباقية، من ضعف في ميزانيات الانتاج وضيق مساحة الحرية والتعبير وصغر حجم السوق.
الانتاج السينمائي الإيراني الذي يشارك في المهرجانات العالمية بقوة ويحصد الجوائز وتشاهده النخب الغربية، يعتمد على ميزانيات انتاج صغيرة. وتدور معظم الأفلام حول قصص بسيطة للغاية، وكثير منها تصور بكاميرات «رقمية» محمولة على الكتف، والأهم من كل ذلك أنها ليست سينما نجوم، فمعظم ابطال الأعمال من المغمورين، وفي أحيان كثيرة ليسوا ممثلين محترفين أصلا.

التجربة السينمائية الإيرانية نشأت وتطورت في سياق مختلف عن باقي دول العالم ربما باستثناء اليابان حيث انطلقت في بداية القرن العشرين ـ 1900 تحديدا ـ كواحدة من وسائل الترفيه عن الطبقة الارستقراطية وشاه ايران آنذاك، بينما كانت السينما هي وسيلة الترفيه عن عامة الشعب والطبقات الفقيرة في دول العالم الباقية. ولم يكن هذا الاختلاف الوحيد فبينما استلهمت السينما البريطانية والفرنسية والاميركية في نفس الفترة التراث الروائي لبلدانها المختلفة، فأنتجت الافلام عن قصص وروايات «تشارلز ديكنز» و«مارسيل بانغول» اختار الايرانيون استلهام تراثهم المغاير والمختلف فكان الشعر الفارسي القديم لحافظ وسعدي والخيام. ونظرا للطبيعة التأملية والفلسفية لقصائد هؤلاء تطورت السينما الإيرانية بشكل ومضمون مختلف عن السينما العالمية وأضحت خصوصيتها أهم ميزاتها.

وليس من الغريب أن أول روائع السينما الإيرانية كانت من صنع الشاعرة «فاروقة فاروكزاد» وكان فيلما باسم «الدار سوداء» عن مستعمرة «للجربان» عام 1962. وعلى الرغم من ابداع «فاروكزاد»، إلا أن العالم الخارجي بقي غير ملم بتفرد السينما الإيرانية لنحو ثمانية اعوام اخرى إلى حين تمكنت مجموعة من تهريب نسخة بالأبيض والأسود لفيلم اسمه «البقرة» للمخرج «داريوش مهرجوي» الذي كان يبلغ 28 عاما في ذلك الوقت إلى مهرجان «البندقية» السينمائي، الفيلم كان يدور حول علاقة حب شاعرية بين مزارع ايراني فقير وبقرته ولم يكن مترجما، لكن المشاركين ولجنة التحكيم في المهرجان ذهلوا من هذا النوع من السينما الشاعرية الفلسفية ونال الفيلم «المهرب» جائزة مهمة في المهرجان.

في عام 1979 سقط نظام شاه إيران بعد «الثورة الإسلامية» التي قادها الإمام الخميني. الخميني أكد على أن السينما أصبحت أداة للفساد في البلاد بلا معنى ولا هدف وشدد على ضرورة تطوير نمط سينمائي يساهم في تطوير البلاد اخلاقيا وروحيا وفنيا واعتبر فيلم «البقرة» مثالا لما يجب أن يكون الانتاج السينمائي عليه في البلاد. السلطات الايرانية بعد إعلان الجمهورية الإسلامية استلهمت خطابات الخميني ووضعت قائمة طويلة بالمحظورات على رأسها تمجيد العنف، الجنس، أو أي شكل من اشكال اللمس والتقبيل والحميمية الجسدية وإبداء المرأة لمفاتنها. الكثير اعتبر فلسفة الخميني السينمائية وقائمة المحظورات الطويلة وصفة لإنتاج افلام مملة وتدمير السينما الإيرانية.

