محلل نفسى
01-20-2006, 09:06 AM
علاجها في تحويلها إلى طاقة مبنية على الحب والمنافسة الإيجابية
بيروت: سناء الجاك
سئلت اعرابية: ايهم احب اولادك الى قلبك؟ فأجابت: «الصغير حتى يكبر والغائب حتى يحضر والمريض حتى يشفى». اما بقية الاشقاء فغالبا ما يدفعون ثمن هذا التمييز العاطفي القسري للاهل. والنتيجة التي لا تنفع فيها وسائل التجميل هي: الغيرة. وفي حين لا ينكر احد ان الغيرة شعور انساني طبيعي، حتى بين افراد البيت الواحد، نجد ان معظم الناضجين يحاولون التظاهر بأنه يترفع شخصيا عن هذا الشعور، او يسعى الى التعبير عنه بأساليب ملتوية، تنعكس احيانا من خلال المنافسة في التفوق المهني او من خلال ملاحظات عابرة تنضح بالمرارة، يوجهها الابناء الى ذويهم في اعتراض مبطن. ولا بأس احيانا بملاحظة لامبالية ترد على سبيل المزاح. لكن الامر واضح:
هي الغيرة التي يحملها اغلبنا في اعماقه منذ الطفولة، فتؤدي اما الى شعور بالذنب، يدفعه الى خنقها، معتبراً انها عاهة نفسية مخجلة، او الى شعور بالاضطهاد، يتفاعل ويخنق صاحبه، او يتفجر ليطيح علاقته مع اشقائه ويشوه هذه العلاقة فيحدث فيها شرخاً لا يزول الا بمقادير كبيرة من الوعي والتسامح والصراحة.
ويقول اختصاصي علم النفس الدكتور عبدو قاعي: «لا نستطيع ان نحمل الاهل مسؤولية الغيرة بالمطلق، وانما ظروف العلاقة، عندما يسودها نوع من التفضيل»، موضحا «ان مظاهرها تبدأ لدى الطفل البكر المتعود على نظام حياة معين، فيشعر بالتهديد عندما يولد طفل آخر. ولتجنب هذا الشعور يفترض بالاهل ان يحرصوا على التعامل المتوازن مع الحالة الجديدة، مع عدم اعطاء البكر أكثر من الطاقة المطلوبة وافهامه ان الطاقة التي يأخذها شقيقه لا تؤثر على حصته. هذا من الناحية النظرية، اما عمليا فالمسألة صعبة وتحتاج الى توازن في شخصية الاهل، والام تحديدا، التي تضطر الى ممارسة ضغط ذاتي حتى تضبط الامور بشكل طبيعي ومن دون افتعال». ويضيف: «عملياً لا أحد يحب جميع اولاده مثل بعضهم. هناك دائما نوع من التفضيل. والولد يلتقط بالعينين وبالغريزة اي تمييز قد يمارسه الاهل في لا وعيهم وينعكس على اولادهم، الذين تتأسس لديهم في الاعوام الثلاثة الاولى من حياتهم مكتسباتهم البشرية. ويصعب التخلص من هذه المكتسبات من دون علاج تحليلي جدي ومعمق».
ويجد قاعي «ان الغيرة سلبية، لا ايجابيات فيها. وما يتعطل بسببها يحتاج اصلاحه الى اعوام طويلة من الجهد».
المحللة النفسية والاستاذة الجامعية الدكتورة منى شراباتي تطرح الموضوع من زاوية مختلفة، فتقول: «لولا الغيرة لكنا بقينا في العصر الحجري. فهي ظاهرة صحية، شرط ان يكون التعبير عنها محكوما بالقيم والقوانين الاخلاقية والوضعية. وكما اي نوع من المعاناة، لديها وجهان، الاول يؤدي الى الانسحاق، والثاني يدفع الانسان الى التعالي وتحقيق التقدم». وتوضح: «أن الغيرة بين الاشقاء تحتاج الى من يطورها حتى تصبح بناءة». وهي تترجم على ارض الواقع وفق مستويات عدة، منها ما ينعكس حسدا، فيشتهي الحاسد ما يملكه الآخرون، بدءاً بالاشقاء وانتقالاً الى من يمثل صورة الشقيق كالزميل في العمل او المدرسة. ويترجم هذا الحسد بإقدام الطفل على كسر العاب غيره، والناضج على الحاق الاذى بمن يحيط به من زملاء، سواء في علاقاتهم او اعمالهم. وهناك الغيرة الذاتية التي تدفع بصاحبها الى منافسة الآخر الشقيق او الزميل، ليصبح افضل، لتكون حافزه فيعطي احسن ما لديه ويطور نفسه، وهي التي تبلور مفهوم المنافسة».
