سلسبيل
01-03-2006, 03:57 PM
تغيرات جذرية في الشخصية تطرأ على بعض الطلاب في الخارج وتربك الأهل
تحقيق: ثائرة محمد
حتى قبل أن ينتهي الأبناء من امتحانات شهادة الثانوية العامة يبدأ الأهل في البحث لهم عن جامعات لاستكمال تعليمهم في الخارج، خصوصا في الدول الغربية طمعا في تعليم أفضل، أو بعد أن تكون أغلقت في وجوههم أبواب الجامعات العربية.
ولكن بعد أن يسافر الأبناء إلى الخارج لاستكمال تعليمهم ونتيجة اختلاطهم بالمجتمعات الغربية تصيب بعضهم تغييرات جذرية في التفكير والشكل، وقد تمتد لتشمل مشاعرهم نحو ذويهم فتفتر وتتبلد بعد أن كانت قوية ومتينة.
لماذا تتغير شخصية أبنائنا في الخارج؟ ولماذا لا يعودون إلينا كما ذهبوا؟ وهل المجازفة بغربتهم وتحمل فراقهم وأيضا الأعباء المالية الناتجة عن دراستهم في الخارج تساوي ما أثمرت عنه غربتهم، وما قد نجد أبناءنا عليه بعد عودتهم؟
تعالوا معنا نكتشف اثر الغربة في العلاقة بين الأهل وأبنائهم.
فائدة يوسف لديها ثلاثة أبناء أرسلتهم للدراسة في الخارج الواحد تلو الآخر، بعد أن سدت أمامها السبل في أن تؤمن لهم مقاعد في جامعات عربية بسبب معدلاتهم المنخفضة في الثانوية العامة التي لم تتجاوز 70 في المائة. كان طموحها أن يكمل أبناؤها دراستهم في الهندسة والطب، ولكن بسبب معدلاتهم الضعيفة أرسلتهم للدراسة في الولايات المتحدة الأميركية.
عندما أرسلت فائدة ابنها الأكبر الذي كانت مولعة به كثيرا، مرضت من شدة شوقها اليه، وكانت دموعها تنساب كلما كلمته بالهاتف. حتى هو كان يبكي عندما يكلمها ويبدي رغبته بالعودة إلى حضنها. هكذا كانت حاله في البداية، إلا انه مع مضي الوقت بدأ يتأقلم مع المجتمع الجديد، بل تأثر به بسرعة، ونسي كثيرا مما تعلمه في حضن أمه.
ومع الوقت بدأت الأم تشعر بفجوة كبيرة تفصل بينها وبين ابنها الأكبر الذي أولته كل الرعاية والاهتمام.
وقامت بعدها بإرسال الابن الثاني ليدرس برفقة شقيقه ويعيش معه ليستأنسا بعضهما ببعض ويكونان عونا بعضهما لبعض في الغربة، فيتغلبان سويا على تأثير الأفكار الجديدة التي شعرت أنها بدأت تطغى على القيم التي ربتهما عليها. إلا أنها فوجئت بمرور الوقت بان كليهما تغير إلى درجة انهما أصبحا يرفضان العودة حتى لقضاء إجازة الصيف مع والديهما بحجة الكورسات الصيفية.
وحين أنهى ابنها الثالث دراسته الثانوية فضلت أن تذهب معه لتقديم أوراقه هناك، ولترى عن قرب كيف يعيش ابناها الآخران بعد فراق طويل أصابها بالمرض.
صدمة قوية
وتضيف فائدة: عندما سافرت صدمت، فقد وجدت ابني الأكبر يسكن مع أصدقاء فاسدين، بل إن صدمتي كانت أكبر بالطريقة التي استقبلني بها ولدي، فبدلا من أن يحضنني ليعوضني عن حبه الذي افتقدته أو يعبر لي عن اشتياقه سألني: لماذا جئت إلى هنا؟
أما ابني الثاني فوجدته يعيش في شقة مع صديقته التي يطمح إلى الزواج فيها ليحصل على الجنسية الأميركية، ويعيش حياته بالطول والعرض.. عندها فقدت صوابي وقررت على الفور العودة بهما إلى الوطن، ولسان حالي يقول كفى ما خسرت ولا أريد شهادات طب أوهندسة بل أريد أبنائي فقط لانجوا بهم ويعودون كما كانوا... ولكن أحدهم رفض وعدت باثنين، والآن أعض أصابعي ندما على سفرهم وتغيرهم بهذا الشكل.
