زوربا
01-14-2006, 09:06 PM
عدنان حسين - الشرق الاوسط
من المفترض ان تكون أطروحة وجود مقاومة وطنية وأخرى غير وطنية في العراق قد تهافتت، فكلهم واحد في ما يبدو وليس بوسع أحد منهم، وهو الموصوف بأنه مقاومة وطنية، أن يتبرأ من أفعال الثاني (المقاومة غير الوطنية) الارهابية.
الآن ظهر دليل آخر قوي على عدم وجود فرق بين الاثنين، فللمرة الثانية خلال اقل من شهر توقفت كل جماعات «المقاومة» (!) عن القيام بهجمات وعمليات تفجير انتحارية وغير انتحارية، ولم ينتهك أي منها ما يبدو انها هدنة متفق عليها. المرة الاولى كانت خلال الانتخابات البرلمانية منتصف الشهر الماضي والمرة الثانية شهدتها ايام عيد الاضحى المنقضية للتو.
ليست وطنية «المقاومة» التي تستهدف ابناء شعبها واملاكهم واعراضهم وامنهم وصحتهم بهجمات عشوائية او منتخبة.. وليست وطنية «المقاومة» التي لا تعرض برنامجا سياسيا واضحا تسعى لتحقيقه بالوسائل السياسية اولا وقبل كل شيء من دون اللجوء الى الخيار العسكري الا في حال الاضطرار للدفاع عن النفس وعن ارواح ابناء الشعب، مثلما فعلت الحركة الوطنية العراقية، العربية والكردية على السواء، طوال تاريخها.
اذا كانت هناك حقا مقاومة وطنية فإن عليها ان تلوم نفسها لانها لا تعرف قواعد اللعبة السياسية ولأنها لم تنجح في التمايز عن الارهابيين من فلول أجهزة صدام القمعية واتباع الزرقاوي وابن لادن الذين يستبيحون الارواح والدماء والممتلكات. وعلى هذه «المقاومة» ان تعترف علنا بأنها اخطأت واصبحت مطية للإرهابيين ، وان تعتذر عن هذا كله وتنغمر في العملية السياسية وتساهم في إنقاذ العراق مما هو فيه ومن الاسوأ الذي يمكن ان يكون عليه.
واذا كانت هناك مقاومة وطنية حقا فإن لوما يقع على حكومة بغداد خصوصا، وعلى الادارة العسكرية والدبلوماسية الاميركية في العراق لانهما اخفقتا في تحييد هذه «المقاومة» وعزلها عن ارهابيي «القاعدة» وفلول نظام صدام. وسيكون هذا أحد المهام العاجلة للحكومة القادمة. ولكن قبل هذا يتعين ان تثبت هذه «المقاومة» انها وطنية بالعمل لا بالشعارات الفارغة.. بل الكاذبة كشعارات صدام، مثلما يتعين على الحكومة القادمة ان تثبت هي الاخرى انها حكومة وطنية بالاعمال لا بأطنان الشعارات التي انتهت الى المزابل بعد انتهاء الانتخابات المتلاعب بها.
حتى اكثر العراقيين إفراطا في التخيل لم يكن ليتصور ان الحكام الذين سيخلفون صدام حسين سيكونون على شاكلته وصورته، وانه بعد الخلاص من نظام صدام يمكن ان يتعرض العراقيون للإهانة من الدولة ومؤسساتها بالعيار الثقيل نفسه الذي كانت تهين به دولة صدام العراقيين أجمعين.
العراقيون ظنوا انه بانهيار نظام صدام ستحل القطيعة التاريخية مع الاستبداد وكل ما يتفرع عنه من ممارسات شائنة، وظنوا كذلك انه مع سقوط صدام سيحظون بالاحترام والتقدير والعزّة وحفظ الكرامة على ارضهم وفي بلدهم من مؤسسات الدولة باعتبارها مؤسساتهم القائمة على خدمتهم والساهرة على مصالحهم والراعية لشؤونهم والمراعية لمشاعرهم.
لقد شطح بنا الخيال كثيرا، فالجمهورية الفاضلة التي وعدنا بها حكام العراق الحاليون، عندما كانوا في المعارضة، ستظل حلما بعيد المنال.
