JABER
08-22-2003, 08:36 PM
أحمد الكاتب - شبكة العراق
بعد وفاة المرجع الديني السابق للفرقة "الشيخية" الميرزا حسن بن موسى الاسكوئي
الإحقاقي خلفه ابنه الشيخ الميرزا عبد الرسول (الذي يبلغ من العمر حوالي سبعين عاما). وكان المرجع الراحل الميرزا حسن قد ورث المرجعية من أخيه الشيخ علي الإحقاقي الذي توفي عام 1964 ، واستقر في الكويت منذ ذلك الحين.
والفرقة الشيخية هي حركة دينية شيعية ولدت في القرن التاسع عشر الميلادي على يد الشيخ أحمد الأحسائي (1753 – 1826) الذي تنسب اليه الفرقة ، وانتشرت في ايران والعراق والخليج ، ومرت بتطورات عاصفة ، ولم يبق منها الا القليل ، وأتباعها يتواجدون اليوم في الكويت و الاحساء والبصرة وكرمان وتبريز في ايران ، وليس لهم كمجموع أي نشاط سياسي في أي بلد يحلون فيه ، ولكن المرجع الراحل الميرزا حسن كان له سجل حافل في المجالات الثقافية والاجتماعية وبناء المساجد والحسينيات والمستشفيات ومساعدة الفقراء والمحتاجين .
وكان يلقب بـ : (الإمام المصلح) نظرا الى محاولته التقرب من الثقافة الشيعية المعتدلة والابتعاد عن الموروثات (الشيخية) المتطرفة التي أثارت الجدل والاختلاف بين الشيعة في بداية القرن التاسع عشر ، بعد انتصار الخط الأصولي على الخط الأخباري علي يد زعيم مدرسة النجف الشيخ جعفر كاشف الغطاء ، حيث قام الأحسائي بخطوة الى الوراء ، وذلك برفضه مبدأ الاجتهاد وخاصة في العقائد وتقبله للكثير من روايات الغلاة الموضوعة كزيارة (الجامعة) التي كتب شرحا عليها، كما رفض الاعتماد على المصادر الشرعية والطرق العلمية المعروفة لاقتباس الثقافة الدينية ، والتي كان الأصوليون يناضلون من أجل تهذيبها وتشذيبها وتنظيمها من أجل تحرير التراث الديني المنسوب الى أهل البيت من الخرافات والأساطير الدخيلة والأحاديث الضعيفة التي أضرت
بالشيعة والتشيع.
وفيما كانت المدرسة الأصولية تحقق انتصارها الكبير لصالح الاجتهاد واستخدام
العقل في تمحيص التراث ، طرح الشيخ أحمد الأحسائي نظرية (الكشف) المشابهة
لنظريات بعض الصوفية ، وقال : ان الإنسان اذا صفت نفسه وتخلص من أكدار الدنيا يستطيع ان يتصل بأحد الأئمة من أهل البيت عن طريق الكشف والأحلام ، فيوحي له الأئمة بالعلم الغزير وتكشف له الحجب ، وادعى انه حصل على العلم بهذه الطريقة (الكشفية) وقال : انه رأى في منامه ذات ليلة الامام الحسن بن علي فأجابه عن مسائل كانت غامضة ، ثم وضع فمه الشريف على فمه وأخذ يمج فيه من ريقه ، وإنه علمه بيتا من الشعر كلما قرأه قبل النوم رأى في منامه أحد الأئمة وأتيحت له فرصة التعلم منه. (راجع سيرة الأحسائي ، التي كتبها بقلمه ، وحققها حسين محفوظ ، طبع بغداد 1957).