وتكمل فائدة: أوقفت الدعم المادي تماما عن ابني الذي بقي هناك لعلّه يعود إلى صوابه.. لقد خسرت في أبنائي مشاعرهم الجميلة وبرهم بوالديهم. وانصح الأهل أن لا يبعثوا أبناءهم إلى الخارج، ما لم يكن هناك قريب أو رقيب عليهم حتى لا يخسرونهم.
فترة حساسة جدا
نورهان نبيل تقول إننا نرسل أبناءنا للدراسة في الخارج في فترة مبكرة من عمرهم، وهم لا يتجاوزون الثامنة عشرة.. وهذه الفترة حساسة جدا وأساس تطوير شخصيتهم . فالأبناء في هذا العمر يفتقدون الوعي ويميلون إلى إقامة علاقات قد لا يعون مدى خطورتها. وللأصدقاء تأثير بالغ على الأبناء خصوصا عندما يكونون خارج البلاد إذ يفتقدون الرقابة الأسرية الضرورية في تقويم أي سلوك معوج.
وتأثر الأبناء بأصدقاء السوء يغير من سلوكياتهم، خصوصا في الخارج حيث الحرية في التصرف من دون رقيب أو حسيب، الأمر الذي يساهم في سرعة تغير أفكارهم ومشاعرهم، مما يؤثر بالتالي على علاقتهم بذويهم وأسرهم ومجتمعهم.
تأثير المجتمع والأصدقاء
ويرى إيهاب فوزي أن التربية والتأسيس عاملان مهمان في تشكيل شخصية الفرد، ولكن لا يمكن الاعتماد عليها بنسبة 100 في المائة وذلك لأن تأثير المجتمع والأصدقاء اكبر بكثير من تأثير البيت، فالابن يتأثر بمن هم في عمره أكثر من تأثره بمن هم اكبر منه، ويسعى إلى تقليدهم ربما لأنهم يشتركون معه في جملة من المشاعر والأحاسيس التي قد لا يفهمها الكبار.
ولهذا السبب فان الأبناء في الخارج يتأثرون كثيرا بالأصدقاء الجدد ويصبح تفكيرهم متشابها إلى درجة كبيرة، بل يتأقلمون بسرعة مع البيئة الجديدة التي يعيشون فيها، وأحيانا يصبحرن جزءا منها. وعندما يزورون ذويهم يصدم الأهل حين يكتشفون فتور مشاعر أبنائهم تجاههم وعدم اشتياقهم لهم، ويلاحظون بعد ذلك تغيرات كبيرة في شخصية ابنهم المغترب الذي أصبحت له خصوصية اكبر وأصبح يعتبر أن له حريته التي يجب أن لا يتعدى عليها الآخرون حتى ان كانوا الأهل.
التبلد العاطفي
ترى ألمى علي أن غربة الأبناء عن أهلهم في فترة المراهقة خطرة جدا مهما كانت بيئتهم محافظة، ومهما حرص الأهل على تلقينهم من أخلاقيات وسلوكيات حسنة.. بل العكس كلما كان الفرد من بيئة محافظة وملتزمة فانه بعد خروجه للدراسة في الغرب يتغير 180 درجة .. لأنه كما يقول المثل «كان في قمقم وخرج منه». وتضيف ألمى:
ـ وربما يؤدي تزمت الأهل الزائد إلى انحراف الابن فيما بعد، خصوصا إذا لم يكن مقتنعا بأفكار أهله. عندها سيجد انه تحرر في الخارج من ضغوط أهله فيعيش حياته كما يريد.