وكيف تكون قريبة المنال والحكومة التي تولت شؤون البلاد للسنة الماضية، وستتولاها للسنوات الاربع القادمة، لم ترتدع حتى عن التلاعب في قضية الحجاج!؟.. فجعلت الشيعي يتقدم على السني في الذهاب الى الديار المقدسة، ودسّت اسم الحزبي من «المجلس الاعلى» و«الدعوة» و«الفضيلة» و«التيار الصدري» غير الفائز في القرعة في القوائم بدلا من اسم غيره من اعضاء الاحزاب الاخرى او من «اهل الله»، وهذا توصيف عراقي لمن لا حول لهم ولا قوة .. ولا واسطة !
رئيس الوزراء العراقي الذي خاض الانتخابات تحت شعار «القوي الامين» لم يستطع ان ينكر حدوث هذه الممارسة المشينة، فاعترف بها علنا واعدا بإجراء «التحقيق اللازم» الذي لن تظهر نتائجه حتى بعد موسم الحج القادم على غرار التحقيقات «اللازمة» التي وعدنا بها في قضية نكبة جسر الائمة وفضائح معتقلات الداخلية وتهريب النفط في الجنوب على ايدي ميليشيات واحزاب الحكومة وهوامشها وبمساعدة الجار الايراني .. المثال والقدوة ومرجع التقليد!
وثمة ممارسة مماثلة حدثت في موسم الحج هذا، بطلها مدير شبكة «العراقية» الذي تصرّف باعتبار هذه المؤسسة شركته الخاصة، فمن الديار المقدسة نقلت الينا «شبكته» في بث حي ومباشر لقاء عائليا بين افراد اسرته في مقر أحدهم ، يتبادلون المدائح التي لم تقل من قبل إلا في الانبياء والخلفاء والاولياء .. وهذا بالطبع شأنهم .. أعني شأن المادحين والممدوحين من الاسرة المجتمعة في الديار المقدسة، ولكن ما خصّ الشعب العراقي بهذا؟ لماذا يٌعتدى على احدى مؤسساته ـ هي شبكة «العراقية» للاذاعة والتلفزيون ـ ويجري التصرف بها كمؤسسة عائلية كما كان يحدث زمن صدام حسين؟
هل يقدم لنا «القوي الأمين» جوابا، ام سيعدنا بـ«التحقيق اللازم» الذي لن يجري!؟
a.hussein@asharqalawsat.com
من المفترض ان تكون أطروحة وجود مقاومة وطنية وأخرى غير وطنية في العراق قد تهافتت، فكلهم واحد في ما يبدو وليس بوسع أحد منهم، وهو الموصوف بأنه مقاومة وطنية، أن يتبرأ من أفعال الثاني (المقاومة غير الوطنية) الارهابية.
الآن ظهر دليل آخر قوي على عدم وجود فرق بين الاثنين، فللمرة الثانية خلال اقل من شهر توقفت كل جماعات «المقاومة» (!) عن القيام بهجمات وعمليات تفجير انتحارية وغير انتحارية، ولم ينتهك أي منها ما يبدو انها هدنة متفق عليها. المرة الاولى كانت خلال الانتخابات البرلمانية منتصف الشهر الماضي والمرة الثانية شهدتها ايام عيد الاضحى المنقضية للتو.
ليست وطنية «المقاومة» التي تستهدف ابناء شعبها واملاكهم واعراضهم وامنهم وصحتهم بهجمات عشوائية او منتخبة.. وليست وطنية «المقاومة» التي لا تعرض برنامجا سياسيا واضحا تسعى لتحقيقه بالوسائل السياسية اولا وقبل كل شيء من دون اللجوء الى الخيار العسكري الا في حال الاضطرار للدفاع عن النفس وعن ارواح ابناء الشعب، مثلما فعلت الحركة الوطنية العراقية، العربية والكردية على السواء، طوال تاريخها.
اذا كانت هناك حقا مقاومة وطنية فإن عليها ان تلوم نفسها لانها لا تعرف قواعد اللعبة السياسية ولأنها لم تنجح في التمايز عن الارهابيين من فلول أجهزة صدام القمعية واتباع الزرقاوي وابن لادن الذين يستبيحون الارواح والدماء والممتلكات. وعلى هذه «المقاومة» ان تعترف علنا بأنها اخطأت واصبحت مطية للإرهابيين ، وان تعتذر عن هذا كله وتنغمر في العملية السياسية وتساهم في إنقاذ العراق مما هو فيه ومن الاسوأ الذي يمكن ان يكون عليه.