وقد فتح الشيخ أحمد الأحسائي بذلك بابا واسعا للتطرف والغلو والشرك والخرافات ، وراح يبث أفكارا مغالية متناقضة مع الفكر الشيعي او الاسلامي بصورة عامة ، كالقول بأن المعصومين الأربعة عشر ، أي النبي وفاطمة والأئمة الاثني عشر ، هم علة تكوين العالم وسبب وجوده ، وهم الذين يخلقون ويرزقون ويحيون ويميتون ، ومع انه كان يقر بأن الله تعالى هو الخالق الرازق والمحيي والمميت في الحقيقة ، الا انه كان يقول : بأن الله العزيز قد تكرم عن مباشرة الأمور بنفسه وأوكلها الى المعصومين الأربعة عشر حيث جعلهم أسبابا ووسائط لأفعاله ، فهم مظاهر لأفعال الله ومحال لمشيئته.
وجاء الأحسائي بفكرة أخرى هي وجود الجسد (الهورقليائي) للإنسان الى جانب الجسد (الصوري) وقال عنه انه الجسد الذي عرج به رسول الله الى السماء ، والذي يعيش به الامام الثاني عشر (محمد بن الحسن العسكري) في ظل (الغيبة) منذ منتصف القرن الثالث الهجري ، وكان يعتقد ان الامام عندما غاب نزع عنه جسده (الصوري) وبقي محتفظا بجسده (الهورقليائي) وهذا هو سر بقائه على قيد الحياة كل تلك المدة الطويلة التي جاوزت ألف عام دون ان يتطرق اليه الفناء . ويروى عن الشيخ الأحسائي انه قال: ان الامام لما خاف من أعدائه خرج من هذا العالم ودخل في جنة (هورقلياء) وسيعود الى العالم بصورة شخص من أشخاصه.
إضافة الى ذلك امتاز الشيخ أحمد الأحسائي بالدعوة الى انتظار الامام المهدي
والتبشير بقرب ظهوره بمناسبة انقضاء ألف سنة على غيبته ، وقام بجولة على أتباعه في ايران فكان يقول لهم في كل قرية يمر بها: ان الامام الغائب على وشك الظهور ، وانهم يجب ان يكونوا على أهبة الاستعداد لنصرته ، وكان يؤكد لهم: ان الامام الغائب حين يظهر سوف يبدل الكثير من العقائد والتعاليم الاسلامية الموجودة ، وان ذلك مما سيرتعب منه نقباء الأرض لعدم قدرتهم على تحمله.
ولكن الأحسائي توفي قبل حوالي عشرين عاما من الموعد الذي حدده لظهور الامام المهدي ، وهو في طريقه الى الحج بالقرب من المدينة المنورة ، فأوصى الى أحد تلامذته وهو السيد كاظم الرشتي ، ليكون خليفته من بعده ، وقال لأتباعه: لا يوجد أحد يعرف مقصدي ما عدا السيد كاظم الرشتي ، فاطلبوا علومي منه ، وقد تلقاها مني مباشرة ، وهي التي تلقيتها من الأئمة الذين تلقوها من رسول الله. ثم أوصى الشيخ أحمد خليفته السيد كاظم بأن يكون يقضا يترقب ظهور الامام المهدي ويمهد أذهان الناس له.
وقام السيد الرشتي الذي كان يتخذ من مدينة كربلاء مقرا له ، بما أوصاه به
أستاذه الشيخ أحمد ، فكان يواصل التبشير بقرب ظهور الامام الغائب ، وكان يقول لأتباعه: ان الموعود الذي تنتظرونه موجود في وسطكم وترونه بأعينكم ولكنكم لا تعرفونه ، وقال لأحد أتباعه: انك سوف تراه.
وقبل شهور من حلول الموعد الذي ضربه الأحسائي لظهور المهدي وهو عام 1260هـ (والذي كان يصادف بداية عام 1844 م) مرض السيد كاظم الرشتي مرض الموت فرفض الوصية الى أحد بخلافته من بعده ، واعتذر لذلك بقرب ظهور الامام الغائب، وأوصى أتباعه بأن يهجروا بيوتهم ويطهروا أنفسهم ثم يتفرقوا في البلاد مكرسين أوقاتهم كلها للبحث عن (الموعود) الذي حان حينه. وتوفي الرشتي عام 1843.