الناقد البريطاني الكبير «مارك كوزنس» خالف الجميع وأكد على أن هذا التوجه حرر «السينما الإيرانية من عوامل السوق (الجمهور عاوز كده) ودفعها باتجاه تثبيت هويتها الأصلية، المهتمة بالتأمل و(التمثيل) والرمزية» فكرست بذلك خصوصية السينما الإيرانية ودفعت «السينمائيين الإيرانيين إلى رفع مستواهم الفني».

وبعد ترسخ الفلسفة الجديدة (القديمة) انتج المخرج «عباس كياروستمي» فيلم «أين منزل الصديق» عام 1986 في الوقت الذي كانت فيه «السينما الغربية في أكثر مراحلها ضحالة» بحسب «كوزنس». وثبت موقع «كياروستمي» كرائد للسينما «الإنسانية». ومع دخول عقد التسعينات ظهر مخرج جديد علم نفسه بنفسه، والمفارقة أنه ثوري سابق ومعارض لشاه إيران قضى فترة في السجن بعد محاولته طعن شرطي إبان حكم الامبراطور المخلوع. المخرج اسمه «محسن مخملباف» وكان فيلمه بعنوان «لحظة براءة» حيث قام هو بتصوير الشرطي (الحقيقي) الذي حاول طعنه راويا القصة من وجهة نظره.

فيما صور الشرطي «مخملباف» راويا القصة من وجهة نظره واعتبر الفيلم أحد أهم الأفلام العالمية التي طبعت عقد التسعينات. المفاجآت الإيرانية لم تتوقف عند هذا الحد فلم يدخل عام 1998 حتى فاجأت العالم سميرة، ابنة مخملباف بفيلم «التفاحة» في مهرجان «كان» السينمائي وكانت تبلغ 18 عاما من العمر حينئذ، وبعدها دخلت اختها الصغرى هناء بفيلم في مهرجان «كان» وكانت في الخامسة عشرة من عمرها. السينما الإيرانية لا تتميز ببساطتها وشاعريتها فحسب، بل بها أعلى نسبة من المخرجات والسينمائيات في العالم، متفوقة في هذا المجال على الدول الغربية. الناقد «كوزنس» يرى ان على الصناعة السينمائية البريطانية الاستفادة من التجربة الإيرانية بل والتعلم منها.

وليست الصورة كلها وردية في السينما الإيرانية، فما لا يعرفه الكثير هو أن جزءا من الأفلام المشاركة في المهرجان لا تعرض في ايران بل تعرض في الخارج وحسب، كما أن مساحة الحرية بها أوسع مما هو مسموح به في الداخل. الأمر الاخر الذي يساعد على نهوض صناعة السينما هناك، الثقافة الشعبية التي تعتبر زيارة السينما نشاطا عائليا وأحد وسائل الترفيه حيث تذهب الأسرة بأكملها إلى دار العرض خلال عطلة نهاية الأسبوع وهو تقليد دارج في العراق وتركيا ايضا. ولذا تكثر دور العرض بالجمهورية الإسلامية، ويضاف إلى ذلك مساحة الحرية السياسية، حيث أن السينما الإيرانية تعوض منعها من التعرض للمحظور الديني والاخلاقي بتناول الفساد السياسي والاقتصادي بالبلاد، وآخر مثال على ذلك فيلم «السحلية» من اخراج «مانوشهر محمدي» الذي يروي قصة هروب لص محترف من أحد سجون طهران متنكرا في زي «ملا» رجل دين ايراني، ويظهر في الفيلم رجل يغني في المسجد ورجل دين اخر يسرق سائق سيارة أجرة ويغازل امراة. فيلم هذه قصته ليس بالامكان تصويره في أي بلد عربي، ولكنه يصور في ايران التي يحكمها «رجال الدين»، ويوازي مثل هذا الفيلم اخراج قصة تدور حول ضابط في الجيش أو الشرطة يحتال على الناس ويعيث فسادا في إحدى الدول العربية التي يحكمها الجيش أو احزاب وصلت إلى السلطة عبر انقلابات عسكرية.