وإذا لم يجد الصحبة الصالحة في الغربة أو لم يحسن اختيار الأصدقاء الأسوياء الذين يأخذون بيده، عندها سيعود من غربته بعادات جديدة، وسيشعر بتبلد عاطفته تجاه أهله وأقاربه.
الاستقلالية سبب فتور العلاقة
أما عبير صلاح فتقول أن اكبر تغير يلاحظ على الأبناء بعد عودتهم من الخارج هو فتور العلاقة بينهم وبين والديهم. فالاستقلالية التي يعيشونها في الخارج بعيدا عن تدخل الأهل، واعتمادهم تماما على أنفسهم، واختيارهم مفاهيم جديدة في حياتهم، كل هذه الأمور قد لا تعجب أهلهم الذين يعتبرون ان ابنهم أصبح غريبا عنهم، خصوصا إذا رافق هذه التغيرات فتور في المشاعر وتغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة.. عندها يشعر الأهل بان أبناءهم غير مبالين بهم واستغنوا عنهم «قلبي على ولدي وقلب ولدي على الحجر».
تغييرات في المظهر والمضمون
المهندس هاني البجرمي يعتبر أن الإنسان ابن بيئته وهو يتأثر بالمتغيرات والمحيط الخارجي في مراحل حياته كافة، خصوصا المراهقة. والذي يعيش في الغرب له عادات يعتبرها الأهل غريبة عنهم، خصوصا إذا رافق التغيير في المضمون تغييرا في الشكل أيضا.. فيشعرون باختلافه عنهم ويصبح موضع انتقادهم الدائم، الأمر الذي يضعف علاقته بأسرته فتصبح فاترة.
وبعض الشباب ينغمسون في مجتمعهم الجديد إلى درجة ينسون معها الأهل، والدليل على ذلك ان البعض يقضي سنوات دراسته الجامعية في الخارج من دون أن يعود لزيارة أهله حتى في العطل الرسمية. وقد يفضل الكثير منهم بعد ذلك إكمال تعليمهم العالي ثم العمل والزواج والاستقرار في بلد الغربة ناسين أهلهم ومجتمعهم، وقد لا يعودون إلا بعد فترة طويلة تكون قد ضاعت فيها المشاعر وتبلدت.
قسوة في المعاملة
المثل القائل «قلبي على ولدي وقلب ولدي على الحجر» هو نتاج الغربة التي تولد الفتور والقسوة والجفاء، كما أن المثل القائل «بعيد عن العين بعيد عن القلب» يتحقق فعلا حسب ما ترى نادية جمال التي تقول:
ـ البعد جفاء ويولد القسوة، وهذا ما شعرت به من جارتي التي أرسلت ابنها للدراسة في الخارج وعاد بصحبة زوجته الأجنبية وسكنا بعيدا عنها، فلا تراهما الأم إلا كلما توسلت لابنها بالهاتف أن يسمح لها بزيارته أو رجته أن يزورها وعادة ما تكون هذه الزيارة شهرية.
وتضيف نادية: إن جارتي دائمة الشكوى من قسوة ابنها الذي سافر طيب القلب وعاد ومشاعره بقسوة الصخر، إلى درجة انه يبخل عليها برؤيته، كما انه لا يسمح لها بتقبيل ولديه خشية إصابتهم بالمرض أو نقل الجراثيم إليهم، كما تقول زوجته، ولا يسمع لها نصيحة أو يأخذ برأيها. كما انه أطلق على ابنائه أسماء أجنبية كما أرادت زوجته.
وتضيف نادية: إننا نرسل أبناءنا إلى الخارج ليعودوا لنا بشهادات جامعية، ثم نبكي عند عودتهم أو عدم عودتهم ونقول ليتنا لم نرسلهم وبقوا كما كانوا.
ابني كاد يضيع
وتختتم وفاء عبد الراضي بهذه القصة التي حدثت مع ابنها وتقول: نحن في الخليج نعيش في مجتمع ملتزم دينيا وأخلاقيا. وعندما يخرج الأبناء في مرحلة المراهقة إلى مجتمع آخر مختلف فإنهم يكونون معرضين للانحراف والتأثر بالمجتمع الجديد.
