زهير
12-13-2005, 04:21 PM
إبراهيم خليل
تجمعت خلال أسابيع الانتخابات الماضية مواقف عدة مسكونة بالدلالات والإشارات حتى إن كلا منها يستحق أن يكون محطة للوقوف والاعتبار، وكانت جماعة الإخوان المحظورة واحدة منها، وإن لم تكن أهمها، ولا أخطرها.. الأخطر هو نائب مرشد الجماعة المعروف باسم خيرت الشاطر الذى اخترق الجماعة من خلال المراكز الإسلامية فى لندن حتى وصل إلى التحكم فى الجماعة المحظورة بحى المنيل بالقاهرة. شاء حظ رجل الأعمال خيرت الشاطر بعد عودته من لندن 1986- 1987 أن يجد قبولا لدى الرجل القوى فى الإخوان «محمود عزت» سواء فى قواعد الإخوان أو فى مكتب الإرشاد ليرتبط به ارتباطا قويا ويجد الاثنان «الشاطر ومحمود عزت» تكاملا فيما بينهما من حيث السيطرة على تنظيم الإخوان والإطاحة بالمنافسين، منهم جيل الوسط فى الإخوان المسمى بجيل النقابات المهنية الذى ظهر على مستوى العمل الجماهيرى خلال الفترة الماضية،ولنفس الهدف ثم إضعاف موقف عبدالمنعم أبوالفتوح وتهميش عصام العريان وإبعاده عن عضوية مكتب الإرشاد وتجميد موقفه بأن يصبح عضوا فى مكتب شورى الجماعة فقط على عكس ما يعتقده المراقبون.
- نفس موقف التهميش تم تكراره مع الدكتور سيد عبدالستار المليجى أمين نقابة العلميين، وكذلك الدكتور محمد الظابط أستاذ الأمراض الجلدية، وهو أحد قيادات العمل الإسلامى فى الجامعات، وكذلك الدكتور أسامة رسلان عضو نقابة الأطباء وأيضا حلمى الجزار أمين عام الجماعات الإسلامية فى الجامعات إبان فترة السبعينيات. - نفس الأمر ينطبق على إبراهيم الزعفرانى أحد قادة العمل الطلابى بالإسكندرية، ونجح كل من الشاطر ومحمود عزت فى إبعاد أبوالعلا ماضى والدكتور محمد عبداللطيف وتجميد عضوية مختار نوح العضو السابق لمجلس نقابة المحامين.
وترجع مذبحة الإبعاد والتجميد والتهميش التى قام بها الشاطر ومحمود عزت إلى هدف وحيد هو إحكام قبضة يدهما على تنظيم الجماعة المحظورة داخليا. - فى هذا الإطار استعان كل من الشاطر ومحمود عزت بالدكتور محمد حبيب النائب الأول لجماعة الإخوان ليكون واجهة لتجميل وجهيهما أمام قيادة وكوادر الجماعة المحظورة، وفى نفس الوقت يلعب دور البديل المؤدب لعصام العريان أو عبدالمنعم أبوالفتوح لمخاطبة الرأى العام. - على خلفية هذه الأحداث تصاعد نفوذ محمود عزت عضو مكتب الإرشاد فى الجماعة المحظورة باعتبار أنه الوحيد الذى تتجمع عنده أسماء أعضاء تنظيم الإخوان بالكامل سواء القدامى أو الجدد بخلاف أنه هو الذى يتحكم فى تبليغ قرارات مكتب الإرشاد والمرشد لقواعد الإخوان فى مختلف المحافظات.. العجيب أنه لو أصدر مكتب إرشاد الجماعة قرارا لا يتم تنفيذ هذا القرار بالنسبة لأعضاء الجماعة إلا إذا تم إبلاغه عن طريق محمود عزت. وهو الأمر الذى استغله فى فرض سيطرته على معظم أفراد الجماعة لذلك يدين له الجميع بالطاعة لكونه قناة الاتصال بين قمة الجماعة وقاعدتها.