وعن دور الاهل تقول شراباتي: «المسؤولية تقع على الام والاب ضمنيا او عمليا في تفضيل ولد على آخر. ومعالجتها تكون بالتوضيح ان لكل ولد مكانته في الاسرة وهو مختلف عن الاخر ولكنه لا يقل اهمية. الخطأ الكبير الذي يمارسه الاهل من دون وعي للتداعيات هو عندما يعيّر ولد بأخيه. كأن تقول الام: انظر الى اخيك كم هو مجتهد وانت كسول. او عندما يميز الصبي عن البنت في المعاملة اليومية او تغدق في الثناء على ابنتها الجميلة لتنظر بحسرة الى العادية الجمال وكأنها تشفق عليها. وهذه التصرفات تضع الاولاد أمام خط بياني مرسوم سلفا لسلوكهم النفسي المستقبلي. وغالبا ما يكرر الاهل اخطاء اهلهم التي عانوا منها في الاصل».
ولا تقتصر مسببات الغيرة بين الاشقاء على اهتمام يحصده، على حساب اشقائه، الابن المتفوق في الدراسة او الموهوب في مجال فني او رياضي او بكل بساطة الاجمل، والذي يحظى، ليس باهتمام العائلة واعتزازها فحسب وانما بمدائح الاقارب والاصدقاء ايضا، من دون مراعاة لغيره من الاولاد الذين لم تمنحهم الطبيعة نعمة الجمال او الموهبة او التفوق. وأذكر ان ابنتي احتجت وهي صغيرة لاني انجبت شقيقها بعينين خضراوين وشعر اشقر، بينما عيناها عسليتان وشعرها اسود. وشعور الفتاة بالغيرة من الشقيق الذكر يكرّس المجتمع الشرقي بأشكال والوان من التمييز. وهي لا تقتصر على الطفولة، لأن مظاهرها تتواصل على امتداد الاعوام.
وتقول سيدة متزوجة انها عانت الامرين بسبب تفضيل اهلها للذكور من الابناء حتى بعد زواجها، اذ باتت تشعر انها ضيفة ثقيلة هي واولادها على بيت اهلها، في حين يمنح الدلال الى شقيقها واولاده الذين يحملون اسم العائلة. وهذه السيدة حرصت على متابعة دراستها بعد زواجها في سن الثامنة عشرة لتبرهن لاهلها ان عدم اهتمامهم بتوفير تحصيل علمي ومهني جيد لها، أسوة بشقيقها، والمسارعة الى تزويجها في سن مبكرة، لم يثنها عن العمل لتبرهن لهم انها لا تقل عنه بشىء وتملك القدرة على النجاح وتحقيق مكانة في المجتمع، ليفتخروا بها. ويشدد اختصاصيو التربية وعلم النفس على ان نفي وجود الغيرة بين الاشقاء لسبب او لآخر امر مضر يفاقم تفاعلاتها.
لذا من الافضل معالجتها في مهدها اي منذ الطفولة. ويجد البعض ان الغيرة لا بد ستصيب الابن البكر في العائلة، الذي يشعر بالتهديد من التغيير الطارئ على امتيازاته ما ان يطل الطفل الثاني ثم الثالث ليصير نسيا منسيا في غمرة الاهتمام بالوافدين الجدد الذين يصادرون مكانته. لكن الدكتور قاعي يعتبر ان «الطفل الثاني هو أكثر من يعاني تبعات الشعور بالغيرة، لأن الابن البكر يعطى كل شيء ويحظى بسلطة في العائلة، والثالث يجيد تدبير وضعه ويستغل كونه الاصغر لينال بعض الامتيازات». وبالفعل تظهر الدراسة الميدانية لأي عائلة مؤلفة من ثلاثة اولاد ان الكبير غالبا ما يمارس سلطة على اخويه، فاذا كان ولدا، يتصرف وكأنه رجل العائلة الصغير، يأمر وينهى ويتدخل في تفاصيل اخويه، واذا كانت البنت هي بكر العائلة، فلا بد حينها من ان تصبح الام الصغيرة التي تعنى بأشقائها وتتولى كلما كبرت بعض المهمات التنفيذية.
