yasmeen
01-15-2006, 08:17 AM
أحمد الكاتب
الوطن البحرينية
أثارت الدعوات المتصاعدة في* إيران لترقب ظهور الإمام المهدي* الغائب خلال سنوات،* مخاوف الشيعة من تكرار حدوث مشاكل رافقت ولادة الفرقة* ''الشيخية*'' قبل حوالي* قرنين،* وأدت الى نشوء الفرقة البابية والبهائية وخروجها عن الإسلام،* والتي* لا تزال إيران تعاني* منها إلى اليوم*. وهو ما دفع العلماء والمحققين إلى معالجة الظروف والمناهج الثقافية التي* أدت إلى حدوث ذلك الانحراف،* والدعوة إلى سد المنابع الفكرية الخرافية بتأصيل المنهج الاجتهادي* الأصولي* وتوسيعه ليشمل مساحة كبيرة من الروايات* غير الممحصة،* والاستعانة بالقرآن الكريم في* عملية بناء العقيدة وما* يتعلق بها من أفكار ونظريات،* ونبذ الروايات الأسطورية المتسربة إلى الثقافة الشيعية الشعبية*.
وكان المذهب الشيعي* الإثنا عشري* قد حقق خطوات إيجابية ملفتة في* القرن التاسع عشر في* مجال محاربة الخرافات والأساطير وتأصيل المنهج الاجتهادي* الأصولي،* وسجل انتصاراً* على المدرسة الإخبارية* (الحشوية*) على* يدي* زعيم مدرسة النجف الشيخ جعفر كاشف الغطاء،* ولكن رجلاً* من بقايا المدرسة الإخبارية،* هو الشيخ أحمد الأحسائي* (1753* - 6281*( رفض الالتزام بمبدأ الاجتهاد،* وأصر على التمسك بالتراث الشيعي* كما هو دون تمحيص أو نقد أو تدقيق،* وخاصة فيما* يتعلق بالعقائد،* كما رفض الاعتماد على المصادر الشرعية والطرق العلمية المعروفة لاقتباس الثقافة الدينية،* والتي* كان الأصوليون* يناضلون من أجل تهذيبها وتشذيبها وتنظيمها من أجل تحرير التراث الديني* المنسوب إلى أهل البيت من الخرافات والأساطير الدخيلة والأحاديث الضعيفة التي* أضرت
بالشيعة والتشيع*. وهذا ما أدى به إلى تقبل الكثير من روايات الغلاة الموضوعة والمدسوسة في* تراث أهل البيت*.
وفيما كانت المدرسة الأصولية تحقق انتصارها الكبير لصالح الاجتهاد واستخدام العقل في* تمحيص التراث،* طرح الشيخ أحمد الأحسائي* نظرية* ''الكشف*'' المشابهة لنظريات بعض الصوفية،* وقال* ''إن الإنسان إذا صفت نفسه وتخلص من أكدار الدنيا* يستطيع أن* يتصل بأحد الأئمة من أهل البيت عن طريق الكشف والأحلام،* فيوحي* له الأئمة بالعلم الغزير وتكشف له الحجب*''. وادعى الأحسائي* أنه حصل على العلم بهذه الطريقة* ''الكشفية*''،* وقال*: ''إنه رأى في* منامه ذات ليلة الإمام الحسن بن علي* فأجابه عن مسائل كانت* غامضة،* ثم وضع فمه الشريف على فمه وأخذ* يمج فيه من ريقه،* وأنه علمه بيتاً* من الشعر كلما قرأه قبل النوم رأى في* منامه أحد الأئمة وأتيحت له فرصة التعلم منه*''.
وقد فتح الشيخ أحمد الأحسائي* بذلك باباً* واسعاً* للتطرف والغلو والشرك والخرافات،* وراح* يبث أفكاراً* مغالية متناقضة مع الفكر الشيعي* أو الإسلامي* بصورة عامة،* كالقول بأن المعصومين الأربعة عشر،* أي* النبي* وفاطمة والأئمة الاثني* عشر،* هم علة تكوين العالم وسبب وجوده،* وهم الذين* يخلقون ويرزقون ويحيون ويميتون*. ومع أن الأحسائي* كان* يقر بأن الله تعالى هو الخالق الرازق والمحيي* والمميت في* الحقيقة،* إلا أنه كان* يقول بأن الله العزيز قد تكرّم عن مباشرة الأمور بنفسه وأوكلها إلى المعصومين الأربعة عشر حيث جعلهم أسباباً* ووسائط لأفعاله،* فهم مظاهر لأفعال الله ومحال لمشيئته*.
