المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العراق يخرج على الإجماع العربي! .....خالد حسين الشطي



المهدى
12-16-2005, 07:18 AM
خالد حسين الشطي - القبس

من المظاهر المقززة التي تبعث الحيرة والعجب ومن بعدهما الغضب والسخط في عالمنا العربي، اقتران صورة رئيس البلاد بالانتصارات الرياضية، او بملاعب الكرة ومدرجات المشاهدين والمشجعين. وهي ظاهرة لا توجد الا في عالمنا العربي المتخلف، فناهيك عن الغرب المتمدن الديموقراطي الحر، فأنا لم ألاحظها في بقية بلاد العالم الثالث، ففي بلاد افريقيا مثلا لا ترى الجمهور يرفع صورة رئيسه اذا سجل فريقه هدفا، ولا تجد اللاعب الذي يسجل الهدف يركض باتجاه المنصة ليمطرها بقبلاته من بعيد او ليقف ازاءها بوضعية الاستعداد ويؤدي التحية العسكرية. لا ترى هذا حتى في الصين أو الاتحاد السوفيتي السابق.. لا تراه الا عندنا.

فالرياضي الذي يسجل هدفا ويحقق نصرا تراه في البلاد المتحضرة يحيي جمهوره او زملاءه او مدربه، او يقبل شعار فريقه او يتشح بعلم بلاده، ولا تراه يتوجه لرئيس النادي ولا لرئيس الجمهورية، وهكذا الجمهور الرياضي هناك، تراه يشجع فريقه او لاعبه المفضل، ويرفع شعار، ناديه او لون فانيلة الفريق او علم بلاده.. لا صورة رئيس الجمهورية!

وانا ادرك ان هذه الظاهرة في بعض البلاد، ومنها الكويت، ليست سياسة حكومية بقدر ما هي حالة نفاق اجتماعي او تخلف جماهيري! ولكن هذا لا يسقط مسؤولية الانظمة والحكومات غير الديموقراطية والتي وان لم تكره الناس على هذه التصرفات والمظاهر الممجوجة، فإنها هي التي زرعت ورعت هذا الغرس حتى نما واثمر، فخرجت هذه المظاهر بشكل تلقائي لم يخضع لتوجيه مباشر.

بالامس، سجل العراقيون فتحا في الساحة العربية الرياضية، فتحاً ينذر بخرق وفتق لا يرتق، اذا ما اقتدت بهم بقية الشعوب، فأبت الجماهير ان تستجيب لرجال الامن والاعلام، ولا فرق كبيرا، فلم يرفعوا صور الرئىس بالضرورة.

لقد امتنعت الجماهير العراقية المتواجدة في قطر لحضور بطولة غرب آسيا واغلبهم جاء من الامارات ليشجع فريق بلاده، عن رفع صور رئىسهم الزعيم جلال الطالباني، فأعفت نفسها بنفسها - للمرة الاولى في تاريخ هذا الجمهور، من رفع صورة رئىس الجمهورية، وتخلت عن عادة التزمتها في المدرجات لثلاثين عاما متواصلة، وهي ترفع صورا مختلفة: واحدة باللباس العسكري واخرى بالعربي وثالثة بالبدلة ورابعة بالجراوية والدقلة وخامسة وسادسة وفاتها ان ترفع صورة عاشرة لرئيس الجحور (نشرتها التايم بالسروال)!

قد يكون المظهر بسيطا والحدث عابرا، ولكنه شأن عظيم ان يشعر المواطن بحريته وعزته، فيرفع علم بلده لا صورة رئىس قتل نصف شعبه وحبس النصف الآخر، وان يصفق ويشجع فريق بلده لا فريق رئيسه او ابن رئيسه عدي، وكم هو رائع ان يشعر الرياضي بالفرق بينه وبين الحصان الذي يملكه اسطبل الرئيس ويراهن عليه في مضمار السباق، فلا يصب جهده وتعبه وعرقه لصالح مجرم بطر، فيركض حتى يتدلى لسانه على صدره، ويصاب بارتجاج في المخ وتتكسر عظامه من عنف الملاعب ويشبع سبا من الجمهور.. حتى يفاخر ذاك المجرم البطر المترف اقرانه من الرؤساء والزعماء والمسؤولين ويبتسم بزهو انه هزمه وغلبهم!.. وكم هو جميل ان صار اخيرا شعب عربي يقرن بشعوب البلاد المتقدمة والدول المتحضرة.