- الوجه الآخر لمحمود عزت بخلاف عضويته فى مكتب الإرشاد وشراكته لخيرت الشاطر فى إدارة الجماعة المحظورة.. أنه يعمل أستاذا بكلية الطب جامعة الزقازيق، ويمتلك معمل تحاليل كبيرا بمصر الجديدة، والأهم أنه تلميذ سيد قطب وتم القبض عليه فى قضية تنظيم سيد قطب عام 1965، وكان وقتها شابا صغيرا وصدر ضده حكم بالأشغال الشاقة، وتم الإفراج عنه فى بداية السبعينيات ليكمل تعليمه فى كلية الطب.
- بدأ صعوده فى الجماعة المحظورة لارتباطه بعلاقة نسب بينه وبين مهدى عاكف المرشد الحالى. وهذه العلاقة بين محمود عزت والمرشد الحالى كانت سلم الصعود لمحمود عزت فى مختلف أنحاء جسم جماعة الإخوان التنظيمى والسياسى.
- فى المقابل تصاعد نجم المليونير خيرت الشاطر عضو التنظيمات اليسارية فى فترة الستينيات الذى تخرج فى هندسة الإسكندرية عام 1974، وتم تعيينه معيدا فى هندسة المنصورة، وتم فصله من الكلية عام 1981 ليسافر إلى اليمن ثم السعودية ثم لندن بحجة الحصول على درجة الدكتوراه، وفى لندن تغيرت خطط خيرت الشاطر، وبدلا من الدكتوراه كان العمل فى التجارة والاستثمار والنشاط الكثيف فى المراكز الإسلامية بلندن، ومن خلال هذه المراكز توثقت صلته وعلاقته بتنظيم الجماعة المحظورة، حتى رجع إلى القاهرة سنة 1986 ليعمل فى تجارة الملابس والمنسوجات والأجهزة الكهربائية والهدايا ويحقق ثروة مالية كبيرة، هذه الثروة سخرها فى شراء نفوذه داخل الجماعة المحظورة، هناك من يتحدث عن الأموال التى يخصصها الشاطر لعدد من قيادات الجماعة القدامى تحت بند المساعدة بخلاف الهدايا والمرتبات الشهرية الأخرى، وهذه الأموال أيضا هى التى ساعدت على قيام الشاطر بزرع وإدخال عدد من أصدقائه الذين يدينون له بالسمع والطاعة لمكتب الإرشاد بالتعيين وليس بالانتخاب، وعلى سبيل المثال محمد مرسى المتحدث باسم نواب الإخوان فى مجلس الشعب السابق، وكذلك خيرى ركوة وصبرى عرفة.
- إضافة إلى ذلك وصل نفوذ كل من الشاطر ومحمود عزت داخل مكتب الإرشاد إلى درجة أنهما يستطيعان إصدار أى قرارات من مكتب الإرشاد الذى يعتبر أعلى سلطة بالجماعة المحظورة. - الغريب أن المرشد العام للجماعة لا يملك إصدار أى قرارات بعيدا عن خيرت الشاطر أو محمود عزت باعتباره واجهة لهما داخل مكتب الإرشاد، حتى إنه هو المرشد الوحيد الذى تولى هذا المنصب فى الجماعة وتم تعيين ثلاثة نواب له، الأول سورى الجنسية هو حسن هويدى ونائبان مصريان هما محمد حبيب وخيرت الشاطر.
- فى وقت سابق لم يسمح مأمون الهضيبى المرشد السابق بأن يكون بجواره أحد. وبشروط خيرت الشاطر مهندس صفقة بيعة المرشد مهدى عاكف، تم تفويت الفرصة على الشيخ محمد الخطيب مفتى الجماعة ومحمد حبيب لتولى منصب المرشد، لذلك كانت الصفقة التى أبرمها الشاطر صاحب القدرة التنظيمية الكبيرة بالبيعة لمهدى عاكف فى منصب المرشد، ويكون هو نائبا له، وهذه الخطوة من جانب المليونير خيرت الشاطر لابد لها من غطاء، لذلك كان تعيين محمد حبيب نائبا أول للمرشد على أساس أنه حصل على المركز الثانى فى أصوات اختيار المرشد بعد مهدى عاكف، كذلك لم يكن من الملائم تركه دون اختصاصات.