وتشير إلى ما حدث مع ولدها الذي ترددت كثيرا في إرساله إلى الخارج وأرسلته إلى دولة عربية تتمتع بحرية اكبر مما هو في الخليج، وكاد ينحرف بسبب الأصدقاء. ولكنها استطاعت أن تتخطى المشكلة وتعيده إلى صوابه في الوقت المناسب.
وتضيف: الشباب لديهم رؤية وقناعة تختلف عن الكبار، فهم يريدون أن يجربوا كما جرب غيرهم. ولكونهم صغار السن ومحدودي التجربة ويفترضون حسن النية لدى الآخرين يقعون في المحظور. وفي هذا الزمن الصعب ينجرف كثير من الشباب ويرتكبون أخطاء قد تكون سببا في تدمير مستقبلهم.
مغريات كثيرة
خالد الابراهيم أيضا يرفض تماما فكرة سفر الأبناء للدراسة في الدول الأجنبية أو العمل فيها، ويقول:
ـ ما يتعرض له الشباب من مغريات كثيرة قد يضعف المقاومة عنده.. وعلى الرغم من أن هناك من يقاوم البيئة الجديدة إلا أن البعض يتأثر بها.
ولا يمكن أن نعمم السوء على جميع الشباب المسافر للدراسة في الدول الأجنبية، فالكثير منهم يتمسك بدينه وأخلاقه أكثر، والدليل وجود الكثير من الملتزمين بتعاليم دينهم في الغرب.
أما بالنسبة للجفاء وفقدان التواصل والحب والمشاعر مع الأسر فهذا أيضا يجده الابراهيم لا ينطبق على الجميع مشيرا إلى أن كثيرا من الطلبة يشعرون بالحنين والشوق إلى الأهل والوطن لان الغربة مهما كان بريقها فهي صعبة القبول على الإنسان كما أن للغربة فوائدها أيضا وأهمها الاعتماد على النفس والشعور بقيمة الأهل..
تحقيق: ثائرة محمد
حتى قبل أن ينتهي الأبناء من امتحانات شهادة الثانوية العامة يبدأ الأهل في البحث لهم عن جامعات لاستكمال تعليمهم في الخارج، خصوصا في الدول الغربية طمعا في تعليم أفضل، أو بعد أن تكون أغلقت في وجوههم أبواب الجامعات العربية.
ولكن بعد أن يسافر الأبناء إلى الخارج لاستكمال تعليمهم ونتيجة اختلاطهم بالمجتمعات الغربية تصيب بعضهم تغييرات جذرية في التفكير والشكل، وقد تمتد لتشمل مشاعرهم نحو ذويهم فتفتر وتتبلد بعد أن كانت قوية ومتينة.
لماذا تتغير شخصية أبنائنا في الخارج؟ ولماذا لا يعودون إلينا كما ذهبوا؟ وهل المجازفة بغربتهم وتحمل فراقهم وأيضا الأعباء المالية الناتجة عن دراستهم في الخارج تساوي ما أثمرت عنه غربتهم، وما قد نجد أبناءنا عليه بعد عودتهم؟
تعالوا معنا نكتشف اثر الغربة في العلاقة بين الأهل وأبنائهم.
فائدة يوسف لديها ثلاثة أبناء أرسلتهم للدراسة في الخارج الواحد تلو الآخر، بعد أن سدت أمامها السبل في أن تؤمن لهم مقاعد في جامعات عربية بسبب معدلاتهم المنخفضة في الثانوية العامة التي لم تتجاوز 70 في المائة. كان طموحها أن يكمل أبناؤها دراستهم في الهندسة والطب، ولكن بسبب معدلاتهم الضعيفة أرسلتهم للدراسة في الولايات المتحدة الأميركية.