وجاء الأحسائي* بفكرة أخرى هي* وجود الجسد* ''الهورقليائي*'' للإنسان إلى جانب الجسد* ''الصوري*''. وقال عنه أنه الجسد الذي* عرج به رسول الله إلى السماء،* والذي* يعيش به الإمام الثاني* عشر الغائب* ''محمد بن الحسن العسكري*'' في* ظل* ''الغيبة*'' منذ منتصف القرن الثالث الهجري،* وكان* يعتقد أن الإمام عندما* غاب نزع عنه جسده* ''الصوري*'' وبقي* محتفظاً* بجسده* ''الهورقليائي*'' وهذا هو سر بقائه على قيد الحياة كل تلك المدة الطويلة التي* جاوزت ألف عام دون أن* يتطرق إليه الفناء*.
ويروى عن الشيخ الأحسائي* أنه قال*: إن الإمام لما خاف من أعدائه خرج من هذا العالم ودخل في* جنة* ''هورقلياء*'' وسيعود إلى العالم بصورة شخص من أشخاصه*.
إضافة إلى ذلك امتاز الشيخ أحمد الأحسائي* بالدعوة إلى انتظار الإمام المهدي* والتبشير بقرب ظهوره بمناسبة انقضاء ألف سنة على* غيبته،* وقام بجولة واسعة في* إيران كان* يقول لأتباعه في* كل قرية* يمر بها*: إن الإمام الغائب على وشك الظهور،* وأنهم* يجب أن* يكونوا على أهبة الاستعداد لنصرته،* وكان* يؤكد لهم*: أن الإمام الغائب حين* يظهر سوف* يبدل الكثير من العقائد والتعاليم الإسلامية الموجودة،* وأن ذلك مما سيرتعب منه نقباء الأرض لعدم قدرتهم على تحمله*.
ولكن الأحسائي* توفي* قبل حوالي* عشرين عاماً* من الموعد الذي* حدده لظهور الإمام المهدي،* وهو في* طريقه إى الحج بالقرب من المدينة المنورة،* فأوصى إلى أحد تلامذته وهو السيد كاظم الرشتي* ،* ليكون خليفته من بعده،* وقال لأتباعه*: لا* يوجد أحد* يعرف مقصدي* ما عدا السيد كاظم الرشتي* ،* فاطلبوا علومي* منه،* وقد تلقاها مني* مباشرة،* وهي* التي* تلقيتها من الأئمة الذين تلقوها من رسول الله*. ثم أوصى الشيخ أحمد خليفته السيد كاظم بأن* يكون* يقظاً* يترقب ظهور الإمام المهدي* ويمهد أذهان الناس له*.
وقام السيد الرشتي* الذي* كان* يتخذ من مدينة كربلاء مقراً* له،* بما أوصاه به أستاذه الشيخ أحمد،* فكان* يواصل التبشير بقرب ظهور الإمام الغائب،* وكان* يقول لأتباعه*: إن الموعود الذي* تنتظرونه موجود في* وسطكم وترونه بأعينكم ولكنكم لا تعرفونه،* وقال لأحد أتباعه* ''إنك سوف تراه*''.
وقبل شهور من حلول الموعد الذي* ضربه الأحسائي* لظهور المهدي* وهو عام* 1260هـ* (والذي* كان* يصادف بداية العام* 1844* الميلادي*) مرض السيد كاظم الرشتي* مرض الموت فرفض الوصية إلى أحد بخلافته من بعده،* واعتذر لذلك بقرب ظهور الإمام الغائب،* وأوصى أتباعه بأن* يهجروا بيوتهم ويطهروا أنفسهم ثم* يتفرقوا في* البلاد مكرّسين أوقاتهم كلها للبحث عن* ''الموعود*'' الذي* حان حينه*. وتوفي* الرشتي* في* العام* *.1843*
وهذا ما مهد الطريق أمام نشوء* ''الحركة البابية*''،* حيث قام أحد تلامذته وهو الملا حسين البشروئي* بالاتفاق مع تلميذ آخر له هو السيد علي* محمد الشيرازي،* المعروف بـ*''الباب*''،* والادعاء بأن الأخير هو* ''الموعود*'' أو* ''باب المهدي*'' الذي* حل فيه الجسد* ''الهورقليائي*'' للإمام* الغائب المهدي* المنتظر* ''محمد بن الحسن العسكري*''.
