زوربا
12-13-2005, 10:42 AM
بغداد ـ د . جمال حسين
ليس أكثر منهم، الغالبية العظمى من الشعب، المهدودو الحيل، المحرومون من أبسط متاع الدنيا والذين يبدلون أسمالهم بعد أن تسقط وحدها، شاحبون، ناحلون، غائصون فيها وبأدرانها وإن تكوّر أحد في أحضانها، سيأتي من يقلبها على رؤوسهم ليعيدهم إلى الطرقات من جديد. انهم رجال ونساء وأطفال غير مصقولين دستوريا، ولم تسجلهم قوائم البطاقة التموينية وأهدرت برامج القوائم الكثير من حبرها لتزيين بياناتها باسمهم، ولو جمعوا اللافتات التي خطوها والصور التي رفعوها والبوسترات التي ألصقوها في ذلك المهرجان الذي خرب ذوق المدينة لصور من لمع بدلته وصبغ ذقنه وعدل عمامته، لتغلبوا على جوع الآلاف وتشريد الأكثر منهم، لو عوضوهم بنصف أمتار القماش الذي أهدروه لرياح الكذب وأطعموهم بعشر ما يدفعونه للصالونات والفنادق الأجنبية، لما حل علينا تسميتهم : المسحوقين!
لا شفاعة ولا شفيع
لا شفاعة للمسحوقين ولا شفيع من بين الـ 7700 سياسي في قوائم يوم الخامس عشر من ديسمبر !
لن يشفع أحد لفقرهم ولا لذبول أطفالهم ولا لانتكاسة كرامتهم ولن يطرق عليهم الباب جلبي أو جعفري، دليمي أو مطلكي، ياوري وباجه جي، علاوي أو حسوني، حكيم أو ضاري، ليمنح أنوفهم رحيق البراميل أو فرصة لشم ولو رائحة النقود.
ولو هجم المسحوقون على اللافتات وانتزعوها، لكفتهم رداء ولباسا، مئزرا ووشاحا، يافطة للم الغضب.
لا خلاص ولا مخلــّص ولا أحد يستحق أن نقدم له دعاية انتخابية بلا أجر، حين يهتف راعي الأمن القومي العراقي لمذيع فضائي : سأرسل لك الفاتورة، هكذا صراحة في البث المباشر .. يا للخزي!
والمسحوقون جوابون يمشون أكثر من النوق ويكدون أقسى من الحمير ولا يرفعون رؤوسهم أكثر من قاماتهم ليقرأوا الشعارات وهم في كل الأحوال أجمل من أصحاب الصور وأكثر إشراقا، وتبقى المعادلة التاريخية التي لا تنفصل مع السؤال : لماذا تبقى دوما أكتاف المسحوقين سلالم يتسلق عليها السياسيون إلى الكراسي؟! رشاوى الانتخابات
يتعاملون مع الشعب كمتسلطين أغنياء مع شحاذين .. يا للوقاحة !
في هذا الأسبوع الذي يمنعون من التجول، ظهرت البطانيات وأكياس الرز والسمن والشاي والسكر والبنزين والشوكلاتة وربما سيوزعون الفستق الإيراني على الجياع!
يصورون أنفسهم أمام شاحنات الصدقات، الصدقات لأعز ّ الشعوب وأغناها، المبتلية منذ قرون بدجل الحكام.
قلنا بأن الوضع المعيشي تحسن للعاملين في الدولة بزيادة الرواتب، لكن المسحوقين في البلاد لا يعملون في دوائر الدولة، لأنهم لا يملكون الوساطات ولكونهم لا ينتمون للأحزاب التي تشغل الناس وليس لديهم ألف دولار رشوة لمديري المكاتب في الوزارات حتى يصدروا أوامر تعيينهم!
المسحوقون يعملون طوال اليوم بأيديهم ولا ينتظرون منـّة أحد ولا عطايا انتخابية ولا قنينة غاز هدية القائمة المحظوظة بالنفط ولم يسمعوا حتى بوعود من عقد الصفقات السرية للنفط العراقي في واشنطن قبل أسابيع، ووعد في الجانب الآخر الشعب العراقي بالحصول على حصته كاملة من النفط.
