المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقتدى الصدر على رقعة الشطرنج الأميركية



موالى
08-22-2003, 02:33 PM
النهار 20/8/2003

بقلم / سالم مشكور


الظهور المفاجئ لمقتدى الصدر على الساحة العراقية بعد سقوط النظام على يد القوة الاميركية، حرّك الكثير من التكهنات بأن يحظى هذا الشاب القليل التجربة والقدرة على الكلام، بدعم اميركي باعتباره سدا حصيناً امام اي دور ايراني سواء أكان في الساحة الشعبية العراقية ام في الحوزة الدينية بشكل خاص.

هذه التكهنات استندت الى حقيقة ان موقف والده السيد محمد صادق الصدر المقتول على يد النظام البائد كان شديد الحساسية ضد الموقف الايراني الذي يعتبره اضر كثيرا بالغالبية الشيعية في العراق بدل دعمها وتقويتها. ومقتدى لا يملك الا ما ورثه من والده من شعبية ومواقف وشعارات، وكل التفاصيل بما فيها كلمة "حبيبي" التي يكثر من تردادها حينما يتكلم.

ساعد في تدعيم هذا التكهن ايضا ان مقتدى لم يتخذ آنذاك موقفا ضد القوات الاميركية، وهي لم تحرك ساكنا ازاء مقتل السيد عبد المجيد الخوئي المتهم بالدعم الاميركي، على يد مقربين من الصدر الشاب، بل تردد ان القتل تم بأمر منه. اليوم تبدو الصورة معكوسة تماما. مقتدى الصدر يهدد الاميركيين ويتوعدهم ويسيّر التظاهرات ضدهم، وفي المقابل حديث عن اعادة فتح التحقيق في مقتل الخوئي تمهيدا لمحاسبة الجناة، ولا احد يعلم المستوى الذي ستطاوله المسؤولية وتاليا العقاب.

ما الذي تغير لدى الصدر حتى يستدير بموقفه هكذا؟

يكثر الكلام العراقي في الاجابة عن هذا السؤال وهو يتوزع بين قائل إن التغير بدا منذ زيارة الصدر لايران ولقائه المطول بالشيخ هاشمي رفسنجاني صاحب الباع الطويل في تعبئة الاسلاميين غير الايرانيين لمصلحة ايران، وقائل ان هناك خطوط اتصال فتحت بين تيار الصدر واوساط دينية سنية عراقية تقوم بايصال دعم مالي خليجي لكل من يقوم بتحرك ضد الجانب الاميركي، وهي تبحث عمن يخرج المواجهة مع الجانب الاميركي من المنطقة التي اصطلح عليها بـ"المثلث" السني، فيما يقول ثالث ان الامرين صحيحان ولا تعارض بينهما، لأن الاطراف الاقليمية، بما فيها ايران ومعها اطراف عراقية متضررة من زوال النظام السابق وتركيبة حكمه المعروفة، تشترك كلها في هدف احراق الارض العراقية تحت اقدام الاميركيين.

واذا كان مقتدى الصدر، حسب الرابطين بين تغير موقفه وزيارته لايران، يمثل ذراعا ايرانية في العراق عكس ما كان يتوقع منه، فان حسين الخميني الذي سكت عقدين ولم يجد غير العراق ساحة لاعلان مشروعه لتهديم اسس النظام الذي شيّده جده الامام الخميني، ينظر اليه في الواقع على انه "مشروع" اداة اميركية ضد ايران في العراق ربما تأخذ المكان الذي حجز سابقا لغيره. هناك ايضا منظمة "مجاهدين خلق" الايرانية المعارضة في العراق ورقة احتياط اميركية عند الحاجة، تقابلها عناصر اسلامية كردية تتهمها واشنطن بالتسلل من الحدود الايرانية بعدما ضُربت في كردستان والتجأت الى ايران.

كل هذا يرسّخ الاعتقاد ان الساحة العراقية باتت رقعة شطرنج يملك فيها كل من واشنطن وطهران بيادقهما للتحريك وقت الحاجة. وتبدو الظروف مهيأة الآن على الاقل بالنسبة الى ايران التي ترى ان المأزق الاميركي يوفر لها فرصة للضغط لكسب امتيازات من واشنطن ان في العراق او على صعيد العلاقات الثنائية، حيث ترى ايران ان مراكز قوى داخل الادارة الاميركية تعرقل اي تقارب مع طهران. واذا كان صحيحا ان العراق بات رقعة شطرنج فان اللاعبين به لا يقتصرون على الجانبين الايراني والاميركي، بل هناك الكثير من الاطراف الاقليمية التي تجد في الفلتان الامني والحدود السائبة فرصة لتحقيق مصالح متباينة ابرزها اشغال الجانب الاميركي بمستنقع عراقي يحبط اي مشروع اميركي لجعل العراق نموذجا قابلاً للتكرار في اية دولة اقليمية اخرى. لكن الواضح ان هذا المستنقع يغرق فيه العراقيون قبل الاميركيين. وما الضير في ذلك فالشعوب في قاموسنا السياسي هي آخر ما نحسب له حسابا، هذا اذا كنا نعترف بهم بشرا ذوي حقوق.