كويتى
12-10-2005, 12:37 AM
المدى العراقية
على هامش محاكمة صدام
صدق أو لا تصدق!!
خمس كلمات أودت بإنسان في مقتبل العمر والكتابة
مقدمة
جملتان وردتا في محاولة قصصية متواضعة تظهر فيها أخطاء البدايات مثلما فيها جموح الشباب ورغبته في التحرر. محاولة كتبها صلاح عبودي وهو في الثالثة والعشرين من عمره أدت به الى حبل المشنقة. هنا قصة كاتب القصة كاملة..
ليست هذه الحكاية من الخيال، أو مستلة من روايات امريكا اللاتينية، إنها واقعة حقيقية من زمن الصنم صدام، ولو كتبها ماركيز، أو استورياس، أو كويتزي لتصورنا أنها من نسج خيالهم الخلاق، فلا يمكن لعاقل يمتلك جزءاً يسيراً من الضمير والإنسانية أن يتخيل أن خمس كلمات كافية لقتل إنسان في مقتبل العمر. لكن زمن طاغية العراق يعج بقصص وغرائب وفظاعات تفوق الخيال.
ولكن هل يصدق الكتاب أينما كانوا أن خمس كلمات يمكن أن تقود إلى الشنق؟!
ربما لا يصدق البعض أن أصابع عواد البندر الذي يظهر جالساً هذه الأيام إلى جنب طاغيته ملطخة بدماء آلاف الأبرياء من العراقيين.
ربما يشكك بعض العرب بشهادة أحمد الحيدري شاهد قضية الدجيل على الرغم من كونه شاهد عيان عاش مأساة الدجيل بالوقائع والأدلة وأسكت الملايين وهو يسرد وقائع من عالم مظلم، وعبر عما كان يجول في ضمائر ملايين العراقيين، واسمع القاصي والداني أن صدام والبندر وبرزان قتلة ليس لهم نظير.
لقد قال هذا الناجي للعالم إن صدام وبرزان وعواد البندر أبادوا عشرات الملايين ومئات الأنفس من أهالي الدجيل بسبب بضع إطلاقات سمعها حرس صدام الخاص عن بعد.
ربما يعاند البعض ويكابر، ولكن هل يمكن ان نتخيل أن المجرم عواد البندر يشنق شاباً بسبب خمس كلمات تحتمل التأويل وردت في خاطرة عرضها كاتبها على شكل قصة.
لقد حاول كاتب القصة أن يقنع المحقق أنه لم يقصد بالحزبيين المصلحيين أعضاء حزب البعث وإنما قصد أعضاء الحزب الشيوعي في محاولة منه لإنقاذ حياته، إلا أن المحقق وعواد البندر لم يكونا ليسمحا ولو بكلمة واحدة يشم منها رائحة المس بالحزب وصنمه، فأمر بشنق الكاتب حتى الموت، بذريعة أنه عميل.
إننا هنا لن نسرد ما جرى لهذا الشاب وإنما سنعرض محضر التحقيق، وبقية الوثائق ليطلع عليها كتاب القصة إينما كانوا، ليكونوا على إطلاع على وحشية الجالس إلى جنب صدام في المحاكمة، وليخصبوا أخيلتهم ويتصوروا إلى أي مدى بلغت بربرية وإجرام عصابة تسلطت على رقاب العراقيين عقوداً من الزمن وليعرفوا كيف كان النظام همجياً ووحشياً وقاتلاً بامتياز، فلم يكن يسمح ذلك النظام الدموي بخمس كلمات في ورقة مطوية في جيب شاب حالم بالحرية لم يسمح بخمس كلمات في قصة متواضعة وصل فيها كاتبها إلى موضع الدفاع عن فلسطين، والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، قصة نادت بسقوط الإمبريالية والصهيونية-
عواد البندر يحكم بالإعدام شنقاً حتى الموت على شاب كتب قصة قصيرة
لم يكن صلاح عبودي صالح كاتباً معروفاً، ولم يصدر كتاباً ضد نظام الطاغية، وإنما كان طالباً جامعياً في مراحله الأولى يهوى كتابة القصة القصيرة، فكتب محاولة قصصية لم تكتمل ووضعها في جيبه، حتى إنه لم يضع لها عنواناً. وعبر في ما كتبه عن إحباطاته من واقعه الذي عاشه، كتب عن رفضه أن يكون قطعة شطرنج تحركه الأيدي كما تشاء.
