المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الولايات المتحدة تفتح أبوابها لخمسين ألف مهاجر شرعي سنوياً



على
12-10-2005, 10:57 AM
الفائزون بيانصيب الهجرة الأميركي: خريجو جامعات ومصرفيون يعملون سائقي سيارات وبائعين في الشوارع

نيويورك: مينا العريبي

لا يوجد في نيويورك تقاطع بين شوارعها الرئيسية إلا وتوجد على رأسه عربة لبيع سندويشات «الهوت دوغ» والمعجنات المالحة «بريتزل». واصبحت الفلافل و«الهوت دوغ» المصنوع من اللحم الحلال من الموائد الاضافية التي تقدمها الكثير من هذه العربات التي باتت من علامات نيويورك الأكثر شهرة. وعربة «الهوت دوغ» على التقاطع بين شارع «سفينث افنيو» وشارع «52»، على بعد 500 متر من ساحة «تايمز سكوير» في قلب نيويورك، تحظى برواج الزبائن القدامى من سكان مانهاتن ومن السواح المكتظين حولها. ويقف صاحب العربة من السابعة صباحاً حتى السابعة مساءً يومياً ليقدم الوجبات الخفيفة والسريعة للزبائن. الا ان صاحب العربة مصطفى لم يمتهن عمل العربة منذ فترة طويلة، فهو قبل ان يصل الى الولايات المتحدة منذ 3 أعوام لم يكن يتصور انه سيحترف بيع اشهر الوجبات الاميركية في احدى اكثر مدنها ازدحاماً. ورداً على سؤال «الشرق الاوسط» عن حكايته، قال مصطفى ببساطة:

«فزت باليانصيب». ولكنه لم يحصل على دولار واحد من أهم سحبة يانصيب في الولايات المتحدة، فهو فاز بـ Diversity Visa Lottery وهي «يانصيب تأشيرة دخول التنوع». وتنظم وزارة الخارجية الاميركية، بالتعاون مع وزارة الهجرة والجنسية، العملية التي تمنح فرصة لحوالي 50 ألف مهاجر من كافة بقاع الارض للذهاب الى الولايات المتحدة والاقامة فيها مدى الحياة لتصبح وطنهم الجديد.

ويشارك الملايين من كافة انحاء العالم في القرعة السنوية، كل واحد حامل احلامه الخاصة بالهجرة الى بلد تمثال الحرية والرأسمالية، ولكل واحد من الـ50 ألفا الذين يفوزون ببطاقة اليانصيب تحربة مختلفة لتحقيق هذه الاحلام، أو فشلها.
وبالنسبة الى مصطفى فإن الفوز باليانصيب كان مفتاحاً لحياة جديدة بعدما ترك وطنه المغرب. وقال مصطفى: «جئت هنا لأعمل، فهذا البلد يقدم الفرص للشباب مثلي ان يبنوا مستقبلهم اذا كانوا مستعدين للعمل الجدي وبذل الجهود».

وعمل مصطفى لسنتين قبل ان يحصل على الأموال الكافية لشراء العربة، وامتحن للحصول على رخصة من وزارة الاشغال والصحة ليبدأ عمله الجديد. ومصطفى خريج جامعي لم يفلح في الحصول على وظيفة في المغرب وشعر بـ«العزلة عن العالم» بحسب قوله، فقدم على قرعة تأشيرة الدخول الى الولايات المتحدة. واتى بمفرده، تاركاً اخوانه واخواته الست مع والدته. وتنص قوانين المشاركة في القرعة ان يكون المشترك حاصلاً على شهادة مرحلة التعليم الثانوي، أو عمل في مهنة حرفية لفترة سنتين، تحتاج الى خبرة على الأقل لسنتين لكسب مهارة معينة. الا انه عادة ما تكون لدى المشترك تأهيلات اكثر من المطلوبة، ولكن يضطر الى العمل في مجالات مهنية اقل حرفية ولا تعتمد على الشهادات التي حصل عليها في وطنه الأم.

