سياسى
12-21-2005, 11:56 PM
د. نجم عبد الكريم - ايلاف
ليس ما نحن بصدده محاولة إسقاط للسلوك الإنساني، باستخدام الحيوانات كرموز، على غرار "كليلة ودمنة"، أو ما يشابه ذلك.. إنما هي حقائق علمية عن الحساسية المفرطة لدى الحيوانات أثناء تعاملها مع الطبيعة، ومحاولتها ضمان معيشتها.
فالحيوانات، والحشرات، والزواحف، ودود الأرض، والأصداف، والديوك، والمئات من أنواع العناكب.. كلها تملك قدرة عجيبة على التنبؤ بالتغيرات الجوية، وتكاد أن تكون "باراميترات" حية متحركة، ومحطات أرصاد بلا أجهزة كهربائية أو رادارات، عدا أحاسيسها، وقرونها الاستشعارية.. وأعجب هذه الحيوانات جميعاً في مضمار التنبؤات هي الفئران.
قرار ديجول في عام (1956) ألقى ديجول خطاباً في مجلس الوزراء الفرنسي أبدى فيه تذمره من كثرة الفئران وسط العاصمة الفرنسية، وخاصة في المناطق التي أقيمت فيها أسواق للخضروات واللحوم، ومما قاله في تلك الخطبة: "كيف نُبقي على هذه البؤرة القذرة -يقصد الأسواق- وسط أجمل عواصم العالم، وقرب أعظم معالم باريس السياحية؟! كيف يمكن أن تحتوي مدينة باريس على أخطر أوكار الفئران والقطط والكلاب المسعورة؟! بل إن هذه المناطق أصبحت مرتعاً لجحور الثعابين، ولأبشع أنواع الزواحف.. يجب علينا أن نعمل بأسرع وقت، على نقل هذه الأسواق خارج مدينة باريس، كما يجب الإسراع في تطهير مكانها كي تقام عليه منشآت سياحية وسكانية على أحدث طراز..".
وفعلاً اتخذ القرار بنقل الأسواق، ولكن ليس قبل أن تجد الحكومة أسواقاً بديلة عنها خارج مدينة باريس.
وبينما كانت الاستعدادات تجرى لذلك لاحظ أصحاب السوق أن عدد الفئران أخذ يتناقص يوماً بعد آخر من سوق باريس، ولم يكن تناقصها ناتجاً عن عمليات تطهير قامت بها البلدية، حيث كان عددها يتزايد من قبل حتى وصل إلى مليوني فأر حسب آخر إحصاء حكومي! إلا أنه بدأ تناقص الفئران منذ صدور قرار مجلس الوزراء بإزالة الأسواق، بناء على طلب رئيس الجمهورية شارل ديجول.. فتناقص الفئران سبّب حيرة للكثيرين، وهذا الذي دفع بالدكتور لايل واط-ون لأن يبدي دهشته حيث كتب قائلاً:
"إني على استعداد لتصديق أي شيء، إلا أن تقرأ الفئران قرارات مجلس وزراء فرنسا، فهذا ما لم يكن يخطر لإنسان على بال.. مليونا فأر قرأت بطريقة لا يعرفها أحد قرار إزالة الأسواق، قبل أصحاب الدكاكين في الأسواق أنفسهم! وليس هذا فحسب، بل إن الفئران عرفت أيضاً مكان الأسواق الجديدة، فقامت بهجرات جماعية وحفرت لنفسها الجحور التي ستعيش فيها.. علماً أن ذلك المكان كان سراً من أسرار بلدية باريس!".
قد لا تصدقون.. ولكن هذا ما حدث!!
تحديداً لموقفنا من هذه الحكاية أقول: لسنا في موقف من يؤيد أو ينفي اتصال البشر بعالم الجن، لكننا نعرض اليوم لسابقة في هذا المجال يشهد على صحتها أهالي بلدة (شواز دي مون) النمساوية..!! وهي سابقة وقعت أحداثها في تلك البلدة الجبلية عام 1740.. ففي أعلى جبل سانت جنيفف، وهو يبعد مئة ميل عن (شواز دي مون)، كان هناك قبرٌ لرجل صالح، يتبرك الناس في تلك المنطقة بزيارته في المناسبات الدينية.. ثم انهار جزء من ذلك الجبل، وحمل القبر بمن فيه تحت الصخور الهاوية.. وظل الأهالي شهوراً يرفعون أطنان الصخور بحثاً عن جثمان الرجل الصالح دون جدوى..!!