وقد انتشرت الدعوة* ''البابية*'' في* صفوف الشيخيين في* إيران انتشاراً* كبيراً،* لأنهم كانوا* يترقبون ظهور* ''صاحب الزمان*'' بمناسبة قرب انتهاء ألف سنة على* غيبته*. وعندما حلت سنة* 1260هـ صاروا متلهفين لسماع النبأ العظيم الذي* كان قد بشر به زعيماهم الشيخ أحمد الأحسائي* والسيد كاظم الرشتي،* فلما وصلهم نبأ ظهور* ''الباب*'' علي* محمد الشيرازي،* تهافت الكثير منهم عليه*. كان لنظرية الأحسائي* في* ''الجسم الهورقليائي*'' دور كبير في* تقبل الشيخيين لفكرة حلول الإمام المهدي* في* ''الباب*''.
وقد رفض علماء الشيعة في* العراق وإيران دعوى* ''الباب*'' في* المهدوية،* ورأوا في* فكرة نسخ الدين الإاسلامي* التي* جاء بها،* نوعا من الهرطقة والكفر بالإسلام،* وأصدر الشيخ محمد تقي* البرغاني* فتوى بتكفير البابيين،* كما ألقت الحكومة الإيرانية القبض على* ''الباب*'' وأعدمته في* تبريز في* التاسع من* يوليو* (تموز*) من العام1850* ،* ولكن حركته استمرت بصورة سرية وتطورت فيما بعد الى* ''الحركة البهائية*'' التي* أعلنت خروجها من الدين الإسلامي*.
وكان هناك بالطبع جناح من* ''الشيخية*'' أنفسهم رفض الدعوة البابية وفكرة نسخ الدين الإسلامي* وحارب* ''البابيين*'' بشدة،* وكان هذا الجناح بقيادة الميرزا محمد حسن جوهر* (توفي* سنة* 1261هـ*/ 1845*) الذي* كان* يتخذ من كربلاء مقرا له،* وكذلك الميرزا محمد باقر الاحقاقي* ( توفي* سنة* 1301هـ* / 1883*) . وقد قام هذا الجناح المعتدل بالانفتاح على المدرسة الأصولية الاجتهادية،* ورفض الطريقة* ''الكشفية*'' ولكنه ظل محافظاً* على ولائه للشيخ أحمد الأحسائي* واسم* ''الشيخية*'' وانغلق على نفسه داخل الشيعة الإمامية ولم* ينخرط في* الحركة العامة حيث ظل* يحتفظ بمرجع ديني* خاص،* وامتاز بنظام توريث المنصب القيادي* الديني* شخصياً* وبصورة عمودية،* بدءا من الشيخ محمد باقر الاسكوئي* الإحقاقي* الذي* ورث المنصب لابنه الشيخ موسى الاسكوئي* الذي* ورثه إلى ابنه الشيخ علي* الذي* كان* يقيم في* الكويت* (توفي* في* العام* 1964*) الذي* أوصى إلى ابنه العلماني* الدكتور جعفر رائد،* ولكنه رفض المنصب لأنه كان قد خلع الزي* العلمائي* الديني* وكفر بالنظريات الشيخية،* وانخرط في* السلك الدبلوماسي* الإيراني* وأصبح سفيرا للشاه في* المملكة العربية السعودية* (فانتقلت المرجعية الدينية للشيخية إلى أخ الشيخ علي،* الميرزا حسن،* الذي* ورثها بدوره إلى ابنه الميرزا عبدالرسول الاسكوئي* الإحقاقي،* الذي* ورثها الى ابنه الشيخ عبد الله*).
وربما كان لوضع* ''الشيخية*'' وكونهم أقلية صغيرة بالنسبة إلى الشيعة الإمامية،* دور في* انطوائهم على أنفسهم وتميزهم خلافاً* لعامة الشيعة بنظام خاص في* المرجعية الدينية* يقوم على الوراثة الشخصية العمودية،* ويكفل لهم المحافظة على سماتهم الخاصة*.