(المدى الثقافي) تنشر بالتزامن مع محاكمة الطاغية ورئيس محكمته عواد البندر (ملف) إعدام شاب عراقي بتهمة كتابة قصة قصيرة في صفحة ونصف كتبها طالب جامعي في كلية الهندسة يدعى (صلاح عبودي صالح شمسه).
وردت في محاولته القصصية خمس كلمات لم ترق للأجهزة الأمنية.. هذه الكلمات الخمس هي ما بني عليه التحقيق ودفعت برئيس محكمة الثورة المجرم (البندر) إلى إصدار حكم الإعدام شنقاً حتى الموت بحق كاتبها دون تردد.
ننشر في هذه الصفحة المخصصة لهذا الشاب الشهيد النص الكامل للقصة، ووقائع محضر التحقيق التي دارت حول ما ورد في القصة من آراء وكلمات. المحضر الذي فتح في 10/2/1980 بمديرية أمن بغداد.
وننشر كذلك قرار الإعدام الموقع من قبل عواد البندر والمصادق عليه من قبل صدام، ونرفق معه بقية أجزاء (ملف الإعدام) وفيها شهادة وفاته، ومحضر الإعدام وهي وثائق صريحة ودامغة لا تحتمل المهاترة والوقاحة التي يقوم بها أركان النظام المباد في المحاكمة المهزلة التي جرت قبل أيام.
القصة
بسم الله الرحمن الرحيم
أريد أن أحيا، لا أستطيع أن أبقى مدفوناً هنا في هذه الرقعة الشطرنجية حيث جميع القوى السياسية تلعب لعبتها، أريد أن أتحرر منهم، هؤلاء الذين يلاحقونني أينما أذهب يملؤون أذني بكلمات ماتت عندنا منذ زمن بعيد، وأصبحت سلعة للاستهلاك المحلي والعالمي. وحركة هذا الثرثار الذي يحشو كلامه بالوطنية والتقدمية والاشتراكية إلى آخر ما في القاموس الصحفي من أموات.
أتخلص منه بصعوبة، وأمرق كالسهم نحو الشارع مجتازاً باب مدرستنا الثانوية العتيقة، لأنهب الطريق المليء بالحفر والبرك الصغيرة.
"ماذا سأفعل؟ آه
تذكرت الليلة.
ليلة رأس السنة: لولاك يا شمشون ما كنت لأعرف ماذا سأفعل؟
لقد بعثك القدر هدية ثمينة.
- هذه هي البطاقة
- لا تنس يا سامر سأنتظرك ها...
- حسناً يا شمشون، ولكن قل لي هل ستطفأ الأضواء عند الثانية عشرة و...
ابتسمت ابتسامة ماكرة لم تخف عليه، فاجأني بمثلها وقال:
- نعم وسنستمتع كثيراً.
- قلت اسمه النادي الآثوري؟
- نعم النادي الآثوري، إذا اردتني أعطهم اسمي وسيوصلونك إلي، فهم يعرفونني جيداً.
سأذهب إلى البيت لارتاح قليلاً، ما زالت نغمات من الهواء البارد المغمسة بدفء الشمس الشتائية تلفح وجهي، وعيناي تطاردان سيقان الفتيات بشهوة فاضحة استرها خلف نظارات شمسية ظننت إنها ستزيدني وسامة، لكنني أشعر هذه الأيام بفراغ يعتور نفسي، لا أعرف كيف أمضي وقتي الطويل هذا؟
- كيف تمضي وقتك يا سامر؟
سألني أحد أولئك الحزبيين المصلحيين بلهجة خبيثة، فأجبته بقلق:
- في الدراسة طبعاً.. لماذا؟
عرفت أنني كذبت ولكن لم أبال وخصوصاً مع وغد كهذا، وأفرجت عن ابتسامة مغتصبة توارت بعد حين خلف تلال من الضجر والكآبة.
