المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العراقيون يتحدون القنابل للاحتفال بالعيد.. «لأن الأطفال في حاجة للعب»



زوربا
01-14-2006, 09:49 PM
رجل مع 6 من أبنائه في حديقة ببغداد: التفجيرات ستنتهي.. والأهم أننا نشعر بالحرية


بغداد: سابرينا تافرنيس *


في هذه المدينة التي تنتشر فيها السيارات المفخخة وحظر التجوال ويشعر فيها الاطفال بالحصار، فإن مشهد رجل يستخدم مركبة مائية يثير الدهشة. لكن هذا ما حدث في بحيرة صغيرة وسط بغداد يوم الاربعاء الماضي عندما أخذ الرجل يشق المياه ومئات العراقيين يراقبونه من على الشاطئ. المناسبة هي عيد الأضحى حيث تخرج الأسر للحدائق العامة بهدف الاحتفال بالعيد.

لكنهم خلال جلوسهم يتشمسون ويتلمسون المياه بأقدامهم العارية، كان يبدو انهم يحتفلون بأكثر من مجرد الاستمتاع بقضاء وقت في الخارج.

وقالت ورقاء السعدي، وهي صيدلانية في السادسة والثلاثين من العمر خرجت من قارب بعد نزهة في البحيرة مع بنات شقيقاتها: «نحن لا نزال على قيد الحياة. هناك مطبات على الطريق، لكن الحياة لا تزال مستمرة». ولم تكن مظاهر الحرب بعيدة، فقد فتش رجال الشرطة الذين كانوا يقفون على مدخل الحديقة كل شخص بمن فيهم الاطفال. إلا ان بغداد، بل العراق بأكلمه، ولليوم الثالث على التوالي، لم يشهد هجمات وبدت الحياة هنا، فجأة، طبيعية.

وقال عبد الهادي صديق، وهو مسؤول في وزارة المالية كان ينتظر انتهاء أولاده من ركوب احدى الألعاب في مدينة للملاهي في الحديقة الاخرى وسط بغداد المعروفة باسم الزوراء: «العراقيون لا يهتمون بالقنابل. ربما يأتينا الموت في منزلنا غدا، لكن الاطفال في حاجة للعب».

وبعد ثلاث سنوات من الغزو الأميركي، لا تزال بغداد مدينة يشلها العنف، حيث يعيش الناس في خوف. وقد اضطر العراقيون لتكييف حياتهم لمواجهة الاخطار اليومية. فهم لا يسهرون، واطفالهم لا يتوجهون الى المدارس سيرا على الاقدام. إلا ان الحياة لم تتوقف، والنشاطات اليومية لا تزال على حالها، مثل توجه الناس لشراء الخضر او البحث عن اماكن لوقف السيارات.

وطيلة ايام الاحتفال بالعيد، كانت الحديقتان الرئيسيتان في بغداد (البحيرة في حي الجادرية والزوراء وهي حديقة كبيرة بها قنوات من الاسمنت المسلح وحديقة حيوان ومدينة ملاه) مزدحمتين. فالأطفال يلعبون الكرة، والبنات يستخدمون الزلاجات للتجول في الحديقة.

وفي الزوراء كان عبد الهادي الصديق بالكاد يسيطر على اولاده. فهم ستة أطفال تتراوح اعمارهم بين الرابعة والسادسة عشر، يتنقلون من لعبة الى اخرى في مدينة الملاهي، ويطلبون مزيدا من الوقت. وقال صديق ان الحياة بطريقة آمنة في العراق حيث المشاعر الطائفية متأججة، تتطلب مواهب دبلوماسية. فقد ازداد التوتر الطائفي في حي الحرية في شمال غربي بغداد، بعدما تزايد تدفق العديد من العرب السنة على الحي من غرب البلاد. واوضح قائلاً: «يصفوننا بالجبناء، إلا اننا لا نرد عليهم. لا نريد إظهار غضبنا».

وبالفعل، كان الغزو الاميركي للعراق بمثابة تجربة حلوة ومرة في حياة العديد من العراقيين. فخلال مقابلات استمرت على مدى يومين في الحدائق العامة مع الشيعة والسنة، ومعظمهم من الموظفين، تبين ان الأخطار التي اثرت في حياتهم بطريقة معنية كانت لها بعض الفوائد.

فقد تحدثت هند جابر، وهي فتاة في السادسة عشرة من عمرها، وترتدي حجابا وتلبس اساور من الذهب بفخر عن سيارة «تويوتا» التي اشتراها والدها، وهي مستخدمة، قبل عامين. فقد قفز مرتب والدتها، وهي مدرسة ووالدها ضابط شرطة، قفزة كبيرة منذ عام 2003. وقالت هند: «كنا نعاني في عهد (الرئيس السابق) صدام حسين. كنا اكثر أمنا، لكن لم يمكننا الحصول على الاشياء». وعلى بعد أمتار منها كان والداها جالسين يراقبان المياه. وقال والدها قصي جابر انه لا يريد العودة الى عهد صدام حسين، لكن حياته الجديدة تتعرض لمشاكل. وكما لو ان الامر متعمد حلقت طائرة هليكوبتر فوق المنطقة، فقال قصي: «هذا هو الجانب السلبي». واوضح ان ابن اخيه البالغ من العمر 14 سنة قتل عند نقطة تفتيش ببغداد خلال وجوده في سيارة والده خلال فترة حظر التجوال. كما قتل اثنان من زملائه في عمليات انتحارية في بغداد. وقال ان حرية ابنتيه اصبحت محدودة بسبب العنف. واكد: «لم اصحب اسرتي للخارج منذ فترة طويلة، وهو يشتكون دائما من ذلك». وظهر هذا الاحباط على وجه زوجته اميرة داهل التي همست مشيرة الى تعرض النساء للظلم على أيدي الرجال.

وكانت ورقاء قد تخاصمت مع شقيقها الاكبر الذي قال لها ان الذهاب للحديقة خطر، لكنها تحدته، بل أحضرت ابنته الكبرى عائشة معها. وقالت وابتسامة كبيرة ترتسم على وجهها: «لقد تركته يتحدث مع نفسه». وكانت عائشة، وهي في العاشرة من عمرها، في سعادة بالغة، فقد ركبت خلال النزهة قارباً، وذلك للمرة الاولى في حياتها. وبالنسبة لصديق، كان ما حدث ذلك اليوم درسا لا ينسى، وعلق على ذلك قائلاً: «لا تركزوا على الانفجارات التي ستنتهي حتما. الأمر الاكثر اهمية اليوم هو ان العراقيين يشعرون براحة البال. الآن نشعر بالحرية».


* خدمة «نيويورك تايمز»