وهذا ما مهد الطريق أمام نشوء (الحركة البابية) ، حيث قام أحد تلامذته وهو
(الملا حسين البشروئي) بالاتفاق مع تلميذ آخر له هو (السيد علي محمد الشيرازي)
المعروف ب: (الباب) ، والادعاء بأن الأخير هو (الموعود) او (باب المهدي) الذي
حل فيه الجسد (الهورقليائي) للامام المهدي المنتظر (محمد بن الحسن العسكري).
وقد انتشرت الدعوة (البابية) في صفوف الشيخيين في ايران انتشارا كبيرا ، لأنهم كانوا يترقبون ظهور (صاحب الزمان) بمناسبة قرب انتهاء ألف سنة على غيبته ، وعندما حلت سنة 1260هـ صاروا متلهفين لسماع النبأ العظيم الذي كان قد بشر به زعيماهم الشيخ أحمد الأحسائي والسيد كاظم الرشتي ، فلما وصلهم نبأ ظهور (الباب علي محمد الشيرازي) اليهم تهافت الكثير منهم عليه. وكان لنظرية الأحسائي في (الجسم الهورقليائي) دورا كبيرا في تقبل الشيخيين لفكرة حلول الامام المهدي في (الباب).
وقد رفض علماء الشيعة في العراق وإيران دعوى (الباب) في المهدوية ورأوا في فكرة نسخ الدين الاسلامي التي جاء بها ، نوعا من الهرطقة والكفر بالإسلام ، وأصدر الشيخ محمد تقي البرغاني فتوى بتكفير البابيين ، كما ألقت الحكومة الإيرانية القبض على (الباب) وأعدمته في تبريز في 9 تموز من عام1850 ، ولكن حركته استمرت بصورة سرية وتطورت فيما بعد الى (الحركة البهائية) التي أعلنت خروجها من الدين الاسلامي.
وكان هناك بالطبع جناح من (الشيخية) أنفسهم رفض الدعوة البابية وفكرة نسخ الدين الاسلامي وحارب (البابيين) بشدة ، وكان هذا الجناح بقيادة الميرزا محمد حسن جوهر (توفي سنة 1261هـ / 1845م) الذي كان يتخذ من كربلاء مقرا له ، وكذلك الجد الأعلى للشيخ الميرزا حسن الإحقاقي الذي توفي مؤخرا ، وهو الميرزا محمد باقر توفي سنة 1301هـ / 1883) وقد قام هذا الجناح المعتدل بالانفتاح على المدرسة الأصولية (الاجتهادية) ورفض الطريقة (الكشفية) ولكنه ظل محافظا على ولائه للشيخ أحمد الأحسائي واسم (الشيخية) وانغلق على نفسه داخل الشيعة الامامية ولم ينخرط في الحركة العامة حيث ظل يحتفظ بمرجع ديني خاص .
وامتاز بنظام توريث المنصب القيادي الديني شخصيا وبصورة عمودية ، بدءا من الشيخ محمد باقر الاسكوئي الإحقاقي الذي ورث المنصب لابنه الشيخ موسى الاسكوئي الذي ورثه الى ابنه الشيخ علي الذي كان يقيم في الكويت (توفي سنة 1964) الذي أوصى الى ابنه العلماني الدكتور (جعفر رائد) ، ولكنه رفض المنصب لأنه كان قد خلع الزي الديني وكفر بالنظريات الشيخية ( وانخرط في السلك الدبلوماسي الإيراني وأصبح سفيرا للشاه في المملكة العربية السعودية ثم توفي في لندن سنة 1993) فانتقلت المرجعية الدينية للشيخية الى أخ الشيخ
علي ، الراحل الشيخ الميرزا حسن ، الذي ورثها بدوره الى ابنه الميرزا عبد
الرسول الاسكوئي الإحقاقي ، الذي أصبح الآن زعيم الشيخية ويتخذ من الكويت مقرا دائما له منذ عدة سنوات.