وقد حاول المرجع الأسبق الميرزا حسن،* أن* ينفتح على بقية الشيعة ويخرج أتباعه من القوقعة التي* يعيشون فيها ويكسر حاجز التحريم الذي* فرضه الشيعة عليهم،* وأن* ينشط حركة الاجتهاد الكفيلة بمراجعة الكثير من الأفكار المتطرفة والمغالية الموروثة من الأحسائي،* حتى سمي* بالإمام المصلح،* وهو ما أدى إلى انفتاح أبناء الفرقة* ''الشيخية*'' على عامة الشيعة وذهابهم للدراسة في* قم والنجف واستقبال العلماء والخطباء الشيعة في* مساجدهم وحسينياتهم وتقليد المراجع الآخرين*.
ولكن هذا الانفتاح لم* يصل بعد إلى درجة الذوبان الكامل أو التخلي* التام عن الموروثات* ''الأحسائية*'' أو متابعة الشيعة في* تطورهم الفكري* السياسي* خصوصاً* لجهة الالتزام بنظرية* ''ولاية الفقيه*'' التي* قال بها علماء الشيعة مؤخراً* في* ظل* ''غيبة الامام المهدي*'' أو* نظرية الشورى،* وذلك نظراً* لالتزام الشيخية المتواصل بنظرية* ''الانتظار*'' رغم ثبوت فشل الموعد الذي* ضربه الأحسائي* لظهور الإمام الغائب في* منتصف القرن التاسع عشر*. غير أن ما* يبعث الأمل في* استمرار مسيرة الإصلاح والانفتاح والتطور والتحرر من بقايا التراث* ''الأحسائي*'' المغالي* والمتطرف* ،* هو التزام الجيل الشاب بمبدأ الاجتهاد ونبذ الطريقة* ''الكشفية*'' وهو ما* يمهد الطريق أمام مراجعة نظريات الأحسائي* على ضوء القرآن الكريم وأحاديث الرسول الأعظم* (ص*) وتراث أهل البيت الصحيح*.
ومن المنتظر أن* يقوم* علماء الفرقة الشيخية بعملية اجتهادية جذرية ودراسة العقائد الأساسية قبل الفروع الجزئية،* وإعادة النظر في* الموقف من أئمة أهل البيت ودورهم في* الحياة وفي* مسألة وجود الإمام الثاني* عشر وولادته،* تلك المسألة التي* لعبت دوراً* كبيراً* في* تاريخ الحركة الشيخية،* والتي* أدت بالإضافة إلى نظرية* ''الجسم الهورقليائي*'' الأسطورية،* إلى ولادة الحركة البابية وخروج البهائيين من الدين الإسلامي*.
كما* ينتظر من الجيل العلماء الشباب أن* يقوم بإخراج جماعته من حالة الانتظار السلبي* والعزلة السياسية لكي* تلعب دوراً* أكبر في* الحياة الاجتماعية،* وذلك بإعادة النظر في* الموقف السياسي* وشكل نظام الحكم ومسألة إقامة الدولة الإسلامية في* ''عصر الغيبة*''.
كل ذلك مرهون بحركة الاجتهاد،* التي* ينتظر أن تعم أبناء الفرقة الشيخية،* ولا تقتصر على العلماء أو رجال الدين،* وإنما تشمل الجميع وخاصة الشباب والمثقفين منهم الذين* يتحملون مسئولية العملية الإصلاحية ويرفضون التقليد والاتباع الأعمى للتقاليد الموروثة،* و* يتمسكون بالنهج العلمي* الأصولي* في* دراسة الدين،* والتعرف على مذهب أهل البيت الأصيل*.
بعد تقديم هذا الموجز عن الحركة الشيخية والحركات المتفرعة عنها من البابية والبهائية،* نعود إلى إيران اليوم التي* تشهد تنامي* ظاهرة جديدة هي* الدعوة لترقب ظهور الإمام المهدي* الغائب خلال وقت قريب،* التي* تنطوي* على خطورة كبيرة* تكمن في* احتمال تطور الظاهرة الجديدة بشكل سلبي* وإفرازها لحركة مضادة لنظام الجمهورية الإسلامية،* أو طبع النظام بطابع متشدد أكثر ديكتاتورية*.