- بالطبع أنا أعرف حرصك على الدراسة، لكنها ليست أهم شيء يجب على الإنسان أن يهتم بوطنه.
علمت أن اسطوانة الأحزاب الوطنية الزائفة قد عزفت، فلملمت شتات فكري لأرحل بعيداً في عالم الأحلام هناك حيث تنتظرني منى.
وتتهادى سيارة كبيرة في مشيتها الوئيدة، كأنها تحمل ثقل السنوات العشرين أو أكثر من عمرها.
وأصعد إلى تلك السيارة المرتجفة، وكأن برداً قد أصابها فأصيب مقعداً مهترئاً من مقاعدها الكثيرة، وسرعان ما التهمت هذه السيارة أفواجاً من الطلبة لا تتصورها، حتى كانت الأجساد والحقائب تتداخل بعضها مع بعض، وكأن السائق أراد أن يبرهن لهذه الجموع (المثقفة) عن علو كعبه في ميادين الفكر، (فأيقظ) المذياع من سبات أستطيع أن أحدد فترته بين ذهاب الطلاب وإياب..
(إن الخائن السادات قد باع قضية فلسطين وشعبها، بل باع وطنه وشعبه وأمته لمصلحة الإمبريالية الأمريكية والصهيونية وعملائها، إن شعبنا العربي هنا وفي كل مكان سيرد على هذه المؤامرة الدنيئة..).
ورأيت أصابع أحد الطلبة تمتد إلى شعر إحدى الفتيات ويغمزه، وترد عليه بضحكة (بريئة).
محضر التحقيق حول القصة
أفاد المتهم صلاح عبودي شمسه عمره 20 سنة، شغله طالب في كلية الهندسة / قسم الكهرباء، يسكن بغداد حي المعرفة (السيدية) رقم الدار 9/11 يفيد ما يلي:
بتاريخ 3/2/1980 بينما كنت أروم الذهاب إلى مدرسة البغدادي الدينية لغرض الوضوء، وفي أثناء دخولي المدرسة جوبهت بسؤال من أحد الأشخاص الموجودين في المدرسة:
(ابرز لي هويتك)!
فأجبته بأن هويتي في البيت، ثم سألني عن أسمي الكامل فأعطيته اسمي، وسألني عن عملي، فأجبته بأني طالب في إعدادية النجف في النجف، وفي تلك الأثناء كنت مرتبكاً، فكرر علي سؤال:
- تكلم ما هو عملك؟
فأجبته وقلت له بأني: طالب في كلية الهندسة في بغداد.
ثم صحبني إلى مديرية أمن النجف.
س1: عثر في حوزتك على رسالة، بين لنا ما هو فحوى هذه الرسالة؟ وما هو سبب كتابتك لهذه الرسالة؟ ولمن تروم إرسالها بين لنا ذلك مفصلاً؟
ج: إن هذه الرسالة تتضمن مقالاً لقصة حياتي قبل خمس سنوات، وإن سبب كتابتي لها هو محاولتي لكتابة القصة، حيث لي هواية بذلك، وإني محتفظ بها لنفسي في جيبي، لأني أريد أن أكملها بشكل قصة، وليس لي أي مغزى في إرسالها لأي شخص.
س2: في مضمون الرسالة سؤال موجه إليك من أحد الحزبيين المصلحيين حسب تعبيرك وبلهجة خبيثة، فكان جوابك له بقلق: في الدراسة طبعاً؟
بين لنا ماذا تقصد بكلمة الحزبيين المصلحيين، ولأي فئة سياسية ينتمي هذا الشخص الذي سألك هذا السؤال؟
ج: سألني هذا السؤال، هو الشخص الشيوعي سلام كامل أحد أصدقائي سابقاً، وأجبته بهذا الجواب لكي أتخلص منه، ولا أريد أن أتقابل معه؛ لأنه شخص شيوعي وأنا شخصياً انزعج من الشيوعيين.
س3: كما ويوجد في مضمون رسالتك عبارة (علمت أن أسطوانة الأحزاب الوطنية الزائفة).
بين لنا ما المقصود بهذه العبارة، وما هي الأحزاب الوطنية الزائفة؟
ج: إني أقصد بهذه العبارة الحزب الشيوعي لكونه يدعي الوطنية.