حسنا فعلوا أنهم لم يسمعوا هذه الوعود، لأنهم مسحوقون جدا وبالكاد يجدون سقفا يحتمون به، وحتى هذا السقف يصنعونه بأيديهم من السعف أو الصفيح أو بقايا المنشآت العسكرية المنهوبة.
والعاملون في الدولة ليسوا بسعداء كما يشاع، فهؤلاء يشترون بمرتباتهم كل شيء : الماء والكهرباء والمدرسين والمواصلات، وكما يقال فالحكومة تعطيهم بيد لتأخذها من اليد الأخرى، لذلك فهم مسحوقون درجة ثانية أيضا، فهم يشترون ما على الحكومة تلبيته لهم، واجبها، وحق القسم الذي تلوه تحت العلم.
لمن يصوت اليتامى ؟
منذ الأشهر الأولى لعنفوان الديموقراطية، ظهرت الكثير من مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة في البلاد وعملت مسحا نزيها، أظهر وجود مئات الآلاف من العائلات في بغداد وحدها تعيش في بيوت الطين والصفيح وتحت الجسور وفي أطلال أنقاض الحرب وبنايات المؤسسات المنحلة وفي المزابل، الكثير جدا من الأرامل واليتامى والشيوخ والطاعنين في الفقر، ملأت سجلاتهم مجلس الوزراء ووزارة التخطيط.
غير أن أحدا من المسؤولين لم يفتح هذه الجلسات لا خلال وجوده في مكتبه ولا في غضون سفراته الأسبوعية للخارج، ضاعت السجلات وتذكروها في هذا الأسبوع فقط حين تبين أنهم يعرفون كيف وأين يعيش المسحوقون وحين يسرقون حصص الشعب التموينية ليوزعوها أمام الكاميرات: بركات الانتخابات!
بركات الدولة العراقية المؤسسة منذ قرن حين يئن الناس فيها من البرد شتاء ويلهبهم القيظ صيفا، بكل صلافة يظهر المدعون ليتحدثوا عن الأزدهار والخير الذي ينتظر العراقيين فيما لو صوتوا لقائمتهم.
ليس أكثر منهم، الغالبية العظمى من الشعب، المهدودو الحيل، المحرومون من أبسط متاع الدنيا والذين يبدلون أسمالهم بعد أن تسقط وحدها، شاحبون، ناحلون، غائصون فيها وبأدرانها وإن تكوّر أحد في أحضانها، سيأتي من يقلبها على رؤوسهم ليعيدهم إلى الطرقات من جديد. انهم رجال ونساء وأطفال غير مصقولين دستوريا، ولم تسجلهم قوائم البطاقة التموينية وأهدرت برامج القوائم الكثير من حبرها لتزيين بياناتها باسمهم، ولو جمعوا اللافتات التي خطوها والصور التي رفعوها والبوسترات التي ألصقوها في ذلك المهرجان الذي خرب ذوق المدينة لصور من لمع بدلته وصبغ ذقنه وعدل عمامته، لتغلبوا على جوع الآلاف وتشريد الأكثر منهم، لو عوضوهم بنصف أمتار القماش الذي أهدروه لرياح الكذب وأطعموهم بعشر ما يدفعونه للصالونات والفنادق الأجنبية، لما حل علينا تسميتهم : المسحوقين!
لا شفاعة ولا شفيع
لا شفاعة للمسحوقين ولا شفيع من بين الـ 7700 سياسي في قوائم يوم الخامس عشر من ديسمبر !
لن يشفع أحد لفقرهم ولا لذبول أطفالهم ولا لانتكاسة كرامتهم ولن يطرق عليهم الباب جلبي أو جعفري، دليمي أو مطلكي، ياوري وباجه جي، علاوي أو حسوني، حكيم أو ضاري، ليمنح أنوفهم رحيق البراميل أو فرصة لشم ولو رائحة النقود.
ولو هجم المسحوقون على اللافتات وانتزعوها، لكفتهم رداء ولباسا، مئزرا ووشاحا، يافطة للم الغضب.
