المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جائزة أميركية وهمية لخمس كاتبات عربيات



لا يوجد
12-28-2005, 12:18 PM
http://www.asharqalawsat.com/2005/12/28/images/art.340445.jpg



منظمة «نساء المستقبل» قد تكون مجرد خدعة انترنتية


واشنطن: محمد علي صالح

منذ تم الإعلان، عن منح جائزة منظمة «نساء المستقبل» الأميركية، لخمس أديبات عربيات معروفات، وما استتبع ذلك من ابتهاج وتعليقات سلباً وايجاباً، و«الشرق الأوسط» تتحرى أثر هذه المنظمة، من دون جدوى. لم يتوقف بحثنا في حدود نيويورك وحدها (حيث ادّعت المنظمة وجود مقرها)، بل تم الاتصال بكل من يمكن أن يعطي معلومة مفيدة حول الموضوع، في أي ولاية أميركية، والنتيجة كانت في كل مرة، استغراباً واستهجاناً وتشكيكاً في وجود المنظمة أصلاً. فهل هي مجرد لعبة انترنتية، قام بها بعض المشاغبين، جعلت الصحف العربية وكتابها يهدرون حبرهم تهليلاً وتحليلاً، وتركت الأديبات في حيرة بين الفرح والريبة؟ هنا تحقيق يبين أن هناك جائزة تدعى «نساء المستقبل» بالفعل، ومقر الجهة المانحة نيويورك، لكنها لم تعط أبداً لأي امرأة عربية.

تضخم الخبر عندما وصل، بداية هذا الشهر، الى اميركا: فازت خمس كاتبات عربيات مشهورات بجائزة «نساء المستقبل»، وسيقام في نهاية السنة القادمة، حفل التكريم لهن في نيويورك. وقال خبر آخر ان لورا بوش، السيدة الاولى، ستقدم الجوائز، للمرة الأولى في تاريخ الاتحاد، لأن ذلك سيكون جزءا من الحملة الاميركية لتطوير المرأة العربية ولنشر الحرية والانفتاح والتسامح في الشرق الاوسط. ومما جعل وقع الخبر قوياً، ان اتحاد جمعيات نيويورك النسائية (ويسمي ايضا اجندة نساء نيويورك، ويرمز اليه بالحروف: ان واي دبليو ايه) يقدم جائزة اسمها «نساء المستقبل»، وجوائز غيرها، كان قد وزع إحداها الشهر الحالي، خلال حفل أقيم فى فندق هيلتون، حضرته السناتورة هيلاري كلينتون. لكن الاتحاد نفى ان يكون قد منح جائزته لنساء عربيات، ونفى أيضا أية صلة له بما وزع على صحافتنا من بيانات. أما د. سوزان كيث، التي ارسلت خبر الفوز الى الكاتبات العربيات، عبر الانترنت باسم «نساء المستقبل»، فعلى الأرجح هي مجرد شخصية وهمية.

القصة باختصار لمن لم يتابعها من أولها، بدأت نهاية الشهر الماضي عندما تسلمت خمس كاتبات عربيات رسائل متشابهة ممن تدعى د. سوزان كيث، تبشرهن بالفوز بجائزة «نساء المستقبل»، وبترجمتهن إلى 15 لغة، وهن: الباحثة المغربية فاطمة المرنيسي، والشاعرة اللبنانية جمانة حداد، مسؤولة قسم الثقافة في جريدة «النهار»، والأديبة السورية غادة السمان، والأديبة المصرية رضوى عاشور والشاعرة الكويتية سعدية مفرح، مسؤولة قسم الثقافة في جريدة «القبس».