ترتيبا على ما سبق تم تجميد دور عبدالمنعم أبوالفتوح بعدم إشراكه فى أى أمور مصيرية أو مؤثرة للجماعة أو وضعه فى أية لجنة من لجان الإخوان بعد أن كان مسئولا عن قسم المهنيين والطلاب، وتم إبعاده عن هذين القسمين ليصبح مجرد عضو عادى فى مكتب الإرشاد.
- ثمة مفارقة أخرى فى السياق الذى نحن فيه وهى أنه تم وضع أول لائحة خاصة بالجماعة فى أواخر الثلاثينيات، هذه اللائحة هى المعمول بها حتى الآن ولم يتم تعديل أى بنود فيها سوى استحداث أشياء خاصة بالانتخابات تتعلق بتشكيل ما يسمى باللجان أو الأقسام، وتم إدخال قسم الطلبة وقسم الأخوات وقسم التربية وقسم الدعوة وقسم المهنيين، وهذه الأقسام رئيسية فى اللجان النوعية، خصوصا النشاط الطلابى والنشاط المهنى فى النقابات المهنية، وهذه اللجان النوعية لها أوجه متعددة، على سبيل المثال لجنة الدعوة تختص بمهمة الانتشار فى المساجد لتقوم بالخطابة والدعوة لـ «جماعة الإخوان» ، أما لجنة الأخوات فهى للنشاط الداخلى باعتبار أن عضويتها تقتصر على زوجات أعضاء الجماعة المحظورة، وهذه اللجنة لعبت دورا كبيرا فى الانتخابات الأخيرة لمجلس الشعب من حيث مخاطبة النساء وحشدهن أمام صناديق الانتخابات لانتخاب مرشحى الجماعة.
- برز فى هذا الإطار أن حسن البنا المرشد الأسبق استقى أو نقل النظام الداخلى للجماعة المحظورة من نظام الكشافة الذى كان منتشرا فى مصر فى هذه الفترة بين طلبة المدارس والجامعات، وأطلق عليه اللائحة الداخلية التى تبدأ نظامها من أعلى السلطة، بما يطلق عليه المرشد العام ثم وضع مكان مجلس الإدارة الموجود فى الكشافة ما أطلق عليه بمكتب الإرشاد واستحدث فى هذا الإطار ما يسمى بمجلس الشورى العام، ووضع على رأس كل منطقة أو محافظة مسئول المناطق الذى يدير شئون المنطقة أو المحافظة، ويشاركه مكتب إدارى للمعاونة فى إدارة المحافظة.
- إضافة إلى ذلك كل محافظة تنقسم إلى عدة شعب ولكل شعبة مسئول يديرها ومعه مكتب إدارى، وتنقسم الشعبة إلى عدة أسر وهى أصغر خلية فى تنظيم الإخوان، والشعب تتكون من 10 إلى 15 أسرة، وكل أسرة تتكون من عدد من الأفراد يصل عددهم ما بين 6 و 8 أفراد، وهؤلاء الأفراد يمثلون القاعدة الإخوانية، ويرأس كل أسرة نقيب. - فى هذه الأجواء تتدرج العضوية بجماعة الإخوان من مؤيد قوى إلى أخ عامل ثم أخ مجاهد.
- يلاحظ أن كل فرد من الجماعة يمضى فترة تحت المراقبة من جانب مسئول الأسرة ومسئول المحافظة حتى يتم امتثاله لمبدأ الجماعة الأصولى وهو الامتثال للسمع والطاعة حتى تتم ترقيته إلى مرتبة أعلى. - التطور المثير للاهتمام أن لكل محافظة من المحافظات مجلس شورى يتم انتخابه من أعضاء المحافظة ومن مجالس الشورى لكل المحافظات يتم انتخاب مجلس الشورى العام المكون من 86 فردا.. أشهر أعضائه عصام العريان وحلمى الجزار وإبراهيم الزعفرانى والدكتور أسامة رسلان. - تأتى أعلى سلطة فى الإخوان بما يسمى مكتب الإرشاد، ويبلغ عدد أعضائه منذ عام 1984، 13 عضوا.
