المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هكذا حاورت الشاهد المرتد ............داود الشريان



فاتن
12-15-2005, 07:49 AM
داود الشريان الحياة - 14/12/05//

يوم الاربعاء الماضي حصلت على موافقة لاجراء حوار تلفزيوني مع الشاهد المرتد حسام طاهر حسام، الذي عرف في تقرير ميليس بـ «هسام هسام». وصلت الى دمشق يوم الخميس وانا غير مصدق ان الحوار سيتم. بعد وصولي عرفت ان محامي حسام السيد عمران الزعبي طلب مقابلتي على العشاء، قلت في نفسي: يبدو ان الجماعة يريدون توجيه الحوار من خلال محامي الشاهد، فقررت ان امضي في موضوع الحوار الى النهاية، فإذا تم بطريقة لا ترضيني اعتذر عن تنفيذه من البداية، او اعتذر لاحقاً عن بث المقابلة. جلسنا الى مائدة العشاء وبدأ بيننا حديث عام، عن مدينة دبي وسرعة نموها، وعن لجنة ميليس، وعرفت من السيد الزعبي ان مجموعة من المحامين السوريين قدمت دراسة قانونية لتقرير ميليس الاول، وقبل ان يتشعب الحوار الذي شارك فيه الزميلان نايف كريم وانتصار يونس، تلقى المحامي مكالمة هاتفية. اغلق الزعبي هاتفه الجوال وقال لنا: هذا صاحبك حسام، اعتدت ان اتعشى معه يومياً، وسرد لنا ملامح الحياة التي يعيشها الشاهد اللغز، قال ان حسام يتناول وجباته في المطاعم ويلتقي الناس، وانه يعامل في سورية كبطل قومي. واضاف، تصور حتى النساء المحجبات اللواتي يرفضن مصافحة الرجال يصافحن حسام، وبعضهن تطلق الزغاريد بمجرد مشاهدته، حتى الليرة السورية زغردت بعد وصول حسام الى دمشق وتغير سعر صرفها مقابل الدولار. انتهى العشاء ولم يطلب المحامي شيئاً بخصوص المقابلة. حاول معرفة اجواء الحوار، فقلت له: حسام ليس رجل سياسة، ولهذا سيكون الحوار معه منصباً على شخصيته، اين ولد، وماذا تعلم وكيف كان يعيش، ولماذا اختار مهنة الحلاقة ومنهم زبائنه في بيروت.

صباح الجمعة عرفنا انه تم اختيار «مطعم النبلاء» في دمشق مكاناً لاجراء الحوار. وصلنا الى المطعم عند العاشرة صباحاً، وكان حسام سبقنا اليه، وعرفنا من الزملاء الفنيين انه دخل الى مكان التصوير من باب خلفي. جلس حسام مع المحامي يحيط بهما عدد غير قليل من رجال امن او مخابرات في ملابس مدنية، واكاد ان اجزم ان جميع من كان في القاعة من العمال والفنيين له دور في حماية حسام او مراقبة ما يجري. تبادلت التحية مع حسام، وجلسنا نحتسي القهوة، كان الشاب المثير يخفي قلقه بالتدخين، ولاحقاً بالذهاب والمجيء في قاعة التصوير. هل كان حسام حسام قلقاً من الحوار وخائفاً من الكاميرا، ام متوجساً من أمر آخر؟ قبل بداية التصوير قدم لي المحامي الشاهد على استحياء ستة اسئلة واقترح ان اطرحها على الضيف المثير، اربعة منها كانت موجودة بالفعل بين اسئلة كنت وضعتها، والغريب ان اجابة حسام على السؤالين الآخرين لم تكن في مصلحة سورية، ولا في مصلحة دفع الاتهام عنها، ما يعني انها اجتهاد شخصي غير موفق. انتهى الحوار فتوقعت ان يطلب المحامي، او احد الاخوة الضباط المرافقين له الاشرطة بحجة اخذ نسخة منها، ومن ثم مراقبتها وحذف ما يريدون منها، لكن هذا لم يحدث، اخرجنا الاشرطة من اجهزة التصوير، وذهبنا الى الفندق ومنه الى المطار. المقابلة تمت كما اردنا من دون اي تدخل.

حسام حسام لم ينكر علاقته بأجهزة المخابرات السورية واللبنانية خلال فترة وجود القوات السورية في لبنان. قال انه كان يقدم معلومات استخبارية للمفارز الامنية السورية واللبنانية في بيروت، ولهذا فإن تعامله مع «الاجهزة» منحه قدرات يصعب على حلاق اتقانها. تستطيع ان تقول ان حسام اصبح بفضل هذه القدرات «حلاق سوبر»، او حلاق امني. فهل كان حسام جاسوساً سورياً وجرى زرعه في طريق لجنة التحقيق؟ ام انه شهد بإرادته ثم اجبر لاحقاً على تغييرها، ام هو تراجع من تلقاء نفسه كما يقول؟ هل جرى اغراؤه بالمال ليشهد، وتهديده بالقوة ليتراجع؟ ميليس قال في تقريره الثاني: «حصلت اللجنة أيضاً على معلومات موثوقة بأنّه قبل تراجع السيد هسام العلني عن الإفادة التي أدلى بها أمام اللجنة الدولية، كان مسؤولون سوريّون قد أوقفوا بعض أقرباء هسام في سورية وهدّدوهم. يقود التحقيق الأوّلي إلى الاستنتاج بأنّ السلطات السورية تتلاعب بالسيد هسام ما يطرح أسئلة جدّية حول مدى التزام اللجنة القضائية السورية بإجراء تحقيق مستقلّ وشفّاف ومحترف في هذه الجريمة». اما تصريحات ميليس التي سبقت تقريره الثاني فتشير بوضوح الى ان تراجع حسام لم يمر مرور الكرام، وانه احدث اكثر من مجرد الخدش في التحقيق.

مدة جلوسنا مع حسام حسام استغرقت قرابة ساعتين. لم اشعر خلال هذه المدة ان حسام معتقل، كان يعامل كضيف، يتحدث من دون ان ينظر الى من حوله او يتلمس الرضا من عيونهم. وقبل الحوار وجدته منهمكاً في محاميه فقطعت حديثهما وقلت لحسام: لا تسمع كلام المحامي، « ترى المحامين يقطعون الرزق اذا تدخلوا في الصفقات التجارية»، وانقطع الحوار بين الاثنين، ودخلنا في حوار آخر. خلال مدة جلوسي مع حسام شعرت بأن الشاهد الغامض يشبه من ينتظر قدراً مجهولاً، لكن الجلوس معه لا يوحي لك بشيء محدد. لا تستطع ان تقول انه كاذب او صادق، ربما تقول انه أفّاق. حسام لديه قدرة غير عادية على اعطائك انطباعات مختلفة ومتناقضة عن شخصيته. تتعاطف معه احياناً وتصدقه، وتشعر احياناً بأنه «يلعب بالبيضة والحجر»، لكن للامانة تشعر بأنه حلاق، فهو يشبه الحلاقين بعذوبة اللسان واناقة قصة الشعر، والولع بالالوان الغريبة في ملابسه. اجاباته في المقابلة كانت توحي بأنه لقن بعضها، فهو يتوقف عند تفاصيل بعينها، ويتجاهل اخرى. بعد نهاية الحوار شعرت بأني أودع حسام حسام.