وأعنف تعبير عن الغيرة بين الاشقاء يظهر عندما تتداخل المسائل المالية او الاملاك الموروثة بالمكنونات النفسية، حينها تبرز الاطماع والعاهات النفسية التي تثير الاشمئزاز. وتنطبق مقولة «الاخوة الاعداء» على اشقاء فرقتهم المصالح. لا سيما عندما يعمد الاهل وهم على قيد الحياة الى تخصيص الذكور بحق الوراثة عبر الاحتيال على القانون بعقود بيع وشراء صورية، لاعتقادهم ان توريث البنات يخرج الممتلكات المالية والعينية من العائلة الى الصهر الغريب واولاده. وهذه العادة شائعة في بعض الاوساط اللبنانية، ومفاعيلها تنعكس حين يتقدم العمر بالاهل وترفض البنت رعاية اهلها الذين بادروها بإنكار حقوقها. وايضا عندما يتسلط الكبير على الصغير فيحرمه رزق اهله سواء بالقوة او الحيلة، معتبراً ان لا حق لغيره بما تركه أبواه. وتحلل الدكتورة شراباتي هذه الظاهرة فتقول:
«الغيرة قد تصل الى الاذى المعلن، وتحديدا عندما يرافقها الطمع، فينبري صاحبها الى سلب اشقائه حقوقهم وكأنه يقول لهم رمزيا انه الوحيد الذي يستحق اسم العائلة». يشدد الدكتور قاعي على ان «الغيرة هي من اصعب العاهات النفسية لانها تسبب عقدة نقص. والحل يكون بمواجهتها عبر تقوية طاقات تغير طبيعتها. وعوضا عن بقائها غيرة من الاخر تصبح غيرة على الاخر. وهذا لا يتم الا بدعم صاحبها لتقوي شخصيته. فالضعف يغذي الغيرة عدا كونه يسببها، وافضل المعالجات تتم من خلال نسج جو علاقات ثابت وقوي، وليس عبر التحدي وانما عبر الايجابية المبنية على الحب».
بيروت: سناء الجاك
سئلت اعرابية: ايهم احب اولادك الى قلبك؟ فأجابت: «الصغير حتى يكبر والغائب حتى يحضر والمريض حتى يشفى». اما بقية الاشقاء فغالبا ما يدفعون ثمن هذا التمييز العاطفي القسري للاهل. والنتيجة التي لا تنفع فيها وسائل التجميل هي: الغيرة. وفي حين لا ينكر احد ان الغيرة شعور انساني طبيعي، حتى بين افراد البيت الواحد، نجد ان معظم الناضجين يحاولون التظاهر بأنه يترفع شخصيا عن هذا الشعور، او يسعى الى التعبير عنه بأساليب ملتوية، تنعكس احيانا من خلال المنافسة في التفوق المهني او من خلال ملاحظات عابرة تنضح بالمرارة، يوجهها الابناء الى ذويهم في اعتراض مبطن. ولا بأس احيانا بملاحظة لامبالية ترد على سبيل المزاح. لكن الامر واضح:
هي الغيرة التي يحملها اغلبنا في اعماقه منذ الطفولة، فتؤدي اما الى شعور بالذنب، يدفعه الى خنقها، معتبراً انها عاهة نفسية مخجلة، او الى شعور بالاضطهاد، يتفاعل ويخنق صاحبه، او يتفجر ليطيح علاقته مع اشقائه ويشوه هذه العلاقة فيحدث فيها شرخاً لا يزول الا بمقادير كبيرة من الوعي والتسامح والصراحة.