س4: هل لديك أقوال أخرى؟
ج: كلا وهذه إفادتي
توقيع توقيع
سيرة موجزة لكاتب القصة
ولد صلاح عبودي صالح في محافظة النجف عام 1960، دخل المدرسة الابتدائية عام 1967، وتتلمذ في مدرسة اليعربية في الكاظمية، وأكمل دراسته المتوسطة عام 1974 في متوسطة الإمام علي في النجف، تخرج بعدها في إعدادية الكاظمية للسنة الدراسية 79-80.
اشترك في تظاهرات مدينة (الثورة) أبان ذاك وهو في عمر التاسعة عشرة في حزيران 1979، وحكم عليه بالسجن المؤبد، إلا أنه شمل بقرار العفو حينها فخرج من السجن ليواصل دراسته في قسم الكهرباء كلية الهندسة جامعة بغداد.
في إحدى زياراته إلى مدينته النجف في شباط 1980 ألقي عليه القبض مرة أخرى وهو في طريقه للصلاة في مدرسة البغدادي الدينية، فشعر بالارتباك وأخبرهم بإطلاق سراحه لشموله بقرار العفو، إلا أن الأجهزة الأمنية فتشت جيوبه وعثرت على القصة القصيرة التي لم يكمل كتابتها بعد، ووصفها هو في التحقيق إنها محاولة لكتابة قصة قصيرة، وللقراء والنقاد أن يلمسوا تواضعها وركاكتها، إلا إن المحققين وجدوا أن القصة التي سموها (رسالة) تتضمن عبارات يشم منها رائحة حاقدة على (الحزب والثورة) حسب كتاب مديرية أمن النجف آنذاك.
وأنجز التحقيق وقدم صلاح عبودي إلى المحاكمة في محكمة الثورة، فحكم عليه عواد البندر بالإعدام شنقاً حتى الموت استناداً لماضيه وللتحقيق الذي جرى حول القصة، وصادق طاغية العصر صدام على قرار الإعدام، واعدم في 28/7/1983
على هامش محاكمة صدام
صدق أو لا تصدق!!
خمس كلمات أودت بإنسان في مقتبل العمر والكتابة
مقدمة
جملتان وردتا في محاولة قصصية متواضعة تظهر فيها أخطاء البدايات مثلما فيها جموح الشباب ورغبته في التحرر. محاولة كتبها صلاح عبودي وهو في الثالثة والعشرين من عمره أدت به الى حبل المشنقة. هنا قصة كاتب القصة كاملة..
ليست هذه الحكاية من الخيال، أو مستلة من روايات امريكا اللاتينية، إنها واقعة حقيقية من زمن الصنم صدام، ولو كتبها ماركيز، أو استورياس، أو كويتزي لتصورنا أنها من نسج خيالهم الخلاق، فلا يمكن لعاقل يمتلك جزءاً يسيراً من الضمير والإنسانية أن يتخيل أن خمس كلمات كافية لقتل إنسان في مقتبل العمر. لكن زمن طاغية العراق يعج بقصص وغرائب وفظاعات تفوق الخيال.
ولكن هل يصدق الكتاب أينما كانوا أن خمس كلمات يمكن أن تقود إلى الشنق؟!
ربما لا يصدق البعض أن أصابع عواد البندر الذي يظهر جالساً هذه الأيام إلى جنب طاغيته ملطخة بدماء آلاف الأبرياء من العراقيين.
ربما يشكك بعض العرب بشهادة أحمد الحيدري شاهد قضية الدجيل على الرغم من كونه شاهد عيان عاش مأساة الدجيل بالوقائع والأدلة وأسكت الملايين وهو يسرد وقائع من عالم مظلم، وعبر عما كان يجول في ضمائر ملايين العراقيين، واسمع القاصي والداني أن صدام والبندر وبرزان قتلة ليس لهم نظير.
لقد قال هذا الناجي للعالم إن صدام وبرزان وعواد البندر أبادوا عشرات الملايين ومئات الأنفس من أهالي الدجيل بسبب بضع إطلاقات سمعها حرس صدام الخاص عن بعد.