*** كاتب عراقي* مقيم في* لندن
الوطن البحرينية
أثارت الدعوات المتصاعدة في* إيران لترقب ظهور الإمام المهدي* الغائب خلال سنوات،* مخاوف الشيعة من تكرار حدوث مشاكل رافقت ولادة الفرقة* ''الشيخية*'' قبل حوالي* قرنين،* وأدت الى نشوء الفرقة البابية والبهائية وخروجها عن الإسلام،* والتي* لا تزال إيران تعاني* منها إلى اليوم*. وهو ما دفع العلماء والمحققين إلى معالجة الظروف والمناهج الثقافية التي* أدت إلى حدوث ذلك الانحراف،* والدعوة إلى سد المنابع الفكرية الخرافية بتأصيل المنهج الاجتهادي* الأصولي* وتوسيعه ليشمل مساحة كبيرة من الروايات* غير الممحصة،* والاستعانة بالقرآن الكريم في* عملية بناء العقيدة وما* يتعلق بها من أفكار ونظريات،* ونبذ الروايات الأسطورية المتسربة إلى الثقافة الشيعية الشعبية*.
وكان المذهب الشيعي* الإثنا عشري* قد حقق خطوات إيجابية ملفتة في* القرن التاسع عشر في* مجال محاربة الخرافات والأساطير وتأصيل المنهج الاجتهادي* الأصولي،* وسجل انتصاراً* على المدرسة الإخبارية* (الحشوية*) على* يدي* زعيم مدرسة النجف الشيخ جعفر كاشف الغطاء،* ولكن رجلاً* من بقايا المدرسة الإخبارية،* هو الشيخ أحمد الأحسائي* (1753* - 6281*( رفض الالتزام بمبدأ الاجتهاد،* وأصر على التمسك بالتراث الشيعي* كما هو دون تمحيص أو نقد أو تدقيق،* وخاصة فيما* يتعلق بالعقائد،* كما رفض الاعتماد على المصادر الشرعية والطرق العلمية المعروفة لاقتباس الثقافة الدينية،* والتي* كان الأصوليون* يناضلون من أجل تهذيبها وتشذيبها وتنظيمها من أجل تحرير التراث الديني* المنسوب إلى أهل البيت من الخرافات والأساطير الدخيلة والأحاديث الضعيفة التي* أضرت
بالشيعة والتشيع*. وهذا ما أدى به إلى تقبل الكثير من روايات الغلاة الموضوعة والمدسوسة في* تراث أهل البيت*.
وفيما كانت المدرسة الأصولية تحقق انتصارها الكبير لصالح الاجتهاد واستخدام العقل في* تمحيص التراث،* طرح الشيخ أحمد الأحسائي* نظرية* ''الكشف*'' المشابهة لنظريات بعض الصوفية،* وقال* ''إن الإنسان إذا صفت نفسه وتخلص من أكدار الدنيا* يستطيع أن* يتصل بأحد الأئمة من أهل البيت عن طريق الكشف والأحلام،* فيوحي* له الأئمة بالعلم الغزير وتكشف له الحجب*''. وادعى الأحسائي* أنه حصل على العلم بهذه الطريقة* ''الكشفية*''،* وقال*: ''إنه رأى في* منامه ذات ليلة الإمام الحسن بن علي* فأجابه عن مسائل كانت* غامضة،* ثم وضع فمه الشريف على فمه وأخذ* يمج فيه من ريقه،* وأنه علمه بيتاً* من الشعر كلما قرأه قبل النوم رأى في* منامه أحد الأئمة وأتيحت له فرصة التعلم منه*''.
وقد فتح الشيخ أحمد الأحسائي* بذلك باباً* واسعاً* للتطرف والغلو والشرك والخرافات،* وراح* يبث أفكاراً* مغالية متناقضة مع الفكر الشيعي* أو الإسلامي* بصورة عامة،* كالقول بأن المعصومين الأربعة عشر،* أي* النبي* وفاطمة والأئمة الاثني* عشر،* هم علة تكوين العالم وسبب وجوده،* وهم الذين* يخلقون ويرزقون ويحيون ويميتون*. ومع أن الأحسائي* كان* يقر بأن الله تعالى هو الخالق الرازق والمحيي* والمميت في* الحقيقة،* إلا أنه كان* يقول بأن الله العزيز قد تكرّم عن مباشرة الأمور بنفسه وأوكلها إلى المعصومين الأربعة عشر حيث جعلهم أسباباً* ووسائط لأفعاله،* فهم مظاهر لأفعال الله ومحال لمشيئته*.