عندما أرسلت فائدة ابنها الأكبر الذي كانت مولعة به كثيرا، مرضت من شدة شوقها اليه، وكانت دموعها تنساب كلما كلمته بالهاتف. حتى هو كان يبكي عندما يكلمها ويبدي رغبته بالعودة إلى حضنها. هكذا كانت حاله في البداية، إلا انه مع مضي الوقت بدأ يتأقلم مع المجتمع الجديد، بل تأثر به بسرعة، ونسي كثيرا مما تعلمه في حضن أمه.
ومع الوقت بدأت الأم تشعر بفجوة كبيرة تفصل بينها وبين ابنها الأكبر الذي أولته كل الرعاية والاهتمام.
وقامت بعدها بإرسال الابن الثاني ليدرس برفقة شقيقه ويعيش معه ليستأنسا بعضهما ببعض ويكونان عونا بعضهما لبعض في الغربة، فيتغلبان سويا على تأثير الأفكار الجديدة التي شعرت أنها بدأت تطغى على القيم التي ربتهما عليها. إلا أنها فوجئت بمرور الوقت بان كليهما تغير إلى درجة انهما أصبحا يرفضان العودة حتى لقضاء إجازة الصيف مع والديهما بحجة الكورسات الصيفية.
وحين أنهى ابنها الثالث دراسته الثانوية فضلت أن تذهب معه لتقديم أوراقه هناك، ولترى عن قرب كيف يعيش ابناها الآخران بعد فراق طويل أصابها بالمرض.
صدمة قوية
وتضيف فائدة: عندما سافرت صدمت، فقد وجدت ابني الأكبر يسكن مع أصدقاء فاسدين، بل إن صدمتي كانت أكبر بالطريقة التي استقبلني بها ولدي، فبدلا من أن يحضنني ليعوضني عن حبه الذي افتقدته أو يعبر لي عن اشتياقه سألني: لماذا جئت إلى هنا؟
أما ابني الثاني فوجدته يعيش في شقة مع صديقته التي يطمح إلى الزواج فيها ليحصل على الجنسية الأميركية، ويعيش حياته بالطول والعرض.. عندها فقدت صوابي وقررت على الفور العودة بهما إلى الوطن، ولسان حالي يقول كفى ما خسرت ولا أريد شهادات طب أوهندسة بل أريد أبنائي فقط لانجوا بهم ويعودون كما كانوا... ولكن أحدهم رفض وعدت باثنين، والآن أعض أصابعي ندما على سفرهم وتغيرهم بهذا الشكل.
وتكمل فائدة: أوقفت الدعم المادي تماما عن ابني الذي بقي هناك لعلّه يعود إلى صوابه.. لقد خسرت في أبنائي مشاعرهم الجميلة وبرهم بوالديهم. وانصح الأهل أن لا يبعثوا أبناءهم إلى الخارج، ما لم يكن هناك قريب أو رقيب عليهم حتى لا يخسرونهم.
فترة حساسة جدا
نورهان نبيل تقول إننا نرسل أبناءنا للدراسة في الخارج في فترة مبكرة من عمرهم، وهم لا يتجاوزون الثامنة عشرة.. وهذه الفترة حساسة جدا وأساس تطوير شخصيتهم . فالأبناء في هذا العمر يفتقدون الوعي ويميلون إلى إقامة علاقات قد لا يعون مدى خطورتها. وللأصدقاء تأثير بالغ على الأبناء خصوصا عندما يكونون خارج البلاد إذ يفتقدون الرقابة الأسرية الضرورية في تقويم أي سلوك معوج.
وتأثر الأبناء بأصدقاء السوء يغير من سلوكياتهم، خصوصا في الخارج حيث الحرية في التصرف من دون رقيب أو حسيب، الأمر الذي يساهم في سرعة تغير أفكارهم ومشاعرهم، مما يؤثر بالتالي على علاقتهم بذويهم وأسرهم ومجتمعهم.