وربما كان لوضع (الشيخية) وكونهم أقلية صغيرة بالنسبة الى الشيعة الامامية ،
دور في انطوائهم على أنفسهم وتميزهم خلافا لعامة الشيعة بنظام خاص في المرجعية الدينية يقوم على الوراثة الشخصية العمودية ، ويكفل لهم المحافظة على سماتهم الخاصة.
وقد حاول المرجع الراحل الميرزا حسن ، ان ينفتح على بقية الشيعة ويخرج أتباعه من القوقعة التي يعيشون فيها ويكسر حاجز التحريم الذي فرضه الشيعة عليهم ، وان ينشط حركة الاجتهاد الكفيلة بمراجعة الكثير من الأفكار المتطرفة والمغالية الموروثة من الأحسائي ، حتى سمي بالإمام المصلح ، وهو ما أدى الى انفتاح أبناء الفرقة (الشيخية) على عامة الشيعة وذهابهم للدراسة في قم والنجف واستقبال العلماء والخطباء الشيعة في مساجدهم وحسينياتهم وتقليد المراجع الآخرين.
ولكن هذا الانفتاح لم يصل بعد الى درجة الذوبان الكامل او التخلي التام عن
الموروثات (الاحسائية) او متابعة الشيعة في تطورهم الفكري السياسي خصوصا لجهة الالتزام بنظرية (ولاية الفقيه) التي قال بها علماء الشيعة مؤخرا في ظل (غيبة الامام المهدي) او نظرية (الشورى) ، وذلك نظرا لالتزام الشيخية المتواصل بنظرية (الانتظار) رغم ثبوت فشل الموعد الذي ضربه (الأحسائي) لظهور الامام الغائب في منتصف القرن التاسع عشر. وهناك مخاوف من وقف مسيرة الإصلاح وعودة التطرف مع قيادة المرجع الجديد الميرزا عبد الرسول الإحقاقي ، الذي تعرض الى الاعتقال والضرب وخلع الزي الديني في مدينة (اسكوء) في تبريز بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران.
غير ان ما يبعث الأمل في استمرار مسيرة الإصلاح والانفتاح والتطور والتحرر من
بقايا التراث (الأحسائي) المغالي والمتطرف ، هو التزام القائد الجديد للفرقة
الشيخية الميرزا عبد الرسول الإحقاقي بمبدأ الاجتهاد - ولو نظريا - ونبذ الطريقة (الكشفية) وهو ما يمهد الطريق أمامه وأبناء الفرقة الشيخية لمراجعة نظريات الأحسائي على ضوء القرآن الكريم وأحاديث الرسول الأعظم (ص) وتراث أهل البيت الصحيح ، لو قام عمليا بممارسة الاجتهاد ممارسة جذرية ودراسة العقائد
الأساسية قبل الفروع الجزئية ، واعادة النظر في الموقف من أئمة أهل البيت
ودورهم في الحياة وفي مسألة وجود الامام الثاني عشر وولادته ، تلك المسألة التي لعبت دورا كبيرا في تاريخ الحركة الشيخية ، والتي أدت بالإضافة الى نظرية (الجسم الهورقليائي) الى ولادة الحركة البابية وخروج البهائيين من الدين
الاسلامي.
ولكن ذلك مرهون بحركة الاجتهاد ، التي ينتظر ان تعم أبناء الفرقة الشيخية ، ولا
تقتصر على المرجع الجديد وانما تشمل الجميع وخاصة الشباب والمثقفين منهم الذين يتحملون مسئولية العملية الإصلاحية ويرفضون التقليد والاتباع الأعمى للتقاليد الموروثة ،و يتمسكون بالنهج العلمي الأصولي في دراسة الدين والتعرف على مذهب أهل البيت.