ربما يعاند البعض ويكابر، ولكن هل يمكن ان نتخيل أن المجرم عواد البندر يشنق شاباً بسبب خمس كلمات تحتمل التأويل وردت في خاطرة عرضها كاتبها على شكل قصة.
لقد حاول كاتب القصة أن يقنع المحقق أنه لم يقصد بالحزبيين المصلحيين أعضاء حزب البعث وإنما قصد أعضاء الحزب الشيوعي في محاولة منه لإنقاذ حياته، إلا أن المحقق وعواد البندر لم يكونا ليسمحا ولو بكلمة واحدة يشم منها رائحة المس بالحزب وصنمه، فأمر بشنق الكاتب حتى الموت، بذريعة أنه عميل.
إننا هنا لن نسرد ما جرى لهذا الشاب وإنما سنعرض محضر التحقيق، وبقية الوثائق ليطلع عليها كتاب القصة إينما كانوا، ليكونوا على إطلاع على وحشية الجالس إلى جنب صدام في المحاكمة، وليخصبوا أخيلتهم ويتصوروا إلى أي مدى بلغت بربرية وإجرام عصابة تسلطت على رقاب العراقيين عقوداً من الزمن وليعرفوا كيف كان النظام همجياً ووحشياً وقاتلاً بامتياز، فلم يكن يسمح ذلك النظام الدموي بخمس كلمات في ورقة مطوية في جيب شاب حالم بالحرية لم يسمح بخمس كلمات في قصة متواضعة وصل فيها كاتبها إلى موضع الدفاع عن فلسطين، والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، قصة نادت بسقوط الإمبريالية والصهيونية-
عواد البندر يحكم بالإعدام شنقاً حتى الموت على شاب كتب قصة قصيرة
لم يكن صلاح عبودي صالح كاتباً معروفاً، ولم يصدر كتاباً ضد نظام الطاغية، وإنما كان طالباً جامعياً في مراحله الأولى يهوى كتابة القصة القصيرة، فكتب محاولة قصصية لم تكتمل ووضعها في جيبه، حتى إنه لم يضع لها عنواناً. وعبر في ما كتبه عن إحباطاته من واقعه الذي عاشه، كتب عن رفضه أن يكون قطعة شطرنج تحركه الأيدي كما تشاء.
(المدى الثقافي) تنشر بالتزامن مع محاكمة الطاغية ورئيس محكمته عواد البندر (ملف) إعدام شاب عراقي بتهمة كتابة قصة قصيرة في صفحة ونصف كتبها طالب جامعي في كلية الهندسة يدعى (صلاح عبودي صالح شمسه).
وردت في محاولته القصصية خمس كلمات لم ترق للأجهزة الأمنية.. هذه الكلمات الخمس هي ما بني عليه التحقيق ودفعت برئيس محكمة الثورة المجرم (البندر) إلى إصدار حكم الإعدام شنقاً حتى الموت بحق كاتبها دون تردد.
ننشر في هذه الصفحة المخصصة لهذا الشاب الشهيد النص الكامل للقصة، ووقائع محضر التحقيق التي دارت حول ما ورد في القصة من آراء وكلمات. المحضر الذي فتح في 10/2/1980 بمديرية أمن بغداد.
وننشر كذلك قرار الإعدام الموقع من قبل عواد البندر والمصادق عليه من قبل صدام، ونرفق معه بقية أجزاء (ملف الإعدام) وفيها شهادة وفاته، ومحضر الإعدام وهي وثائق صريحة ودامغة لا تحتمل المهاترة والوقاحة التي يقوم بها أركان النظام المباد في المحاكمة المهزلة التي جرت قبل أيام.
القصة
بسم الله الرحمن الرحيم
أريد أن أحيا، لا أستطيع أن أبقى مدفوناً هنا في هذه الرقعة الشطرنجية حيث جميع القوى السياسية تلعب لعبتها، أريد أن أتحرر منهم، هؤلاء الذين يلاحقونني أينما أذهب يملؤون أذني بكلمات ماتت عندنا منذ زمن بعيد، وأصبحت سلعة للاستهلاك المحلي والعالمي. وحركة هذا الثرثار الذي يحشو كلامه بالوطنية والتقدمية والاشتراكية إلى آخر ما في القاموس الصحفي من أموات.