فسائق التاكسي علاء أكان، من باكستان، الذي يقود سيارة الاجرة الصفراء، هو حامل شهادة ماجستير بالرياضيات من بلاده. وأتى الى الولايات المتحدة حالماً بأن يستخدم علمه في مجال التدريس، الا انه بعد تسع سنوات مازال في بداية السلم الوظيفي الصعب في نيويورك ذات الطابع المتنافس الى اقصى الدرجات. وافصح علاء الى «الشرق الأوسط» عن خيبة امله، قائلاً: «لم يكن طموحي بسيطا لهذه الدرجة، وكنت اتوقع ان ألاقي صعوبات في بداية مشواري هنا، الا انني ما زلت اعاني بعد تسع سنوات من حصولي على الغرين كارد» (تأشيرة الاقامة الدائمة في الولايات المتحدة والتي تسمح للمهاجر ان يعمل ويقيم بها مدى الحياة، وعادة ما تؤدي الى منح الجنسية لحاملها).

ويفتح القسم المختص في وزارة الخارجية الاميركية الباب امام من يريد التقدم والمشاركة بسحبة اليانصيب لمدة ثلاثة أشهر كل عام، فبدأ التقديم لعام 2007 منذ 4 اكتوبر (تشرين الأول) الماضي حتى 4 ديسمبر (كانون الاول الماضي) المقبل. والقرعة مفتوحة لـ85 في المائة من سكان الكرة الأرضية، اذ تستثني المواطنين من دول وفد منها أكثر من 50 الف مهاجر الى الولايات المتحدة خلال الأعوام الخمسة الماضية. وتتجدد قائمة الدول المستثناة، لتشمل هذا العام 16 دولة، بينها المملكة المتحدة وكندا والهند والصين وروسيا وباكستان والمكسيك وكولومبيا. ويمكن للمشترك ان يقدم طلبه من خارج الولايات المتحدة او داخلها، ولكن جميع الطلبات تقدم عن طريق الانترنت من خلال استمارات طلب مطولة ومعقدة، ما جعل بعض رجال الاعمال يتشجعون ويفتحون مكاتب خاصة تطلب أجوراً لملء الاستمارات نيابة عن المتقدم. يذكر هنا ان الحكومة الاميركية لا تطلب اجوراً للتقديم، ولكن تطلب اجورا في حال فوز المشترك من اجل اصدار التأشيرة اللازمة لدخول الولايات المتحدة. وقال زكي، صاحب محل «اول ستار تورز» في شارع ستاينواي في كوينز الذي يتردد عليه العرب ان مكتبه مخول من قبل وزارة الهجرة لتسلم الطلبات «الا ان الكثير من المكاتب غير الرسمية تستغل عدم استطاعة البعض فهم الاستمارات وارسالها عبر شبكة الانترنت فيتاجرون بهذا المجال».

وأضاف زكي، المصري الاصل، انه خلال فترة فتح ابواب المشاركة في القرعة يستلم مئات الاستفسارات التي لم ينخفض عددها بعد احداث 11 سبتمبر (ايلول) 2001. وشرح ان «التدفق للهجرة الى الولايات المتحدة مستمر ويتزايد، فمن الذي لا يريد ان يأتي الى هنا؟ ودولنا ما زالت شبه الجحيم ولا توفر لنا فرص العمل ولا المعيشة الكريمة؟». وتسلمت الولايات المتحدة 8.7 مليون طلب للعام الماضي للهجرة، الا انها اختارت فقط الـ 50 ألفا المعلن عنها. والظروف التي تؤدي الى المشاركة في القرعة وقرار الهجرة تختلف من شخص الى آخر. وكان أحمد مدير فرع أحد أكبر البنوك في بنغلاديش وميسور الحال، الا ان المضايقات في العمل دفعته للتفكير بالبحث عن عمل جديد، ليرى الاعلان عن فرص العمل في الولايات المتحدة في صحيفة محلية، فتقدم بطلب للحصول على الاقامة الدائمة، لتصبح الولايات المتحدة وطنه الجديد للسنوات الـ 8 الماضية حيث حصل على الجنسية الاميركية قبل سنتين.

