المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أنا أسكن بمفردى إذن.. أنا منحلة



زهير
12-13-2005, 04:32 PM
د. منى حلمى

من سمات المجتمعات الذكورية التى نقضى فيها عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة وراء قضبان من الموروثات الثقافية والتفسيرات الدينية المعتقة أنها «تعلفنا» كل يوم بقائمة طعام فسدت صلاحيتها للاستهلاك المتحضر الراقى الذى يحافظ على رشاقة العقل وحياء الجسد وتمرد الروح.

وهى عقوبة أصدر حكمها منذ آلاف السنين، وهذا شىء غريب وأعتقد أنه ضد جميع القوانين. إن معرفتى المتواضعة بالقانون تقول أن العقوبة تسقط بعد مرور ربما ربع قرن، لست متأكدة بالضبط، لكن المؤكد أنه لا توجد عقوبة على وجه الأرض تستمر آلاف السنوات وتمتد إلى أبد الآبدين.

ولا أريد الإطالة فى السرد التفصيلى لقائمة الطعام اليومية بفضلها تضخم معدل التكاثر فى المجتمعات الذكورية وتوردت خدود الناس من العنجهية الذكورية، وحدثت التنمية «مصطلح أصبح موضة»، ورغم أننى تخرجت فى كلية السياسة والاقتصاد قسم اقتصاد ودرست كل أنواع التنمية، لكننى بصراحة لا أعرف ولم أدرس التنمية التى أقرأ عنها فى الصحف، وأطلع على بياناتها ومؤشراتها وأهدافها ونتائجها التى أدت إلى ازدياد ثراء الأغنياء وتعميق فقر الفقراء واللعب على الأديان باعتباره من أدوات التنمية المضمونة الأرباح والعوائد.

الموضوع هو قائمة الطعام الذكورية المطبوخة لنا يوميا منذ آلاف السنوات فى مطبخ عالمى عشر نجوم، يتبادله الورثة الذين يعبدون حاجة اسمها «الثوابت»، جوهر الثوابت المعبودة هو انقسام كوكب الأرض إلى حفنة قليلة من «الأسياد» تملك وتحكم وتأمر وتنهى وتضحك وتسكر وتحب وتعربد و«تطخن وتربرب» وتشرع القوانين وتفصل الأخلاق وتفرض العقوبات وتفسر الأديان وتغتنى دون عمل ودون جهد ولا أحد يحاسبها أو يراقبها أو يقول لها تلت التلاتة كام!

ولا يفكر فى التمرد لأن المتمرد «بيفسحوه» أقلية لها كل النعم.. وغالبية ساحقة من العبيد الذين يخدمون الأسياد، الذين لا يملكون شيئا إلا أجسادهم التى «تطفح القوتة» فى ملكيات الأسياد حتى تزدهر، وهم قانعون بالكفاف والستر وحكمة ربنا الغامضة، ويتعشمون فى ثواب الآخرة، غالبية تطبق عليها العقوبات بصرامة، غالبية «جلد على عضم» عندها سوء تغذية وسوء فهم، تطيع طاعة عمياء، النواهى والأوامر والمعيشة «الضنك» والمحظورات التى ينتهكها الأسياد فى عز الضهر، وعلى عينك يا تاجر، واللى عنده كلمة يلمها عشان خاطر مستقبل عياله «جيش العبيد فى المستقبل».

هذا النظام المهيمن على كوكب الأرض، يمنح الذكورة امتيازا، فالرجل العبد له حق بمجرد أنه ذكر، فى «امتلاك المرأة» مثلما يمتلك الحيوانات التى تساعده فى خدمة الرجل السيد. وأصبحت النساء هى عبدة العبد، حيث عبوديتها مرتين، مرة للسيد الذكر، ومرة للعبد الذكر. منذ آلاف السنوات لم يتغير جوهر هذا التقسيم، كل الذى حدث هو تطور وتعقيد وتعددية الأطراف المتورطة وغموضها، لكن الأساس المثبت فى الأرض لم يمسه أى تغيير، بل على العكس يزداد ثباتا، لأن الأسياد تعلموا مع مرور العصور والأزمنة كيف يغيرون جلودهم وأسماء أنظمتهم «عولمة، شرعية، دولية، عصرية، قنابل عنقودية، حروب للديمقراطية، قنوات فضائية، وتدربوا جيدا عبر آلاف السنوات كيف يخلقون أهم سلاح وهو المؤسسات الدينية «بالضرورة ذكورية» لتفسير الدين وكلام ربنا لإبقاء الناس اللى فوق «فوق» والناس اللى تحت «تحت».