ذكرت بعض الفائزات ان د. سوزان كيث، مسؤولة جائزة «نساء المستقبل»، كتبت لهن في خطاباتها الانترنتية، ان سبب فوزهن هو انجازاتهن الباهرة على المستوى الثقافي والفكري والادبي. لأنهن يشكلن نماذج راقية ومشرفة ومحترمة للمرأة في النجاح والمعرفة والجدية والمثابرة والجرأة والانفتاح. ظهر خبر الجائزة، للمرة الأولى باللغة الانجليزية، في جريدة «آي لوف جيروزاليم» (انا احب القدس) الفلسطينية، ويرأس تحريرها عادل سالم، وتعبر عن آراء فلسطينية وطنية تنتقد اسرائيل نقدا قويا، وتتبع الجمعية الاكاديمية لدراسة الشؤون الدولية، التي اسسها د. مهدي عبد الهادي، الطبيب والمناضل الفلسطيني. وقال الخبر ان العربيات الخمس فزن كجزء من حملة مستمرة لتطوير النساء في دول العالم الثالث. وان الجوائز قدمتها جمعية «نساء المستقبل»، التي عرفت نفسها بأنها منظمة ثقافية عالمية وغير حكومية، لها فروع في اكثر من عشرين دولة. لكن، بعد مرور اسبوعين من دون وصول تفاصيل للفائزات، شك بعضهن في الجائزة. وكتبت رضوى عاشور في الصحف «تلقيت رسالة مقتضبة بالبريد الالكتروني، من سيدة تدعى سوزان كيث ابلغتني بالخبر. اريد ان اعرف الجائزة وتاريخها وطبيعة انشطتها وجهة تمويلها. بحثت في الانترنت، ووجهت اسئلة اليها، وردت في غموض لم يجب على اسئلتي». رفضت عاشور الجائزة، وقالت انها «حذرة جدا من تلقي اية مكافأة او تكريم من جهات غامضة». وبعد أيام أيدت اللبنانية جمانة حداد موقف رضوى عاشور، ونشرت بياناً يقول: «قدرنا، في هذه المرحلة الدقيقة التي تجتازها مجتمعاتنا العربية، هوالتوجس والمراجعة. وانا اضم صوتي الى صوت رضوى عاشور واتحفظ عن قبول التكريم».

وتسببت هذه التطورات، في نقاش في الصحف العربية وعلى مواقع الانترنت. وانتقد البعض الفائزات اللواتي رفضن الجائزة، واعتبر أحدهم ان الانسحاب «يدل على سطحية التفكير العربي». ورأى آخر ان اميركا «تريد من العرب ان يتحرروا من الافكار القديمة، وتريد منهم ان ينفتحوا على عالم القرن الحادي والعشرين. لكن يبدو ان العرب متأخرون الى درجة تجعلهم مصممين على عدم الاستفادة من هذه الفرصة التاريخية». وسأل آخر: «منذ متى اهتم بنا الاميركيون الى هذا الحد؟ ولماذا نظل نشك في نواياهم؟ ومتى سنتحرر من عقدة النقص تجاههم؟». مسؤولات عديدات في «اتحاد جمعيات نساء نيويورك»، الذي يقدم جائزة اسمها «نساء المستقبل»، نفى ان يكون الاتحاد، او اي من الجمعيات الاعضاء فيه، قدم اية جائزة إلى أية كاتبة عربية، في الماضي البعيد او مؤخرا. واكدت المسؤولات انهن لا يعرفن اي شيء عن جائزة «نساء المستقبل»، التي فازت بها الكاتبات العربيات. ولم ترد د. سوزان كيث، التي ادّعت أنها مسؤولة في منظمة «نساء المستقبل» (التي قدمت الجائزة للكاتبات العربيات) على سلسلة اتصالات من طرفنا بالبريد الالكتروني وبالتلفون، وكذلك لم تجب د. سعاد اليونسي، التي يفترض انها مسؤولة العلاقات العامة في المنظمة. واعلن موقع منظمة «نساء المستقبل» على الانترنت (التي قدمت الجائزة للكاتبات العربيات) انه مغلق لأنه «يشيد». وترك الموقع اسمي سوزان وسعاد، والعنوان الالكتروني للاثنتين. وقالت باربره كوين، مسؤولة الاعلام في اتحاد جمعيات نساء نيويورك، ان الاتحاد يقدم اكثر من جائزة، منها جائزة «نساء المستقبل»، وجائزة «اجندة غالاكسي»، لكنها قالت انها لا تعرف اي شيء عن جائزة قدمت لاية امرأة عربية. واكدت كارول ايسمان، رئيسة المؤتمر الوطني الاميركي للمحاميات، انها فازت بجائزة «نساء المستقبل» قبل سنوات، لكنها لم تسمع عن فوز كاتبات عربيات بها. وأعلمتنا أن كارول ايلى غاغنهايمر، محامية في نيويورك، هي التي اسست اتحاد جمعيات نساء نيويورك، وان ضمن الاتحاد منظمات نسائية كثيرة تعمل في مجالات قانونية واقتصادية وسياسية واعلامية وطبية واجتماعية، وكلها قانونية. وأضافت مؤكدة «نحن لسنا اتحادا وهميا. نحن اتحاد قانوني يجمع منظمات نسائية في نيويورك».