ويقول اختصاصي علم النفس الدكتور عبدو قاعي: «لا نستطيع ان نحمل الاهل مسؤولية الغيرة بالمطلق، وانما ظروف العلاقة، عندما يسودها نوع من التفضيل»، موضحا «ان مظاهرها تبدأ لدى الطفل البكر المتعود على نظام حياة معين، فيشعر بالتهديد عندما يولد طفل آخر. ولتجنب هذا الشعور يفترض بالاهل ان يحرصوا على التعامل المتوازن مع الحالة الجديدة، مع عدم اعطاء البكر أكثر من الطاقة المطلوبة وافهامه ان الطاقة التي يأخذها شقيقه لا تؤثر على حصته. هذا من الناحية النظرية، اما عمليا فالمسألة صعبة وتحتاج الى توازن في شخصية الاهل، والام تحديدا، التي تضطر الى ممارسة ضغط ذاتي حتى تضبط الامور بشكل طبيعي ومن دون افتعال». ويضيف: «عملياً لا أحد يحب جميع اولاده مثل بعضهم. هناك دائما نوع من التفضيل. والولد يلتقط بالعينين وبالغريزة اي تمييز قد يمارسه الاهل في لا وعيهم وينعكس على اولادهم، الذين تتأسس لديهم في الاعوام الثلاثة الاولى من حياتهم مكتسباتهم البشرية. ويصعب التخلص من هذه المكتسبات من دون علاج تحليلي جدي ومعمق».
ويجد قاعي «ان الغيرة سلبية، لا ايجابيات فيها. وما يتعطل بسببها يحتاج اصلاحه الى اعوام طويلة من الجهد».
المحللة النفسية والاستاذة الجامعية الدكتورة منى شراباتي تطرح الموضوع من زاوية مختلفة، فتقول: «لولا الغيرة لكنا بقينا في العصر الحجري. فهي ظاهرة صحية، شرط ان يكون التعبير عنها محكوما بالقيم والقوانين الاخلاقية والوضعية. وكما اي نوع من المعاناة، لديها وجهان، الاول يؤدي الى الانسحاق، والثاني يدفع الانسان الى التعالي وتحقيق التقدم». وتوضح: «أن الغيرة بين الاشقاء تحتاج الى من يطورها حتى تصبح بناءة». وهي تترجم على ارض الواقع وفق مستويات عدة، منها ما ينعكس حسدا، فيشتهي الحاسد ما يملكه الآخرون، بدءاً بالاشقاء وانتقالاً الى من يمثل صورة الشقيق كالزميل في العمل او المدرسة. ويترجم هذا الحسد بإقدام الطفل على كسر العاب غيره، والناضج على الحاق الاذى بمن يحيط به من زملاء، سواء في علاقاتهم او اعمالهم. وهناك الغيرة الذاتية التي تدفع بصاحبها الى منافسة الآخر الشقيق او الزميل، ليصبح افضل، لتكون حافزه فيعطي احسن ما لديه ويطور نفسه، وهي التي تبلور مفهوم المنافسة».
وعن دور الاهل تقول شراباتي: «المسؤولية تقع على الام والاب ضمنيا او عمليا في تفضيل ولد على آخر. ومعالجتها تكون بالتوضيح ان لكل ولد مكانته في الاسرة وهو مختلف عن الاخر ولكنه لا يقل اهمية. الخطأ الكبير الذي يمارسه الاهل من دون وعي للتداعيات هو عندما يعيّر ولد بأخيه. كأن تقول الام: انظر الى اخيك كم هو مجتهد وانت كسول. او عندما يميز الصبي عن البنت في المعاملة اليومية او تغدق في الثناء على ابنتها الجميلة لتنظر بحسرة الى العادية الجمال وكأنها تشفق عليها. وهذه التصرفات تضع الاولاد أمام خط بياني مرسوم سلفا لسلوكهم النفسي المستقبلي. وغالبا ما يكرر الاهل اخطاء اهلهم التي عانوا منها في الاصل».
ولا تقتصر مسببات الغيرة بين الاشقاء على اهتمام يحصده، على حساب اشقائه، الابن المتفوق في الدراسة او الموهوب في مجال فني او رياضي او بكل بساطة الاجمل، والذي يحظى، ليس باهتمام العائلة واعتزازها فحسب وانما بمدائح الاقارب والاصدقاء ايضا، من دون مراعاة لغيره من الاولاد الذين لم تمنحهم الطبيعة نعمة الجمال او الموهبة او التفوق. وأذكر ان ابنتي احتجت وهي صغيرة لاني انجبت شقيقها بعينين خضراوين وشعر اشقر، بينما عيناها عسليتان وشعرها اسود. وشعور الفتاة بالغيرة من الشقيق الذكر يكرّس المجتمع الشرقي بأشكال والوان من التمييز. وهي لا تقتصر على الطفولة، لأن مظاهرها تتواصل على امتداد الاعوام.
