زوربا
01-25-2006, 08:37 AM
فيصل مسعود الفهيد
كان شهر اكتوبر او نوفمبر عام 1966 عندما اتصل بي المرحوم الشيخ جابر العلي وابلغني انه حدد لي موعدا مع الشيخ جابر الأحمد وكان وليا للعهد ورئيسا لمجلس الوزراء...
وقد قال لي عبارة لم ادرك معناها في تلك الفترة وكانت «اعمل معه، انه الباقي للكويت»، وهذا ما ادركته بعد ذلك.. لقد ذهبت صباح اليوم التالي لمقابلة سموه طيب الله ثراه.. لقد كان باشاً وسألني عن دراستي وعن الحياة في مصر خلال تلك الفترة التي قضيتها بالدراسة ثم قال لي: اريدك ان تعمل معي مع بعض من رفاقك لانني اريد ان ابدأ بكم في تأسيس مكتب فني يساعد ويعاون على متابعة واقتراح الكثير من المشاريع في الدولة.. لقد كنت قادما من القاهرة وكنا جيل الستينيات تملأ عقولنا الكثير من النظريات والمبادئ التي نعتقد ان الانظمة الموجودة والمتعاونة مع الرجعية العربية والاستعمار هي السبب في عدم تحقيق ما نفكر به من وحدة وحرية لهذه الشعوب .. «ولقد تكسرت كل هذه النظريات بعد هزيمة 1967»... وبدأت مع بعض الاخوة الذين انضموا الي في المكتب، وكانوا حديثي التخرج مثلي، في العمل مع الشيخ جابر ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء وتقاسمنا العمل بيننا وكل حسب اختصاصة او حسب ما طلب منه سمو الرئيس ان يقوم به.
كان اول ما بهرني في سموه هو الدقة في المواعيد فقد كان يحضر الى المكتب يوميا في تمام الساعة 8 صباحا لا دقيقة ناقصة او زيادة، كان يحترم مواعيده ومواعيد الاخرين الذين يأتون لمراجعته.. كان اي شخص يحدد له موعد يدخل حسب موعده بالضبط وحسب ما حدد له من وقت.. انه شخصية نادرة في هذا العصر وفي هذه المنطقة... لقد عملت مع سموه ما يقارب السنوات الاربع وكانت لاشك مليئة بالتجارب والخبرات التي اكتسبتها والتي قلت له يوم اردت ان اترك العمل.. قلت له:
ان الدراسة الجامعية هي اربع سنوات، ولكن العمل مع سموك يعطى من التجربة اضعاف تلك السنوات، وخلال عملي مع سموه اتذكر بعضا من الاحداث، فمثلا كان لدينا اجتماع اسبوعي مع سموه تتم فيه مناقشة بعض امور العمل، واذكر ان سموه في احدى المرات كان يقول لنا، اننا في الكويت في هذا الوطن الصغير مثل مجموعة اشخاص يركبون قاربا صغيرا في ظل امواج عاتية وهم لا يستطيعون ان يعملوا شيئا، واذكر انني قلت لسموه: اذا السكوني يقول ذلك فماذا يقول البحارة؟ فنظر الي ومليا وقال لي: سوف تدرك معنى كلامي مستقبلا وهذا ما حصل، فكثير من الاحداث التي مرت في المنطقة واقليم الخليج بالخصوص لم يكن للكويت دور فيها، بل ان كثيرا من الاضرار طالتها من الحرب العراقية - الايرانية التي امتدت لاكثر من 8 سنوات، وكان من نتائجها الغزو العراقي للكويت عام 1990 حيث لم تكن لدينا القدرة المالية لمنع هذا الغزو البربري لهذا الوطن الصغير، وصدق سموه.