- الغريب أنه لم يتم تطبيق اللائحة الإخوانية تطبيقا صحيحا بعد أن قفز عدد أعضاء مكتب الإرشاد إلى 17 عضوا بدون إجراء أى انتخابات منذ عهد المرشد السابق مأمون الهضيبى، وذلك باعتماد مبدأ التعيين. - على خلفية هذه التغييرات تم تعيين الدكتور محمد مرسى والشيخ خيرى ركوة وهو شيخ أزهرى وكذلك الشيخ صبرى عرفة والدكتور محمد بديع الأستاذ بكلية الطب البيطرى فى مكتب الإرشاد. المفاجأة المدوية أن الجماعة تشترط على كل أخ عضو بها أن يدفع من ماله الخاص 8% من دخله إجباريا تبرعا للجماعة.
المثير أن اللائحة الداخلية للجماعة المحظورة تم تجميد العمل بها منذ عام 96 بسبب القبض على أعضاء مكتب الإرشاد أثناء اجتماعه فى مقر الجماعة بالتوفيقية عام 1995 وتمت إحالة أعضاء مكتب الإرشاد إلى المحكمة العسكرية فيما يعرف بالقضية العسكرية الأولى والثانية وترتب على ذلك أن أصدرت الإخوان المقولة الشهيرة (يجب أن نحذر) وعلى هذا الأساس أصبحت كل المواقع الإخوانية بالتعيين مما أطلق يد أصحاب النفوذ والنسب فى الجماعة ليقوموا بتعيين أنصارهم، وهو ما أحكم قبضة كل من خيرت الشاطر ومحمود عزت على الجماعة المحظورة.
- هذه الوقائع والمشاهد تعيدنا إلى الثلاثينيات وقت أن أسس الجماعة حسن البنا حينما تتابعت عملية نقل شكل الجماعة بالكامل من إحدى الطرق الصوفية التى تسمى الطريقة (الحصافية) التى كان عضوا فيها، وهذه الطريقة كانت ترفع شعار هو: الثقة فى القيادة باعتبار أن شيخ الطريقة هو الرئيس الأعلى ويجب على الجميع الثقة المطلقة فى شيخ الطريقة. - بسبب تلك الخلفية جاء عمر التلمسانى المرشد الأسبق للجماعة المحظورة ليستخدم المقولة التى اشتهر بها وهى (أنا بين يد حسن البنا كالميت بين يدى مغسلى).
لم يقف الأمر عند هذا الحد إنما أدخل مبدأ الطاعة المطلقة أيضا وشكل حسن البنا جماعته على نفس الطريقة «الحصافية الصوفية» وعندما انتقل إلى القاهرة من الإسماعيلية اطلع بالمصادفة على نظام الكشافة وأعجب بطريقة ونظام الكشافة حتى إنه انضم إليها رسميا وطلب من أعضاء الإخوان الانضمام للكشافة حتى إن اسم المرشد الذى يمثل أعلى سلطة فى الجماعة تم الاستيلاء عليه من النظام الداخلى للكشافة.
- العجيب الذى لا يعلمه الإخوان أن مؤسس الكشافة وصاحب اختراعها رجل بريطانى يدعى «بادن باول» أى أن نظام الجماعة المحظورة تم استيراده ونقله من مخترع غربى إنجليزى الجنسية. - ما يثير الاستغراب أنه لايوجد داخل الجماعة معترض بإعتبار أنهم أصحاب مقولة «من اعترض انطرد» وكذلك «طالب الولاية لا يولى».
اللافت للنظر أن معظم أعضاء مجلس الشعب الجدد الذين يبلغ عددهم حتى الآن 86 عضوا معظمهم من خطباء المساجد أو أعضاء مجالس إدارات المساجد أو أعضاء فى لجان الزكاة ولايوجد عندهم أدنى انطباع عن العمل السياسى أو العمل النيابى ولكنهم جميعا تربوا على مبدأ السمع والطاعة للمرشد العام أو مكتب الإرشاد. - ويعتبر أعضاء مجلس الشعب من جماعة الإخوان شهادة إضافية على مدى هيمنة رجل الأعمال خيرت الشاطر على الجماعة المحظورة باعتباره مسئول قسم التربية فى الإخوان الذى يقوم بوضع المناهج التربوية داخل الإخوان وتربية الأفراد ووضع الخطط ومتابعة تنفيذها. - فى إعادة فحص وترتيب ما جرى يعد أعضاء الإخوان الجدد فى مجلس الشعب من تربية قسم الدعوة المسئول عنه المليونير خيرت الشاطر.