12/12/2000
بعد وفاة المرجع الديني السابق للفرقة "الشيخية" الميرزا حسن بن موسى الاسكوئي
الإحقاقي خلفه ابنه الشيخ الميرزا عبد الرسول (الذي يبلغ من العمر حوالي سبعين عاما). وكان المرجع الراحل الميرزا حسن قد ورث المرجعية من أخيه الشيخ علي الإحقاقي الذي توفي عام 1964 ، واستقر في الكويت منذ ذلك الحين.
والفرقة الشيخية هي حركة دينية شيعية ولدت في القرن التاسع عشر الميلادي على يد الشيخ أحمد الأحسائي (1753 – 1826) الذي تنسب اليه الفرقة ، وانتشرت في ايران والعراق والخليج ، ومرت بتطورات عاصفة ، ولم يبق منها الا القليل ، وأتباعها يتواجدون اليوم في الكويت و الاحساء والبصرة وكرمان وتبريز في ايران ، وليس لهم كمجموع أي نشاط سياسي في أي بلد يحلون فيه ، ولكن المرجع الراحل الميرزا حسن كان له سجل حافل في المجالات الثقافية والاجتماعية وبناء المساجد والحسينيات والمستشفيات ومساعدة الفقراء والمحتاجين .
وكان يلقب بـ : (الإمام المصلح) نظرا الى محاولته التقرب من الثقافة الشيعية المعتدلة والابتعاد عن الموروثات (الشيخية) المتطرفة التي أثارت الجدل والاختلاف بين الشيعة في بداية القرن التاسع عشر ، بعد انتصار الخط الأصولي على الخط الأخباري علي يد زعيم مدرسة النجف الشيخ جعفر كاشف الغطاء ، حيث قام الأحسائي بخطوة الى الوراء ، وذلك برفضه مبدأ الاجتهاد وخاصة في العقائد وتقبله للكثير من روايات الغلاة الموضوعة كزيارة (الجامعة) التي كتب شرحا عليها، كما رفض الاعتماد على المصادر الشرعية والطرق العلمية المعروفة لاقتباس الثقافة الدينية ، والتي كان الأصوليون يناضلون من أجل تهذيبها وتشذيبها وتنظيمها من أجل تحرير التراث الديني المنسوب الى أهل البيت من الخرافات والأساطير الدخيلة والأحاديث الضعيفة التي أضرت
بالشيعة والتشيع.
وفيما كانت المدرسة الأصولية تحقق انتصارها الكبير لصالح الاجتهاد واستخدام
العقل في تمحيص التراث ، طرح الشيخ أحمد الأحسائي نظرية (الكشف) المشابهة
لنظريات بعض الصوفية ، وقال : ان الإنسان اذا صفت نفسه وتخلص من أكدار الدنيا يستطيع ان يتصل بأحد الأئمة من أهل البيت عن طريق الكشف والأحلام ، فيوحي له الأئمة بالعلم الغزير وتكشف له الحجب ، وادعى انه حصل على العلم بهذه الطريقة (الكشفية) وقال : انه رأى في منامه ذات ليلة الامام الحسن بن علي فأجابه عن مسائل كانت غامضة ، ثم وضع فمه الشريف على فمه وأخذ يمج فيه من ريقه ، وإنه علمه بيتا من الشعر كلما قرأه قبل النوم رأى في منامه أحد الأئمة وأتيحت له فرصة التعلم منه. (راجع سيرة الأحسائي ، التي كتبها بقلمه ، وحققها حسين محفوظ ، طبع بغداد 1957).