واذا كانت هناك مقاومة وطنية حقا فإن لوما يقع على حكومة بغداد خصوصا، وعلى الادارة العسكرية والدبلوماسية الاميركية في العراق لانهما اخفقتا في تحييد هذه «المقاومة» وعزلها عن ارهابيي «القاعدة» وفلول نظام صدام. وسيكون هذا أحد المهام العاجلة للحكومة القادمة. ولكن قبل هذا يتعين ان تثبت هذه «المقاومة» انها وطنية بالعمل لا بالشعارات الفارغة.. بل الكاذبة كشعارات صدام، مثلما يتعين على الحكومة القادمة ان تثبت هي الاخرى انها حكومة وطنية بالاعمال لا بأطنان الشعارات التي انتهت الى المزابل بعد انتهاء الانتخابات المتلاعب بها.
حتى اكثر العراقيين إفراطا في التخيل لم يكن ليتصور ان الحكام الذين سيخلفون صدام حسين سيكونون على شاكلته وصورته، وانه بعد الخلاص من نظام صدام يمكن ان يتعرض العراقيون للإهانة من الدولة ومؤسساتها بالعيار الثقيل نفسه الذي كانت تهين به دولة صدام العراقيين أجمعين.
العراقيون ظنوا انه بانهيار نظام صدام ستحل القطيعة التاريخية مع الاستبداد وكل ما يتفرع عنه من ممارسات شائنة، وظنوا كذلك انه مع سقوط صدام سيحظون بالاحترام والتقدير والعزّة وحفظ الكرامة على ارضهم وفي بلدهم من مؤسسات الدولة باعتبارها مؤسساتهم القائمة على خدمتهم والساهرة على مصالحهم والراعية لشؤونهم والمراعية لمشاعرهم.
لقد شطح بنا الخيال كثيرا، فالجمهورية الفاضلة التي وعدنا بها حكام العراق الحاليون، عندما كانوا في المعارضة، ستظل حلما بعيد المنال.
وكيف تكون قريبة المنال والحكومة التي تولت شؤون البلاد للسنة الماضية، وستتولاها للسنوات الاربع القادمة، لم ترتدع حتى عن التلاعب في قضية الحجاج!؟.. فجعلت الشيعي يتقدم على السني في الذهاب الى الديار المقدسة، ودسّت اسم الحزبي من «المجلس الاعلى» و«الدعوة» و«الفضيلة» و«التيار الصدري» غير الفائز في القرعة في القوائم بدلا من اسم غيره من اعضاء الاحزاب الاخرى او من «اهل الله»، وهذا توصيف عراقي لمن لا حول لهم ولا قوة .. ولا واسطة !
رئيس الوزراء العراقي الذي خاض الانتخابات تحت شعار «القوي الامين» لم يستطع ان ينكر حدوث هذه الممارسة المشينة، فاعترف بها علنا واعدا بإجراء «التحقيق اللازم» الذي لن تظهر نتائجه حتى بعد موسم الحج القادم على غرار التحقيقات «اللازمة» التي وعدنا بها في قضية نكبة جسر الائمة وفضائح معتقلات الداخلية وتهريب النفط في الجنوب على ايدي ميليشيات واحزاب الحكومة وهوامشها وبمساعدة الجار الايراني .. المثال والقدوة ومرجع التقليد!
وثمة ممارسة مماثلة حدثت في موسم الحج هذا، بطلها مدير شبكة «العراقية» الذي تصرّف باعتبار هذه المؤسسة شركته الخاصة، فمن الديار المقدسة نقلت الينا «شبكته» في بث حي ومباشر لقاء عائليا بين افراد اسرته في مقر أحدهم ، يتبادلون المدائح التي لم تقل من قبل إلا في الانبياء والخلفاء والاولياء .. وهذا بالطبع شأنهم .. أعني شأن المادحين والممدوحين من الاسرة المجتمعة في الديار المقدسة، ولكن ما خصّ الشعب العراقي بهذا؟ لماذا يٌعتدى على احدى مؤسساته ـ هي شبكة «العراقية» للاذاعة والتلفزيون ـ ويجري التصرف بها كمؤسسة عائلية كما كان يحدث زمن صدام حسين؟
هل يقدم لنا «القوي الأمين» جوابا، ام سيعدنا بـ«التحقيق اللازم» الذي لن يجري!؟
a.hussein@asharqalawsat.com