مقاتل
01-15-2006, 08:35 AM
وليد الطبطبائي - الوطن
لا شيء يعكس واقع التخلف بين الشعوب الاسلامية مثل منظر «عرفة» و«مزدلفة» و«منى» بعد ان يغادرها الحجاج، فتجد آلاف الاطنان من المخلفات والنفايات بكل انواعها حتى انك لا تظن ان احدا منهم اهتم برمي مخلفاته في صناديق القمامة او راعى قدسية هذه البقاع الطاهرة، والتخلف لا يتوقف عند متطلبات النظافة بل هو يبدأ في السلوك العام ومدى مراعاة الاخرين وفي اعطاء الطريق حقه كما اوصانا الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه النقطة الاخيرة كانت من اسباب الفاجعة التي شهدها جسر الجمرات، وهي الفاجعة المنتظرة كل سنة بسبب فوضى الحجاج وايضا بسبب ثغرات واضحة في التنظيم.
وسأحاول في هذا المقال المحدودة مساحته ان اسطر مشاهداتي عن موسم الحج الاخير وما اظن -ويرى الكثيرون- انها سلبيات تتكرر كل سنة ولا تحظى بالمعالجة:
أولا فوضى التنظيم: ومن أسوئها على الاطلاق ترك السلطات لعشرات الآلاف من الباعة والحجاج الجهلاء يفترشون الطرق والممرات المؤدية الى المشاعر وخصوصا في منى حول جسر الجمرات، ولقد سرت وبعض رفاقي مسافة كيلو متر تقريبا نحو الجمرات في ثاني ايام التشريق ونحن لا نضع قدماً او نرفعها الا فوق بسطة بائع او خيمة لحجاج نائمين او اطفال مهملين او معاقين يتسولون حتى ان المشقة في بلوغ الجمرات هي اضعاف مضاعفة عن مشقة رمي الجمرات، بسبب القذارة التي يخلفها هؤلاء واختناق مرور الحجاج في طرق ضيقة بين المفترشين للساحات، فأين رجال الأمن عن هذه الحال؟ وما أهمية البضاعة التافهة التي يبيعها هؤلاء مقابل العنت الكبير الذي يصيب الحجاج بسببهم.
ومن العجيب اننا رمينا الجمرات يوم الخميس الساعة الواحدة والنصف ظهرا تحت الجسر بينما كان المئات يموتون في الحادثة اعلى الجسر ولم نحس او نعلم بالمأساة الا عندما شاهدنا ونحن نغادر المكان عشرات من سيارات الاسعاف وآلافاً من رجال الأمن يتوجهون الى الجسر، فنسأل الله عز وجل ان يرحم هؤلاء الضحايا ويبعثهم يوم القيامة ملبين.
وقد سمعنا ان السلطات السعودية ستباشر هدم جسر الجمرات الحالي وبناء جسر من 4 طبقات، وأنا لا اشك في حرص المملكة على تقديم كل الامكانات في سبيل الحج لكنني ارى ان المشكلة ليست في المرافق والبنية التحتية، المشكلة هي في التنظيم ومدى قدرة الجهات المنظمة على مواجهة الجهل والتخلف بين الحجاج وفي اخلاء الطرقات والممرات من الباعة والمتسولين.
ثانيا مشكلة المرور: وقد شهد هذا الموسم قدرا من الاختناقات المرورية يفوق ما شاهدته في مواسم سابقة. وكنا نحصي بالمعدل ما بين 6 الى 7 ساعات يوميا داخل الباص بين سكننا في «العزيزية» وبين كل من الجمرات و«منى» حتى نتمكن من اداء واجبات الحج، والمشكلة هي ان سائقي الباصات لا يعلمون اي الطرق والمخارج سيكون مفتوحا او مغلقا، فرجال المرور يفتحون هذا الطريق وذاك المخرج ساعتين مثلا ثم يغلقونها 3 ساعات ثم يفتحونها من دون نظام واضح، ومرة قضينا ساعتين في الزحام حتى نصل نفق «المعيصم» حتى ندخل «منى» للمبيت فاذا بالشرطة تغلق النفق لحظة بلوغنا اياه، فقضينا ساعة ونصفاً محاولين دخول «منى» من مدخل بديل.