الا انه لم يحصل على وظيفة مصرفية مثلما كان يأمل، فاضطر للعمل عاملاً في متجر يملكه اخوه في شارع «اتلانتيك افنيو» في بروكلين ذات الكثافة السكانية للمسلمين المهاجرين. وتحسر أحمد وهو يقف بمتجر «مبيعات مكة» على المستقبل الوظيفي الذي تركه خلفه في وطنه الأم، قائلاً: «أتيت بأحلام لم تتحقق وتعودت على الواقع الجديد فالمعيشة هنا غالية وصعبة». وأضاف: «اميركا حلم، ولكن ليس للجميع وليس لي بعد الآن». ولكن نبرة صوته اختلفت عندما تذكر اولاده الثلاثة الذين ترعرعوا في الولايات المتحدة، اذ قال متفائلاً: «هم المستقبل، فابنتي الكبرى التحقت بالجامعة هذا العام وأملي ان ينجحوا هنا كأميركيين ويمارسوا العمل هنا، مع الحفاظ على هويتهم المسلمة». وتابع أحمد انه لا ينوي العودة الى بلده الأصلي، «والدتي توفيت والفساد يعم البلاد، ولم احقق ما اردته هنا لأعود الى الماضي».

ولكن ليس كل المهاجرين يريدون البقاء في الولايات المتحدة، أو على الاقل البعض ينوي العودة، في آخر المطاف، الى وطنهم. ويحلم علاء خلال الساعات الطويلة وهو يقود سيارة الاجرة على مدار السنة بالعودة الى باكستان. الا انه في الوقت نفسه يخطط لجلب والدته واخته الى الولايات المتحدة، بعدما نحج بادخال اخيه الذي يعمل سائقاً ايضاً. وقال علاء:«لدي ابن واحد واحلم بادخاله جامعة اميركية، وبعدها سأكمل عملي هنا وأعود الى وطني».

وبدت المرارة في صوت علاء الذي اضطر للعمل سائقاً لسيارة الاجرة بعدما فقد عمله في خدمة البريد الاميركي عقب احداث 11 سبتمبر، فسرد قصة عمله في المقر الرئيسي للبريد في نيويورك لبضع سنوات. ولكن بعد الهجمات «طردت من عملي لأنني مسلم» بحسب علاء. وقال انه رفع قضية ضد الحكومة الاميركية لفصله على اسس عنصرية ضده كمسلم «لكنني خسرت القضية وخسرت عملي وعانيت كثيراً». وتابع: «الحكومة الاميركية تكذب علينا، ولا أشعر بالارتياح هنا، ولكنني انتظر الحصول على الجنسية لتتيسر أموري وأمور عائلتي». ولكن ما زال لديه حلم بسيط وهو ان يعلم الرياضيات في المدارس الاسلامية المنتشرة في نيويورك، اذ قال:«هناك سيكون العمل افضل لي لأنني مسلم مثلهم».

ومن جهة أخرى، فان تجربة المجيء الى نيويورك تفتح أبواباً عديدة للكثير من المهاجرين، وخاصة العزاب منهم. وقال مصطفى، وهو يحضر سندويتش «الهوت دوغ» لزبونة تتردد عليه يومياً :«اشعر أنني ابني مستقبلي هنا، والدنيا حظوظ وفرص، وعلي انتهاز الفرصة التي اتيحت لي لأحقق طموحي بجمع المال والعيش في مجتمع منفتح يتقبل الفوارق ويحترمها». وتتباين النظريات حول قرعة الاقامة في الولايات المتحدة.

فيرى المشجعون لعملية القرعة بأنها ايجابية وتجعل الولايات المتحدة اكثر تسامحاً وقوة بعناصر من كل انحاء العالم، الا ان معارضيها من داخل الولايات المتحدة يرون أنها تأخذ فرص العمل من ابناء البلد وتقدمها للغرباء. ويراها المعارضون من خارج البلاد بأنها وسيلة لجذب العقول النشطة من باقي دول العالم الى الولايات المتحدة لتستفيد منهم. ولكن كل شخص يشارك في القرعة يأتي متطوعاً وعليه العمل فوراً لأن الحكومة لا توفر له مساعدات اجتماعية أو مادية، فتمنحه فقط مفتاح الدخول الى القارة الواسعة ليصنع مستقبله بنفسه بغض النظر عن الظروف التي تواجهه.