وفي يوم من الأيام، وعند الغروب، والناس عائدون إلى بيوتهم بعد أن فشلوا بالوصول إلى ما يدلهم على القبر.. قابلتهم فتاة في ثياب فلاحة بسيطة، وهي على قدر كبير من الملاحة والجمال، وقالت لهم:
"إنكم تبحثون في الجانب الخطأ!! فلو بحثتم في الجهة الشرقية، لوجدتم جثمان الرجال الصالح..".
فأجابها أحدهم:
"أهذا معقول؟!!.. الانهيار وقع في الجبل من الجهة الغربية، وتريديننا أن نبحث في الجهة الشرقية؟!!".
أجابت:
"أطيعوني.. فأنا أعرف منكم بهذا الأمر..!!".
وارتفعت الأصوات نحوها متسائلة:
"وكيف عرفت؟!".
قال: "لست أدري.. كل الذي أدريه أنني أعرف..!!".
فصاح بها البعض: "ما هذا الهراء؟!".. لكن البعض الآخر منهم قال: "لم لا نحاول في الغد أن نبحث في الجهة الشرقية، كما أشارت علينا الفتاة؟!!".
فصرخ فيهم قائدهم: "أتريدون أن يقول الناس أن فتاة ريفية سخرت من رجال (شواز دي مون)؟!!".
ثم التفت بعصبية نحو الفتاة متسائلاً: "من أنتِ أيتها الفتاة؟!". فتجيبه: "لا أعرف..!! أعتقد أنني من مكان بعيد جداً.. ثم تضحك.. أجل لابد أنه بعيد جداً.. فأنا أسير منذ عشرات الأعوام..!!".
فيكرر السؤال عليها: "ما اسمك يا فتاة..؟!.. ولا تكذبي في هذه أيضاً؟!!".. وبعد تفكير استمر للحظات تجيب الفتاة: "اسمي ميرا".. ويتابعها بالسؤال: "وما اسم أبيكِ؟!" فتقول ضاحكة: "لا أعرف.. ولكن ماذا لو تركنا الأسئلة إلى ما بعد العثور على الجثمان؟!!".
الفتاة الغامضة!!
وفي اليوم التالي، عثروا فعلاً على جثة الرجل الصالح، في المكان الذي حددته لهم ميرا، التي استقر بها المقام في بيت الصياد جراتز هانسن، الذي انفردت به زوجته، بعد مرور يوم على إقامة ميرا عندهم، فهمست في أذنه قائلة: "لا بقاء لهذه الفتاة بيننا.. واقترح أن تذهب بها إلى دير الراهبات القريب من بلدتنا!!".
فيسألها زوجها: "ولماذا نفعل هذا يا زوجتي العزيزة، إنها فتاة رقيقة، ومرحة.. ثم إنها لا تعدو الثامنة عشرة.. هي مجرد طفلة..!!".
لكن الزوجة تقول له:
"إنها ليست كما تظن، كانت تحدثني أثناء غيابك عن وقائع وأحداث دارت في بلدتنا أيام كانت أمي طفلة صغيرة، فإذا ما سألتها عن أهلها، سكتت وقالت: (لا أعرف).. وعندما أخذتها معي إلى الكنيسة اليوم، كانت تضحك بينما كان القسيس يلقي بعظاته ثم أنها كانت تتفحص، وتتأمل صحن الكنيسة في دهشة، كمن لم يسبق لها أن دخلت كنيسة قط، ولما عبست في وجهها وأمرتها أن تكف عن ذلك، لم تبال، وسألتني بصوت عال أمام الجميع: (لماذا تركعون هكذا؟!)، فطلبت إليها أن تسكت!! فقالت لي: (لماذا أسكت؟!)، ولم أجد بداً بعد هذا الحرج أمام المصلين، من الخروج بها، دون أن أتم صلاتي!!".
فسألها زوجها:
"أتعنين أن الفتاة ليست مسيحية؟!".
فتقول زوجته:
"إنا لا تدين بأي دين، وقد أخبرتني أن هذه أول مرة تدخل فيها إلى كنيسة..!!".. فانتهز زوجها الفرصة، ليقول لها: "إذاً لماذا تقترحين أن أعهد بها إلى الراهبات في الدير، وهي لا تعرف مبادئ الدين؟!".
فيشتد غضب الزوجة، وتقول:
"لتذهب من حيثما جاءت!!".. لكن الزوج الطيب يهدئ من روع زوجته قائلاً:
"المشكلة يا حبيبتي أنها لا تعرف من أين جاءت..!!".