أتخلص منه بصعوبة، وأمرق كالسهم نحو الشارع مجتازاً باب مدرستنا الثانوية العتيقة، لأنهب الطريق المليء بالحفر والبرك الصغيرة.
"ماذا سأفعل؟ آه
تذكرت الليلة.
ليلة رأس السنة: لولاك يا شمشون ما كنت لأعرف ماذا سأفعل؟
لقد بعثك القدر هدية ثمينة.
- هذه هي البطاقة
- لا تنس يا سامر سأنتظرك ها...
- حسناً يا شمشون، ولكن قل لي هل ستطفأ الأضواء عند الثانية عشرة و...
ابتسمت ابتسامة ماكرة لم تخف عليه، فاجأني بمثلها وقال:
- نعم وسنستمتع كثيراً.
- قلت اسمه النادي الآثوري؟
- نعم النادي الآثوري، إذا اردتني أعطهم اسمي وسيوصلونك إلي، فهم يعرفونني جيداً.
سأذهب إلى البيت لارتاح قليلاً، ما زالت نغمات من الهواء البارد المغمسة بدفء الشمس الشتائية تلفح وجهي، وعيناي تطاردان سيقان الفتيات بشهوة فاضحة استرها خلف نظارات شمسية ظننت إنها ستزيدني وسامة، لكنني أشعر هذه الأيام بفراغ يعتور نفسي، لا أعرف كيف أمضي وقتي الطويل هذا؟
- كيف تمضي وقتك يا سامر؟
سألني أحد أولئك الحزبيين المصلحيين بلهجة خبيثة، فأجبته بقلق:
- في الدراسة طبعاً.. لماذا؟
عرفت أنني كذبت ولكن لم أبال وخصوصاً مع وغد كهذا، وأفرجت عن ابتسامة مغتصبة توارت بعد حين خلف تلال من الضجر والكآبة.
- بالطبع أنا أعرف حرصك على الدراسة، لكنها ليست أهم شيء يجب على الإنسان أن يهتم بوطنه.
علمت أن اسطوانة الأحزاب الوطنية الزائفة قد عزفت، فلملمت شتات فكري لأرحل بعيداً في عالم الأحلام هناك حيث تنتظرني منى.
وتتهادى سيارة كبيرة في مشيتها الوئيدة، كأنها تحمل ثقل السنوات العشرين أو أكثر من عمرها.
وأصعد إلى تلك السيارة المرتجفة، وكأن برداً قد أصابها فأصيب مقعداً مهترئاً من مقاعدها الكثيرة، وسرعان ما التهمت هذه السيارة أفواجاً من الطلبة لا تتصورها، حتى كانت الأجساد والحقائب تتداخل بعضها مع بعض، وكأن السائق أراد أن يبرهن لهذه الجموع (المثقفة) عن علو كعبه في ميادين الفكر، (فأيقظ) المذياع من سبات أستطيع أن أحدد فترته بين ذهاب الطلاب وإياب..
(إن الخائن السادات قد باع قضية فلسطين وشعبها، بل باع وطنه وشعبه وأمته لمصلحة الإمبريالية الأمريكية والصهيونية وعملائها، إن شعبنا العربي هنا وفي كل مكان سيرد على هذه المؤامرة الدنيئة..).
ورأيت أصابع أحد الطلبة تمتد إلى شعر إحدى الفتيات ويغمزه، وترد عليه بضحكة (بريئة).
محضر التحقيق حول القصة
أفاد المتهم صلاح عبودي شمسه عمره 20 سنة، شغله طالب في كلية الهندسة / قسم الكهرباء، يسكن بغداد حي المعرفة (السيدية) رقم الدار 9/11 يفيد ما يلي:
بتاريخ 3/2/1980 بينما كنت أروم الذهاب إلى مدرسة البغدادي الدينية لغرض الوضوء، وفي أثناء دخولي المدرسة جوبهت بسؤال من أحد الأشخاص الموجودين في المدرسة:
(ابرز لي هويتك)!