وقد فتح الشيخ أحمد الأحسائي بذلك بابا واسعا للتطرف والغلو والشرك والخرافات ، وراح يبث أفكارا مغالية متناقضة مع الفكر الشيعي او الاسلامي بصورة عامة ، كالقول بأن المعصومين الأربعة عشر ، أي النبي وفاطمة والأئمة الاثني عشر ، هم علة تكوين العالم وسبب وجوده ، وهم الذين يخلقون ويرزقون ويحيون ويميتون ، ومع انه كان يقر بأن الله تعالى هو الخالق الرازق والمحيي والمميت في الحقيقة ، الا انه كان يقول : بأن الله العزيز قد تكرم عن مباشرة الأمور بنفسه وأوكلها الى المعصومين الأربعة عشر حيث جعلهم أسبابا ووسائط لأفعاله ، فهم مظاهر لأفعال الله ومحال لمشيئته.
وجاء الأحسائي بفكرة أخرى هي وجود الجسد (الهورقليائي) للإنسان الى جانب الجسد (الصوري) وقال عنه انه الجسد الذي عرج به رسول الله الى السماء ، والذي يعيش به الامام الثاني عشر (محمد بن الحسن العسكري) في ظل (الغيبة) منذ منتصف القرن الثالث الهجري ، وكان يعتقد ان الامام عندما غاب نزع عنه جسده (الصوري) وبقي محتفظا بجسده (الهورقليائي) وهذا هو سر بقائه على قيد الحياة كل تلك المدة الطويلة التي جاوزت ألف عام دون ان يتطرق اليه الفناء . ويروى عن الشيخ الأحسائي انه قال: ان الامام لما خاف من أعدائه خرج من هذا العالم ودخل في جنة (هورقلياء) وسيعود الى العالم بصورة شخص من أشخاصه.
إضافة الى ذلك امتاز الشيخ أحمد الأحسائي بالدعوة الى انتظار الامام المهدي
والتبشير بقرب ظهوره بمناسبة انقضاء ألف سنة على غيبته ، وقام بجولة على أتباعه في ايران فكان يقول لهم في كل قرية يمر بها: ان الامام الغائب على وشك الظهور ، وانهم يجب ان يكونوا على أهبة الاستعداد لنصرته ، وكان يؤكد لهم: ان الامام الغائب حين يظهر سوف يبدل الكثير من العقائد والتعاليم الاسلامية الموجودة ، وان ذلك مما سيرتعب منه نقباء الأرض لعدم قدرتهم على تحمله.
ولكن الأحسائي توفي قبل حوالي عشرين عاما من الموعد الذي حدده لظهور الامام المهدي ، وهو في طريقه الى الحج بالقرب من المدينة المنورة ، فأوصى الى أحد تلامذته وهو السيد كاظم الرشتي ، ليكون خليفته من بعده ، وقال لأتباعه: لا يوجد أحد يعرف مقصدي ما عدا السيد كاظم الرشتي ، فاطلبوا علومي منه ، وقد تلقاها مني مباشرة ، وهي التي تلقيتها من الأئمة الذين تلقوها من رسول الله. ثم أوصى الشيخ أحمد خليفته السيد كاظم بأن يكون يقضا يترقب ظهور الامام المهدي ويمهد أذهان الناس له.
وقام السيد الرشتي الذي كان يتخذ من مدينة كربلاء مقرا له ، بما أوصاه به
أستاذه الشيخ أحمد ، فكان يواصل التبشير بقرب ظهور الامام الغائب ، وكان يقول لأتباعه: ان الموعود الذي تنتظرونه موجود في وسطكم وترونه بأعينكم ولكنكم لا تعرفونه ، وقال لأحد أتباعه: انك سوف تراه.
وقبل شهور من حلول الموعد الذي ضربه الأحسائي لظهور المهدي وهو عام 1260هـ (والذي كان يصادف بداية عام 1844 م) مرض السيد كاظم الرشتي مرض الموت فرفض الوصية الى أحد بخلافته من بعده ، واعتذر لذلك بقرب ظهور الامام الغائب، وأوصى أتباعه بأن يهجروا بيوتهم ويطهروا أنفسهم ثم يتفرقوا في البلاد مكرسين أوقاتهم كلها للبحث عن (الموعود) الذي حان حينه. وتوفي الرشتي عام 1843.