وجاء الأحسائي* بفكرة أخرى هي* وجود الجسد* ''الهورقليائي*'' للإنسان إلى جانب الجسد* ''الصوري*''. وقال عنه أنه الجسد الذي* عرج به رسول الله إلى السماء،* والذي* يعيش به الإمام الثاني* عشر الغائب* ''محمد بن الحسن العسكري*'' في* ظل* ''الغيبة*'' منذ منتصف القرن الثالث الهجري،* وكان* يعتقد أن الإمام عندما* غاب نزع عنه جسده* ''الصوري*'' وبقي* محتفظاً* بجسده* ''الهورقليائي*'' وهذا هو سر بقائه على قيد الحياة كل تلك المدة الطويلة التي* جاوزت ألف عام دون أن* يتطرق إليه الفناء*.
ويروى عن الشيخ الأحسائي* أنه قال*: إن الإمام لما خاف من أعدائه خرج من هذا العالم ودخل في* جنة* ''هورقلياء*'' وسيعود إلى العالم بصورة شخص من أشخاصه*.
إضافة إلى ذلك امتاز الشيخ أحمد الأحسائي* بالدعوة إلى انتظار الإمام المهدي* والتبشير بقرب ظهوره بمناسبة انقضاء ألف سنة على* غيبته،* وقام بجولة واسعة في* إيران كان* يقول لأتباعه في* كل قرية* يمر بها*: إن الإمام الغائب على وشك الظهور،* وأنهم* يجب أن* يكونوا على أهبة الاستعداد لنصرته،* وكان* يؤكد لهم*: أن الإمام الغائب حين* يظهر سوف* يبدل الكثير من العقائد والتعاليم الإسلامية الموجودة،* وأن ذلك مما سيرتعب منه نقباء الأرض لعدم قدرتهم على تحمله*.
ولكن الأحسائي* توفي* قبل حوالي* عشرين عاماً* من الموعد الذي* حدده لظهور الإمام المهدي،* وهو في* طريقه إى الحج بالقرب من المدينة المنورة،* فأوصى إلى أحد تلامذته وهو السيد كاظم الرشتي* ،* ليكون خليفته من بعده،* وقال لأتباعه*: لا* يوجد أحد* يعرف مقصدي* ما عدا السيد كاظم الرشتي* ،* فاطلبوا علومي* منه،* وقد تلقاها مني* مباشرة،* وهي* التي* تلقيتها من الأئمة الذين تلقوها من رسول الله*. ثم أوصى الشيخ أحمد خليفته السيد كاظم بأن* يكون* يقظاً* يترقب ظهور الإمام المهدي* ويمهد أذهان الناس له*.
وقام السيد الرشتي* الذي* كان* يتخذ من مدينة كربلاء مقراً* له،* بما أوصاه به أستاذه الشيخ أحمد،* فكان* يواصل التبشير بقرب ظهور الإمام الغائب،* وكان* يقول لأتباعه*: إن الموعود الذي* تنتظرونه موجود في* وسطكم وترونه بأعينكم ولكنكم لا تعرفونه،* وقال لأحد أتباعه* ''إنك سوف تراه*''.
وقبل شهور من حلول الموعد الذي* ضربه الأحسائي* لظهور المهدي* وهو عام* 1260هـ* (والذي* كان* يصادف بداية العام* 1844* الميلادي*) مرض السيد كاظم الرشتي* مرض الموت فرفض الوصية إلى أحد بخلافته من بعده،* واعتذر لذلك بقرب ظهور الإمام الغائب،* وأوصى أتباعه بأن* يهجروا بيوتهم ويطهروا أنفسهم ثم* يتفرقوا في* البلاد مكرّسين أوقاتهم كلها للبحث عن* ''الموعود*'' الذي* حان حينه*. وتوفي* الرشتي* في* العام* *.1843*
وهذا ما مهد الطريق أمام نشوء* ''الحركة البابية*''،* حيث قام أحد تلامذته وهو الملا حسين البشروئي* بالاتفاق مع تلميذ آخر له هو السيد علي* محمد الشيرازي،* المعروف بـ*''الباب*''،* والادعاء بأن الأخير هو* ''الموعود*'' أو* ''باب المهدي*'' الذي* حل فيه الجسد* ''الهورقليائي*'' للإمام* الغائب المهدي* المنتظر* ''محمد بن الحسن العسكري*''.