تجمعت خلال أسابيع الانتخابات الماضية مواقف عدة مسكونة بالدلالات والإشارات حتى إن كلا منها يستحق أن يكون محطة للوقوف والاعتبار، وكانت جماعة الإخوان المحظورة واحدة منها، وإن لم تكن أهمها، ولا أخطرها.. الأخطر هو نائب مرشد الجماعة المعروف باسم خيرت الشاطر الذى اخترق الجماعة من خلال المراكز الإسلامية فى لندن حتى وصل إلى التحكم فى الجماعة المحظورة بحى المنيل بالقاهرة. شاء حظ رجل الأعمال خيرت الشاطر بعد عودته من لندن 1986- 1987 أن يجد قبولا لدى الرجل القوى فى الإخوان «محمود عزت» سواء فى قواعد الإخوان أو فى مكتب الإرشاد ليرتبط به ارتباطا قويا ويجد الاثنان «الشاطر ومحمود عزت» تكاملا فيما بينهما من حيث السيطرة على تنظيم الإخوان والإطاحة بالمنافسين، منهم جيل الوسط فى الإخوان المسمى بجيل النقابات المهنية الذى ظهر على مستوى العمل الجماهيرى خلال الفترة الماضية،ولنفس الهدف ثم إضعاف موقف عبدالمنعم أبوالفتوح وتهميش عصام العريان وإبعاده عن عضوية مكتب الإرشاد وتجميد موقفه بأن يصبح عضوا فى مكتب شورى الجماعة فقط على عكس ما يعتقده المراقبون.
- نفس موقف التهميش تم تكراره مع الدكتور سيد عبدالستار المليجى أمين نقابة العلميين، وكذلك الدكتور محمد الظابط أستاذ الأمراض الجلدية، وهو أحد قيادات العمل الإسلامى فى الجامعات، وكذلك الدكتور أسامة رسلان عضو نقابة الأطباء وأيضا حلمى الجزار أمين عام الجماعات الإسلامية فى الجامعات إبان فترة السبعينيات. - نفس الأمر ينطبق على إبراهيم الزعفرانى أحد قادة العمل الطلابى بالإسكندرية، ونجح كل من الشاطر ومحمود عزت فى إبعاد أبوالعلا ماضى والدكتور محمد عبداللطيف وتجميد عضوية مختار نوح العضو السابق لمجلس نقابة المحامين.
وترجع مذبحة الإبعاد والتجميد والتهميش التى قام بها الشاطر ومحمود عزت إلى هدف وحيد هو إحكام قبضة يدهما على تنظيم الجماعة المحظورة داخليا. - فى هذا الإطار استعان كل من الشاطر ومحمود عزت بالدكتور محمد حبيب النائب الأول لجماعة الإخوان ليكون واجهة لتجميل وجهيهما أمام قيادة وكوادر الجماعة المحظورة، وفى نفس الوقت يلعب دور البديل المؤدب لعصام العريان أو عبدالمنعم أبوالفتوح لمخاطبة الرأى العام. - على خلفية هذه الأحداث تصاعد نفوذ محمود عزت عضو مكتب الإرشاد فى الجماعة المحظورة باعتبار أنه الوحيد الذى تتجمع عنده أسماء أعضاء تنظيم الإخوان بالكامل سواء القدامى أو الجدد بخلاف أنه هو الذى يتحكم فى تبليغ قرارات مكتب الإرشاد والمرشد لقواعد الإخوان فى مختلف المحافظات.. العجيب أنه لو أصدر مكتب إرشاد الجماعة قرارا لا يتم تنفيذ هذا القرار بالنسبة لأعضاء الجماعة إلا إذا تم إبلاغه عن طريق محمود عزت. وهو الأمر الذى استغله فى فرض سيطرته على معظم أفراد الجماعة لذلك يدين له الجميع بالطاعة لكونه قناة الاتصال بين قمة الجماعة وقاعدتها.