وبينما تمنع باصات الحجاج من الدخول احيانا فان آلافا من شاحنات البضاعة والدراجات النارية و«البقيات» التي يقودها شبان مستهترون يسمح بدخولها الى «منى» والى منطقة الجمرات مسببين خطورة وازعاجا هائلا للحجاج.
ثالثا نقص الخدمات: ومن أهمها دورات المياه في «عرفة» و«مزدلفة» و«منى» فلا تزال اقل بكثير من المطلوب، وكانت طوابير تقف امام دورات المياه في عرفة ومزدلفة طوال يوم عرفة وليلة العيد حتى ان كثيرا من الحجاج صاروا يبحثون عن «أماكن بديلة» لقضاء الحاجة، ولكم ان تتخيلوا النتيجة، واعتقد ان الشيء نفسه ينطبق على صناديق القمامة، فتصوروا النفايات التي يتركها اكثر من مليوني حاج يتواجدون في رقعة مساحتها كيلومتران مربعان بعد ان يتناولوا 3 وجبات في اليوم بينما توجد سلة قمامة واحدة كل 100 متر.
رابعاً فوضى الحجاج وجهلهم: واعتقد انه حان وقت لتبدي السلطات السعودية صرامة وحزما تجاه الشركات المسؤولة عن تنظيم الحجاج و«المطوفين» الذين يجلبون الحجاج من دون بذل اي جهد لتوعيتهم وتنظيمهم، واظن ان اخواننا في ماليزيا واندونيسيا قد اعطوا النموذج الذي يحتذى في تنظيم حجاجهم وتوعيتهم وتثقيفهم من خلال دورات تعليمية وتدريبية، وارى ان السفارات السعودية يجب ان تشترط الشيء نفسه في حجاج الدول الاخرى بحيث لا تعطي تأشيرات الدخول الا بعد خضوع الحاج لدورة تنظيمية وتوعوية، وبعض الضمان من شركات الحج انها لن تلقي بالحجاج في الطرقات بلا رعاية كما يحدث للاسف للكثير منهم.
كما اتمنى من السلطات ان تواجه «تجار الاقامات» الذين بسببهم يؤتى بآلاف المعاقين والاطفال الذين يتم استخدامهم في التسول خلال موسم الحج.
altbtabae@hotmail.com
تاريخ النشر: الاحد 15/1/2006
لا شيء يعكس واقع التخلف بين الشعوب الاسلامية مثل منظر «عرفة» و«مزدلفة» و«منى» بعد ان يغادرها الحجاج، فتجد آلاف الاطنان من المخلفات والنفايات بكل انواعها حتى انك لا تظن ان احدا منهم اهتم برمي مخلفاته في صناديق القمامة او راعى قدسية هذه البقاع الطاهرة، والتخلف لا يتوقف عند متطلبات النظافة بل هو يبدأ في السلوك العام ومدى مراعاة الاخرين وفي اعطاء الطريق حقه كما اوصانا الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه النقطة الاخيرة كانت من اسباب الفاجعة التي شهدها جسر الجمرات، وهي الفاجعة المنتظرة كل سنة بسبب فوضى الحجاج وايضا بسبب ثغرات واضحة في التنظيم.
وسأحاول في هذا المقال المحدودة مساحته ان اسطر مشاهداتي عن موسم الحج الاخير وما اظن -ويرى الكثيرون- انها سلبيات تتكرر كل سنة ولا تحظى بالمعالجة:
أولا فوضى التنظيم: ومن أسوئها على الاطلاق ترك السلطات لعشرات الآلاف من الباعة والحجاج الجهلاء يفترشون الطرق والممرات المؤدية الى المشاعر وخصوصا في منى حول جسر الجمرات، ولقد سرت وبعض رفاقي مسافة كيلو متر تقريبا نحو الجمرات في ثاني ايام التشريق ونحن لا نضع قدماً او نرفعها الا فوق بسطة بائع او خيمة لحجاج نائمين او اطفال مهملين او معاقين يتسولون حتى ان المشقة في بلوغ الجمرات هي اضعاف مضاعفة عن مشقة رمي الجمرات، بسبب القذارة التي يخلفها هؤلاء واختناق مرور الحجاج في طرق ضيقة بين المفترشين للساحات، فأين رجال الأمن عن هذه الحال؟ وما أهمية البضاعة التافهة التي يبيعها هؤلاء مقابل العنت الكبير الذي يصيب الحجاج بسببهم.