وقد انتشرت الدعوة* ''البابية*'' في* صفوف الشيخيين في* إيران انتشاراً* كبيراً،* لأنهم كانوا* يترقبون ظهور* ''صاحب الزمان*'' بمناسبة قرب انتهاء ألف سنة على* غيبته*. وعندما حلت سنة* 1260هـ صاروا متلهفين لسماع النبأ العظيم الذي* كان قد بشر به زعيماهم الشيخ أحمد الأحسائي* والسيد كاظم الرشتي،* فلما وصلهم نبأ ظهور* ''الباب*'' علي* محمد الشيرازي،* تهافت الكثير منهم عليه*. كان لنظرية الأحسائي* في* ''الجسم الهورقليائي*'' دور كبير في* تقبل الشيخيين لفكرة حلول الإمام المهدي* في* ''الباب*''.
وقد رفض علماء الشيعة في* العراق وإيران دعوى* ''الباب*'' في* المهدوية،* ورأوا في* فكرة نسخ الدين الإاسلامي* التي* جاء بها،* نوعا من الهرطقة والكفر بالإسلام،* وأصدر الشيخ محمد تقي* البرغاني* فتوى بتكفير البابيين،* كما ألقت الحكومة الإيرانية القبض على* ''الباب*'' وأعدمته في* تبريز في* التاسع من* يوليو* (تموز*) من العام1850* ،* ولكن حركته استمرت بصورة سرية وتطورت فيما بعد الى* ''الحركة البهائية*'' التي* أعلنت خروجها من الدين الإسلامي*.
وكان هناك بالطبع جناح من* ''الشيخية*'' أنفسهم رفض الدعوة البابية وفكرة نسخ الدين الإسلامي* وحارب* ''البابيين*'' بشدة،* وكان هذا الجناح بقيادة الميرزا محمد حسن جوهر* (توفي* سنة* 1261هـ*/ 1845*) الذي* كان* يتخذ من كربلاء مقرا له،* وكذلك الميرزا محمد باقر الاحقاقي* ( توفي* سنة* 1301هـ* / 1883*) . وقد قام هذا الجناح المعتدل بالانفتاح على المدرسة الأصولية الاجتهادية،* ورفض الطريقة* ''الكشفية*'' ولكنه ظل محافظاً* على ولائه للشيخ أحمد الأحسائي* واسم* ''الشيخية*'' وانغلق على نفسه داخل الشيعة الإمامية ولم* ينخرط في* الحركة العامة حيث ظل* يحتفظ بمرجع ديني* خاص،* وامتاز بنظام توريث المنصب القيادي* الديني* شخصياً* وبصورة عمودية،* بدءا من الشيخ محمد باقر الاسكوئي* الإحقاقي* الذي* ورث المنصب لابنه الشيخ موسى الاسكوئي* الذي* ورثه إلى ابنه الشيخ علي* الذي* كان* يقيم في* الكويت* (توفي* في* العام* 1964*) الذي* أوصى إلى ابنه العلماني* الدكتور جعفر رائد،* ولكنه رفض المنصب لأنه كان قد خلع الزي* العلمائي* الديني* وكفر بالنظريات الشيخية،* وانخرط في* السلك الدبلوماسي* الإيراني* وأصبح سفيرا للشاه في* المملكة العربية السعودية* (فانتقلت المرجعية الدينية للشيخية إلى أخ الشيخ علي،* الميرزا حسن،* الذي* ورثها بدوره إلى ابنه الميرزا عبدالرسول الاسكوئي* الإحقاقي،* الذي* ورثها الى ابنه الشيخ عبد الله*).
وربما كان لوضع* ''الشيخية*'' وكونهم أقلية صغيرة بالنسبة إلى الشيعة الإمامية،* دور في* انطوائهم على أنفسهم وتميزهم خلافاً* لعامة الشيعة بنظام خاص في* المرجعية الدينية* يقوم على الوراثة الشخصية العمودية،* ويكفل لهم المحافظة على سماتهم الخاصة*.