كما اذكر لسموه موقفين يختلف واحدهما عن الآخر، اذكر في عام 1969 وكان يزور الكويت بدعوة رسمية من سموه ولي عهد بلجيكا وكان رحمه الله يقيم له حفل عشاء خاصاً في منزله في الجوهرة لم يتعدّ المدعوون اليه 20 شخصا على ما اعتقد وكان من ضمن المدعوين رئيس مجلس شركة الفنادق الكويتية، وكان فندق الهيلتون على وشك الافتتاح واذكر ان سموه سأله عن موعد الافتتاح فرد قائلا اننا نريد رخصة للسماح لادارة الفندق من اجل جلب الخمور، واذكر انه نظرا اليه طويلاً ثم قال: انك لن تأخذ هذه الرخصة مني ولن يفتح فندقك. واذكر موقفا آخر ايضا:
كان لدينا حفل استقبال ولكن في قصر السلام وكان سموه يقف لاستقبال المدعوين وكنت قد علمت انا، انه تم منع الرقص «الدانص» في الفنادق من قبل وزارة الداخلية ولقد لمحت الاخ عبد اللطيف الثويني قادما من ضمن المدعوين، فتذكرت ما كان قد بلغني عن هذا المنع فذهبت الى سموه وابلغته بذلك ومازلت اذكر انه قال: لماذا الداخلية تتدخل في خصوصيات الناس خصوصا ان الكويت، بلد مفتوح وان كثيرا من الاجانب يأتون مع زوجاتهم واصحابهم للعشاء ويكون هذا النوع من الرقص جزءا من سهرتهم، فأشرت على سموه ان يستفسر من الاخ عبد اللطيف الثويني حول هذا الموضوع، وطلب مني ان ادعو الاخ عبد اللطيف لكي يسمع منه وعندما جاء وكيل الداخلية واكد هذه المعلومة مبررا ان بعضا ممن يحضر يسيء الى ذلك وانه حصلت مشاكل وكان رد سموه صاعقا عندما قال له وماذا يفعل ضباطك ومباحثك، المسيء يجب ان ينال جزاه ام الاخرون فيجب ألا تتدخلوا في خصوصياتهم؟ هكذا كان جابر الأحمد يملك من قوة الصفاء ما يفرق بين ردين مختلفين، منطلقا من مفاهيم حضارية وعادات وتقاليد اصيله وليست دخيلة على عادات الكويت البلد المفتوح.
لقد كان الشيخ جابر الأحمد يملك قوة بديهة وقوة تعليق لاذع من دون ان يضحك، كان مستمعا جيدا، لقد كان صعبا عليه ان يخفي انفعالاته، لذلك كنت اقول لسموه ان ملامح وجه سموك تبرز للاخرين اذا استطاعوا ان يقرأوها مدى رضائك او غضبك خصوصا في الاجتماعات العربية او الاقليمية والتي على مستوى الرؤساء. لقد كان وجهه مرآة لمشاعره واحاسيسه، لقد عاش صادقا مع نفسه وعندما مات ادرك العالم كله قيمة ورقي هذا الرجل فهب للعزاء به. لقد رأت الكويت وشعبها البساطة والصدق، هذا هو جابر الاحمد لقد احبه كل من عاشره وانا كنت منهم وسوف اظل لانه يستحق واكثر. ان الكثير من الذكريات يمكن ان يروى، كما ان الكثير منها هو حصيلة جيدة للذكريات الخاصة في هذا العالم المتغير.
كان شهر اكتوبر او نوفمبر عام 1966 عندما اتصل بي المرحوم الشيخ جابر العلي وابلغني انه حدد لي موعدا مع الشيخ جابر الأحمد وكان وليا للعهد ورئيسا لمجلس الوزراء...
وقد قال لي عبارة لم ادرك معناها في تلك الفترة وكانت «اعمل معه، انه الباقي للكويت»، وهذا ما ادركته بعد ذلك.. لقد ذهبت صباح اليوم التالي لمقابلة سموه طيب الله ثراه.. لقد كان باشاً وسألني عن دراستي وعن الحياة في مصر خلال تلك الفترة التي قضيتها بالدراسة ثم قال لي: اريدك ان تعمل معي مع بعض من رفاقك لانني اريد ان ابدأ بكم في تأسيس مكتب فني يساعد ويعاون على متابعة واقتراح الكثير من المشاريع في الدولة.. لقد كنت قادما من القاهرة وكنا جيل الستينيات تملأ عقولنا الكثير من النظريات والمبادئ التي نعتقد ان الانظمة الموجودة والمتعاونة مع الرجعية العربية والاستعمار هي السبب في عدم تحقيق ما نفكر به من وحدة وحرية لهذه الشعوب .. «ولقد تكسرت كل هذه النظريات بعد هزيمة 1967»... وبدأت مع بعض الاخوة الذين انضموا الي في المكتب، وكانوا حديثي التخرج مثلي، في العمل مع الشيخ جابر ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء وتقاسمنا العمل بيننا وكل حسب اختصاصة او حسب ما طلب منه سمو الرئيس ان يقوم به.