وقالت مساعدة رئيسة تحرير «وومانز اي نيوز» (اخبار المرأة الالكترونية)، التي تصدر في نيويورك، وتدعى جنيفر ثيرستون، «نحن نهتم بكل اخبار لها صلة بالمرأة، اميركية او اجنبية، واسسنا في موقعنا قسما باللغة العربية، لكننا لن ننشر خبر فوز كاتبات عربيات بجائزة أميركية، قبل التأكد من انه صحيح (ولم ينشر الموقع، حتى نهاية الاسبوع الماضي، الخبر، لأن التأكد منه ليس بالمتاح).

وسألنا سابرينا ميليت، مسؤولة في اتحاد جمعيات نساء نيويورك، عن د. سوزان كيث (التي يفترض انها ابلغت الكاتبات العربيات بخبر فوزهن)، فأكدت انها ليست عضوا في الاتحاد، لكن هناك عضوا اسمها سوزانا كيث، وهي عضو قديمة ـ ولم تجدد اشتراكها، وتسكن في واحدة من ضواحي نيويورك. ولم نوفر سوزانا كيث، واتصلنا بها، وأكدت ان صلتها بالاتحاد انقطعت، ونفت، مثل غيرها، علمها بجائزة أعطيت لنساء عربيات. وقمنا بجولة تلفونية على كل سوزان كيث فوجدنا بهذا الاسم استاذة في جامعة ديوك (في ولاية نورث كارولينا)، قالت انها لا تعرف اي شيء عن الاتحاد او الجائزة او الكاتبات العربيات، ورددت الجواب عينه د. سوزان كيث، استاذة فى جامعة جنوب كاليفورنيا، ومثلهما قالت سوزان كيث، صحافية في ولاية فلوريدا. ولنقطع الشك باليقين اتصلنا بكل سوزانا كيث، فوجدنا إضافة إلى تلك التي حادثناها في نيويورك، أخرى في شيكاغو، وغيرها في لوس انجليس، وثالثة في فانكوفر، ونفين اي علم لهن بالموضوع. واوردت وثاثق قانونية اميركية ان هناك سوزان كيث اعتقلت وحوكمت بتهمة التزوير. وسوزان كيث اخرى تورطت في قضية لها صلة باراض وعقارات وبيع وشراء. وشرحت سابرينا ميليت، المسؤولة في اتحاد جمعيات نساء نيويورك، ان «جائزتنا التي تدعى «نساء المستقبل» لا تقدم كل سنة في حفل كبير، في مكان راق في نيويورك، ويقتصر تقديمها لامرأة واحدة، ولم تفز بها أية امرأة غير أميركية سوى مرة واحدة حين أعطيت لسيدة اثيوبية».

ونشرت الاسبوع الماضي، صحف عربية بيانا جديدا من جمعية «نساء المستقبل» (التي يفترض انها قدمت الجوائز الى الكاتبات العربيات)، قال ان «واحدا من اهداف المشروع هو التقريب بين العالمين العربي واليهودي في هذه اللحظة المعتمة من تاريخ البشرية». وظهرت تعليقات في صحف عربية، وفي مواقع انترنتية، على النقطة الاخيرة: بحيث كتب أحدهم «هذه نكتة يهودية، تريد زيادة تحقير العرب»، وتساءل آخر «حتى اذا تأكد ان الجائزة يهودية، لماذا لا نقبلها؟ ألم يقبل محمود درويش، وغيره، جوائز اسرائيلية؟ الا توجد كاتبات عربيات يعشن داخل اسرائيل وتجنسن بالجنسية الاسرائيلية؟ ايهما نكره اكثر: حاصلة على جائزة اسرائيلية، او حاملة جنسية اسرائيلية؟».

سابرينا ميليت، المسؤولة في اتحاد جمعيات نساء نيويورك، قالت «لـ«الشرق الأوسط»، ان الاتحاد يستطيع، ربما، توضيح الغموض حول المصدر، اذا حصل على النسخة الاصلية لخطاب الفوز الذي ارسل الى الكاتبات العربيات. ويبقى السؤال معلقاً، من الذي أوقع الأديبات والصحافة والقراء في الفخ؟ وهل هي مجرد مزحة سمجة ربما على العرب أن يتعلموا منها بأن الحذر أضمن لهم من التهور، خاصة أن منظمة تدّعي وجودها في أكثر من عشرين دولة، لا يمكن أن تكون مجهولة إلى هذا الحد في عقر دارها، وليس لها من عنوان جغرافي ثابت أو رقم هاتف يجيب. أما الموقع الإلكتروني فهو قيد التشييد.