وقد حاول المرجع الأسبق الميرزا حسن،* أن* ينفتح على بقية الشيعة ويخرج أتباعه من القوقعة التي* يعيشون فيها ويكسر حاجز التحريم الذي* فرضه الشيعة عليهم،* وأن* ينشط حركة الاجتهاد الكفيلة بمراجعة الكثير من الأفكار المتطرفة والمغالية الموروثة من الأحسائي،* حتى سمي* بالإمام المصلح،* وهو ما أدى إلى انفتاح أبناء الفرقة* ''الشيخية*'' على عامة الشيعة وذهابهم للدراسة في* قم والنجف واستقبال العلماء والخطباء الشيعة في* مساجدهم وحسينياتهم وتقليد المراجع الآخرين*.
ولكن هذا الانفتاح لم* يصل بعد إلى درجة الذوبان الكامل أو التخلي* التام عن الموروثات* ''الأحسائية*'' أو متابعة الشيعة في* تطورهم الفكري* السياسي* خصوصاً* لجهة الالتزام بنظرية* ''ولاية الفقيه*'' التي* قال بها علماء الشيعة مؤخراً* في* ظل* ''غيبة الامام المهدي*'' أو* نظرية الشورى،* وذلك نظراً* لالتزام الشيخية المتواصل بنظرية* ''الانتظار*'' رغم ثبوت فشل الموعد الذي* ضربه الأحسائي* لظهور الإمام الغائب في* منتصف القرن التاسع عشر*. غير أن ما* يبعث الأمل في* استمرار مسيرة الإصلاح والانفتاح والتطور والتحرر من بقايا التراث* ''الأحسائي*'' المغالي* والمتطرف* ،* هو التزام الجيل الشاب بمبدأ الاجتهاد ونبذ الطريقة* ''الكشفية*'' وهو ما* يمهد الطريق أمام مراجعة نظريات الأحسائي* على ضوء القرآن الكريم وأحاديث الرسول الأعظم* (ص*) وتراث أهل البيت الصحيح*.
ومن المنتظر أن* يقوم* علماء الفرقة الشيخية بعملية اجتهادية جذرية ودراسة العقائد الأساسية قبل الفروع الجزئية،* وإعادة النظر في* الموقف من أئمة أهل البيت ودورهم في* الحياة وفي* مسألة وجود الإمام الثاني* عشر وولادته،* تلك المسألة التي* لعبت دوراً* كبيراً* في* تاريخ الحركة الشيخية،* والتي* أدت بالإضافة إلى نظرية* ''الجسم الهورقليائي*'' الأسطورية،* إلى ولادة الحركة البابية وخروج البهائيين من الدين الإسلامي*.
كما* ينتظر من الجيل العلماء الشباب أن* يقوم بإخراج جماعته من حالة الانتظار السلبي* والعزلة السياسية لكي* تلعب دوراً* أكبر في* الحياة الاجتماعية،* وذلك بإعادة النظر في* الموقف السياسي* وشكل نظام الحكم ومسألة إقامة الدولة الإسلامية في* ''عصر الغيبة*''.
كل ذلك مرهون بحركة الاجتهاد،* التي* ينتظر أن تعم أبناء الفرقة الشيخية،* ولا تقتصر على العلماء أو رجال الدين،* وإنما تشمل الجميع وخاصة الشباب والمثقفين منهم الذين* يتحملون مسئولية العملية الإصلاحية ويرفضون التقليد والاتباع الأعمى للتقاليد الموروثة،* و* يتمسكون بالنهج العلمي* الأصولي* في* دراسة الدين،* والتعرف على مذهب أهل البيت الأصيل*.
بعد تقديم هذا الموجز عن الحركة الشيخية والحركات المتفرعة عنها من البابية والبهائية،* نعود إلى إيران اليوم التي* تشهد تنامي* ظاهرة جديدة هي* الدعوة لترقب ظهور الإمام المهدي* الغائب خلال وقت قريب،* التي* تنطوي* على خطورة كبيرة* تكمن في* احتمال تطور الظاهرة الجديدة بشكل سلبي* وإفرازها لحركة مضادة لنظام الجمهورية الإسلامية،* أو طبع النظام بطابع متشدد أكثر ديكتاتورية*.
*** كاتب عراقي* مقيم في* لندن