وتقول سيدة متزوجة انها عانت الامرين بسبب تفضيل اهلها للذكور من الابناء حتى بعد زواجها، اذ باتت تشعر انها ضيفة ثقيلة هي واولادها على بيت اهلها، في حين يمنح الدلال الى شقيقها واولاده الذين يحملون اسم العائلة. وهذه السيدة حرصت على متابعة دراستها بعد زواجها في سن الثامنة عشرة لتبرهن لاهلها ان عدم اهتمامهم بتوفير تحصيل علمي ومهني جيد لها، أسوة بشقيقها، والمسارعة الى تزويجها في سن مبكرة، لم يثنها عن العمل لتبرهن لهم انها لا تقل عنه بشىء وتملك القدرة على النجاح وتحقيق مكانة في المجتمع، ليفتخروا بها. ويشدد اختصاصيو التربية وعلم النفس على ان نفي وجود الغيرة بين الاشقاء لسبب او لآخر امر مضر يفاقم تفاعلاتها.
لذا من الافضل معالجتها في مهدها اي منذ الطفولة. ويجد البعض ان الغيرة لا بد ستصيب الابن البكر في العائلة، الذي يشعر بالتهديد من التغيير الطارئ على امتيازاته ما ان يطل الطفل الثاني ثم الثالث ليصير نسيا منسيا في غمرة الاهتمام بالوافدين الجدد الذين يصادرون مكانته. لكن الدكتور قاعي يعتبر ان «الطفل الثاني هو أكثر من يعاني تبعات الشعور بالغيرة، لأن الابن البكر يعطى كل شيء ويحظى بسلطة في العائلة، والثالث يجيد تدبير وضعه ويستغل كونه الاصغر لينال بعض الامتيازات». وبالفعل تظهر الدراسة الميدانية لأي عائلة مؤلفة من ثلاثة اولاد ان الكبير غالبا ما يمارس سلطة على اخويه، فاذا كان ولدا، يتصرف وكأنه رجل العائلة الصغير، يأمر وينهى ويتدخل في تفاصيل اخويه، واذا كانت البنت هي بكر العائلة، فلا بد حينها من ان تصبح الام الصغيرة التي تعنى بأشقائها وتتولى كلما كبرت بعض المهمات التنفيذية.
وأعنف تعبير عن الغيرة بين الاشقاء يظهر عندما تتداخل المسائل المالية او الاملاك الموروثة بالمكنونات النفسية، حينها تبرز الاطماع والعاهات النفسية التي تثير الاشمئزاز. وتنطبق مقولة «الاخوة الاعداء» على اشقاء فرقتهم المصالح. لا سيما عندما يعمد الاهل وهم على قيد الحياة الى تخصيص الذكور بحق الوراثة عبر الاحتيال على القانون بعقود بيع وشراء صورية، لاعتقادهم ان توريث البنات يخرج الممتلكات المالية والعينية من العائلة الى الصهر الغريب واولاده. وهذه العادة شائعة في بعض الاوساط اللبنانية، ومفاعيلها تنعكس حين يتقدم العمر بالاهل وترفض البنت رعاية اهلها الذين بادروها بإنكار حقوقها. وايضا عندما يتسلط الكبير على الصغير فيحرمه رزق اهله سواء بالقوة او الحيلة، معتبراً ان لا حق لغيره بما تركه أبواه. وتحلل الدكتورة شراباتي هذه الظاهرة فتقول:
«الغيرة قد تصل الى الاذى المعلن، وتحديدا عندما يرافقها الطمع، فينبري صاحبها الى سلب اشقائه حقوقهم وكأنه يقول لهم رمزيا انه الوحيد الذي يستحق اسم العائلة». يشدد الدكتور قاعي على ان «الغيرة هي من اصعب العاهات النفسية لانها تسبب عقدة نقص. والحل يكون بمواجهتها عبر تقوية طاقات تغير طبيعتها. وعوضا عن بقائها غيرة من الاخر تصبح غيرة على الاخر. وهذا لا يتم الا بدعم صاحبها لتقوي شخصيته. فالضعف يغذي الغيرة عدا كونه يسببها، وافضل المعالجات تتم من خلال نسج جو علاقات ثابت وقوي، وليس عبر التحدي وانما عبر الايجابية المبنية على الحب».