طبعا لست فى حاجة للقول أن «المرأة» هى من «الناس اللى تحت»، بل هى أكثر الناس اللى تحت ويبقى الوضع كما هو عليه، ما لم يشتد عود النساء، ويرفضن أن تكون حياتهن كسلسلة متواصلة من الجبر والفرض والإكراه والوصاية تحت أسماء خادعة مثل «حماية المرأة»، «شرف المرأة»، «سنة الحياة» «مصلحة الأسرة»، «قدوة حسنة للأطفال»، «طبيعة الذكر»، «فطرة الأنوثة»، «أولوية الذكورة»، «التضحية عشان الدفء الأسرى»، «طاعة الله ورسوله»، «تجنب الفضائح»، «إسكات ألسنة الناس والعائلة والبواب والجيران وأهل الحى».. وغيرها لا تعد ولا تحصى! وفى هذا المقال أود التركيز على شىء واحد، لكنه هو العمود الخرسانى الذى قام عليه البناء الذكورى، وأقصد التنويعات المضحكة لمعنى شرف المرأة، ومعيار فضيلة النساء، وكيفية تفادى الفضائح الأخلاقية التى يلوكها الناس عن جنس الإناث. من التنويعات الأخلاقية للنساء وهى طبعا غير المعايير الأخلاقية للرجال أن الفتاة أو المرأة بطبيعتها «منحلة أخلاقيا» والانحلال الأخلاقى الذكورى ليس له إلا معنى واحد، وهو التعامل مع الرجال دون أن يكون هناك «شديد قوى» أو ضرورة غير متوقعة، أو موقف حياة أو موت، عدا ذلك فالانحلال بكل أشكاله ودرجاته هو الوارد، وإلا لماذا تريد التعامل مع الرجال؟!

وبالتالى فإن المرأة أو الفتاة لا تكون فاضلة أو عندها شرف وأخلاق إلا بحماية أى ذكر. والحماية هى ليست الحماية الفكرية، ولكنها الحماية بالقمع والمنع والرقابة والتجسس والحظر، يعنى فضيلة بالإكراه لا فضل للمرأة فيها، ويمكن لهذا التجسس أن يقوم به ابنها، حتى لو كان يصغرها بثلاثين عاما! المهم ذكر وخلاص وبالتالى فإن المرأة أو الفتاة التى تريد الاستقلال بحياتها والسكن بمفردها «يعنى تعيش بطولها بدون تجسس ذكورى» تعد من المنحلات، وتيجى سيرتها الملوثة على كل لسان، وقد توصف بأنها من الساقطات، أو النساء اللاتى تستهويهن الحياة المنحلة للمرأة فى الغرب المتآمر ضد عاداتنا، وإسلامنا، وإذا ترملت الزوجة ولم يكن لديها ابن ذكر، أو إذا طلقت دون ولاد ذكور لازم فورا تروح تقعد عند أهلها حتى لو كان عمرها 90 سنة، وذلك حفاظا عليها وقطعا لألسنة الناس وحماية لها من طبيعتها المنحلة. مش عارفه ليه يصر فنانو وفنانات المسرح على عمل مسرحيات كوميدية، هو فيه كوميديا فى العالم أعلى من هذا المعنى المضحك للانحلال والشرف، وحماية النساء فى مجتمعاتنا، مجتمعات لم تقدم للبشرية فلسفة مفيدة، إلا «أنا أسكن بمفردى إذن أنا منحلة».