وهذا ما مهد الطريق أمام نشوء (الحركة البابية) ، حيث قام أحد تلامذته وهو
(الملا حسين البشروئي) بالاتفاق مع تلميذ آخر له هو (السيد علي محمد الشيرازي)
المعروف ب: (الباب) ، والادعاء بأن الأخير هو (الموعود) او (باب المهدي) الذي
حل فيه الجسد (الهورقليائي) للامام المهدي المنتظر (محمد بن الحسن العسكري).
وقد انتشرت الدعوة (البابية) في صفوف الشيخيين في ايران انتشارا كبيرا ، لأنهم كانوا يترقبون ظهور (صاحب الزمان) بمناسبة قرب انتهاء ألف سنة على غيبته ، وعندما حلت سنة 1260هـ صاروا متلهفين لسماع النبأ العظيم الذي كان قد بشر به زعيماهم الشيخ أحمد الأحسائي والسيد كاظم الرشتي ، فلما وصلهم نبأ ظهور (الباب علي محمد الشيرازي) اليهم تهافت الكثير منهم عليه. وكان لنظرية الأحسائي في (الجسم الهورقليائي) دورا كبيرا في تقبل الشيخيين لفكرة حلول الامام المهدي في (الباب).
وقد رفض علماء الشيعة في العراق وإيران دعوى (الباب) في المهدوية ورأوا في فكرة نسخ الدين الاسلامي التي جاء بها ، نوعا من الهرطقة والكفر بالإسلام ، وأصدر الشيخ محمد تقي البرغاني فتوى بتكفير البابيين ، كما ألقت الحكومة الإيرانية القبض على (الباب) وأعدمته في تبريز في 9 تموز من عام1850 ، ولكن حركته استمرت بصورة سرية وتطورت فيما بعد الى (الحركة البهائية) التي أعلنت خروجها من الدين الاسلامي.
وكان هناك بالطبع جناح من (الشيخية) أنفسهم رفض الدعوة البابية وفكرة نسخ الدين الاسلامي وحارب (البابيين) بشدة ، وكان هذا الجناح بقيادة الميرزا محمد حسن جوهر (توفي سنة 1261هـ / 1845م) الذي كان يتخذ من كربلاء مقرا له ، وكذلك الجد الأعلى للشيخ الميرزا حسن الإحقاقي الذي توفي مؤخرا ، وهو الميرزا محمد باقر توفي سنة 1301هـ / 1883) وقد قام هذا الجناح المعتدل بالانفتاح على المدرسة الأصولية (الاجتهادية) ورفض الطريقة (الكشفية) ولكنه ظل محافظا على ولائه للشيخ أحمد الأحسائي واسم (الشيخية) وانغلق على نفسه داخل الشيعة الامامية ولم ينخرط في الحركة العامة حيث ظل يحتفظ بمرجع ديني خاص .
وامتاز بنظام توريث المنصب القيادي الديني شخصيا وبصورة عمودية ، بدءا من الشيخ محمد باقر الاسكوئي الإحقاقي الذي ورث المنصب لابنه الشيخ موسى الاسكوئي الذي ورثه الى ابنه الشيخ علي الذي كان يقيم في الكويت (توفي سنة 1964) الذي أوصى الى ابنه العلماني الدكتور (جعفر رائد) ، ولكنه رفض المنصب لأنه كان قد خلع الزي الديني وكفر بالنظريات الشيخية ( وانخرط في السلك الدبلوماسي الإيراني وأصبح سفيرا للشاه في المملكة العربية السعودية ثم توفي في لندن سنة 1993) فانتقلت المرجعية الدينية للشيخية الى أخ الشيخ
علي ، الراحل الشيخ الميرزا حسن ، الذي ورثها بدوره الى ابنه الميرزا عبد
الرسول الاسكوئي الإحقاقي ، الذي أصبح الآن زعيم الشيخية ويتخذ من الكويت مقرا دائما له منذ عدة سنوات.