لا خلاص ولا مخلــّص ولا أحد يستحق أن نقدم له دعاية انتخابية بلا أجر، حين يهتف راعي الأمن القومي العراقي لمذيع فضائي : سأرسل لك الفاتورة، هكذا صراحة في البث المباشر .. يا للخزي!
والمسحوقون جوابون يمشون أكثر من النوق ويكدون أقسى من الحمير ولا يرفعون رؤوسهم أكثر من قاماتهم ليقرأوا الشعارات وهم في كل الأحوال أجمل من أصحاب الصور وأكثر إشراقا، وتبقى المعادلة التاريخية التي لا تنفصل مع السؤال : لماذا تبقى دوما أكتاف المسحوقين سلالم يتسلق عليها السياسيون إلى الكراسي؟! رشاوى الانتخابات
يتعاملون مع الشعب كمتسلطين أغنياء مع شحاذين .. يا للوقاحة !
في هذا الأسبوع الذي يمنعون من التجول، ظهرت البطانيات وأكياس الرز والسمن والشاي والسكر والبنزين والشوكلاتة وربما سيوزعون الفستق الإيراني على الجياع!
يصورون أنفسهم أمام شاحنات الصدقات، الصدقات لأعز ّ الشعوب وأغناها، المبتلية منذ قرون بدجل الحكام.
قلنا بأن الوضع المعيشي تحسن للعاملين في الدولة بزيادة الرواتب، لكن المسحوقين في البلاد لا يعملون في دوائر الدولة، لأنهم لا يملكون الوساطات ولكونهم لا ينتمون للأحزاب التي تشغل الناس وليس لديهم ألف دولار رشوة لمديري المكاتب في الوزارات حتى يصدروا أوامر تعيينهم!
المسحوقون يعملون طوال اليوم بأيديهم ولا ينتظرون منـّة أحد ولا عطايا انتخابية ولا قنينة غاز هدية القائمة المحظوظة بالنفط ولم يسمعوا حتى بوعود من عقد الصفقات السرية للنفط العراقي في واشنطن قبل أسابيع، ووعد في الجانب الآخر الشعب العراقي بالحصول على حصته كاملة من النفط.
حسنا فعلوا أنهم لم يسمعوا هذه الوعود، لأنهم مسحوقون جدا وبالكاد يجدون سقفا يحتمون به، وحتى هذا السقف يصنعونه بأيديهم من السعف أو الصفيح أو بقايا المنشآت العسكرية المنهوبة.
والعاملون في الدولة ليسوا بسعداء كما يشاع، فهؤلاء يشترون بمرتباتهم كل شيء : الماء والكهرباء والمدرسين والمواصلات، وكما يقال فالحكومة تعطيهم بيد لتأخذها من اليد الأخرى، لذلك فهم مسحوقون درجة ثانية أيضا، فهم يشترون ما على الحكومة تلبيته لهم، واجبها، وحق القسم الذي تلوه تحت العلم.
لمن يصوت اليتامى ؟
منذ الأشهر الأولى لعنفوان الديموقراطية، ظهرت الكثير من مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة في البلاد وعملت مسحا نزيها، أظهر وجود مئات الآلاف من العائلات في بغداد وحدها تعيش في بيوت الطين والصفيح وتحت الجسور وفي أطلال أنقاض الحرب وبنايات المؤسسات المنحلة وفي المزابل، الكثير جدا من الأرامل واليتامى والشيوخ والطاعنين في الفقر، ملأت سجلاتهم مجلس الوزراء ووزارة التخطيط.
غير أن أحدا من المسؤولين لم يفتح هذه الجلسات لا خلال وجوده في مكتبه ولا في غضون سفراته الأسبوعية للخارج، ضاعت السجلات وتذكروها في هذا الأسبوع فقط حين تبين أنهم يعرفون كيف وأين يعيش المسحوقون وحين يسرقون حصص الشعب التموينية ليوزعوها أمام الكاميرات: بركات الانتخابات!
بركات الدولة العراقية المؤسسة منذ قرن حين يئن الناس فيها من البرد شتاء ويلهبهم القيظ صيفا، بكل صلافة يظهر المدعون ليتحدثوا عن الأزدهار والخير الذي ينتظر العراقيين فيما لو صوتوا لقائمتهم.