- الوجه الآخر لمحمود عزت بخلاف عضويته فى مكتب الإرشاد وشراكته لخيرت الشاطر فى إدارة الجماعة المحظورة.. أنه يعمل أستاذا بكلية الطب جامعة الزقازيق، ويمتلك معمل تحاليل كبيرا بمصر الجديدة، والأهم أنه تلميذ سيد قطب وتم القبض عليه فى قضية تنظيم سيد قطب عام 1965، وكان وقتها شابا صغيرا وصدر ضده حكم بالأشغال الشاقة، وتم الإفراج عنه فى بداية السبعينيات ليكمل تعليمه فى كلية الطب.
- بدأ صعوده فى الجماعة المحظورة لارتباطه بعلاقة نسب بينه وبين مهدى عاكف المرشد الحالى. وهذه العلاقة بين محمود عزت والمرشد الحالى كانت سلم الصعود لمحمود عزت فى مختلف أنحاء جسم جماعة الإخوان التنظيمى والسياسى.
- فى المقابل تصاعد نجم المليونير خيرت الشاطر عضو التنظيمات اليسارية فى فترة الستينيات الذى تخرج فى هندسة الإسكندرية عام 1974، وتم تعيينه معيدا فى هندسة المنصورة، وتم فصله من الكلية عام 1981 ليسافر إلى اليمن ثم السعودية ثم لندن بحجة الحصول على درجة الدكتوراه، وفى لندن تغيرت خطط خيرت الشاطر، وبدلا من الدكتوراه كان العمل فى التجارة والاستثمار والنشاط الكثيف فى المراكز الإسلامية بلندن، ومن خلال هذه المراكز توثقت صلته وعلاقته بتنظيم الجماعة المحظورة، حتى رجع إلى القاهرة سنة 1986 ليعمل فى تجارة الملابس والمنسوجات والأجهزة الكهربائية والهدايا ويحقق ثروة مالية كبيرة، هذه الثروة سخرها فى شراء نفوذه داخل الجماعة المحظورة، هناك من يتحدث عن الأموال التى يخصصها الشاطر لعدد من قيادات الجماعة القدامى تحت بند المساعدة بخلاف الهدايا والمرتبات الشهرية الأخرى، وهذه الأموال أيضا هى التى ساعدت على قيام الشاطر بزرع وإدخال عدد من أصدقائه الذين يدينون له بالسمع والطاعة لمكتب الإرشاد بالتعيين وليس بالانتخاب، وعلى سبيل المثال محمد مرسى المتحدث باسم نواب الإخوان فى مجلس الشعب السابق، وكذلك خيرى ركوة وصبرى عرفة.
- إضافة إلى ذلك وصل نفوذ كل من الشاطر ومحمود عزت داخل مكتب الإرشاد إلى درجة أنهما يستطيعان إصدار أى قرارات من مكتب الإرشاد الذى يعتبر أعلى سلطة بالجماعة المحظورة. - الغريب أن المرشد العام للجماعة لا يملك إصدار أى قرارات بعيدا عن خيرت الشاطر أو محمود عزت باعتباره واجهة لهما داخل مكتب الإرشاد، حتى إنه هو المرشد الوحيد الذى تولى هذا المنصب فى الجماعة وتم تعيين ثلاثة نواب له، الأول سورى الجنسية هو حسن هويدى ونائبان مصريان هما محمد حبيب وخيرت الشاطر.
- فى وقت سابق لم يسمح مأمون الهضيبى المرشد السابق بأن يكون بجواره أحد. وبشروط خيرت الشاطر مهندس صفقة بيعة المرشد مهدى عاكف، تم تفويت الفرصة على الشيخ محمد الخطيب مفتى الجماعة ومحمد حبيب لتولى منصب المرشد، لذلك كانت الصفقة التى أبرمها الشاطر صاحب القدرة التنظيمية الكبيرة بالبيعة لمهدى عاكف فى منصب المرشد، ويكون هو نائبا له، وهذه الخطوة من جانب المليونير خيرت الشاطر لابد لها من غطاء، لذلك كان تعيين محمد حبيب نائبا أول للمرشد على أساس أنه حصل على المركز الثانى فى أصوات اختيار المرشد بعد مهدى عاكف، كذلك لم يكن من الملائم تركه دون اختصاصات.
ترتيبا على ما سبق تم تجميد دور عبدالمنعم أبوالفتوح بعدم إشراكه فى أى أمور مصيرية أو مؤثرة للجماعة أو وضعه فى أية لجنة من لجان الإخوان بعد أن كان مسئولا عن قسم المهنيين والطلاب، وتم إبعاده عن هذين القسمين ليصبح مجرد عضو عادى فى مكتب الإرشاد.