ليس ما نحن بصدده محاولة إسقاط للسلوك الإنساني، باستخدام الحيوانات كرموز، على غرار "كليلة ودمنة"، أو ما يشابه ذلك.. إنما هي حقائق علمية عن الحساسية المفرطة لدى الحيوانات أثناء تعاملها مع الطبيعة، ومحاولتها ضمان معيشتها.
فالحيوانات، والحشرات، والزواحف، ودود الأرض، والأصداف، والديوك، والمئات من أنواع العناكب.. كلها تملك قدرة عجيبة على التنبؤ بالتغيرات الجوية، وتكاد أن تكون "باراميترات" حية متحركة، ومحطات أرصاد بلا أجهزة كهربائية أو رادارات، عدا أحاسيسها، وقرونها الاستشعارية.. وأعجب هذه الحيوانات جميعاً في مضمار التنبؤات هي الفئران.
قرار ديجول في عام (1956) ألقى ديجول خطاباً في مجلس الوزراء الفرنسي أبدى فيه تذمره من كثرة الفئران وسط العاصمة الفرنسية، وخاصة في المناطق التي أقيمت فيها أسواق للخضروات واللحوم، ومما قاله في تلك الخطبة: "كيف نُبقي على هذه البؤرة القذرة -يقصد الأسواق- وسط أجمل عواصم العالم، وقرب أعظم معالم باريس السياحية؟! كيف يمكن أن تحتوي مدينة باريس على أخطر أوكار الفئران والقطط والكلاب المسعورة؟! بل إن هذه المناطق أصبحت مرتعاً لجحور الثعابين، ولأبشع أنواع الزواحف.. يجب علينا أن نعمل بأسرع وقت، على نقل هذه الأسواق خارج مدينة باريس، كما يجب الإسراع في تطهير مكانها كي تقام عليه منشآت سياحية وسكانية على أحدث طراز..".
وفعلاً اتخذ القرار بنقل الأسواق، ولكن ليس قبل أن تجد الحكومة أسواقاً بديلة عنها خارج مدينة باريس.
وبينما كانت الاستعدادات تجرى لذلك لاحظ أصحاب السوق أن عدد الفئران أخذ يتناقص يوماً بعد آخر من سوق باريس، ولم يكن تناقصها ناتجاً عن عمليات تطهير قامت بها البلدية، حيث كان عددها يتزايد من قبل حتى وصل إلى مليوني فأر حسب آخر إحصاء حكومي! إلا أنه بدأ تناقص الفئران منذ صدور قرار مجلس الوزراء بإزالة الأسواق، بناء على طلب رئيس الجمهورية شارل ديجول.. فتناقص الفئران سبّب حيرة للكثيرين، وهذا الذي دفع بالدكتور لايل واط-ون لأن يبدي دهشته حيث كتب قائلاً:
"إني على استعداد لتصديق أي شيء، إلا أن تقرأ الفئران قرارات مجلس وزراء فرنسا، فهذا ما لم يكن يخطر لإنسان على بال.. مليونا فأر قرأت بطريقة لا يعرفها أحد قرار إزالة الأسواق، قبل أصحاب الدكاكين في الأسواق أنفسهم! وليس هذا فحسب، بل إن الفئران عرفت أيضاً مكان الأسواق الجديدة، فقامت بهجرات جماعية وحفرت لنفسها الجحور التي ستعيش فيها.. علماً أن ذلك المكان كان سراً من أسرار بلدية باريس!".
قد لا تصدقون.. ولكن هذا ما حدث!!
تحديداً لموقفنا من هذه الحكاية أقول: لسنا في موقف من يؤيد أو ينفي اتصال البشر بعالم الجن، لكننا نعرض اليوم لسابقة في هذا المجال يشهد على صحتها أهالي بلدة (شواز دي مون) النمساوية..!! وهي سابقة وقعت أحداثها في تلك البلدة الجبلية عام 1740.. ففي أعلى جبل سانت جنيفف، وهو يبعد مئة ميل عن (شواز دي مون)، كان هناك قبرٌ لرجل صالح، يتبرك الناس في تلك المنطقة بزيارته في المناسبات الدينية.. ثم انهار جزء من ذلك الجبل، وحمل القبر بمن فيه تحت الصخور الهاوية.. وظل الأهالي شهوراً يرفعون أطنان الصخور بحثاً عن جثمان الرجل الصالح دون جدوى..!!