تأثير المجتمع والأصدقاء
ويرى إيهاب فوزي أن التربية والتأسيس عاملان مهمان في تشكيل شخصية الفرد، ولكن لا يمكن الاعتماد عليها بنسبة 100 في المائة وذلك لأن تأثير المجتمع والأصدقاء اكبر بكثير من تأثير البيت، فالابن يتأثر بمن هم في عمره أكثر من تأثره بمن هم اكبر منه، ويسعى إلى تقليدهم ربما لأنهم يشتركون معه في جملة من المشاعر والأحاسيس التي قد لا يفهمها الكبار.
ولهذا السبب فان الأبناء في الخارج يتأثرون كثيرا بالأصدقاء الجدد ويصبح تفكيرهم متشابها إلى درجة كبيرة، بل يتأقلمون بسرعة مع البيئة الجديدة التي يعيشون فيها، وأحيانا يصبحرن جزءا منها. وعندما يزورون ذويهم يصدم الأهل حين يكتشفون فتور مشاعر أبنائهم تجاههم وعدم اشتياقهم لهم، ويلاحظون بعد ذلك تغيرات كبيرة في شخصية ابنهم المغترب الذي أصبحت له خصوصية اكبر وأصبح يعتبر أن له حريته التي يجب أن لا يتعدى عليها الآخرون حتى ان كانوا الأهل.
التبلد العاطفي
ترى ألمى علي أن غربة الأبناء عن أهلهم في فترة المراهقة خطرة جدا مهما كانت بيئتهم محافظة، ومهما حرص الأهل على تلقينهم من أخلاقيات وسلوكيات حسنة.. بل العكس كلما كان الفرد من بيئة محافظة وملتزمة فانه بعد خروجه للدراسة في الغرب يتغير 180 درجة .. لأنه كما يقول المثل «كان في قمقم وخرج منه». وتضيف ألمى:
ـ وربما يؤدي تزمت الأهل الزائد إلى انحراف الابن فيما بعد، خصوصا إذا لم يكن مقتنعا بأفكار أهله. عندها سيجد انه تحرر في الخارج من ضغوط أهله فيعيش حياته كما يريد.
وإذا لم يجد الصحبة الصالحة في الغربة أو لم يحسن اختيار الأصدقاء الأسوياء الذين يأخذون بيده، عندها سيعود من غربته بعادات جديدة، وسيشعر بتبلد عاطفته تجاه أهله وأقاربه.
الاستقلالية سبب فتور العلاقة
أما عبير صلاح فتقول أن اكبر تغير يلاحظ على الأبناء بعد عودتهم من الخارج هو فتور العلاقة بينهم وبين والديهم. فالاستقلالية التي يعيشونها في الخارج بعيدا عن تدخل الأهل، واعتمادهم تماما على أنفسهم، واختيارهم مفاهيم جديدة في حياتهم، كل هذه الأمور قد لا تعجب أهلهم الذين يعتبرون ان ابنهم أصبح غريبا عنهم، خصوصا إذا رافق هذه التغيرات فتور في المشاعر وتغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة.. عندها يشعر الأهل بان أبناءهم غير مبالين بهم واستغنوا عنهم «قلبي على ولدي وقلب ولدي على الحجر».
تغييرات في المظهر والمضمون
المهندس هاني البجرمي يعتبر أن الإنسان ابن بيئته وهو يتأثر بالمتغيرات والمحيط الخارجي في مراحل حياته كافة، خصوصا المراهقة. والذي يعيش في الغرب له عادات يعتبرها الأهل غريبة عنهم، خصوصا إذا رافق التغيير في المضمون تغييرا في الشكل أيضا.. فيشعرون باختلافه عنهم ويصبح موضع انتقادهم الدائم، الأمر الذي يضعف علاقته بأسرته فتصبح فاترة.
وبعض الشباب ينغمسون في مجتمعهم الجديد إلى درجة ينسون معها الأهل، والدليل على ذلك ان البعض يقضي سنوات دراسته الجامعية في الخارج من دون أن يعود لزيارة أهله حتى في العطل الرسمية. وقد يفضل الكثير منهم بعد ذلك إكمال تعليمهم العالي ثم العمل والزواج والاستقرار في بلد الغربة ناسين أهلهم ومجتمعهم، وقد لا يعودون إلا بعد فترة طويلة تكون قد ضاعت فيها المشاعر وتبلدت.