- ثمة مفارقة أخرى فى السياق الذى نحن فيه وهى أنه تم وضع أول لائحة خاصة بالجماعة فى أواخر الثلاثينيات، هذه اللائحة هى المعمول بها حتى الآن ولم يتم تعديل أى بنود فيها سوى استحداث أشياء خاصة بالانتخابات تتعلق بتشكيل ما يسمى باللجان أو الأقسام، وتم إدخال قسم الطلبة وقسم الأخوات وقسم التربية وقسم الدعوة وقسم المهنيين، وهذه الأقسام رئيسية فى اللجان النوعية، خصوصا النشاط الطلابى والنشاط المهنى فى النقابات المهنية، وهذه اللجان النوعية لها أوجه متعددة، على سبيل المثال لجنة الدعوة تختص بمهمة الانتشار فى المساجد لتقوم بالخطابة والدعوة لـ «جماعة الإخوان» ، أما لجنة الأخوات فهى للنشاط الداخلى باعتبار أن عضويتها تقتصر على زوجات أعضاء الجماعة المحظورة، وهذه اللجنة لعبت دورا كبيرا فى الانتخابات الأخيرة لمجلس الشعب من حيث مخاطبة النساء وحشدهن أمام صناديق الانتخابات لانتخاب مرشحى الجماعة.
- برز فى هذا الإطار أن حسن البنا المرشد الأسبق استقى أو نقل النظام الداخلى للجماعة المحظورة من نظام الكشافة الذى كان منتشرا فى مصر فى هذه الفترة بين طلبة المدارس والجامعات، وأطلق عليه اللائحة الداخلية التى تبدأ نظامها من أعلى السلطة، بما يطلق عليه المرشد العام ثم وضع مكان مجلس الإدارة الموجود فى الكشافة ما أطلق عليه بمكتب الإرشاد واستحدث فى هذا الإطار ما يسمى بمجلس الشورى العام، ووضع على رأس كل منطقة أو محافظة مسئول المناطق الذى يدير شئون المنطقة أو المحافظة، ويشاركه مكتب إدارى للمعاونة فى إدارة المحافظة.
- إضافة إلى ذلك كل محافظة تنقسم إلى عدة شعب ولكل شعبة مسئول يديرها ومعه مكتب إدارى، وتنقسم الشعبة إلى عدة أسر وهى أصغر خلية فى تنظيم الإخوان، والشعب تتكون من 10 إلى 15 أسرة، وكل أسرة تتكون من عدد من الأفراد يصل عددهم ما بين 6 و 8 أفراد، وهؤلاء الأفراد يمثلون القاعدة الإخوانية، ويرأس كل أسرة نقيب. - فى هذه الأجواء تتدرج العضوية بجماعة الإخوان من مؤيد قوى إلى أخ عامل ثم أخ مجاهد.
- يلاحظ أن كل فرد من الجماعة يمضى فترة تحت المراقبة من جانب مسئول الأسرة ومسئول المحافظة حتى يتم امتثاله لمبدأ الجماعة الأصولى وهو الامتثال للسمع والطاعة حتى تتم ترقيته إلى مرتبة أعلى. - التطور المثير للاهتمام أن لكل محافظة من المحافظات مجلس شورى يتم انتخابه من أعضاء المحافظة ومن مجالس الشورى لكل المحافظات يتم انتخاب مجلس الشورى العام المكون من 86 فردا.. أشهر أعضائه عصام العريان وحلمى الجزار وإبراهيم الزعفرانى والدكتور أسامة رسلان. - تأتى أعلى سلطة فى الإخوان بما يسمى مكتب الإرشاد، ويبلغ عدد أعضائه منذ عام 1984، 13 عضوا.