وربما كان لوضع (الشيخية) وكونهم أقلية صغيرة بالنسبة الى الشيعة الامامية ،
دور في انطوائهم على أنفسهم وتميزهم خلافا لعامة الشيعة بنظام خاص في المرجعية الدينية يقوم على الوراثة الشخصية العمودية ، ويكفل لهم المحافظة على سماتهم الخاصة.
وقد حاول المرجع الراحل الميرزا حسن ، ان ينفتح على بقية الشيعة ويخرج أتباعه من القوقعة التي يعيشون فيها ويكسر حاجز التحريم الذي فرضه الشيعة عليهم ، وان ينشط حركة الاجتهاد الكفيلة بمراجعة الكثير من الأفكار المتطرفة والمغالية الموروثة من الأحسائي ، حتى سمي بالإمام المصلح ، وهو ما أدى الى انفتاح أبناء الفرقة (الشيخية) على عامة الشيعة وذهابهم للدراسة في قم والنجف واستقبال العلماء والخطباء الشيعة في مساجدهم وحسينياتهم وتقليد المراجع الآخرين.
ولكن هذا الانفتاح لم يصل بعد الى درجة الذوبان الكامل او التخلي التام عن
الموروثات (الاحسائية) او متابعة الشيعة في تطورهم الفكري السياسي خصوصا لجهة الالتزام بنظرية (ولاية الفقيه) التي قال بها علماء الشيعة مؤخرا في ظل (غيبة الامام المهدي) او نظرية (الشورى) ، وذلك نظرا لالتزام الشيخية المتواصل بنظرية (الانتظار) رغم ثبوت فشل الموعد الذي ضربه (الأحسائي) لظهور الامام الغائب في منتصف القرن التاسع عشر. وهناك مخاوف من وقف مسيرة الإصلاح وعودة التطرف مع قيادة المرجع الجديد الميرزا عبد الرسول الإحقاقي ، الذي تعرض الى الاعتقال والضرب وخلع الزي الديني في مدينة (اسكوء) في تبريز بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران.
غير ان ما يبعث الأمل في استمرار مسيرة الإصلاح والانفتاح والتطور والتحرر من
بقايا التراث (الأحسائي) المغالي والمتطرف ، هو التزام القائد الجديد للفرقة
الشيخية الميرزا عبد الرسول الإحقاقي بمبدأ الاجتهاد - ولو نظريا - ونبذ الطريقة (الكشفية) وهو ما يمهد الطريق أمامه وأبناء الفرقة الشيخية لمراجعة نظريات الأحسائي على ضوء القرآن الكريم وأحاديث الرسول الأعظم (ص) وتراث أهل البيت الصحيح ، لو قام عمليا بممارسة الاجتهاد ممارسة جذرية ودراسة العقائد
الأساسية قبل الفروع الجزئية ، واعادة النظر في الموقف من أئمة أهل البيت
ودورهم في الحياة وفي مسألة وجود الامام الثاني عشر وولادته ، تلك المسألة التي لعبت دورا كبيرا في تاريخ الحركة الشيخية ، والتي أدت بالإضافة الى نظرية (الجسم الهورقليائي) الى ولادة الحركة البابية وخروج البهائيين من الدين
الاسلامي.
ولكن ذلك مرهون بحركة الاجتهاد ، التي ينتظر ان تعم أبناء الفرقة الشيخية ، ولا
تقتصر على المرجع الجديد وانما تشمل الجميع وخاصة الشباب والمثقفين منهم الذين يتحملون مسئولية العملية الإصلاحية ويرفضون التقليد والاتباع الأعمى للتقاليد الموروثة ،و يتمسكون بالنهج العلمي الأصولي في دراسة الدين والتعرف على مذهب أهل البيت.
12/12/2000