وفي يوم من الأيام، وعند الغروب، والناس عائدون إلى بيوتهم بعد أن فشلوا بالوصول إلى ما يدلهم على القبر.. قابلتهم فتاة في ثياب فلاحة بسيطة، وهي على قدر كبير من الملاحة والجمال، وقالت لهم:
"إنكم تبحثون في الجانب الخطأ!! فلو بحثتم في الجهة الشرقية، لوجدتم جثمان الرجال الصالح..".
فأجابها أحدهم:
"أهذا معقول؟!!.. الانهيار وقع في الجبل من الجهة الغربية، وتريديننا أن نبحث في الجهة الشرقية؟!!".
أجابت:
"أطيعوني.. فأنا أعرف منكم بهذا الأمر..!!".
وارتفعت الأصوات نحوها متسائلة:
"وكيف عرفت؟!".
قال: "لست أدري.. كل الذي أدريه أنني أعرف..!!".
فصاح بها البعض: "ما هذا الهراء؟!".. لكن البعض الآخر منهم قال: "لم لا نحاول في الغد أن نبحث في الجهة الشرقية، كما أشارت علينا الفتاة؟!!".
فصرخ فيهم قائدهم: "أتريدون أن يقول الناس أن فتاة ريفية سخرت من رجال (شواز دي مون)؟!!".
ثم التفت بعصبية نحو الفتاة متسائلاً: "من أنتِ أيتها الفتاة؟!". فتجيبه: "لا أعرف..!! أعتقد أنني من مكان بعيد جداً.. ثم تضحك.. أجل لابد أنه بعيد جداً.. فأنا أسير منذ عشرات الأعوام..!!".
فيكرر السؤال عليها: "ما اسمك يا فتاة..؟!.. ولا تكذبي في هذه أيضاً؟!!".. وبعد تفكير استمر للحظات تجيب الفتاة: "اسمي ميرا".. ويتابعها بالسؤال: "وما اسم أبيكِ؟!" فتقول ضاحكة: "لا أعرف.. ولكن ماذا لو تركنا الأسئلة إلى ما بعد العثور على الجثمان؟!!".
الفتاة الغامضة!!
وفي اليوم التالي، عثروا فعلاً على جثة الرجل الصالح، في المكان الذي حددته لهم ميرا، التي استقر بها المقام في بيت الصياد جراتز هانسن، الذي انفردت به زوجته، بعد مرور يوم على إقامة ميرا عندهم، فهمست في أذنه قائلة: "لا بقاء لهذه الفتاة بيننا.. واقترح أن تذهب بها إلى دير الراهبات القريب من بلدتنا!!".
فيسألها زوجها: "ولماذا نفعل هذا يا زوجتي العزيزة، إنها فتاة رقيقة، ومرحة.. ثم إنها لا تعدو الثامنة عشرة.. هي مجرد طفلة..!!".
لكن الزوجة تقول له:
"إنها ليست كما تظن، كانت تحدثني أثناء غيابك عن وقائع وأحداث دارت في بلدتنا أيام كانت أمي طفلة صغيرة، فإذا ما سألتها عن أهلها، سكتت وقالت: (لا أعرف).. وعندما أخذتها معي إلى الكنيسة اليوم، كانت تضحك بينما كان القسيس يلقي بعظاته ثم أنها كانت تتفحص، وتتأمل صحن الكنيسة في دهشة، كمن لم يسبق لها أن دخلت كنيسة قط، ولما عبست في وجهها وأمرتها أن تكف عن ذلك، لم تبال، وسألتني بصوت عال أمام الجميع: (لماذا تركعون هكذا؟!)، فطلبت إليها أن تسكت!! فقالت لي: (لماذا أسكت؟!)، ولم أجد بداً بعد هذا الحرج أمام المصلين، من الخروج بها، دون أن أتم صلاتي!!".
فسألها زوجها:
"أتعنين أن الفتاة ليست مسيحية؟!".
فتقول زوجته:
"إنا لا تدين بأي دين، وقد أخبرتني أن هذه أول مرة تدخل فيها إلى كنيسة..!!".. فانتهز زوجها الفرصة، ليقول لها: "إذاً لماذا تقترحين أن أعهد بها إلى الراهبات في الدير، وهي لا تعرف مبادئ الدين؟!".
فيشتد غضب الزوجة، وتقول:
"لتذهب من حيثما جاءت!!".. لكن الزوج الطيب يهدئ من روع زوجته قائلاً:
"المشكلة يا حبيبتي أنها لا تعرف من أين جاءت..!!".