- الغريب أنه لم يتم تطبيق اللائحة الإخوانية تطبيقا صحيحا بعد أن قفز عدد أعضاء مكتب الإرشاد إلى 17 عضوا بدون إجراء أى انتخابات منذ عهد المرشد السابق مأمون الهضيبى، وذلك باعتماد مبدأ التعيين. - على خلفية هذه التغييرات تم تعيين الدكتور محمد مرسى والشيخ خيرى ركوة وهو شيخ أزهرى وكذلك الشيخ صبرى عرفة والدكتور محمد بديع الأستاذ بكلية الطب البيطرى فى مكتب الإرشاد. المفاجأة المدوية أن الجماعة تشترط على كل أخ عضو بها أن يدفع من ماله الخاص 8% من دخله إجباريا تبرعا للجماعة.
المثير أن اللائحة الداخلية للجماعة المحظورة تم تجميد العمل بها منذ عام 96 بسبب القبض على أعضاء مكتب الإرشاد أثناء اجتماعه فى مقر الجماعة بالتوفيقية عام 1995 وتمت إحالة أعضاء مكتب الإرشاد إلى المحكمة العسكرية فيما يعرف بالقضية العسكرية الأولى والثانية وترتب على ذلك أن أصدرت الإخوان المقولة الشهيرة (يجب أن نحذر) وعلى هذا الأساس أصبحت كل المواقع الإخوانية بالتعيين مما أطلق يد أصحاب النفوذ والنسب فى الجماعة ليقوموا بتعيين أنصارهم، وهو ما أحكم قبضة كل من خيرت الشاطر ومحمود عزت على الجماعة المحظورة.
- هذه الوقائع والمشاهد تعيدنا إلى الثلاثينيات وقت أن أسس الجماعة حسن البنا حينما تتابعت عملية نقل شكل الجماعة بالكامل من إحدى الطرق الصوفية التى تسمى الطريقة (الحصافية) التى كان عضوا فيها، وهذه الطريقة كانت ترفع شعار هو: الثقة فى القيادة باعتبار أن شيخ الطريقة هو الرئيس الأعلى ويجب على الجميع الثقة المطلقة فى شيخ الطريقة. - بسبب تلك الخلفية جاء عمر التلمسانى المرشد الأسبق للجماعة المحظورة ليستخدم المقولة التى اشتهر بها وهى (أنا بين يد حسن البنا كالميت بين يدى مغسلى).
لم يقف الأمر عند هذا الحد إنما أدخل مبدأ الطاعة المطلقة أيضا وشكل حسن البنا جماعته على نفس الطريقة «الحصافية الصوفية» وعندما انتقل إلى القاهرة من الإسماعيلية اطلع بالمصادفة على نظام الكشافة وأعجب بطريقة ونظام الكشافة حتى إنه انضم إليها رسميا وطلب من أعضاء الإخوان الانضمام للكشافة حتى إن اسم المرشد الذى يمثل أعلى سلطة فى الجماعة تم الاستيلاء عليه من النظام الداخلى للكشافة.
- العجيب الذى لا يعلمه الإخوان أن مؤسس الكشافة وصاحب اختراعها رجل بريطانى يدعى «بادن باول» أى أن نظام الجماعة المحظورة تم استيراده ونقله من مخترع غربى إنجليزى الجنسية. - ما يثير الاستغراب أنه لايوجد داخل الجماعة معترض بإعتبار أنهم أصحاب مقولة «من اعترض انطرد» وكذلك «طالب الولاية لا يولى».
اللافت للنظر أن معظم أعضاء مجلس الشعب الجدد الذين يبلغ عددهم حتى الآن 86 عضوا معظمهم من خطباء المساجد أو أعضاء مجالس إدارات المساجد أو أعضاء فى لجان الزكاة ولايوجد عندهم أدنى انطباع عن العمل السياسى أو العمل النيابى ولكنهم جميعا تربوا على مبدأ السمع والطاعة للمرشد العام أو مكتب الإرشاد. - ويعتبر أعضاء مجلس الشعب من جماعة الإخوان شهادة إضافية على مدى هيمنة رجل الأعمال خيرت الشاطر على الجماعة المحظورة باعتباره مسئول قسم التربية فى الإخوان الذى يقوم بوضع المناهج التربوية داخل الإخوان وتربية الأفراد ووضع الخطط ومتابعة تنفيذها. - فى إعادة فحص وترتيب ما جرى يعد أعضاء الإخوان الجدد فى مجلس الشعب من تربية قسم الدعوة المسئول عنه المليونير خيرت الشاطر.