قسوة في المعاملة
المثل القائل «قلبي على ولدي وقلب ولدي على الحجر» هو نتاج الغربة التي تولد الفتور والقسوة والجفاء، كما أن المثل القائل «بعيد عن العين بعيد عن القلب» يتحقق فعلا حسب ما ترى نادية جمال التي تقول:
ـ البعد جفاء ويولد القسوة، وهذا ما شعرت به من جارتي التي أرسلت ابنها للدراسة في الخارج وعاد بصحبة زوجته الأجنبية وسكنا بعيدا عنها، فلا تراهما الأم إلا كلما توسلت لابنها بالهاتف أن يسمح لها بزيارته أو رجته أن يزورها وعادة ما تكون هذه الزيارة شهرية.
وتضيف نادية: إن جارتي دائمة الشكوى من قسوة ابنها الذي سافر طيب القلب وعاد ومشاعره بقسوة الصخر، إلى درجة انه يبخل عليها برؤيته، كما انه لا يسمح لها بتقبيل ولديه خشية إصابتهم بالمرض أو نقل الجراثيم إليهم، كما تقول زوجته، ولا يسمع لها نصيحة أو يأخذ برأيها. كما انه أطلق على ابنائه أسماء أجنبية كما أرادت زوجته.
وتضيف نادية: إننا نرسل أبناءنا إلى الخارج ليعودوا لنا بشهادات جامعية، ثم نبكي عند عودتهم أو عدم عودتهم ونقول ليتنا لم نرسلهم وبقوا كما كانوا.
ابني كاد يضيع
وتختتم وفاء عبد الراضي بهذه القصة التي حدثت مع ابنها وتقول: نحن في الخليج نعيش في مجتمع ملتزم دينيا وأخلاقيا. وعندما يخرج الأبناء في مرحلة المراهقة إلى مجتمع آخر مختلف فإنهم يكونون معرضين للانحراف والتأثر بالمجتمع الجديد.
وتشير إلى ما حدث مع ولدها الذي ترددت كثيرا في إرساله إلى الخارج وأرسلته إلى دولة عربية تتمتع بحرية اكبر مما هو في الخليج، وكاد ينحرف بسبب الأصدقاء. ولكنها استطاعت أن تتخطى المشكلة وتعيده إلى صوابه في الوقت المناسب.
وتضيف: الشباب لديهم رؤية وقناعة تختلف عن الكبار، فهم يريدون أن يجربوا كما جرب غيرهم. ولكونهم صغار السن ومحدودي التجربة ويفترضون حسن النية لدى الآخرين يقعون في المحظور. وفي هذا الزمن الصعب ينجرف كثير من الشباب ويرتكبون أخطاء قد تكون سببا في تدمير مستقبلهم.
مغريات كثيرة
خالد الابراهيم أيضا يرفض تماما فكرة سفر الأبناء للدراسة في الدول الأجنبية أو العمل فيها، ويقول:
ـ ما يتعرض له الشباب من مغريات كثيرة قد يضعف المقاومة عنده.. وعلى الرغم من أن هناك من يقاوم البيئة الجديدة إلا أن البعض يتأثر بها.
ولا يمكن أن نعمم السوء على جميع الشباب المسافر للدراسة في الدول الأجنبية، فالكثير منهم يتمسك بدينه وأخلاقه أكثر، والدليل وجود الكثير من الملتزمين بتعاليم دينهم في الغرب.
أما بالنسبة للجفاء وفقدان التواصل والحب والمشاعر مع الأسر فهذا أيضا يجده الابراهيم لا ينطبق على الجميع مشيرا إلى أن كثيرا من الطلبة يشعرون بالحنين والشوق إلى الأهل والوطن لان الغربة مهما كان بريقها فهي صعبة القبول على الإنسان كما أن للغربة فوائدها أيضا وأهمها الاعتماد على النفس والشعور بقيمة الأهل..