ومن العجيب اننا رمينا الجمرات يوم الخميس الساعة الواحدة والنصف ظهرا تحت الجسر بينما كان المئات يموتون في الحادثة اعلى الجسر ولم نحس او نعلم بالمأساة الا عندما شاهدنا ونحن نغادر المكان عشرات من سيارات الاسعاف وآلافاً من رجال الأمن يتوجهون الى الجسر، فنسأل الله عز وجل ان يرحم هؤلاء الضحايا ويبعثهم يوم القيامة ملبين.
وقد سمعنا ان السلطات السعودية ستباشر هدم جسر الجمرات الحالي وبناء جسر من 4 طبقات، وأنا لا اشك في حرص المملكة على تقديم كل الامكانات في سبيل الحج لكنني ارى ان المشكلة ليست في المرافق والبنية التحتية، المشكلة هي في التنظيم ومدى قدرة الجهات المنظمة على مواجهة الجهل والتخلف بين الحجاج وفي اخلاء الطرقات والممرات من الباعة والمتسولين.
ثانيا مشكلة المرور: وقد شهد هذا الموسم قدرا من الاختناقات المرورية يفوق ما شاهدته في مواسم سابقة. وكنا نحصي بالمعدل ما بين 6 الى 7 ساعات يوميا داخل الباص بين سكننا في «العزيزية» وبين كل من الجمرات و«منى» حتى نتمكن من اداء واجبات الحج، والمشكلة هي ان سائقي الباصات لا يعلمون اي الطرق والمخارج سيكون مفتوحا او مغلقا، فرجال المرور يفتحون هذا الطريق وذاك المخرج ساعتين مثلا ثم يغلقونها 3 ساعات ثم يفتحونها من دون نظام واضح، ومرة قضينا ساعتين في الزحام حتى نصل نفق «المعيصم» حتى ندخل «منى» للمبيت فاذا بالشرطة تغلق النفق لحظة بلوغنا اياه، فقضينا ساعة ونصفاً محاولين دخول «منى» من مدخل بديل.
وبينما تمنع باصات الحجاج من الدخول احيانا فان آلافا من شاحنات البضاعة والدراجات النارية و«البقيات» التي يقودها شبان مستهترون يسمح بدخولها الى «منى» والى منطقة الجمرات مسببين خطورة وازعاجا هائلا للحجاج.
ثالثا نقص الخدمات: ومن أهمها دورات المياه في «عرفة» و«مزدلفة» و«منى» فلا تزال اقل بكثير من المطلوب، وكانت طوابير تقف امام دورات المياه في عرفة ومزدلفة طوال يوم عرفة وليلة العيد حتى ان كثيرا من الحجاج صاروا يبحثون عن «أماكن بديلة» لقضاء الحاجة، ولكم ان تتخيلوا النتيجة، واعتقد ان الشيء نفسه ينطبق على صناديق القمامة، فتصوروا النفايات التي يتركها اكثر من مليوني حاج يتواجدون في رقعة مساحتها كيلومتران مربعان بعد ان يتناولوا 3 وجبات في اليوم بينما توجد سلة قمامة واحدة كل 100 متر.
رابعاً فوضى الحجاج وجهلهم: واعتقد انه حان وقت لتبدي السلطات السعودية صرامة وحزما تجاه الشركات المسؤولة عن تنظيم الحجاج و«المطوفين» الذين يجلبون الحجاج من دون بذل اي جهد لتوعيتهم وتنظيمهم، واظن ان اخواننا في ماليزيا واندونيسيا قد اعطوا النموذج الذي يحتذى في تنظيم حجاجهم وتوعيتهم وتثقيفهم من خلال دورات تعليمية وتدريبية، وارى ان السفارات السعودية يجب ان تشترط الشيء نفسه في حجاج الدول الاخرى بحيث لا تعطي تأشيرات الدخول الا بعد خضوع الحاج لدورة تنظيمية وتوعوية، وبعض الضمان من شركات الحج انها لن تلقي بالحجاج في الطرقات بلا رعاية كما يحدث للاسف للكثير منهم.
كما اتمنى من السلطات ان تواجه «تجار الاقامات» الذين بسببهم يؤتى بآلاف المعاقين والاطفال الذين يتم استخدامهم في التسول خلال موسم الحج.
altbtabae@hotmail.com
تاريخ النشر: الاحد 15/1/2006