المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حيَل المتسولين في شوارع الرباط لا تنتهي



سمير
12-18-2005, 11:41 AM
http://www.asharqalawsat.com/2005/12/18/images/daily.338942.jpg


من دفن الأموات وادعاء الإصابة بالأمراض الفتاكة إلى الإنترنت


الرباط : لطيفة العروسني


الحكايات التي تروى عن المتسولين، والثراء الذي يحققونه من وراء «مهنتهم»، كثيرة ومثيرة، يغذيها الخيال والمبالغة أحياناً، لكنها تمتلك نصيباً من الحقيقة. فالتسول ظاهرة لا يخلو منها مجتمع سواء في الشرق أو الغرب، والمغرب هو أحد البلدان التي تنتشر فيها هذه الظاهرة بشكل ملحوظ خصوصاً في المدن الكبرى، ومهما نظمت من حملات لمحاربتها، فإنها تفشل أو يكون لها تأثير محدود جداً، وسرعان ما يعود محترفو التسول إلى الشوارع ليمارسوا «مهنتهم» بكل جرأة وثقة ووجه مكشوف لأنها ببساطة تدر عليهم دخلاً يفوق احياناً مرتبات الموظفين الحكوميين والخواص أيضا، من دون أي عناء أو جهد أو ترخيص أو شهادات.

لكن، وكأية مهنة من المهن، لا بد من توفر بعض «المؤهلات» لممارسة التسول، وهي طرد صفة الحياء والخجل نهائياً، ثم البحث عن حيلة من الحيل التي تنطلي على الناس بسهولة .
وإذا كان الشائع أن يكون المتسول إما عجوزاً أو صاحب عاهة واضحة للعيان، أو مصاباً بالعمى، فهذه الصورة تغيرت تماماً، إذ احترف التسول شباب وفتيات لا يعانون من أي إعاقة بدنية تمنعهم من العمل والكسب، مستغلين سذاجة الآخرين أو حسن نواياهم أو ربما رقة قلوبهم.

ومن الحيل التي أضحت معروفة للمتسولين، ادعاء المرض، والحاجة إلى الأدوية، حيث يبسطون على الأرض وصفات طبية وعلب أدوية فارغة لطلب العون من المارة، مدعين إصابتهم بأمراض مزمنة تتطلب تناول أدوية بشكل دائم.

أما أبشع مظاهر التسول فهو استغلال النساء لتوائم رضع أبرياء، ووضعهم على الأرض طيلة النهار، لاستدرار العطف، وادعاء الحاجة للمال لإعالتهم، وهي ظاهرة تجدها على الخصوص في الأسواق الشعبية. وتعد محطات النقل الطرقي من بين الأمكنة المفضلة جداً للمتسولين رجالاً ونساءً وأطفالا من مختلف الأعمار، وأغلبهم يدعي عدم توفر ثمن تذكرة السفر للرجوع إلى البلدة أو المدينة التي أتوا منها .

أما إذا كنت من الذين يضطرون إلى ركوب حافلات النقل الحضري فستصادفك يومياً وجوه عديدة للمتسولين ترافقك على طول خط الرحلة، لكل واحد منهم قصة وحكاية وتعابير خاصة يحفظها عن ظهر قلب، ويكررها يومياً على مسامع الركاب.

وبعض المتسولين تجدهم يترفعون عن ركوب الحافلات للتسول، واختاروا لأنفسهم طريقة محترمة تحفظ لهم الكرامة، فإذا كنت من سكان حي «اكدال» في الرباط، فلا بد أن تصادف شاباً في العشرينات من عمره يمثل دور الطالب الجامعي، يرتدي ملابس أنيقة جداً، يتقدم إليك بلباقة شديدة معتذراً عن الإزعاج الذي سببه لك، ثم يطلب منك إعطاءه مبلغ 6 دراهم، وذلك لاستكمال نسخ بعض الوثائق من الإنترنت لأنه بصدد إعداد بحث جامعي، وأمام طلب من هذا النوع لا يمكنك التردد في مساعدة هذا الطالب النجيب الذي لا يقصد سوى الفتات، وبما أنه لا يمكنه تذكر جميع الوجوه التي يلتقيها في هذا الحي، تشاء الصدف أن يأتي عندك مرة أخرى ليكرر نفس الطلب، وقتها فقط يدرك المرء أن الطالب أو الباحث ليس سوى محتال أو متسول بشهادة جامعية.

وبالنسبة للفتيات المتسولات، فان المظهر له دور أيضاً في منح المصداقية، واستبعاد الشك، ومن الحيل الجديدة التي تم اكتشافها أن تقف فتاتان ترتدي أحداهما الحجاب، في زاوية من الشارع، وفي كل مرة تقترب أحداهما من أحد المارة متظاهرة بالحزن والانكسار، وتطلب مبلغاً من المال لمساعدتها هي وصديقتها للحصول على ثمن تذكرة سفر للرجوع إلى المدينة التي تقطنان بها، وهذا «الثنائي» لا بد أن تلتقيه أكثر من مرة في شوارع مختلفة في الرباط .

حيلة أخرى لا تخلو من الغرابة، وهي استغلال الأموات للتسول، حيث يهرول شخص في اتجاهك حاملا صينية وضعت عليها نقود من فئات مختلفة، ويتظاهر انه على عجلة من أمره، يتحدث بسرعة لدرجة لا يفهم من حديثه سوى كلمة «كفن» التي يرددها أكثر من مرة، وكأنه يؤدي دوراً مسرحياً، مدعياً أنه يجمع المال لشراء كفن لطفلة صغيرة ماتت للتو، وتنتظر الدفن، وبما أنه اختار التكسب على حساب الأموات، لا يأبه أن صدقه الأحياء أم لا، لذلك ستلتقي به حتماً، ولمرات عديدة، يكرر نفس الطلب. وبما أن أيا منا معرض لسرقة محفظة نقوده في الشارع العام، فقد اهتدى بعض الأشخاص إلى استغلال مثل هذا الموقف لصالحه، وذلك بالتظاهر بأنه تعرض للسرقة، ولم يبق في جيبه سنتيم واحد، لذلك فهو في حاجة إلى من يعطيه ثمن التاكسي ليتمكن من العودة إلى بيته، وهذا النوع من الأشخاص قد لا ترتاب في أمرهم، خصوصاً من حيث المظهر، فهم يرتدون بدلة كاملة، كأي موظف عادي ويؤدون دور الضحية بإتقان شديد.

وتختلف مواقف الناس من المتسولين حسب أصنافهم ودرجاتهم، فهناك من لا يتردد في التصدق على كل من قصده، ولا يعير أي اهتمام إن كان صادقاً أم لا، ويحتسب الأمر لوجه الله، وهناك فئة أخرى لا تعطي المال إلا لمن يستحقه مثل العجزة والمعاقين، أما الفئة الثالثة، فتتخذ موقفاً صارماً من التسول، وترى أن منح أي مبلغ من النقود مهما كان زهيداً، يشجع على نمو الظاهرة وتفاقمها في المجتمع، وتساهم في تخريج أفواج جديدة من المتسولين الذين سيجتهدون في اختلاق الأساليب والحيل، لكسب المال بالطرق الملتوية، التي تقودهم إلى امتلاك أراض وعمارات ودور سكنية مؤلفة من عدة طوابق، وأرصدة مصرفية، كما يحكى عن بعضهم، ورغم ذلك يصرّون على ممارسة التسول مدى الحياة.