فأجبته بأن هويتي في البيت، ثم سألني عن أسمي الكامل فأعطيته اسمي، وسألني عن عملي، فأجبته بأني طالب في إعدادية النجف في النجف، وفي تلك الأثناء كنت مرتبكاً، فكرر علي سؤال:
- تكلم ما هو عملك؟
فأجبته وقلت له بأني: طالب في كلية الهندسة في بغداد.
ثم صحبني إلى مديرية أمن النجف.
س1: عثر في حوزتك على رسالة، بين لنا ما هو فحوى هذه الرسالة؟ وما هو سبب كتابتك لهذه الرسالة؟ ولمن تروم إرسالها بين لنا ذلك مفصلاً؟
ج: إن هذه الرسالة تتضمن مقالاً لقصة حياتي قبل خمس سنوات، وإن سبب كتابتي لها هو محاولتي لكتابة القصة، حيث لي هواية بذلك، وإني محتفظ بها لنفسي في جيبي، لأني أريد أن أكملها بشكل قصة، وليس لي أي مغزى في إرسالها لأي شخص.
س2: في مضمون الرسالة سؤال موجه إليك من أحد الحزبيين المصلحيين حسب تعبيرك وبلهجة خبيثة، فكان جوابك له بقلق: في الدراسة طبعاً؟
بين لنا ماذا تقصد بكلمة الحزبيين المصلحيين، ولأي فئة سياسية ينتمي هذا الشخص الذي سألك هذا السؤال؟
ج: سألني هذا السؤال، هو الشخص الشيوعي سلام كامل أحد أصدقائي سابقاً، وأجبته بهذا الجواب لكي أتخلص منه، ولا أريد أن أتقابل معه؛ لأنه شخص شيوعي وأنا شخصياً انزعج من الشيوعيين.
س3: كما ويوجد في مضمون رسالتك عبارة (علمت أن أسطوانة الأحزاب الوطنية الزائفة).
بين لنا ما المقصود بهذه العبارة، وما هي الأحزاب الوطنية الزائفة؟
ج: إني أقصد بهذه العبارة الحزب الشيوعي لكونه يدعي الوطنية.
س4: هل لديك أقوال أخرى؟
ج: كلا وهذه إفادتي
توقيع توقيع
سيرة موجزة لكاتب القصة
ولد صلاح عبودي صالح في محافظة النجف عام 1960، دخل المدرسة الابتدائية عام 1967، وتتلمذ في مدرسة اليعربية في الكاظمية، وأكمل دراسته المتوسطة عام 1974 في متوسطة الإمام علي في النجف، تخرج بعدها في إعدادية الكاظمية للسنة الدراسية 79-80.
اشترك في تظاهرات مدينة (الثورة) أبان ذاك وهو في عمر التاسعة عشرة في حزيران 1979، وحكم عليه بالسجن المؤبد، إلا أنه شمل بقرار العفو حينها فخرج من السجن ليواصل دراسته في قسم الكهرباء كلية الهندسة جامعة بغداد.
في إحدى زياراته إلى مدينته النجف في شباط 1980 ألقي عليه القبض مرة أخرى وهو في طريقه للصلاة في مدرسة البغدادي الدينية، فشعر بالارتباك وأخبرهم بإطلاق سراحه لشموله بقرار العفو، إلا أن الأجهزة الأمنية فتشت جيوبه وعثرت على القصة القصيرة التي لم يكمل كتابتها بعد، ووصفها هو في التحقيق إنها محاولة لكتابة قصة قصيرة، وللقراء والنقاد أن يلمسوا تواضعها وركاكتها، إلا إن المحققين وجدوا أن القصة التي سموها (رسالة) تتضمن عبارات يشم منها رائحة حاقدة على (الحزب والثورة) حسب كتاب مديرية أمن النجف آنذاك.
وأنجز التحقيق وقدم صلاح عبودي إلى المحاكمة في محكمة الثورة، فحكم عليه عواد البندر بالإعدام شنقاً حتى الموت استناداً لماضيه وللتحقيق الذي جرى حول القصة، وصادق طاغية العصر صدام على قرار الإعدام، واعدم في 28/7/1983