المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإخوان المسلمون» المصريون: على أعتاب مرحلة جديدة من «الأسلمة»



مجاهدون
12-30-2005, 08:03 AM
دلال البزري - الحياة

لا يختلف «الإخوان المسلمون» المصريون عن نظرائهم من الاحزاب الشمولية، المعاصرة منها خصوصاً. العقيدة عندهم هي القاعدة. لا نقاش حولها، لا إغناء ولا بلورة. فقط انشقاقات إن حلّ الاختلاف. سيد قطب هو منظّرهم شبه السري... شهيدهم (والشهيد دائما على حق). يتبرّأون في العلن من بعض «تطرفه» ويعذرونه غالباً. لكنه اهم لديهم من حسن البنا (مؤسسهم) في مجال النظرية السياسية.

كثيرون من المؤرخين يتفقون على ان عبد الناصر قرر اعدام سيد قطب بعيد قراءته كتابه «معالم في الطريق»: اخذ عليه فكرتين قضى سيد قطب شهيدهما. والفكرتان هما: «تكفير المجتمع» الذي اعتبره سيد قطب «جاهلياً»، إذ لا تُطبق فيه «حاكمية الله»، وهي الفكرة الثانية التي تُترجم الآن بـ»تطبيق الشريعة الإسلامية» و»الأسلمة».

والفكرتان معاً، «التكفير» و»الحاكمية» لا يشهرهما «الاخوان» بنفس الفظاظة القطبية السابقة. فهم بعد تجربتهم المريرة مع الناصرية، تعلموا ان لا يجفلّوا الناس من اهدافهم القصوى (نظرية «التدرّج» العزيزة). لكن الفكرتين تعبران تراث الاخوان وادبياتهم وفتاواهم وسلوكياتهم، السري منها وشبه السري والعلني احيانا.

وليس المجال متاحا هنا لدراسة كل تعبيرات «التكفير» و»الحاكمية» لدى «الاخوان». يكفي فقط التوقف عند آخرها: الشعار الانتخابي الذي اذاعوه في كل حدب وصوب من انحاء الجمهورية المصرية عشية الانتخابات التشريعية من ان «الاسلام هو الحل». وهذا شعار ليس حمّال أوجه. بل هو مولّد لمعانٍ لا لبس فيها. هو يعني أن «الاخوان» هم الاسلام، وأن الآخرين ليسوا اسلام. وقد تَرجم هذا المعنى بشعار آخر، أقل ذيوعا في الاعلام، وهو «إنتخبوا بتوع ربّنا» (أي جماعة ربّنا، والمعنى ألا تنتخبوا غيرهم من الكفار). والمجتمع أعّد للتكفير إعداداً جيدا؛ فقد سادت فيه، وقبيل صعود «الاخوان» الى البرلمان، فكرة ان الحجاب فريضة دينية، وأن السافرة كافرة. اذاً، «الاخوان» يمثلون الاسلام، ولا احد غيرهم مؤمن. اما «حلهم»، أي «الاسلام»، فهو تطبيق شرع الله، أي «الحاكمية».

أهداف قصوى «طوبوية»، وقواعد نهائية ومطلقة، في شعار واحد من كلمتين.

الآن ماذا عن الوسيلة، وهي ما يتطلب نظراً نسبياً، يكون نقيض المطلق؟

النسبية لدى «الاخوان»، كما لدى كل الشموليين، تكاد تكون بدورها مطلقة. انها ليست مدرسة الواقع والحياة. بل هي الماكيافيلية بأبسط اوجهها: الغاية تبرر الوسيلة. فالعلاقة بين العقيدة المطلقة الثابتة وبين الواقع النسبي المتحرك ليست علاقة تثاقُف او إغناء واغتناء او تجربة حية، بل هي ازدواجية صرفة. الانتخابات ليست مِراسا ديموقراطيا يشرَك فيه المجتمع بقراراته. بل هي وسيلة تبررها الغاية النهائية، اي اقامة الدولة الاسلامية. تصور كيف يمكن أن «يتمرّس» على الديموقراطية حزب «السمع والطاعة»، حيث تُقبل ايادي المرشد العام كأنه الولي الصالح (الصورة نُشرت على غلاف الاسبوعية المصرية «روز اليوسف»)؟ بل كيف يكون «النقاش» في داخله؟ وكيف اتخاذ القرارات؟ وكيف تكون السلطة العليا فيه؟

وقد بدت «النسْبنة» (المطلقة هي ايضاً) اكثر ما بدت في كل التصريحات التي اذاعها قادة اخوانيون الى الصحافة والفضائيات، والموجهة خصوصا الى المتخوّفين من صعودهم (المفاجىء؟) الى السلطة.

