المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحج في الشام .. تقاليد واحتفالات قديمة كانت تعيشها دمشق قبل قرون ولعدة أشهر



مجاهدون
01-03-2006, 06:57 AM
لم يبق منها إلا بعض مظاهر العودة والاستقبال


دمشق: هشام عدرة


ينطلق هذه الأيام آلاف الحجيج السوريين إلى الأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج لهذا العام. ومع التطور الهائل الذي حصل في السنوات الماضية في تأمين الراحة والوصول السريع للحجيج من خلال نقلهم بالطائرات أو السيارات والحافلات السريعة، والسفر بأمان واطمئنان، يتذكر الدمشقيون ومن خلال التراث القديم كيف كانت طقوس الحج في القرون الماضية، ويقارنونها بالحاضر في جلساتهم ودردشاتهم هذه الأيام عندما يودعون صديقاً أو قريباً أراد تأدية فريضة الحج هذا العام.

ويقول المهتمون بالتراث والتاريخ الدمشقي إن أفواج الحجيج كانت تنطلق من دمشق وتحديداً من بوابة الميدان (جنوب العاصمة) متجهة جنوباً نحو حوران والحدود الأردنية حيث تغادر فيما بعد إلى الأردن ومن ثم إلى الأراضي المقدسة، وكان جميع السوريين الذين يرغبون بتأدية الحج يتجمعون في منطقة الميدان أو يقوم والي دمشق بتوديعهم بطقوس احتفالية مع أداء أناشيد دينية لفرق العراضة الدمشقية، وكانت دمشق أيضاً تستقبل المسلمين الراغبين بتأدية فريضة الحج من تركيا أو الدول الأوروبية ودول آسيا الوسطى الذين يأتون براً من الحدود السورية التركية إلى حلب ومن ثم إلى دمشق ليتجمعوا فيها وكان الدمشقيون يستقبلونهم في مدخل دمشق الشمالي وتحديداً في بوابتي دمشق الشرقيتين وهما باب شرقي وباب السلام ليتم توزيعهم على خانات دمشق والإقامة فيها ريثما يتم اكتمال الراغبين بالسفر للحج ومن ثم ينطلق الجميع من دمشق، وكان ما يميز طقوس الحج الدمشقي هو (المحمل) ومن يزر متحف التقاليد الشعبية في قصر العظم وتحديداً (قاعة الحج) فإنه يقرأ عبر مفرداتها طقوس الحج الشامي حيث تقدم قراءة مشوقة لمشهد الحج (قافلة الحج) التي كانت تنطلق من دمشق بقيادة أسعد باشا العظم باتجاه مكة المكرمة وقد عرض في القاعة (المحمل الشريف) المكون من هيكل خشبي مجلل بقماش مخملي زيتي اللون موشى بالصرما ويقف إلى جانب المحمل الشريف أمير الحج ببذلته الرسمية السوداء المشغولة بالصرما وبجانبه سيفه وأمامه راية الحج (السنجق) الموشاة بالصرما الناعمة على أرضية حمراء بكتابات من القرآن الكريم وبأسماء عدد من الصحابة الأجلاء ضمن أطر مستديرة وعلق على الجدران خلف المحمل جزء من حزام الكعبة المشرفة (صنع مصر) تعلوه لوحة من ستائر الكعبة المشرفة كما عرضت في القاعة ثلاثة تماثيل لحجاج بلباس الإحرام ( لرجلين وامرأة ) وصناديق المحمل الشريف التي كانت تحملها الجمال وعرضت بعض الهدايا التي كانت تجلب من الحج.

ويروي المؤرخون والمهتمون والباحثون كيف كانت طقوس الحج الشامي حيث كانت وفود الحجيج تأتي إلى دمشق قبل ثلاثة أشهر من انطلاق القافلة، وكانت هذه الوفود تحمل معها بضائع فاخرة ونفائس نادرة للاتجار بها حيث كانت دمشق السوق التجاري لهم فالعجمي يجلب اللؤلؤ والأحجار الكريمة والأقمشة الحريرية والسجاد والأتراك يأتون بالشاي والزعفران والتوابل والحناء والكحل وكانوا يبيعونها في دمشق حيث تتحول آنذاك المدينة إلى ورشة اقتصادية وقبل خروج قافلة الحج تبدأ الاحتفالات ويجلب زيت الحرم النبوي من منطقة (كفرسوسة) بدمشق ويجلب الشمع للحرم النبوي وماء الورد منطقة المزة وغوطة دمشق والكسوة الفاخرة ثم تنصب راية الحج (السنجق) تحت قبة النسر في الجامع الأموي الكبير وينطلق الموكب من جامع السنجقدار يأتي في مقدمة المحمل الشريف ثم السنجق ويتجمع الكوكب في حي الميدان حيث تبدأ الرحلة بعد عيد الفطر متجهة إلى مزريب آخر محطة في سورية.