ولم يكن هذا المظهر نتاجا عفويا وافرازا ساذجا، ان في العراق اليوم حرية حقيقية، حرية سياسية، وحرية اعلامية مطلقة، حرية تجعل القيمة للانسان وللشعب، وللبلد، والحاكم مجرد موظف وعامل يخدم الشعب، فاذا احسن واجاد واخلص، احبه الشعب واعجب به وشكره، دون ان يحوله رمزا، لا يلبث ان تنحت له التماثيل وتصور الجداريات.

في العراق اليوم عشرات القنوات الفضائية والصحف والمجلات، اخذها اصحابها وانتزعوها بلا محاباة ولا منة في معاملة ادارية تنظيمية بحتة، لا محل فيها للقرار السياسي او «السيادي» (ولا السادي!) الشعب العراقي سيد نفسه، ينتخب ممثليه، فيختارون له الحكومة والوزراء ورئيس الجمهورية، فاذا لم يعجبوه اعاد الاختيار وابدلهم بغيرهم!

الانسان العراقي اليوم يعبر عن رأيه بمنتهى الحرية، لا يمنعه مانع ولا يردعه رادع، إلا من خلق او دين او مهنية، فإن لم تكن، كما هي الحال في «الحيوان والوحش العراقي» أي في انصار الارهاب من التكفيريين والبعثيين، ترى ان النظام هناك من المدنية والانسانية، بحيث يحفظ حتى لهذا الحيوان الضاري حقه ولا يحرمه الحرية فينبح ويعوي ليلا ونهارا والحكومة لا شأن لها به!

في العراق اليوم حتى الفئة الارهابية حرة في التعبير عن رأيها، وهناك فضائيات عراقية وصحف ومجلات تتبنى الارهاب والقتل، تنشر وتبث من داخل العراق، ولم يسألها احد ثلث الثلاثة كم؟ الآشوريون والكلدان وفئات لا يبلغ حجمها 1% من مجموع السكان، لهم وسائل إعلام تعبر عن عقائدهم وافكارهم، وتعكس همومهم وآلامهم، ويستطيعون ان يردوا فيها على من يفتري عليهم ويكذب، ولديهم الفرصة في الدفاع عن انفسهم لدحض الافتراءات والتضليل الاعلامي الذي قد تمارسه فئات ووسائل إعلام اخرى ضدهم.

في العراق اليوم لا استئثار في السلطة الرابعة وامتيازات الصحف والمنابر الاعلامية. في العراق لا تحتكر عوائل ومذاهب واحزاب حق التعبير، فتقرر من يكتب، وفي اي حدود، ومتى يسكت، فيمتنع او يمنع، ولا يحدد احد للناس ما يجوز لهم ان يقرأوا وما لا يجوز. لانهم في العراق لا يعتبرون الشعب سفيها او قاصرا يحتاج الى ولاية، ولا يعدون البلد وقفا على فئة فيحتاج ناظرا، ولا شركة تجارية او استثمارية يملكها رئيس مجلس الإدارة، ويتصرف فيها العضو المنتدب!

في العراق اليوم يتكلم كل حزب وكل طائفة وكل مذهب وكل تيار وكل انسان وكل «حيوان»! ويمارس نشاطه الاعلامي بمنتهى الحرية، لا تمنعه اقلية ولا تضطهده اكثرية، لا تحظر عليه سياسة ولا تحجر عليه اهواء ونوازع فئوية، لا يعوقه انتماء طبقي او توجه ثقافي او فكر عقائدي او ديني او مذهبي، ولا يثنيه تمييز يخضع لتلك المعطيات.

في العراق اليوم لا توجد وزارة اعلام، ولا توجد اذاعة ولا تلفزيون رسمي.. لكل هذا وذاك، لم يرفع الجمهور العراقي صورة الطالباني عندما هزم الفريق السوري وتقلد الميدالية الذهبية.

هكذا خرج العراق على الإجماع العربي!


www.khalid-alshatti.com