حول النساء، حول الاقباط، حول حرية الفكر والابداع، حول العلاقة مع اميركا، حول الاتفاقات السياسية المعقودة، حول الاقتصاد والاتفاقات الاقتصادية... يطمئنون ويطمئنون... لن يضطهدوا النساء والاقباط والمبدعين... سوف يتعاطون، وقد تعاطوا، مع اميركا، المرحّبة بـ»اسلام معتدل» (لا يحمل سلاحاً مثل «حماس»)... ولن ينسفوا الاقتصاد والاتفاقيات... الطمأنة هي عدّة النسبية لدى «الاخوان». يأخذون الناس على قدّ عقولهم ويقولون لهم ما يودون سماعه. لكي يسترخوا ويطمئنوا، لكي لا يتيقّظوا ولا يتحركوا... فيمضي «التدرّج» في سبيله المرسوم.

لكن في نهاية كل قول، او تصريح، هناك مسمار دقيق. لكل قيادي منهم، لكل متكلم مسماره: واحد هو «تطبيق الشريعة الاسلامية» مع تأجيل الحدود (أي القصاص البشع ببتر اجزاء من الجسد) حتى قيام دولة العدالة (أي دولتهم)، واحد آخر: «لا احزاب الا ضمن مرجعية دينية» (أي مرجعيتهم). وآخر: «الدولة الدينية»... مسمار يختم التطمين، بصمة هوية وتوقيع. لا يتوقف عنده من قرر الاطمئنان.

ولكن... ولكن الخواتم الاسلامية الصرفة... الغاية النهائية... لن تأتي الا بـ»التدرّج»... مع «التدرج». لن تحصل الآن، في هذه اللحظة بالذات. ليس قبل ان «ينضج» المجتمع «إسلاميا» وينزل لقمة سائغة في حلق «الاخوان».

من الآن فصاعداً، بعد النصر «الاخواني» في البرلمان، سوف تزيد الهوّة بين الغاية المطلقة لـ»الإخوان» ووسائلهم. هذه الاخيرة سوف تغرق في النسبية؛ أي انها سوف تكون اكثر ماكيافيلية، لا «براغماتية» كما يستسيغ «الاخوان» وصف انفسهم. المبادىء والقواعد سوف تُقدس. لا من اجلها. ولا لتطبيقها بحذافيرها (فهذا محال)، بل لكي تقضي وقتها، زمنها، اي ليمضي ممْتطوها نحو السلطة بواسطة هذا المقدس نفسه. كيف؟ بالالتفاف حول المقدس هذا، كلما شعروا بدُوار الواقع وشحنته الذي قد يضيّعهم من سرعته.

تلك هي الوجهة المتصوَّرة للمستقبل السياسي القريب لـ»الإخوان المسلمين» المصريين. طبعا صُرف النظر فيها عن الصراع الذي سيُخاض بين «الاخوان» و»الحزب الوطني الديموقراطي» الحاكم، داخل البرلمان خصوصاً. وقد تكون هناك صفقة بينهما. فلا تراث الحزب الحاكم يمنعها، ولا نظرية «التدرّج» الاخوانية المعطوفة على نظرية «البراغماتية»، اي الماكيافيلية، تعيق عقدها.

لكن لقاء «البراغماتيَتَين» في صراع من اجل السلطة المقبلة لن يتم على حساب النساء والاقباط فحسب. بل على حساب المجتمع بأسره. النافذة الدينية مشرّعة سلفا لـ»الإخوان»؛ عبر المزايدة الدينية بينهم وبين الحزب الحاكم. النافذة شرّعها هذا الاخير لـ»الإخوان». اسهل النوافذ واقلها كلفة: العقول والطقوس و»العادات» والفنون والفكر... الشكل والعبادات... صراع سوف يفضي من تلقاء نفسه الى «أسلمة» ما للمجتمع، وفي العصر الاميركي... صراع من اجل غاية واحدة، هي الوحيدة الواضحة حتى الآن: القبض على السلطة.

أول الغيث: نائب جديد في البرلمان عن الحزب الحاكم، استبق اية حملة اخوانية للرقابة على الفن ورفع «طلب إحاطة» الى رئاسة البرلمان حول كلام منسوب الى عمر الشريف هاجم فيه عبد الناصر وفال انه كان عميلا لأميركا (وقد نفاه لاحقا بشدة).

والسؤال العالق الآن: خارج هاتين القوتين الآخذتين بالتصارع العلني، مع نهاية حقبة تصارعهما شبه الخفي، اي «الحزب الوطني الديموقراطي» الحاكم و»الاخوان المسلمين»... هل هناك من طاقة في المجتمع لمقاومة محاولتهم جرّه نحو طور من الظلامية؟ قد يكون مديدا وراسخاً إن أخليت له السُبُل؟