كان اول ما بهرني في سموه هو الدقة في المواعيد فقد كان يحضر الى المكتب يوميا في تمام الساعة 8 صباحا لا دقيقة ناقصة او زيادة، كان يحترم مواعيده ومواعيد الاخرين الذين يأتون لمراجعته.. كان اي شخص يحدد له موعد يدخل حسب موعده بالضبط وحسب ما حدد له من وقت.. انه شخصية نادرة في هذا العصر وفي هذه المنطقة... لقد عملت مع سموه ما يقارب السنوات الاربع وكانت لاشك مليئة بالتجارب والخبرات التي اكتسبتها والتي قلت له يوم اردت ان اترك العمل.. قلت له:
ان الدراسة الجامعية هي اربع سنوات، ولكن العمل مع سموك يعطى من التجربة اضعاف تلك السنوات، وخلال عملي مع سموه اتذكر بعضا من الاحداث، فمثلا كان لدينا اجتماع اسبوعي مع سموه تتم فيه مناقشة بعض امور العمل، واذكر ان سموه في احدى المرات كان يقول لنا، اننا في الكويت في هذا الوطن الصغير مثل مجموعة اشخاص يركبون قاربا صغيرا في ظل امواج عاتية وهم لا يستطيعون ان يعملوا شيئا، واذكر انني قلت لسموه: اذا السكوني يقول ذلك فماذا يقول البحارة؟ فنظر الي ومليا وقال لي: سوف تدرك معنى كلامي مستقبلا وهذا ما حصل، فكثير من الاحداث التي مرت في المنطقة واقليم الخليج بالخصوص لم يكن للكويت دور فيها، بل ان كثيرا من الاضرار طالتها من الحرب العراقية - الايرانية التي امتدت لاكثر من 8 سنوات، وكان من نتائجها الغزو العراقي للكويت عام 1990 حيث لم تكن لدينا القدرة المالية لمنع هذا الغزو البربري لهذا الوطن الصغير، وصدق سموه.
كما اذكر لسموه موقفين يختلف واحدهما عن الآخر، اذكر في عام 1969 وكان يزور الكويت بدعوة رسمية من سموه ولي عهد بلجيكا وكان رحمه الله يقيم له حفل عشاء خاصاً في منزله في الجوهرة لم يتعدّ المدعوون اليه 20 شخصا على ما اعتقد وكان من ضمن المدعوين رئيس مجلس شركة الفنادق الكويتية، وكان فندق الهيلتون على وشك الافتتاح واذكر ان سموه سأله عن موعد الافتتاح فرد قائلا اننا نريد رخصة للسماح لادارة الفندق من اجل جلب الخمور، واذكر انه نظرا اليه طويلاً ثم قال: انك لن تأخذ هذه الرخصة مني ولن يفتح فندقك. واذكر موقفا آخر ايضا:
كان لدينا حفل استقبال ولكن في قصر السلام وكان سموه يقف لاستقبال المدعوين وكنت قد علمت انا، انه تم منع الرقص «الدانص» في الفنادق من قبل وزارة الداخلية ولقد لمحت الاخ عبد اللطيف الثويني قادما من ضمن المدعوين، فتذكرت ما كان قد بلغني عن هذا المنع فذهبت الى سموه وابلغته بذلك ومازلت اذكر انه قال: لماذا الداخلية تتدخل في خصوصيات الناس خصوصا ان الكويت، بلد مفتوح وان كثيرا من الاجانب يأتون مع زوجاتهم واصحابهم للعشاء ويكون هذا النوع من الرقص جزءا من سهرتهم، فأشرت على سموه ان يستفسر من الاخ عبد اللطيف الثويني حول هذا الموضوع، وطلب مني ان ادعو الاخ عبد اللطيف لكي يسمع منه وعندما جاء وكيل الداخلية واكد هذه المعلومة مبررا ان بعضا ممن يحضر يسيء الى ذلك وانه حصلت مشاكل وكان رد سموه صاعقا عندما قال له وماذا يفعل ضباطك ومباحثك، المسيء يجب ان ينال جزاه ام الاخرون فيجب ألا تتدخلوا في خصوصياتهم؟ هكذا كان جابر الأحمد يملك من قوة الصفاء ما يفرق بين ردين مختلفين، منطلقا من مفاهيم حضارية وعادات وتقاليد اصيله وليست دخيلة على عادات الكويت البلد المفتوح.
لقد كان الشيخ جابر الأحمد يملك قوة بديهة وقوة تعليق لاذع من دون ان يضحك، كان مستمعا جيدا، لقد كان صعبا عليه ان يخفي انفعالاته، لذلك كنت اقول لسموه ان ملامح وجه سموك تبرز للاخرين اذا استطاعوا ان يقرأوها مدى رضائك او غضبك خصوصا في الاجتماعات العربية او الاقليمية والتي على مستوى الرؤساء. لقد كان وجهه مرآة لمشاعره واحاسيسه، لقد عاش صادقا مع نفسه وعندما مات ادرك العالم كله قيمة ورقي هذا الرجل فهب للعزاء به. لقد رأت الكويت وشعبها البساطة والصدق، هذا هو جابر الاحمد لقد احبه كل من عاشره وانا كنت منهم وسوف اظل لانه يستحق واكثر. ان الكثير من الذكريات يمكن ان يروى، كما ان الكثير منها هو حصيلة جيدة للذكريات الخاصة في هذا العالم المتغير.