وكان الموكب عظيماً حيث تجرى له في دمشق المراسم العسكرية والاحتفالات الشعبية تكريماً له حتى خروجه من حدود الشام، وبعد تأدية مناسك الحج تعود قافلة الحج الشامي إلى دمشق ويسبق عودتها وصول (جوقدار الحج) مرسلاً إليها من قبل أمير الحج لإبلاغ الدمشقيين بسلامة القافلة حاملاً رسائل الحجاج إلى ذويهم، وعن وصول الركب إلى مشارف دمشق يتوقف أمير الحج وقافلته حيث يستقبلهم الأقارب والمهنئون وأعيان دمشق وتزدان دمشق بعودة الحجاج إليها بحلة قشيبة من الأنوار والزينات وهناك المهللون ـ كما يقول الباحث حيان السوسي ـ حين وصول الحاج إلى أهله يقوم بتقديم الهدايا إلى ذويه وأصدقائه ويبتدئ المهنئون بزيارته في داره وتختم هذه الزيارات بإقامة الموالد والأناشيد الدينية. وكان يستخدم في نقل الحجاج ـ يضيف السوسي ـ الإبل والدواب ووجدت طوائف تخصصت في نقل الحجاج إلى الديار المقدسة وأبرزها طائفة المقومين (الدعاة) وتشير إلى الذين يدعون إلى الله والذين يتعهدون بنقل الراغبين بالحج من دمشق أو غيرها.

كما ساهمت طائفة أخرى تعرف بالعكامة في عملية نقل الحجاج. والعكام هو الذي يقود الجمل ويخدم راكبيه. وإذا كانت طقوس مغادرة وفود الحج الشامي قد تغيرت جذرياً في العصر الحديث وأصبحت هناك الطائرات والحافلات لنقل الحجاج وأصبحت هناك خدمة الجوال مع الحجاج يتصلون مع ذويهم من الأماكن المقدسة في أي وقت يريدون وأصبحت هناك مكاتب تستقبل من يريد تأدية الحج وهناك أشخاص يهيئون كل وسائل الراحة للحجاج فإن طقوس استقبال الحجاج في دمشق والمدن السورية بعد عودتهم سالمين لم تتغير بشكل كبير بل حافظت على تراثيتها وتقاليدها، وإن كانت اختلفت آليات الاستقبال على مشارف دمشق حيث يستقبل الحاج العائد من الديار المقدسة سالماً من أقربائه وذويه وأصدقائه الذين يتجمعون بسياراتهم ويستأجرون السيارات لهذا الحدث السعيد ويطلقون زماميرها معبرين عن فرحتهم بعودة قريبهم الحاج وفي حارته تكون أغصان الأشجار وحبال الزينة والأنوار والعبارات المرحبة مزينة الجدران والأبواب وخاصة تلك العبارات الشهيرة التي تدون على جدران وباب منزل الحاج ومنها ( حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً) و(ومن زار قبري وجبت عليه شفاعتي) و(أهلاً بحجاج بيت الله الحرام) كما تكون المضافة (بيت الشعر) غالباً جاهزة لاستقبال المهنئين حيث تدار القهوة العربية وتقدم فرق العراضة الشامية فقرات الترحاب بالحاج تتلى الآيات القرآنية والأناشيد الدينية بطقوس احتفالية مهيبة ويبدأ الحاج القادم بالسلامة من الديار المقدسة بتقديم الهدايا والتي ينتظرها أصدقاؤه وأقاربه وخاصة عبوات (ماء زمزم) التي يوزعها عليهم وكذلك بعض الهدايا البسيطة من مكة المكرمة والمدينة المنورة كالمسابح والجلابيات الرجالية الحرير وطواقي الحج البيضاء وغيرها وكذلك تفعل زوجته مع صديقاتها وجاراتها.